أعضاء "الخوذ البيضاء".. ناشطون مناهضون للحرب أم عملاء؟

سوريا

أعضاء "الخوذ البيضاء".. ناشطون مناهضون للحرب أم عملاء؟


07/11/2018

يقول الصحفي جاريد مالسن في مقال له في مجلة "تايم" الأمريكية: "لم تلق أي منظمة إنسانية عاملة على الأرض السورية في فترة الحرب الأهلية الدائرة هناك تشويهاً للسمعة، أو تحريفاً لدورها الإغاثي كالذي لقيته منظمة "الدفاع المدني السوري" أو ما يعرف بالخوذ البيضاء، وذلك عبر اتهامات مستمرة أطلقها النظام السوري وحليفه الجيش الروسي. وأغلب تلك الاتهامات يدور في فلك التخوين وتزوير الأخبار والعمالة للاستخبارات الدولية".

اقرأ أيضاً: سوريا إذ تتحول إلى ساحات مفتوحة لحروب بالوكالة

سبب هذا الحنق الرسمي الكبير في دمشق وموسكو من نشاطات هذه المنظمة، قد يكون مرده وصول أفراد الخوذ البيضاء سريعاً إلى أماكن سقوط البراميل المتفجرة، أو القذائف غير التقليدية، والتي كانت تهوي على رؤوس المواطنين في القرى والمدن السورية المستهدفة من الطيران الروسي وطيران النظام. ومن ثم الحصول على شهادات ميدانية مباشرة من أفواه المصابين، أو من أقارب الضحايا. ولذلك كان سعي السلطات السورية حثيثاً للظفر بأفراد منظمة الدفاع المدني السوري، لاعتقالهم وإلحاق الضرر بهم وبعائلاتهم.

رائد الصالح: للخوذ البيضاء ما يقرب من 3000 عنصر، يعملون حتى الآن بالإغاثة في عموم المدن والقرى السورية

ويعود تأسيس منظمة "الدفاع المدني السوري" أو ما اصطلح على تسميتها إعلامياً بـ "الخوذ البيضاء" إلى عام 2013، بمبادرة من شاب سوري يدعى "رائد الصالح" كان يعمل مندوب مبيعات لأجهزة إلكترونية قبل الثورة. ولكن اندلاع الحرب في بلاده انخرط في الفعاليات الشعبية للثورة السورية. ومن ثم وبالتعاون مع تنسيقيات الثورة قام وبمساعدة الكثير من العاملين بالغوث والإسعاف الميداني، بإنشاء منظمة إغاثية تعمل على نجدة المصابين جرّاء سقوط القذائف وإسعاف الجرحى منهم وإزالة الأنقاض لإخراج القتلى ليتم دفنهم.

ويقول موقع "منظمة الدفاع المدني السوري" الإلكتروني عن أسباب تأسيس تشكيلهم الإغاثي "عندما تحولت الثورة السلمية في سوريا إلى صراع، تحررت بعض المناطق في البلاد من سيطرة النظام السوري، فكانت ردة فعل النظام على هذا التحرير هي بمهاجمة هذه المناطق من الجو وقطع طرق المساعدة وفي بعض الأحيان محاصرتها. وفي أواخر العام 2012 ومطلع العام 2013 ومع تصعيد النظام وتزايد استخدامه للقصف الجوي، أسّست مجموعات شعبية نظمت نفسها بنفسها مراكز تطوعية بسرعة، وظهرت أول المراكز الإغاثية في مدينة حلب ودوما والباب. وبعد تشكيل مراكز فردية تجمعت هذه المجموعات ذاتية التشكيل على مستوى المحافظة، وبدأت في التواصل مع بعضها بعضاً. وكانت جميعاً تقوم بنفس العمل ألا وهو إنقاذ الحياة ومساعدة المجتمعات المحلية. وكان من الأشياء الأساسية التي عملنا على تأمينها لأفرادنا؛ التدريب المناسب والحصول على المعدات اللازمة لإنقاذ حياة أكبر عدد من الناس."

يتهم النظام السوري منظمة الخوذ البيضاء بالعمالة ودعم الإرهابيين

اتهامات بالعمالة

يكيل النظام السوري وحليفه الروسي لمنظمة الخوذ البيضاء كل أنواع الاتهامات بالعمالة ودعم الإرهابيين و"فبركة" الأخبار وإعداد التقارير الميدانية الكاذبة من الداخل السوري. وقد ذكرت قناة "الميادين" اللبنانية الموالية لحزب الله والنظام في دمشق في تقرير لها إنّ منظمة "الدفاع المدني السوري" هي منظمة أسسها ضابط الاستخبارات البريطانية "جيمس لي موزريه" وإنّ فصل هربهم من سوريا إلى دول غربية جاء ممهوراً بتوقيع الجيش الإسرائيلي، الذي فتح لهم حدود الجولان ومنها عبروا للأردن. ومن ثم أكملوا طريقهم إلى كندا وبريطانيا وألمانيا التي أزالت قيود الهجرة لكي يصل إليهم 800 عضو من هذه المنظمة المشبوهة، على حد قول "الميادين".

اقرأ أيضاً: بأيّ معنى جاءت مساعدة السعودية لإعادة الاستقرار في شمال شرق سوريا؟

وتضيف "الميادين" بهذا الصدد أنّ ترشيح أعضاء الخوذ البيضاء لنيل جائزة نوبل للسلام، يميط اللثام عن "ارتباطات سرية غامضة لهذه المنظمة بدوائر استعمارية غربية"

 

 

في مواجهة هذه الاتهامات، لم ينكر مدير منظمة الخوذ البيضاء السورية، رائد الصالح، في لقاء تلفزيوني مع قناة فرانس 24 الفرنسية، حصول منظمته على تمويل من دول أوروبية وأمريكية ومن اليابان. ولكن ذلك كان جزءاً من ميزانية هذه المنظمة حسب قول الصالح، وأنّ معظم إيراداتها يتم من تبرعات شعبية من سوريين في الداخل السوري وفي بلاد المهجر.

يكيل النظام السوري وحليفه الروسي لمنظمة الخوذ البيضاء كل أنواع الاتهامات بالعمالة ودعم الإرهابيين و"فبركة" الأخبار

وفي معرض إجابته عن سؤال لمحاوره عن الاتهامات الروسية لهم بالعمالة للغرب وتلفيق الأخبار، قال الصالح "إن روسيا تتهرب من إدانة حليفها السوري، والذي استخدم، حسب شهادات منظمات دولية، غاز السارين لقتل المدنيين في منطقتي خان شيخون ودوما السوريتين." وأضاف الصالح: "من الطبيعي أن تتهمنا روسيا باتهامات عديدة، لأننا المستجيبون الاوائل عند حدوث هجوم بالبراميل المتفجرة، أو بقذائف الطائرات التي تسقط على مدن سوريا وقراها". وأردف "تشويه سمعتنا سببه أننا كشفنا جرائم وقعت فعلاً على مدنيين، وبسبب أننا قدمنا أدلة ميدانية عن المجازر والمذابح التي قام بها النظام السوري وحلفاؤه ضد الشعب السوري."

ويوضح الصالح أنّ النظام السوري أقفل أمامهم الحدود في درعا مع الأردن، مما دفعهم لمنطقة القنيطرة المحاذية للجولان المحتلة من إسرائيل. ويضيف أنّ الخيار أمامهم كان إما الموت على يد القوات السورية أو الخروج عبر الجولان للأردن. وينفي الصالح أنهم تواصلوا مع الجانب الإسرائيلي مباشرة. ولكن، حسب قوله، عبر الاتصال بالدول الداعمة لمنظمته في الغرب، والذين بدورهم قاموا بالطلب من إسرائيل، بتسهيل مرورهم من منطقة الجولان إلى الأردن، ومن بعدها سفرهم إلى كندا وألمانيا وبريطانيا، لإعادة توطينهم.

اقرأ أيضاً: "أخوّة السلاح...مذكرات الثورة السورية": سردٌ عميق يثير الأوساط الأمريكية

هل انتهى دورهم الإغاثي في سوريا بعد خروج هذه المجموعة منهم؟ يقول الصالح إنّ للدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" ما يقرب من 3000 عنصر، يعملون حتى الآن بالإغاثة والإسعاف في عموم المدن والقرى السورية التي ما زالت تتعرض للقصف. وشدّد على أنهم لن يتوقفوا عن مساعدة المدنيين من الشعب السوري ودعم صمودهم، رغم كل التضييق من النظام الرسمي والخسائر البشرية التي وقعت في صفوفهم.

 

 

قد تكون هناك أهداف غير معلنة للدعم الغربي الكبير لمنظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، ومنها على سبيل التكهن؛ الحصول على معلومات ميدانية دقيقة من أفراد هذا التنظيم من أرض المعركة السورية المستعرة، أو حيازة أدلة من خلالهم عن انتهاكات حقوق إنسان وعن ارتكاب فظائع ضد المدنيين تدين لاحقاً النظام السوري وروسيا وحلفائهما. وقد تستخدم هذه الشواهد والشهادات الموثقة من هذا التنظيم، كورقة ضغط للحصول على مكاسب من نظام الاسد وحلفائه، ومن ثم التهديد بإجراء محاكم حرب دولية له ولجنرالاته الذين شاركوا في إبادة وتعذيب وتشريد المدنيين السوريين.

الصالح يؤكد أنهم لن يتوقفوا عن مساعدة المدنيين ودعم صمودهم

هذه الافتراضات التي تروج في وسائل الإعلام، لا تحجب الدور الإغاثي والإنساني المهم للمشاركين في منظمة الخوذ البيضاء؛ من غوثٍ للملهوف وإسعافٍ للجرحى ورفعٍ للانقاض لإخراج الجثث تمهيداً لدفنها. وفي ضوء ذلك ساهمت المنظمة بقدر ما، في مؤازرة ومعاونة قطاعات من الشعب السوري الذي اندلعت شرارة ثورته في الخامس عشر من آذار (مارس)  من العام 2011، مطالبةً بالكرامة والعدالة والإصلاح السياسي، ومحاربة الفساد، وتحسين مستوى المعيشة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية