
ارتفعت خلال الفترة الماضية أصوات توحي بوجود خلاف بين قادة القوات المسلحة والحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين في السودان)، أحد أكبر داعمي الجيش في القتال المستمر لما يقارب العامين ضد قوات الدعم السريع.
شبكة (عاين) تناولت في تقرير لها الآراء وحقيقة الخلاف بين الطرفين، والعوامل التي تمنع الصدام بينهما، كما تطرقت للمواجهات المحتملة.
وفق (تباين) فإنّ ثمة من يعتقد أنّ ما يجري مجرد تمويه لخداع الرأي العام السوداني، لكن هناك حالة من الإجماع على أنّ كلاً من الجيش، لا سيّما قائده عبد الفتاح البرهان، والحركة الإسلامية، له طموحات خاصة للاستحواذ على النفوذ السياسي والعسكري، والانفراد بحكم السودان.
حلف طويل الأمد جمع الجيش مع الحركة الإسلامية، التي تمكنت من التغلغل وسطه واستمالته خلال فترة حكمها للسودان والتي امتدت إلى (3) عقود، كما يقفان في خندق واحد منذ اندلاع الحرب في البلاد في منتصف نيسان (أبريل) من العام 2023م، وهو ما يدفع البعض إلى التشكيك في إمكانية صدامهما، لكنّ الطموح الشخصي لقائد الجيش البرهان في الاستمرار في حكم السودان، وتحالفاته الإقليمية والدولية مع جهات تُضْمِرُ العداء للإسلاميين، ربما يضع أساساً لخلاف فعلي.
المصير المشترك للجيش والحركة الإسلامية سيدفعهما إلى إيجاد صيغة للتعايش واقتسام النفوذ، ممّا يؤجل الصدام بينهما.
وأكدت شبكة (عاين) أنّ سباق الجيش والحركة الإسلامية، يضع السودان على موعد مع مواجهات عسكرية جديدة في ظل امتلاك الطرفين قوات مسلحة، لكنّ المصير المشترك للطرفين اللذين يواجهان بشارع سوداني غاضب عليهما، ربما يدفعهما إلى إيجاد صيغة للتعايش واقتسام النفوذ، ممّا يؤجل الصدام إلى أطول فترة ممكنة، وذلك بحسب ما يرجحه الأكاديمي السوداني د. بشير الشريف.
ويرى الشريف خلال مقابلة مع (عاين) أنّ سيناريو المواجهة وارد في سياق التحليل وبناء على المعطيات الراهنة، لكنّ مستقبل علاقة الطرفين ستحدده المتغيرات الدولية والإقليمية التي ترفض عودة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم مجدداً في السودان، رغم أنّهما على خلاف حالي بناء على موقفها من طرفي الحرب، كذلك موقف الإدارة الأمريكية الجديدة.
وبدأ الجيش فعلياً في الهجوم على قوات الدعم السريع في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، بعدما ظل طيلة الفترة التي أعقبت الحرب في خانة الدفاع من داخل قواعده العسكرية، وظهر مقاتلو الحركة الإسلامية بشكل مكثف في المعارك العسكرية، خاصة ما يُعرف بكتائب البراء بن مالك، وهيئة العمليات وجهاز المخابرات ممّن يدينون بالولاء الشديد للإسلاميين.
وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي فتح القيادي الإسلامي عبد الحي يوسف النار على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ووصفه بالخائن الذي لا دين له، وأرجع الانتصارات التي حققها الجيش إلى مجهودات مجاهدي الحركة الإسلامية، قبل أن يتحدى البرهان بوجود الإخوان في كل مكان في الدولة، بما في ذلك مكتبه في قيادة القوات المسلحة.
الهجوم الأول من نوعه، قابله قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بردٍّ غاضب مخاطباً عبد الحي يوسف: "من له فرد يقاتل في القوات المسلحة، فليسحبه". قبل أن يذهب ويوطد علاقاته مع قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل المنشق عن قوات الدعم السريع، وقوات الحركات المسلحة والأورطة الشرقية، واعتمد عليها لاستعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار.
وألقت هذه الحادثة بظلالها على سير العمليات العسكرية، بعدما توقف محور المناقل الذي يقوده عناصر الحركة الإسلامية النيل الفاضل والناجي عبد الله والنعمان عبد الحليم، ومحور الفاو الذي يتقدمه الإسلامي الناجي مصطفى، ومحور سنار بقيادة الإسلاميين شهاب برج وفرحات ود العمدة، من الزحف نحو ود مدني، وفق مصدر ذي صلة تحدث لـ (عاين).
وبحسب المصدر، فإنّ غرفة عمليات تنظيم الحركة التي يديرها علي كرتي، وأحمد هارون، وعثمان محمد يوسف كبر، من مدينة مروي، سارعت بالتواصل مع البرهان لاحتواء الموقف، وأصدرت بياناً تبرأت فيه من عبد الحي يوسف، وقالت إنّه ليس عضواً في الحركة الإسلامية، ممّا أدى إلى استئناف العمليات العسكرية، وتقدم الجيش بشكل كبير في وسط السودان والعاصمة الخرطوم وشمال كردفان.
الإسلاميون لا يثقون بالبرهان، وينقسمون تجاهه إلى (3) فرقاء؛ فريق يؤجل معركته إلى نهاية الحرب، والثاني لا يثق به، أمّا الثالث فيدعم البرهان.
وبعد التقدم الذي حققه الجيش، هاجم البرهان حزب المؤتمر الوطني الذراع السياسية للحركة الإسلامية، وقال: إنّ الحزب لن يعود إلى الحكم في السودان، لكنّه تراجع عن حديثه بعد ساعات قليلة نتيجة حملة انتقادات شنّها عليه عناصر التنظيم، وأطلق تصريحاً جديداً بأنّ كل من قاتل مع القوات المسلحة سيكون جزءاً من ترتيبات المرحلة المقبلة.
تلك التجاذبات كشفت ملامح المشهد السوداني لما بعد الحرب، وطبيعة الصراع المحتمل بين الجيش والحركة الإسلامية، وما يحمله من سيناريوهات، قد يكون من بينها الصدام.
لكنّ المحلل السياسي عبد الواحد إبراهيم يستبعد حدوث صدام بين الجيش والحركة الإسلامية، رغم أنّ المشهد السوداني يحتمل كل السيناريوهات استناداً إلى الإرث السابق المليء بالمواجهات من هذا النوع.
ويقول إبراهيم: إنّ "الروابط الأسرية والصلات الأهلية بين قادة الجيش والحركة الإسلامية، تمثل أحد أهم العوامل التي تمنع صدامهما، بجانب المصير المشترك للطرفين اللذين ارتكبا جرائم، ويخشيان على المستقبل الفردي الذي سيهدده نشوب أيّ صراع بينهما".
ويرى إبراهيم أنّ فرص انعتاق الجيش من الحركة الإسلامية ضئيلة، فالأخيرة اخترقت الرتب العليا والوسطى في القوات المسلحة، وأغرقتها في الفساد، وجرائم الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حتى جنوب السودان قبل استقلاله، فأصبحوا في يدها تتحكم فيهم.
ويستحوذ الجيش على موارد الدولة، بينما تملك الحركة الإسلامية المال، ولديها ما لا يقلّ عن (100) مليار دولار أمريكي، ممّا يجعلهما متساويين في النفوذ المالي، لكنّ القوات المسلحة متفوقة عسكرياً بطبيعة الحال، بينما يحتمي مسلحو الحركة الإسلامية بالجيش، ولا يستطيعون الظهور في المشهد بمفردهم؛ لأنّهم لا يملكون سنداً شعبياً، وفق عبد الواحد.
من جهته، يقول الأكاديمي السوداني د. بشير الشريف: إنّ الجيش والحركة الإسلامية في المركب نفسه، فكلاهما راهن على إجهاض ثورة كانون الأول (ديسمبر)، سواء بالحرب أو الانقلاب من أجل حكم البلاد بالقوة العسكرية، فهما في حاجة دائمة إلى بعضهما البعض.
وشدد الشريف على أنّ الواقع يفرض عليهما إيجاد صيغة مشتركة للتعايش تضمن لهما مواجهة الشارع وقواه المدنية وإرث ثورة كانون الأول (ديسمبر)، ومع ذلك لا يمكن غضّ الطرف عن مخاوف الجيش من عودة الإسلاميين، ليسوا كرديف فقط، وإنّما لمعرفتها خبايا المؤسسة العسكرية التي تغلغلوا فيها مدة (3) عقود، ولن يتوقفوا عن السعي للسيطرة عليها مجدداً، ممّا يجعل سيناريو المواجهة وارداً.
وفي تقدير الكاتب الصحفي فائز السليك، فإنّ "الفريق عبد الفتاح البرهان يهوى اللعب بالبيض والحجر، والرقص فوق رؤوس الأفاعي، فقد ظل يلعب مع الجميع وضد الجميع، والمحصلة أنّه يلعب لصالح ورقه، ولا تهمّه القوى التي تساعده، لكنّ المأزق الكبير أنّ الإسلاميين هم الممسكون بمفاصل الجيش والسيطرة على وحدات مهمة، خاصة الطيران والمهندسين والمدرعات".
الروابط الأسرية والصلات الأهلية بين قادة الجيش والحركة الإسلامية تمثل أحد أهم العوامل التي تمنع صدامهما.
ويقول السليك: "الإسلاميون لا يثقون بالبرهان، وينقسمون تجاهه إلى (3) فرقاء؛ فريق يداهنه، ويتعامل معه تكتيكياً، ويؤجل معركته إلى نهاية الحرب، والثاني لا يثق به، ويتحين الفرص للانقضاض عليه، والثالث تيار براغماتي، وسيدعم الفريق البرهان متى ما كانت القوة في يده، وسينحاز إلى أيّ طرف في حال الغلبة".
ويخلص السليك إلى أنّ العلاقة علاقة ريبة. وهناك سيناريوهات محددة لها، والأرجح أن يستعين البرهان بقوة إقليمية للتخلص من العناصر الفاعلة بعد نهاية الحرب، ولا يستبعد السليك أن يوجه الإسلاميون ضربة استباقية في حال انتصار الجيش، ويتوقع مواجهة بين الطرفين، خاصة إذا ازدادت فرص السلام والتدخل الدولي لوقف الحرب.
وعلى النقيض، لا يتوقع المحلل السياسي صلاح حسن جمعة أيّ مواجهة بين الجيش والإسلاميين، فهما في حلف ومصير وهدف مشترك، ويديران حرباً ضد الشعب السوداني للسيطرة على مقاليد الحكم، فجميع المقاتلين الذين يخوضون المعارك ينشدون شعارات وأغنيات الإخوان المسلمين، ويوجهون الإساءات إلى القوى السياسية المدنية.
ويقول جمعة: إنّ "الحركة الإسلامية ورثت الجيش تماماً، حتى أمواله وشركاته ومصارفه أصبحت بيد نظام الإخوان المسلمين، واستحوذوا على النفوذ والقرار السياسي في الدولة، فهم من يتحكمون في ملف العلاقات الخارجية الآن، وقد أجبروا المؤسسة العسكرية على التوجه إلى الحلف الإيراني، وإقامة علاقات مع طهران".