إيران تعيد توجيه استراتيجيتها نحو المثلث الآسيوي بعد سقوط أذرعها في الشرق الأوسط

إيران تعيد توجيه استراتيجيتها نحو المثلث الآسيوي بعد سقوط أذرعها في الشرق الأوسط

إيران تعيد توجيه استراتيجيتها نحو المثلث الآسيوي بعد سقوط أذرعها في الشرق الأوسط


13/02/2025

يبدو أنّ طهران التي تلقت ضربات عنيفة فقدت على إثرها أذرعها التوسعية في الشرق الأوسط، وباتت تواجه خطر العزلة الإقليمية، قررت فتح طريق نحو التوسع في محيطها الجيوستراتيجي؛ بالسعي تجاه التمدد نحو المثلث الإسلامي الآسيوي (بنغلاديش ـ باكستان ـ أفغانستان) عبر التعاون مع الأذرع الإخوانية الموالية لها في بنغلاديش وباكستان، بالإضافة إلى ضبط إيقاع التوتر في العلاقات مع حركة طالبان الأفغانية.

هذا الطوق الآسيوي أصبح ضرورة قصوى لطهران، في سياق إعادة التوجيه الاستراتيجي لسياساتها الخارجية؛ عبر بناء شراكات جديدة يمكن من خلالها كسر الحصار المفروض، واستخدام رئة نوعية للتنفس، في ظل عدم قدرتها على اختراق الجدار العازل الجديد في الشرق الأوسط؛ بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسحب ميليشياتها من سوريا، وإضعاف كلٍّ من حزب الله وحركة حماس.

البحث عن حليف وظيفي في بنغلاديش

تبلغ الأقلية الشيعية في بنغلاديش نحو 2% من عدد السكان، الأمر الذي يعني ضرورة البحث عن حليف وظيفي آخر؛ يمكن من خلاله اختراق المشهد المضطرب في بنغلاديش، بعد سقوط نظام حسينة واجد.

طهران وجدت ضالتها في الجماعة الإسلامية الباكستانية، الذراع السياسية للإخوان، التي نجحت في وقت قياسي في فرض سطوتها عبر ابتزاز الحكومة الانتقالية بجحافل الموالين لها. وعليه كانت طهران على رأس المتطلعين نحو بناء شراكة سياسية قوية مع الجماعة التي باتت تتحكم إلى حد كبير في مفاصل الراهن السياسي في بنغلاديش.

وبدورها، سعت الجماعة تجاه فتح خط ساخن مع طهران، من خلال توجيه عدة رسائل سياسية أكدت فيها أنّها تستلهم مسيرة الثورة الإيرانية في كل توجهاتها. وجاءت الرسالة الأولى عملية، ففي 26 كانون الثاني (يناير) الفائت وجهت الجماعة الإسلامية تحذيراً شديد اللهجة إلى نجمة السينما، بوري موني، ومنعتها من المشاركة في إحدى الفعاليات في تانجيل بشمال شرق بنجلاديش، وأشارت تقارير إعلامية محلية إلى أنّ الجماعة ضغطت على الجهات القضائية من أجل تحريك دعوى قضائية ضدّ موني، وقادت الجماعة عدة احتجاجات من أجل وضع ضوابط على صالات العرض السينمائية، وقيود على النشاط الفني، وطالبت الجماعة باستدعاء المعايير الإسلامية التي تفرضها إيران على الأنشطة الفنية.

طهران وجدت ضالتها في الجماعة الإسلامية الباكستانية، الذراع السياسية للإخوان، التي نجحت في وقت قياسي في فرض سطوتها عبر ابتزاز الحكومة الانتقالية بجحافل الموالين لها

وتكرر الأمر في أواخر الشهر نفسه، حين ضغطت الجماعة الإسلامية بكل قوتها  على السلطات في مدينة جويبورهات، في شمال غرب البلاد، من أجل إلغاء مباراة في كرة القدم للسيدات، وحشدت الجماعة أنصارها في احتجاجات عنيفة، نظمها الجناح الطلابي للإخوان، الذي نجح في حشد طالبات المعاهد الدينية، وقاموا باقتحام ملعب المباراة، وطرد المتفرجين. وبالمثل تمّ تأجيل مباراة مماثلة أخرى بين فريقين للسيدات في مدينة ديناجبور القريبة، في أعقاب احتجاجات مماثلة من قبل أنصار الجماعة الغاضبين الذين تسلحوا بالهراوات.

وبحسب مصادر خاصّة، علمت (حفريات) أنّ قيادياً إخوانياً يدعى "أبو بكر الصديق"، وهو مدير مدرسة دينية محلية في جويبورهات، قام بتنظيم الاحتجاجات وحشد الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور من المدارس الدينية الأخرى. وكان اللافت في هذه الاحتجاجات هو إعلان القيادي الإخواني "الصديق" أنّه يجب وضع شروط صارمة على ملابس النساء المشاركات في المسابقات الرياضية، على غرار النمط الإيراني.

هذه التوجهات الرامية إلى أسلمة المجال العام، على غرار النموذج الإيراني، وبحسب مصدر خاص، وضعها عضو المجلس التنفيذي المركزي للجماعة الإسلامية، ومسؤول الدعاية والإعلام مطيع الرحمن أكاند، على طاولة السفير الإيراني، منصور تشافوسي، في لقاء خاص، مطلع شباط (فبراير) الجاري، الأمر الذي دفع السفير الإيراني إلى توجيه دعوة رسمية للجماعة الإسلامية لحضور احتفالات الذكرى السادسة والأربعين للثورة الإسلامية الإيرانية، في 7 شباط (فبراير) الجاري، وبالفعل حرصت الجماعة على إرسال وفد رفيع المستوى، ترأسه نائب الأمير الدكتور سيد عبد الله محمد طاهر، والأمين العام للجماعة ميا غلام بوروار، بالإضافة إلى مسؤول الدعاية والإعلام مطيع الرحمن أكاند.

وبحسب المصادر المطلعة، سلّم الأمين العام للجماعة الإسلامية رسالة خاصّة للسفير الإيراني من أمير الجماعة شفيق الرحمن، تتضمن تحركات الجماعة على صعيد المشهد السياسي، وفق ما وصفه شفيق الرحمن بــ "استدعاء النموذج الإيراني الملهم". وأعرب وفد الجماعة الإسلامية عن الرغبة في تعزيز العلاقات مع إيران، واستعداد الجماعة لمنح امتيازات خاصّة لطهران، تجارية وأمنية، في حال وصول الجماعة إلى الحكم.

التحرك بقوة تجاه باكستان 

تُعدّ الجماعة الإسلامية الباكستانية أحد أبرز حلفاء طهران في المجال الآسيوي، وقد حرص أمير الجماعة السابق سراج الحق على توثيق الروابط مع الحرس الثوري الإيراني، واتخاذ خطوات جادة بلغت ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2023، عندما التقى سراج الحق مع السفير الإيراني لدى باكستان رضا أميري، في لاهور، وأعلن سراج الحق في هذا اللقاء دعم الجماعة الإسلامية لمحور المقاومة، مطالباً حكومة بلاده بالمزيد من التعاون مع طهران، قبل أن يصل سراج الحق إلى طهران في أعقاب أحداث الحرب على غزة، في خطوة كرست تحالف إيران مع الذراع الإخوانية في باكستان.

وبحسب مصادر (حفريات)، فإنّ سراج الحق عرض على الحرس الثوري التعاون في مجال تجنيد المتطوعين، للعمل ضمن ما يُسمّى بالمقاومة الإسلامية في العراق وسوريا، وأبدى تفهماً ودعماً لحركة التجنيد الواسعة التي تقوم بها إيران، ضمن صفوف الشيعة في باكستان، لدعم ميليشيا "زينبيون"، وأبدى استعداده لتقديم كل الدعم الممكن لطهران. 

الجماعة الإسلامية واصلت دعم التحركات الإيرانية على حساب السيادة الوطنية، ولم تُبدِ اعتراضاً على العمليات العسكرية التي شنتها طهران على مواقع المعارضة البلوشية في باكستان، واكتفت بطلب ضبط النفس.

وكان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي قد زار باكستان في 24 نيسان (أبريل) 2024 من أجل زيادة العلاقات بين البلدين، وكان اللافت هو تصديق البلدين على اتفاقية للتعاون الأمني، كما تمّ توقيع اتفاقية بشأن المساعدة القضائية في المسائل المدنية بين باكستان وإيران، إضافة إلى عدد من مذكرات التفاهم.

 الرئيس الإيراني الراحل: إبراهيم رئيسي

من جهته، أكد أمير الجماعة الإسلامية حافظ نعيم الرحمن، في 12 شباط (فبراير) الجاري، على ضرورة تعاون الحكومة الباكستانية مع إيران، من أجل ضبط الحدود، وتعزيز كل الفرص المتاحة للسلم بين الطرفين، وطالب كذلك ببناء تحالف عسكري استراتيجي مع طهران، لمواجهة النفوذ الأمريكي في آسيا. ولم يكفّ نعيم الرحمن  عن دعم الدور الإيراني في الشرق الأوسط، ومطالبة حكومة بلاده بالمثل.

تجاوز الخلافات مع حركة طالبان 

تُعدّ أفغانستان بمثابة رأس مثلث تمتد قاعدته من بنغلاديش إلى باكستان، الأمر الذي يصنع فارقاً سياسياً كبيراً، نظراً للاعتبارات الجيوستراتيجية الحيوية، خاصّة مع طول الحدود بين البلدين، والتي تبلغ حوالي (921) كم، (572 ميلاً).

وتعتمد إيران على الشيعة الأفغان (الهَزَارَة) لوضع قدم في بلد ليس على وفاق دائم معها، حيث يشوب التوتر علاقات البلدين، خاصّة مع عودة طالبان إلى السلطة في العام 2021. وهو ما يتسق مع تاريخ طويل من التوتر بين الطرفين، منذ الانسحاب السوفياتي من أفغانستان، ونشر الحرس الثوري قواته على الحدود لمساندة الشيعة.

وكانت إيران قد شرعت منذ العام 2012 في تجنيد الشيعة الأفغان (ميليشيات فاطميون)، ونشر عناصرها لدعم النظام السوري، وخاضت تلك الميليشيات معارك طاحنة، نجحت من خلالها في التمركز في عدد من المناطق الحيوية الواقعة تحت سيطرة نظام البعث البائد، وتضخمت أعدادها لتصل إلى نحو (10) آلاف جندي، ومع سقوط النظام السوري، وانسحاب تلك العناصر، أسقط في يد طالبان، حيث تمثل ميليشيا "فاطميون" ورقة ضغط شرعت إيران في التلويح بها، وربما الدخول بها في مساومة من أجل الوصول إلى صفقة مع حكام الإمارة الإسلامية؛ من أجل تجاوز القضايا الخلافية، والشروع في بناء تحالف ضمني.

وعليه، أجرى عباس عراقجي منذ أيام أول زيارة رسمية إلى كابل، يقوم بها وزير خارجية إيراني منذ (8) أعوام، والأولى منذ عودة طالبان إلى السلطة، وكان الهدف المعلن للزيارة هو تعزيز العلاقات الاقتصادية.

وزير الخارجية الإيرانيَ: عباس عراقجي

وبحسب مصادر إيرانية خاصّة، فإنّ المطالب الأفغانية تركزت حول ضبط الحدود الشمالية الشرقية لإيران، ومنع تجنيد الشيعة الأفغان في الحرس الثوري الإيراني، وتفكيك ميليشيا "فاطميون"، أو منح أفرادها الجنسية الإيرانية، والاحتفاظ بهم، مع التوقف عن دعم الجماعات المسلحة المعارضة لحكم طالبان، والتعاون الأمني فيما يتعلق بملف تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان. وفي المقابل، طلبت إيران توقيع مذكرة تفاهم تشمل التعاون الاقتصادي والأمني، مع اتفاقية خاصّة بشأن تدفق مياه نهر "هلمند"، وهو مصدر رئيسي للمياه في شمال شرق إيران، تتحكم فيه أفغانستان.

وكانت الإدارة الإيرانية قد نجحت في إبرام اتفاقية اقتصادية مع كابل بقيمة (35) مليون دولار في شباط (فبراير) 2024، مع السماح لطالبان باستخدام ميناء تشابهار في جنوب شرق إيران لتسهيل حركة الصادرات الأفغانية. وفي الزيارة الأخيرة عرض عراقجي على حكومة طالبان توقيع اتفاقية شاملة لربط السكك الحديدية بين البلدين، وتعزيز التبادل التجاري، والتعاون الأمني.

وخلال زيارته حثّ عراقجي حكومة طالبان على حماية حقوق الأفغان الشيعة، واحترام الاتفاقيات السابقة بشأن المياه، وتسهيل الهجرة القانونية للأفغان إلى إيران. ورحب رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة محمد حسن أخوند بهذه الطلبات، داعياً إلى تكريس علاقات إيجابية بين البلدين.

ويمكن القول إنّ التوجهات الإيرانية الجديدة تحاول الالتفاف حول الطوق السنّي الذي ترعاه واشنطن، ويمتد من دكا إلى دمشق، عن طريق اختراقه جيوسياسياً، وإعادة التموضع ضمن المحيط الآسيوي، بحيث يصبح نجاح طهران في اختراق المثلث الإسلامي الآسيوي المجاور خطوة استراتيجية هائلة، تمنحها قدرة أكبر على المناورة، والتحايل على العقوبات المتوقعة من إدارة ترامب، فضلاً عن التمركز ضمن طريق الحرير الصيني، والوصول إلى منفذ حيوي يمكن من خلاله فتح أسواق جديدة، وبناء تحالفات أمنية ضمنية، ممّا يمنح المشروع الإيراني المُحاصر قدرة أكبر على البقاء. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية