أردوغان ينهب ماضي سوريا ويعبث بحاضر ليبيا ومستقبلها

أردوغان ينهب ماضي سوريا ويعبث بحاضر ليبيا ومستقبلها


28/06/2020

تُعتبر الآثار والمواقع الأثرية من أبرز ضحايا الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من 9 أعوام، حيث تعرّض الكثير من المتاحف للنهب والسرقة ووجدت الآثار طريقها إلى خارج البلاد.

اقرأ أيضاً: ماذا يريد أردوغان من لبنان؟

وقامت تركيا بعملية سرقة ممنهجة للآثار في مناطق سورية كثيرة، كما عمدت الميليشيات الموالية لها إلى البحث عن الدفائن عن طريق تدمير مواقع أثرية تعود لحضارات قديمة بنيت قبل آلاف الأعوام، وقد أصبحت تركيا الممرّ الآمن لتهريب تلك الآثار والمخطوطات التاريخية، حتى تحوّلت خلال الأعوام الأخيرة إلى سوق تصريف للذهب والآثار السورية التي عثر عليها ضمن مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية المتطرفة الموالية لأنقرة.

 

وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ عناصر فصيل "أحرار الشرقية" الموالي لتركيا في قرية كورا التابعة لناحية راجو بريف عفرين شمال غرب حلب، ما زالوا يقومون بعمليات حفر وتجريف للتربة في التلة الكائنة شرق القرية، مُستخدمين معدات حديثة خلال عمليات الحفر بحثاً عن الآثار واللقى، بالإضافة إلى قطع عشرات الأشجار المثمرة خلال عمليات الحفر المتواصلة من قِبل عناصر الفصيل.

 

قامت تركيا بعملية سرقة ممنهجة للآثار في مناطق كثيرة في سوريا، وأصبحت الممر الآمن لتهريب تلك الآثار 

وتواصل الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا انتهاكاتها الهادفة إلى  تعزيز خطوات التغيير الديموغرافي ومحو تاريخ وحضارة المناطق التي تحتلها في سوريا، وذلك عبر عمليات التنقيب العشوائية عن الآثار وسرقتها، خصوصاً في ريف مدينة عفرين شمال غرب حلب، حيث يواصل مسلحون من فصيل السلطان سليمان شاه "العمشات" عمليات الحفر بهدف التنقيب عن الآثار في تل أرندة الأثري الواقع في ناحية الشيخ حديد في ريف عفرين الغربي، وهو ما أدّى إلى تضرّر التل بشكل كبير نتيجة عمليات البحث العشوائية المتواصلة.

اقرأ أيضاً: المسماري: أردوغان يتحدى المجتمع الدولي... ماذا فعل؟

وفي سياق مُتصل، قام فصيل "سليمان شاه" المذكور بإجبار سكّان قرية ياخور (كاخرة)، التابعة لناحية معبطلي في ريف عفرين، على الخروج من منازلهم ليتمّ وضعهم ضمن مخيمات عشوائية واقعة عند الأطراف الشمالية للقرية. 

 

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنّ مسلحي "العمشات" استقدموا عناصر من عدة كتائب تابعة للفصيل واتخذوا منازل المدنيين مقرّات لهم.

وكانت جرّافات تابعة للفصائل الموالية لتركيا قد قامت مؤخراً بحفر التلة الأثرية الواقعة في قرية "عرابو عرب أوشاغي" التابعة لناحية معبطلي في ريف مدينة عفرين، كما قامت، العام الماضي، آليات تركية بحفر تلة جنديرس والبحث عن آثار من خلال التنقيب عنها عبر فرق متخصصة في البحث عن الآثار.

 

مدير الآثار والمتاحف السوري: هناك ما لا يقل عن مليون قطعة أثرية تمّ تهريبها خارج القُطر عبر الحدود، خاصة التركية

وأكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري أنّ قيادياً في "فيلق الشام"، المقرّب من السلطات التركية، يقوم بتنفيذ عمليات تنقيب عن الآثار في منطقتي ميدانكي والنبي هوري، حيث تجري عمليات نهب الآثار التي يتم العثور عليها أثناء عملية البحث، وسط تعامٍ تركي مقصود لإطلاق يد الفصائل لتغيير تاريخ المنطقة بعد أن جرى تحويل حاضرها ومستقبلها.

وبات سكّان منطقة عفرين، الذين يبلغ تعدادهم مئات الآلاف، نازحين في مخيمات شمال حلب، فيما منازلهم تُنهب وتُسلب ويُستولى عليها من قبل فصائل قوات عملية "غصن الزيتون"، التي سيطرت على عفرين في آذار (مارس) عام 2018.

اقرأ أيضاً: الغرياني يحرض مرة أخرى على القتل.. ما أبرز الردود على مفتي أردوغان والوفاق؟

وتعرّضت آثار عمرها قرون ومواقع تراثية في عفرين لأضرار بالغة جرّاء المعارك التي دارت خلال عملية "غصن الزيتون" التركية؛ فقد تناثر، على سبيل المثال، درج المسرح الروماني، الذي بُني في القرن الثاني قبل الميلاد، بعد خلعه من مكانه أثناء المعارك.

كما تعرّضت قلعة النبي هوري، أحد المعالم الأثرية الرومانية في المنطقة، للدمار جرّاء القصف الشرس، فيما ألحق قصف تركي لمنطقة عفرين أضراراً بمعبد عين دارة الأثري، الذي يعود إلى الحقبة الآرامية، وعمره حوالي 3000 عام.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، طال القصف التركي، خلال عملية "نبع السلام" العسكرية، مواقع وتلالاً أثرية في شمال شرق سوريا، يعود تاريخها إلى آلاف السنين، ولا سيّما في منطقتي القامشلي وتل أبيض.

 

اليونسكو: المواقع الأثرية في سوريا تُنهب على نطاق مذهل وعوائد بيع الآثار تُموِّل ميليشيات متطرفة موالية لتركيا

ولم تُعرف حتى الآن الخسائر الحقيقية التي لحقت بالآثار السورية، بسبب عدم المقدرة على معاينة الكثير من المواقع وتحديد الأضرار التي لحقت بها، إلا أنّ المؤكد هو تعرّض الآثار السورية لمذبحة كبرى لا يمكن حصر آثارها.

بدورها، ناشدت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية المنظمات الدولية للتدخل من أجل حماية التراث الثقافي السوري ووضع حدّ "للعدوان الجائر من قبل تركيا على المواقع الأثرية بريف حلب".

وقال مدير الآثار والمتاحف في سوريا، محمود حمود، في تصريح لوكالة سبوتنيك نهاية العام الماضي؛ "تعرّضت الآثار السورية إلى كارثة كبيرة، نتيجة اعتداءات المجموعات الإرهابية المختلفة، وفي سوريا ما لا يقل عن 10 آلاف موقع أثري تعرّض الكثير منها للدمار والنهب والتنقيبات غير الشرعية. والتلال الأثرية المنتشرة في كل بقاع سوريا هي عبارة عن حضارات متعاقبة فوق بعضها بعضاً، وقد كانت عرضة للتنقيبات غير القانونية التي دمّرت الحضارات السورية ونهبت محتوياتها وكنوزها".

 

ويضيف حمود؛ "هناك ما لا يقل عن مليون قطعة أثرية تمّ تهريبها خارج القُطر عبر الحدود، خاصة التركية، وهناك أبنية تاريخية تعرّضت لدمار كبير، كما في حلب القديمة والأسواق والمدينة القديمة في دير الزور، وفي كثير من المواقع الأخرى".

وأشار مدير الآثار والمتاحف إلى أنّ تركيا لعبت دوراً كبيراً في التخريب الذي تعرّضت له المواقع الأثرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وأنّ الدمار أصاب أيضاً المواقع الأثرية التي قصفها الجيش التركي قبل احتلالها.

ويتابع؛ "كان هناك تنقيبات مخيفة تتمّ على يد المجموعات الإرهابية التي تعمل تحت راية الاحتلال التركي للمنطقة، وكان هناك استباحة لهذه المواقع الأثرية، مثل موقع جنديروس الذي نقبت فيه بعثة سورية ألمانية حتى عام 2010".

اقرأ أيضاً: المَقَامَة السنّجارية الجديدة.. يكتبها أردوغان

ويؤكد الحمود أنّ مدناً أثرية بكاملها تعرّضت للتخريب؛ "هناك مدن مهمة جداً تعرّضت للاستباحة، وفيها منشآت ومسارح تشبه (تدمر) على شكل مصغّر، كبصرى الشام التي تعرّضت لتنقيبات مخيفة أودت بالكثير من المعالم الأثرية فيها".

 

مرتزقة أردوغان يستولون على منازل الليبيين والمحال التجارية وينهبون كل ما فيها لبيعه  لحسابهم الشخصي

ويشير الحمود إلى أنّ آثار مدينة "تدمر" تعرّضت للدمار؛ "مثل معبد بل ومعبد بعل شمين وقوس النصر والمداخل البرجية، جميعها تعرضت للنهب والدمار، كما نُهب متحف معرّة النعمان الذي يضمّ أرشيف مدينة إيبلا التي تعود للألف الثالثة قبل الميلاد، وسرق منها نحو 16 ألف رقيم كُتب باللغة المسمارية، بالإضافة إلى سرقة آلاف اللقى الأثرية".

ويواصل مدير المؤسسة السورية المعنية بالآثار؛ "سُرق من متحف الرقة ما لا يقل عن 6 آلاف قطعة أثرية، غير ما كان موجوداً في المستودعات"، ويذكر أيضاً أنّ هناك مدناً منسية شمال غرب سوريا الواقعة بين حلب وإدلب، حيث تعرّضت أكثر من 700 مدينة منها إلى الدمار والتخريب والهدم، وهو شيء يندى له الجبين، وكارثة حقيقية أصابت التراث العالمي.

وعن وجهة الآثار المسروقة، يقول حمود؛ "أغلبها تذهب عبر تركيا إلى العالم، ولدينا معلومات أنّ تركيا لديها ما لا يقل عن 25 ألف قطعة صادرتها السلطات التركية، أمّا الذي لم يصادر ووصل إلى أوروبا والأسواق السوداء فهو مئات الآلاف، ويصل إلى نحو مليون قطعة أثرية".

وقالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو؛ "إنّ المواقع الأثرية في سورية تُنهب على نطاق مذهل، وإنّ عوائد بيع هذه الآثار المنهوبة تموّل ميليشيات متطرفة موالية لتركيا، كما موّلت سابقاً تنظيم داعش الإرهابي"، وفق ما أوردت وكالة "رويترز".

وتسبّبت الحرب الأهلية التي تفجرت في سوريا عام 2011 في إلحاق ضرر جسيم بكثير من الآثار التاريخية، بينها دمار واسع بمواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تدمر وحلب القديمة.

نهب موارد ليبيا

لم تتوقف جرائم الأتراك والموالين لهم عند الحدود السورية، حيث شهدت ليبيا حوادث مماثلة، لكن الأمر مختلف، فالنهب لم يتعلق بالتاريخ والآثار كما في سوريا، بل تعلق بالعبث بحاضر الليبيين؛ إذ ارتكب مرتزقة أردوغان الكثير من عمليات النهب والسرقة بحق اللّيبيين، مستندين على السلطة التي منحتهم إياها حكومة الوفاق.

اقرأ أيضاً: أزمة الليرة التركية: كيف انعكست "مغامرات" أردوغان على اقتصاد أنقرة؟

وعمد مرتزقة أردوغان إلى الاستيلاء على منازل مواطنين ونهب كل ما فيها وبيعه لحسابهم الشخصي، هذا إلى جانب المحال التجارية التي نهبت عن بكرة أبيها برعاية المرتزقة السوريين والأتراك، وبالتعاون مع عناصر من ميليشيات ليبية مسلحة موالية لحكومة الوفاق. 

كما أقدمت مجموعات مسلّحة من ميليشيات حكومة فايز السراج ومرتزقة أردوغان على حرق أشجار النخيل والزيتون والسرو، فضلاً عن قتل الحيوانات في مدينة ترهونة، الواقعة جنوبي العاصمة طرابلس.

اقرأ أيضاً: الشعب الليبي إذ يسدّد فواتير خسارة أردوغان في سوريا

وقال مصدر عسكري ليبي، نقلت عنه صحيفة "بوابة أفريقيا"، إنّ مجموعة من الميليشيات أقدمت على حرق منازل سكّان ترهونة ومزارعهم انتقاماً منهم، على اعتبار أن المدينة كانت حاضنة شعبية للجيش الليبي.

وأوضح المصدر أنه بعيداً عن الاعتداءات على المنازل وسرقة محتوياتها وحرقها وتدميرها، فإنّ الميليشيات لجأت إلى مجموعة من عمليات التصفية الميدانية والخطف على الهوية.

وكانت مقاطع فيديو وصور قد وثقت ما تقوم به عناصر الميليشيات والمرتزقة الموالية لحكومة السراج من جرائم في المدينة.

من جهتها، أقرّت منظمة الأمم المتحدة بعدد من هذه الوقائع، قائلة إنّ عدداً من التقارير أشارت إلى وقوع ما وصفتها بـ "أعمال عقاب وانتقام" في كل من الأصابعة وترهونة، ونبّهت إلى تبعات ما يحصل على النسيج الشعبي في البلاد.

وبالاستناد إلى الأفعال الإجرامية التي يرتكبها مرتزقة أردوغان والميليشيات الإرهابية التابعة لأنقرة، فإنّ تركيا لا تكترث للتاريخ السوري ولا للحاضر الليبي، وإنّ الشيء الأهم لديها هو تحقيق مكتسبات، حتى لو كانت على حساب تاريخ حافل أو حضارات قديمة جداً كما في سوريا، أو حتى على حساب مواطنين بسطاء كما في ليبيا، طُردوا من منازلهم على يد مرتزقة أردوغان حتى لا يتعرّضوا لانتهاكات إنسانية وجرائم هم وأبناؤهم وبناتهم وشيوخهم. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية