عقوبات عربية على حماس وقادتها

عقوبات عربية على حماس وقادتها

عقوبات عربية على حماس وقادتها


28/05/2025

حميد قرمان

بات معروفا أن معادلة الحرب في قطاع غزة تعتمد في استمراريتها على طرفيها؛ اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو ومنظومته الحاكمة، واليمين الفلسطيني المتمثل بحركة حماس. فلا نهاية للحرب دون استسلام أحدهما، والتسليم ببقاء الآخر في المشهد السياسي بصيغة تنازل، ولو في حدها الأدنى، عبر مفاوضات أصبحت طاولتها لا تجدي نفعا في ظل التشبث بسراب المواقف وضبابية الرهانات.

أمام الواقع المتأزم، الذي تخطى حدود الإبادة والمجاعة داخل القطاع، يواصل قادة حماس، وتحديدا من هم خارج غزة، التمسك بمقاربات سياسية لا تعالج مسألة تخليهم عن حكم القطاع أو تسليم سلاح الحركة، الذي لم يحقق منذ السابع من أكتوبر أي تغيير جوهري في مجرى الحرب أو التأثير على مساراتها.

من الواضح أنه طالما بقي قادة حماس في الخارج ينعمون بسُبل الحياة الرغيدة، يجمعون الأموال ليتقاسموها بينهم، ويقطنون في الفنادق الفارهة في الدوحة وإسطنبول وطهران، ويخرجون في لقاءات تلفزيونية يدلون فيها بتصريحات تدلّ على غوغائية الخطاب السياسي وإفلاسه أمام معاناة الشعب الفلسطيني الأعزل، فإن الحرب لن تنتهي.

الحرب في غزة لن تضع أوزارها إلا بإقصاء أحد طرفيها وإزاحته من المشهد السياسي، ما سيؤدي إلى إنهاء الطرف الآخر أيضا. بمعنى أن خروج حماس من غزة سينهي أسباب بقاء ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم، ويدفع إلى سقوطه في الشارع الإسرائيلي. والعكس صحيح؛ إبعاد بنيامين نتنياهو عن الحكم داخل تل أبيب سيمنح زخما سياسيا لمظاهرات واحتجاجات تملأ القطاع ضد استمرار سلطة حركة حماس.

أما قادة حماس، الذين يصمّون آذانهم عن الأصوات الداعية إلى تبني الواقعية كنهج لمعالجة تداعيات وآثار الصراع، فلا يزالون يتجاهلون حقيقة أن الفاتورة التي دفعها الشعب الفلسطيني من أبنائه وبنيته التحتية تفوق أيّ مكاسب قد تحصل عليها الحركة من الاحتفاظ بالرهائن الإسرائيليين. فلم تعد لدى حماس خيارات أو هوامش للمناورة السياسية.

في السابق، أدى ضيق الهامش التفاوضي الحمساوي إلى تصلب مواقفها السياسية، التي كانت تهدف إلى إرضاء قواعد الغوغائية العربية الحاكمة للرأي العام، سواء في الشارع العربي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولهذا، كان قادتها يحرصون على تقديم طرح مختلف عمّا يدور في الغرف المغلقة، بغية تحقيق مكاسب سياسية، خاصة في المرحلة التالية لحكم القطاع.

أما اليوم، فإن الفراغ في القيادة العسكرية داخل غزة، بعد سلسلة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، سيؤدي إلى جمود في مواقف حماس التفاوضية، خصوصا بعد ظهور مؤشرات على خلافات داخلية بين تيارات الحركة، التي تخضع لنفوذ دول إقليمية تسعى إلى فرض مساراتها السياسية عليها. ولذلك، يتطلب الأمر عقوبات عربية صارمة على قادة حماس في الخارج، تشمل منع وتقييد تحركاتهم بين الدول العربية أو عبر أجوائها ومطاراتها، إلى جانب إحباط جهود الحركة في توفير التمويل عبر حصار وقطع شبكات الدعم المالي، بما في ذلك وقف عمليات جمع التبرعات التي تتم من خلال شركات وهمية.

إن الحاجة المُلحّة إلى تضييق الخناق السياسي والمالي على قادة حماس في الخارج لتحريك المياه الراكدة، لن تنعكس فقط على وضع حدّ للحرب في غزة أو إنهاء مأساة سكانها، الذين سئموا الصراع ويتطلعون إلى وقف أكثر من عام ونصف العام من العنف والحرمان، بل ستسهم أيضا في حلّ أزمات أخرى تلوح في أفق الشرق الأوسط، وتحديدا ملف سلاح الفصائل في المخيمات الفلسطينية في لبنان، إذ أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجاوبا منقطع النظير مع المطالب الرسمية اللبنانية لإنهاء هذا الملف الشائك، وهو ما يتطلب خلق ضغط سريع على حماس والفصائل المرتبطة بها، مثل الجهاد الإسلامي وعصبة الأنصار، من أجل تسليم سلاحها دون الدخول في صدام مسلح مع الجيش اللبناني. بذلك، يمكن للرئيس اللبناني جوزيف عون وحكومته، برئاسة نواف سلام، تثبيت أركان الدولة الوطنية ذات النظام الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الواحد، كخطوة أولى نحو معالجة ملف نزع سلاح حزب الله.

سياق العقوبات العربية يجب أن يُؤطّر العلاقة مع حماس، التي توهمت بعد السابع من أكتوبر أنها قادرة على فرض معادلاتها في المنطقة، وتغيير موازين القوى الدولية، وتراهن على إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو عبر ضغط الشارع الإسرائيلي. ولهذا، لن تتوانى الحركة عن المماطلة، انتظارا لتقلب الظروف لصالح استمرار وجودها كسلطة أمر واقع داخل القطاع. وهذا يعني بقاءها كعقبة أمام ما يتم التحضير له عربيا ودوليا للتوصل إلى حل شامل يفضي إلى استقرار الشرق الأوسط، ويضمن خلوّه من أسباب الصراع المستمر، الذي تغذّيه أيديولوجيات يمينية تغلّب مصالحها على مصالح شعوب المنطقة.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية