إيران والدور الجديد لـ"حزب الله"

إيران والدور الجديد لـ"حزب الله"

إيران والدور الجديد لـ"حزب الله"


30/11/2024

خيرالله خيرالله

مخيف هذا الواقع اللبناني الذي يتميز برفض أخذ العلم بما حصل في الشهرين الماضيين، خصوصاً لجهة حجم الدمار الذي لحق بالبلد...

ليس في لبنان من يريد أن يحاسب ويسأل، في ضوء التوصّل إلى اتفاق وقف النار، عن ربط مصير البلد بمصير غزة ومغامرة «طوفان الأقصى» ذات النتائج المعروفة سلفاً. يبدو الوضع اللبناني مخيفاً إلى درجة تجعل صعباً، إلى حدّ كبير، تحويل اتفاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل إلى فرصة تمكن من البناء عليها لبنانياً، بما يجعل الدولة تستعيد دورها الطبيعي بعد سنوات طويلة من سيطرة «حزب الله» على البلد، بصفة كونه لواء في «الحرس الثوري» الإيراني ليس إلا.

منذ شهرين تفرّغت آلة الحرب الإسرائيلية لجبهة لبنان. قررت حكومة بنيامين نتانياهو الردّ على القرار الإيراني بفتح جبهة جنوب لبنان. عملياً، دمرت إسرائيل عشرات القرى القريبة من الحدود معها واستطاعت اغتيال معظم قيادات «حزب الله» بدءاً بالأمين العام حسن نصرالله.
ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما فرضت حصاراً على لبنان وباشرت إجراءات تستهدف قطع الطريق على نقل السلاح الإيراني وغير الإيراني إلى الحزب انطلاقاً من الأراضي السورية.

ليس ما يشير، أقلّه إلى الآن، إلى أن لدى «حزب الله» رغبة في تنفيذ القرار الرقم 1701 في ضوء الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، برعاية أمريكية وفرنسية، على وقف للنار.

من الواضح أن شيئاً لم يتغيّر بالنسبة إلى الحزب الذي يرى في التوصل إلى اتفاق النار الذي في أساسه القرار 1701 انتصاراً كبيراً له رغم كل ما حلّ به وبتركيبته وبنيته التحتية.. ورغم كل ما لحق بلبنان من خسائر.

من يقرأ نص القرار 1701 الذي صدر في أغسطس(آب) من العام 2006 يكتشف أن تطبيقه يعني، أول ما يعني، وجود منطقة عمليات في جنوب لبنان خالية من سلاح «حزب الله». لم يصدر عن الحزب إلى يومنا هذا، ما يؤكد استعداده للتخلي عن سلاحه لمصلحة الدولة اللبنانية.

يقرأ الحزب اتفاق وقف النار من كتاب خاص به، هو كتاب الأجندة الإيرانية لا أكثر. لا يزال يرفض الإطلاع على نص القرار، لا يزال في الواقع يعتقد أن لا شيء تغير بين العامين 2006 و2024.

لا يزال وقف النار فرصة كي يلتقط الحزب أنفاسه ويعزز وضعه اللبناني. عندما لا يستطيع الحزب تحقيق انتصار على إسرائيل، لديه في كل وقت بديل آخر هو الانتصار على لبنان.

توجد فوارق كبيرة بين حرب صيف 2006 التي افتعلها «حزب الله» لأسباب داخلية لبنانية مرتبطة أساساً باستكمال السيطرة الإيرانية على البلد في ضوء الانسحاب العسكري السوري منه نتيحة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

وفّر صدور القرار 1701، قبل ما يزيد على 18 عاماً، فرصة كي ينصرف «حزب الله» إلى التركيز على لبنان. لم يتلقّ الحزب في الماضي ضربات قوية كما حصل في 2024. لم يحترم أي بند من بنود القرار الصادر عن مجلس الأمن.

لم تكن إسرائيل بعيدة بدورها عن تأييد هذا التوجه، خصوصاً أن بقاء الحزب مسيطراً على جنوب لبنان يخدم مصالحها من منطلق أن الجنوب الخالي من الجيش اللبناني يمثل صندوق بريد متعدد الاستخدامات بالنسبة إلى الدولة العبرية.

لا يقتصر التغيير الكبير في 2023 و2024 على فشل رهان السياسة الإسرائيلية على «حماس» في غزة و«حزب الله» في جنوب لبنان فحسب، بل إن «طوفان الأقصى» خلق أيضاً خطراً وجودياً على الدولة العبرية، تماماً مثل الخطر الوجودي الذي ظهر من خلال صواريخ الحزب ومسيراته.

هاجمت «حماس» مستوطنات غلاف غزة. قتلت نحو 1200 إسرائيلي وآخرين من جنسيات أخرى. أخذت رهائن أيضاً. أما «حزب الله» فقد جعل نحو 70 الف إسرائيلي خارج المستوطنات التي يقيمون فيها في الجليل.

لم يكن في متناول نتانياهو غير الوحشية يلجأ إليها، لكنّ الجديد في الأمر أن إسرائيل أثبتت أنها تمتلك معلومات كثيرة عن الحزب وعن وجوده في لبنان وسوريا، خلافاً لما تمتلكه عن «حماس» التي كانت محاصرة في غزة والتي ارتضت بالحصار كونه يخدم مشروع استمرار سيطرتها على القطاع، بحيث لا يعني لها المشروع الوطني الفلسطيني شيئاً.

في انتظار استيعاب «حزب الله» أبعاد ما لحق به واكتشاف أن لا عودة إلى تجربة ما بعد حرب صيف 2006، سيكون سهلاً عليه إعادة توجيه سلاحه إلى الداخل. سيستفيد في ذلك من ضعف الأطراف اللبنانية الأخرى، ممثلة بمؤسسات الدولة التي تعاني من اهتراء ليس بعده اهتراء. يضاف إلى ذلك كله حال الضياع لدى السنة والمسيحيين والدروز.

يجعل تحكم هذه الذهنية بالحزب وقف النار اتفاقاً هشاً، رغم الرعاية الأمريكية له ورغم أنه جاء نتيجة اتصالات بين واشنطن وطهران.

هناك مصادر أمريكية عدة كشفت أن «الجمهورية الإسلامية» أعطت ضوءاً أخضر سمح بالوصول إلى اتفاق لوقف النار.

هذا لا يمنع طرح أسئلة من نوع هل يعود ذلك إلى شعور إيران بقوة الضربات التي تلقاها الحزب الذي يعتبر أحد خطوط الدفاع عن نظامها.. أم كل ما في الأمر أنها تعدّ لوظيفة جديدة لسلاح الحزب وتريد أخذ وقتها في ذلك؟

في النهاية، لا يمكن تجاهل أن حرب لبنان الأخيرة ستكشف هل يستطيع هذا البلد البقاء على قيد الحياة أم لا.. ما دام سلاح «حزب الله»، الذي تعدّ له «الجمهورية الإسلامية» وظيفة جديدة، موجوداً ولا قدرة لدى الدولة على جعله تحت سيطرتها.

يحصل كلّ ذلك رغم كل النيات الطيبة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أثبت مرّة أخرى قدرة كبيرة على التعاطي مع كلّ العقد الصعبة!

الرأي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية