
قررت وزارة الأوقاف المصرية عودة الاجتهاد إلى دور العبادة، بعد تسع سنوات كاملة من تعميم الخطبة الموحدة على المساجد، وسمحت للأئمة والخطباء بتنويع موضوعات الخطبة، حسب شواغل كل إقليم أو محافظة، وتطويق أنشطة المساجد السلفية التي استفادت من نمطية الخطبة الواحدة لاستقطاب المصلين.
وطبّقت مصر الخطبة الموحدة على جميع مساجدها عام 2016 خلال فترة وزير الأوقاف السابق مختار جمعة، بدعوى أن البلاد تعاني من تطرف وإرهاب وتشدد ديني يستدعي ضبط أداء المساجد، وعدم السماح لأي إمام أو خطيب أن يغرد خارج السرب، أو ينتقي قضايا تتفق مع قناعاته، بما يقي الجمهور من التطرف.
وبحسب ما نقلته صحيفة "العرب" اللندنية، فقد قرر وزير الأوقاف الجديد أسامة الأزهري السماح للأئمة والخطباء بالاجتهاد وتخفيف الالتزام بالنصوص المكتوبة، للحد من استقطاب السلفيين للمصلين عبر مساجد صغيرة تنتشر في بعض المناطق، ومنح كل إمام وخطيب فرصة انتقاء موضوع ملح يتحدث عنه يوم الجمعة، من دون التزام بالموضوعات المحددة سلفا.
وبدت وزارة الأوقاف أكثر مرونة في التعاطي مع مسألة الخطبة الموحدة، وقالت يمكن تعميم خطبة واحدة على جميع المساجد في أول كل شهر، إذا كانت هناك قضية تحتاج إلى إجماع ديني حولها، لتصل إلى عموم الناس بنفس المعنى والمضمون، ولكن باقي أيام الشهر ستكون خُطب الجمعة حسب كل إقليم.
طبّقت مصر الخطبة الموحدة على جميع مساجدها عام 2016 خلال فترة وزير الأوقاف السابق مختار جمعة
في السياق، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة منير أديب إن الخطر من استمرار الخطبة الموحدة كان في المناطق الشعبية والريفية التي ينتشر فيها السلفيون، والمرونة في السماح بالاجتهاد وانتقاء قضايا واقعية تعيد الاعتبار للمساجد، وتقطع الطريق على كل فصيل يحاول استغلال التضييق على الأئمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أي جمود فقهي يصب في صالح العناصر المتطرفة، فما يصلح لمحافظة لا يتلاءم مع أخرى، ويجب البناء على وعي الأجيال الجديدة بأنها تبغض كل ما يرتبط بالتشدد، بحيث تجد مرادها في المساجد وعلى المنابر، بعيدا عن أي استغلال أو استقطاب أو خطاب يميل إلى دغدغة المشاعر.
وكان قد حظر على أي خطيب مسجد الخروج عن النص أو التحرر فكريا وانتقاء ملف محدد، ما أضعف مواقف الكثير من الأئمة المدربين والمعتدلين، لأنهم عاجزون عن تفنيد حجج المتشددين، ويتحركون وفق خطط تضعها وزارة الأوقاف ولا يحيدون عنها، وإلا تعرضوا للمساءلة وربما الإقصاء والتجميد الوظيفي.
وما أكسب التوجهات الجديدة لوزارة الأوقاف بشأن الخطبة نهجا واقعيا هو أنها قررت الاستعانة ببعض المراكز البحثية والاجتماعية المتخصصة لوضع ملامح خطبة الجمعة في الأقاليم، بما يتلاءم مع تطلعات مرتادي المساجد الذين سئموا من تكريس الجمود الفكري وقتل الاجتهاد والتنوع وتناقض الخطب مع القضايا الدينية الملحة.
وتمهد مرونة الخطاب الدعوي في المساجد لترميم العلاقة مع أبناء الجيل الجديد بالطريقة التي تجعلهم محصنين ضد الميل إلى تيارات متشددة اعتادت استغلالهم ومدهم بمعلومات دينية حول قضايا تمس همومهم الحياتية، لأن الشباب في هذه المرحلة بحاجة ملحة إلى من يشبع ميولهم الدينية.