
شهدت دور النشر المصرية انتشارًا واسعًا لمؤلفات كتبها قياديون وأعضاء سابقون في جماعة الإخوان المسلمين، أمضوا سنوات طويلة داخل التنظيم قبل أن ينشقوا عنه.
هذه الكتب، التي تختلف قيمتها بحسب المستوى التنظيمي للكاتب، تُعدّ بمثابة "كشف للمستور"، وتلقي الضوء على خبايا التنظيم وأسراره، وعقليته، وكيفية إدارته لأمواله، وتنفيذه للأعمال الإرهابية، وطرق تواصله مع الجهات الخارجية.
ووفق دراسة أجراها منتدى (مينا) يُشير الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، هشام النجار، إلى أنّ هذه الكتب تشرح بوضوح "ما يدور داخل التنظيمات المغلقة من ممارسات لا تخطر على بال أحد، وتكشف حجم الفساد والانتهازية داخلها"، مؤكدًا أنّ القيادات الإخوانية لطالما رفعت شعارات دينية لتغطية أطماعها في المال والسلطة
وتناول عدد من المؤلفات محورًا شديد الأهمية يتعلق بـ "الانحرافات العقدية والضلالات الفكرية التي يقوم عليها منهج جماعة الإخوان". ويوضح النجار أنّ قادة الجماعة "باعوا دين الله بثمن بخس، وحرّفوا معاني الآيات، وسخّروا النصوص الشرعية لخدمة مصالحهم السياسية والمالية، بحثًا عن نفوذ وشهرة وسلطة زائلة".
وقد لعب عدد من أبرز القيادات المنشقة، مثل ثروت الخرباوي وآخرين، دورًا مهمًا في فضح هذه الانحرافات، وكشفوا للرأي العام كيف تحولت جماعة الإخوان إلى "كيان مغلق لا يعرف من الدين إلا ما يخدم مشروعه الخاص، ولا يتورع عن استخدام الدين ستارًا لتحقيق مآربه الدنيوية".
من بين هذه المؤلفات، يبرز كتاب "كنت إخوانيًا وأصبحت مصريًا" للقيادي المنشق طارق البشبيشي. الذي روى فيه تجربته التي امتدت مدة (25) عامًا في القسم السياسي بالجماعة، حيث كان الإخوان يروجون لأنفسهم كـ "جماعة دعوية سلمية تبتغي الحفاظ على الدين".
ويستطرد البشبيشي في كتابه: "كل ذلك سقط القناع عنه وظهرت حقيقته جلية بعد أحداث الثورة، حيث ظهر الوجه الحقيقي للجماعة التي حاولت إخفاءه طوال فترة حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك، فعاد الإخوان سيرتهم الأولى عندما سنحت الفرصة وانقضوا على الوطن كالضباع المسعورة."
ويصف البشبيشي تحوّله بقوله: "رأيت مجموعة من الذئاب البشرية الدموية، لم أصدق نفسي وأنا أرى زملائي وأقراني ينتهجون العنف ويباركونه...، كلما زادت عداوتهم لبلدي زادت عداوتي لهم، الآن أدركت أنّهم أداة خراب لأوطاننا مهمتهم تفكيك الجيوش، وتقسيم الدول، يعملون كوكلاء للدول المعادية لوطننا، إنّهم كيان خطير ووظيفي، يستغل الدين وحبّ الناس للدين من أجل تدمير المجتمع والجيش والدولة، فهم عرّابو الفوضى الهدامة."
وفي السياق ذاته، يصف الكاتب والمحامي والقيادي التاريخي المنشق عن الإخوان الدكتور مختار نوح عقلية الجماعة بأنّها "مغيبة كالحشاشين". ويكشف أنّ عداء الإخوان للعلماء الذين يختلفون معهم في الرأي كان شديدًا، لدرجة أنّهم "كانوا يصلون إلى تكفير بعض العلماء الذين يضعون ضوابط أو قواعد تتعارض مع نهجهم". ويضرب نوح مثالًا بموقف الجماعة من الشيخ محمد الغزالي، الذي تعرّض لـ"عداء مضاعف" بعد انفصاله عن "التنظيم الخاص" بالجماعة.
نوح: "الإخوان حاولوا اغتيال شخصيات عامة مثل أم كلثوم وعبد الوهاب، وتفجير الكباري والمنشآت الحيوية، واعتمدوا مبادئ تغييب العقل، والتحريض على كراهية الآخر".
ويشير نوح إلى أنّ الإخوان ينظرون إلى المنشقين عنهم باعتبارهم "أعداء من الدرجة الأولى"، مؤكدًا أنّهم "لا يمكن أن يلتقوا بمن ترك صفوف الجماعة، خاصة إذا كان من التنظيم الخاص، فهؤلاء بالنسبة إليهم خونة يستحقون الإقصاء والنسيان".
ويكشف القيادي المنشق عن حقائق صادمة حول تورط الجماعة في محاولات اغتيال وتخريب: "عندما يدخل أحدهم في لحظة صدق مع النفس ويستيقظ من غيبوبة الانقياد، يستطيع أن يرى الحقيقة بوضوح. نحن ـ في مرحلة سابقة ـ لم نكن نصدق أنّ الإخوان قاموا بتفجير منزل السيد فايز، أو أنّهم خططوا فعليًا لاغتيال عبد الناصر"، مؤكداً أنّ محاولة الاغتيال كانت "مكتملة الأركان" بـ (6) رصاصات.
وتطرّق إلى محاولات اغتيال شخصيات عامة، مثل أم كلثوم وعبد الوهاب، وتفجير الكباري والمنشآت الحيوية، مؤكدًا أنّ هذه الاعترافات وردت على لسان قيادات داخل الجماعة في لقاءات موثقة. ويشبّه نوح جماعة الإخوان بـ "جماعة الحشاشين التي أسسها حسن الصباح، فكلتاهما تعتمدان على تغييب العقل، والتحريض على كراهية الآخر، ورفض الحوار أو الرأي المخالف."
من جانبه، يكشف المفكر الإسلامي المنشق ثروت الخرباوي في كتابه "سرّ المعبد" عن تفاصيل مثيرة. يروي لقاءه مع القيادية الإخوانية زينب الغزالي التي أكدت له أنّ الجماعة "خططت (19) محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر"، ونفذت اثنتين منها، إحداها كانت بتدريب سيد قطب لشباب الإخوان بمن فيهم محمد بديع (المرشد الأخير للإخوان) ومحمود عزت. واعترفوا بأنّهم كانوا يعتزمون حرق القاهرة لإخراج زملائهم من السجون.
ويؤكد الخرباوي أنّ الإخوان يربون أعضاءهم على "مبدأ السمع والطاعة المطلقة"، حيث لا يُسمح لهم بتحكيم عقولهم في قبول أو رفض العمليات، وغالبًا ما يدخلونها وهم "مغيَّبون".
ويُشبّه الخرباوي جماعة الإخوان بـ "القمر، وأنت بعيد عنه تراه منيرًا، وعندما تضع قدميك داخله تجده ظلامًا دامسًا". كاشفًا أنّ حسن البنا كان يوجّه شباب الإخوان في رسالة المؤتمر الخامس بالقول: "إذا سألوكم من أنتم، قولوا إننا جمعية خيرية أو حزب سياسي أو طريقة صوفية أو قولوا لهم نحن الإسلام".
ويوضح الخرباوي أنّ الإخوان كانوا يعتقدون أنّهم "طبقة من الإسلاميين فوق المسلمين، فأعضاء الإخوان في مرتبة الصحابة، بل هم الصحابة". وهذا التمهيد للسمع والطاعة كان يقود إلى بيعة عامة ثم بيعة خاصة، رغم إنكارهم العلني لمسألة البيعة. كما يكشف عن ممارسات قاسية كانوا يجبرون عليها المنضمين الجدد، مثل السير لمسافات طويلة، والذهاب إلى المقابر قبل الفجر، واختبارات للصبر والطاعة.
في كتاب "عائد من جنة الإخوان"، يشارك سامح فايز تجربته الشخصية، كاشفًا أنّه انتمى إلى الجماعة منذ طفولته، وأنّها "تبث في نفوس أطفالها أنّهم الفئة الفائزة يوم القيامة، وعندما يكبرون سيعيدون للإسلام مجده". ويوضح الطريقة التي يجذب بها الإخوان الأطفال، من خلال دروس تقوية مجانية للمتميزين، وفق منتدى (مينا).
ويكشف فايز أنّه لم يكن يعلم أنّهم جماعة "الإخوان المسلمين" إلا بعد قراءته للوصايا العشر لحسن البنا. وتطرّق إلى مبدأ "الطاعة العمياء"، حيث "العضو الإخواني الذي يسأل كثيرًا سينفصل عن الجماعة، لأنّه لا يحقق مبدأ السمع والطاعة".
فايز: "جماعة الإخوان تبث في نفوس أطفالها أنّهم الفئة الفائزة يوم القيامة، وعندما يكبرون سيعيدون للإسلام مجده".
وفي الإطار ذاته يؤكد القيادي المنشق عن الجماعة الدكتور عبد الستار المليجي أنّ جماعة الإخوان "ليست إخوانًا مسلمين، ولكنّها جماعة من التكفير والهجرة". ويرى أنّ ما جرى بعد عزل مرسي يؤكد أنّ مصر كان يحكمها "امتداد التنظيم السرّي للإخوان".
ويعتقد المليجي أنّه "يوم 30 حزيران (يونيو) تحوّلت المواجهة ما بين الإخوان والسلطات إلى مواجهة ما بين الإخوان والشعب"، ولذلك فهو يرى أنّه "لن تقوم للإخوان قائمة بعد اليوم"، وأنّ المجتمع المصري سيلفظهم.
وفي كتابها "حكايتي مع الإخوان"، تحكي انتصار عبد المنعم تجربتها الذاتية، كاشفة عن كيفية تجنيدها للانضمام إلى الجماعة، واكتشافها لاحقًا "الفجوة بين الحق والانتهازية، وبين تعاليم الدين الإسلامي وما تطرحه الجماعة"، مشيرة إلى استغلال الجماعة للتعاليم الدينية لبلوغ أهداف بعيدة كليًّا.
تاريخ الانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين يعود إلى نشأة التنظيم، وكان الانشقاق الأول للشيخ أحمد السكري، الرجل الثاني الذي شارك حسن البنا تأسيس الجماعة. لكن ما ميز الانشقاقات التي تلت ثورات "الربيع العربي" هو أنّ "كل من خرج تقريبًا سطّر تجربته"، ممّا أتاح للقارئ معرفة أسرار كانت مجهولة.