
أوس أبوعطا
من المهم بمكان ملاحظة تدرّج الحرب ضد إيران، من اقتلاع أذرعها العابرة للحدود والمتمركزة في المنطقة العربية، إلى كسر رمحها الباليستي وتعطيل سيفها النووي.
هذه التحولات التي شهدتها المنطقة تثير عدة أسئلة جوهرية، أطرح منها على سبيل المثال لا الحصر: هل إيران اليوم ونفوذها هما ذاتُهما قبل مغامرة السابع من أكتوبر؟ وهل استفادت إيران من استثماراتها المذهبية ومشاريعها التخريبية في المنطقة، التي ارتدت عليها وبالا وأتت بنتائج عكسية، وكان حصادها مرّا؟ وهل القيادة الإيرانية قادرة على استيعاب المتغيرات التي رسمتها الطائرات الحربية الإسرائيلية والأميركية داخل أراضيها، وعموم منطقة الشرق الأوسط، والتكيّف معها بصيغتها الحالية كدولة منكفئة على ذاتها، تهتم بالمتطلبات الأساسية والخدمية لشعبها المنهك من العقوبات؟ وهل يستطيع نظام الملالي أن يحيا من دون ميليشيات خارجية، ومن دون صواريخ بالستية، ومن دون برنامج نووي غير سلمي؟ أستبعد ذلك.
إيران دولة ذات تاريخ وحضارة، وتمتلك من النفط والغاز ما يكفي ليعيش شعبها برفاهية قد تضاهي حياة أهل الخليج العربي، الذين يضعون التنمية وراحة شعوبهم في صدارة أولوياتهم.
لقد هشّم الهجوم الإسرائيلي على إيران صورة النظام المتشدد أمام شعبه وشعوب المنطقة. ولعل بعض الشعبويين العرب، ممن افتتنوا بالتصريحات الإيرانية وأسماء التشكيلات العسكرية مثل “فيلق القدس” و”وحدة فلسطين”، كانوا في حاجة إلى هذا الدليل بعد انكشاف زيف النهج الإيراني وانعدام معالمه. اليوم، يدفع الكثير منهم ثمن سيرهم الأعمى خلف المرشد الإيراني وأزلامه في طهران. ولا يتوقف الأمر عند الميليشيات المذهبية في لبنان والعراق واليمن، بل يتعداه إلى العديد من الفصائل الفلسطينية، سواء الإسلامية كحماس والجهاد، أو اليسارية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفلسطين حرّة، وفتح – الانشقاق، والقيادة العامة، التي تتلقى رواتب منتظمة لعناصرها من الخزينة الإيرانية.
النظرة الإيرانية للقضية الفلسطينية هي نظرة استثمارية وانتهازية. فهي دعّمت وموّلت ميليشياتها التي تحركها بعصا المرشد من طهران، لتضغط على إسرائيل وتحسّن موقفها التفاوضي، دون أن تأخذ في الحسبان ردود الفعل الإسرائيلية التي قد تكون ساحقة، كما حدث في فلسطين ولبنان واليمن. إيران تستثمر في المعاناة الفلسطينية لصالحها، وتستغل حاجة الفلسطينيين إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وإيران تخلّى عن أيّ حديث يربط بين الحرب ومحرقة غزة. وأنا مؤمن تماما بأن إيران لن تتطرق إلى فلسطين لا اليوم ولا غدا، ولن تُدرجها في أيّ اتفاق مقبل مع القوى العالمية. ولعل هذا الإيمان لم يأتِ من فراغ؛ فمن يقرأ الاتفاق النووي الإيراني السابق الموقّع عام 2015، سيتأكد من صحة هذا الكلام، إذ لم يتضمن أيّ بند يتعلق بفلسطين.
ومن يقرأ تاريخ القضية الفلسطينية بتمعّن، سيصل إلى نتيجة مفادها أن كل دولة أو فصيل لا يؤمن بحل الدولتين، قد أضرّ بالقضية الفلسطينية أكثر مما خدمها، ولم يقدم لها فائدة تُذكر.
هذه فرصة التيار الإصلاحي في طهران ليتصدر المشهد، ويعمل على إضعاف دور القائد للمرشد وأتباعه. وهي كذلك فرصة للسلطة الوطنية الفلسطينية، بعد إنهاك حماس، لفرض الوحدة الوطنية بشكل حاسم. وينطبق هذا الأمر على لبنان واليمن والعراق، فهذه الدول لن يُسمح لها مستقبلا، أو بالأحرى لن تسمح لها الولايات المتحدة، بأن تتماهى مع أيّ دور ميليشياوي عابر للدولة الوطنية.
فبعد الضربة الكبيرة التي كادت تودي بنظام الملالي وعمائمه، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن المرشد مدين له بحياته، يتضح أن الأخير، الذي عمل منذ الإطاحة بالشاه على تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لحرب تُزيل إسرائيل من الخارطة، لم يحقق شيئا من ذلك. بل ما حدث هو العكس تماما. ولو دخلنا إلى قلب وعقل المرشد علي خامنئي، لوجدنا أن أمنيته الكبرى اليوم هي أن هذه الحرب لم تقع أصلا، ليواصل التقليل من قدرات عدوه الذي يصفه بأنه “أوهن من بيت العنكبوت،” ويواصل تضخيم قدرات حرسه الثوري الذي “سيلقي إسرائيل في البحر.”
العرب