التظاهر ضد حماس له في غزة تاريخ طويل

التظاهر ضد حماس له في غزة تاريخ طويل

التظاهر ضد حماس له في غزة تاريخ طويل


20/04/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

على مدار الأسبوعين الماضيين انخرط الفلسطينيون في غزة في احتجاجات شعبية ضد حماس. وقد نُظِّمت هذه المظاهرات في (3) مواقع رئيسة على الأقل، وشارك فيها مئات، وربما آلاف، من الفلسطينيين. وتُظهِر اللافتات التي رفعها المتظاهرون والشعارات التي استخدموها نواياهم المناهضة لحماس بوضوح: "حماس لازم ترحل"، و"بدنا نعيش".

وعلى الرغم من أنّ حجم التجمُّعات لم يُضاهِ التعبئة الجماهيرية المناهضة حالياً للحكومات في تركيا وصربيا وإسرائيل، فإنّ ما يجعلها لافتة للنظر، وما يجعلها شجاعة بشكل خاص، هو الظروف التي جرت فيها، الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وعدم تسامح حماس مع المعارضة. وقد أثار هذا التطور اللافت تفسيرات شديدة التعارض من قِبل جهات فاعلة مختلفة في الصراع.

اتَّسمت بعض ردود الفعل الإسرائيلية بالقسوة والغرابة. فالرأي الإسرائيلي السائد لتبرير قتل الفلسطينيين في غزة هو القول بأنّهم "جميعاً حماس" أو "حيوانات بشرية".

وبدلاً من اعتبار المظاهرات دليلاً على خطأ تقييمهم للفلسطينيين، توصَّل المتشددون في الحكومة الإسرائيلية إلى استنتاج معاكس. فقد أشار القائد العسكري الأعلى في إسرائيل إلى أنّ الاحتجاجات تُظهِر أنّ القصف المتجدد ومنع دخول المساعدات إلى غزة يُجدي نفعاً، ويجب تصعيده حتى هزيمة حماس وموافقة الفلسطينيين على مغادرة غزة نهائياً.

وأغفل مُعلِّقون إسرائيليون آخرون، ممّن احتفوا بالاحتجاجات، إدراك أنّ هذه المظاهرات، وإن كانت معادية لحماس، فإنّها ليست مؤيدة لإسرائيل، ولا تشير إلى استعداد الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم الوطنية.

كما فشل بعض الفلسطينيين في فهم هذه الاحتجاجات. فقد استنكرها البعض واعتبروها من عمل "يد خفية"، وتمَّت بتحريض من منافسين فتحاويين أو "عواصم عربية" لم يُسمُّوها. واتهم آخرون المتظاهرين صراحةً بالعمالة لإسرائيل والعمل على إضعاف "المقاومة".

بعض الأصوات الأمريكية والإسرائيلية، التي حاولت أن تكون داعمة وواعية، وجدت في الاحتجاجات مؤشراً إيجابياً، ودعت حكوماتها إلى احتضان المتظاهرين و/ أو دعمهم علناً، كما لو كانت هذه الحكومات تتمتَّع بأيّ مصداقية في هذا الصدد، وأنّ رحيل حماس سيحل جميع المشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين.

على مدار الأسبوعين الماضيين انخرط الفلسطينيون في غزة في احتجاجات شعبية ضد حماس

ومع أنّ هذه التفسيرات المتباينة لمعنى المظاهرات المناهضة لحماس متوقعة، فإنّها كلها تُخطئ الهدف، بالنظر إلى اختلاف الموقع الذي تُرى من خلاله.

أوّلاً، لطالما حمل الفلسطينيون في غزة آراءً سلبية تجاه حماس. وقد اختلق الإسرائيليون مبرراتهم للقصف الشامل لغزة بادعاء زائف ومُفبرك بأنّ "الفلسطينيين صوتوا بأغلبية ساحقة لحماس عام 2006".

في الواقع، لم تفز حماس بالأغلبية، وانتُخبت فقط لأنّ معارِضتها الرئيسة "فتح" كانت منقسمة وخاضت الانتخابات بقوائم متنافسة. كما لعبت الولايات المتحدة دوراً في فوز حماس عام 2006 من خلال دعمها المالي غير المدروس لـ "فتح" في اللحظات الأخيرة. وقد سمح هذا لحماس بتبنّي شعار "أمريكا تريد فتح، والشعب يريد حماس". وبالنظر إلى الغضب الذي شعر به معظم الفلسطينيين تجاه السياسة الأمريكية، كان ظهور احتضان أمريكي لفتح بمثابة قبلة موت.

لقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريناها في غزة على مدار العقد الماضي استمرار تراجع شعبية حماس. ففي أوائل عام 2024 كان أقلّ من واحد من كل أربعة أشخاص يُعطي حماس تقييماً إيجابياً. وفي أواخر العام الماضي كانت النسبة أقلّ من واحد من كل عشرة. وقد تجاوز عدد الغزيين المؤيدين لفتح باستمرار عدد مؤيدي حماس.

كما يُظهِر استطلاعنا في غزة رفضاً واضحاً للسلوكيات المنسوبة إلى حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وعند سؤالهم عمّن يُحمِّلون مسؤولية الحرب التي أعقبت السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، قال ثمانية من كل عشرة إنّ حماس هي المسؤولة، بينما قال العدد نفسه إنّ إسرائيل والولايات المتحدة تتحمَّلان مسؤولية الحرب.

خلاصة القول إنّ المشاعر المعادية لحماس والمؤيدة لفتح ليست جديدة في غزة. ولذلك، حتى لو كانت عناصر من فتح قد شاركت في المساعدة على حشد الاحتجاجات الأخيرة، فإنّ ذلك لا يقلل من مصداقيتها كتعبير عن المعارضة.

من الضروري أيضاً تصحيح ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية الأخرى على الاحتجاجات. ربما يكون الحصار المفروض على المواد الغذائية والطبية منذ شهر، وتجدد القصف على سكان غزة، قد حفَّزا المظاهرات. لكنّ رؤية المتشددين الإسرائيليين بأنّ هذا أمرٌ جيِّد، ومؤشرٌ على ضرورة استمرار سياسات الإبادة الجماعية، هي في الواقع ساديةٌ ولا أساس لها سياسياً. ورؤية من يدَّعون "الاعتدال" بأنّ هذه الاحتجاجات يجب تشجيعها لأنّها ستؤدي إلى إزاحة حماس، هي رؤيةٌ واهمة. لا الأمريكيون ولا الإسرائيليون يستطيعون لعب أيّ دورٍ بنَّاءٍ في هذا الصدد.

من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ حكومة نتنياهو بحاجة إلى هذه الحرب لمواصلة إنقاذ مستقبله السياسي. لقد أوضح رفضه لخطة السلام العربية ليس لقلقه من حماس، بل لمعارضته لسيادة فلسطينية في غزة والضفة الغربية. فهو يرى حماس أداةً مفيدةً له، لأنّ وجودها يسمح له بمواصلة حربه. وكما أوضح منذ البداية، فإنّ هدفه هو محو غزة وإعادة احتلالها. وفي هذا المسعى، حظي - وما يزال يحظى - بدعم الولايات المتحدة.

ربما يكون الحصار المفروض على المواد الغذائية والطبية منذ شهر، وتجدد القصف على سكان غزة، قد حفَّزا المظاهرات

ومع ذلك، ثمّة نقاط تحتاج إلى دراسة. نعم، على حماس أن تتنحى. فمنذ بداياتها كانت أساليبها غير مسؤولة وبائسة ومُصمَّمة لتخريب أيّ جهود لصنع السلام. ولهذا السبب دعم نتنياهو حماس لأعوام طويلة، بينما عاقب السلطة الفلسطينية وأضعف شرعيتها. ولم يُرِد التفاوض على اتفاق مع السلطة الفلسطينية، ولم يُرِد رؤية أيّ تحرك نحو إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة.

وصحيحٌ أيضاً أنّ السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إصلاح جذري، ويجب بذل الجهود لإيجاد قيادة فلسطينية جديدة مُوحَّدة وذات مصداقية.

وإذا أراد الأمريكيون والعرب ودول أخرى المساهمة في إنهاء هذا الصراع، فعليهم توجيه ضغطهم ليس على حماس والفلسطينيين، بل على إسرائيل وقيادتها. عليهم المطالبة بإنهاء سياسات حكومة نتنياهو الوحشية والضَّمِّيَّة، والمطالبة أيضاً بإنهاء الاحتلال، وقبول ودعم تنفيذ خطة السلام العربية.

أمّا بالنسبة إلى حماس، فإنّ دورها يُحدَّد على أفضل وجه من خلال تعاون الفلسطينيين مع مصر والدول العربية الأخرى. وإذا نجح الضغط المشترك للمجتمع الدولي في فتح الباب أمام إنهاء الصراع في غزة، وبدء إعادة الإعمار، وفرض وقف الهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية والقدس الشرقية، فسيُبعث الأمل في السلام.

إنّ إيصال ثمار السلام إلى الشعب الفلسطيني المُطوَّق منذ زمن طويل سيُضعف حماس، وهذا هو الطريق إلى الأمام، وليس استمرار الحرب.

المصدر:

جيمس زغبي، ذي ناشيونال، 9 نيسان (أبريل) 2025 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية