ما هو مستقبل الإسلام السياسي في تونس؟

ما هو مستقبل الإسلام السياسي في تونس؟

ما هو مستقبل الإسلام السياسي في تونس؟


28/10/2024

رغم أن حركة النهضة الإخوانية سعت بالنأي بنفسها عن أي حركات إسلامية توصف بالسلفية أو التشدد طيلة فترة سيطرتها على حكم تونس، وقدمت نفسها على أنها حركة سياسية مؤمنة بالديمقراطية وملتزمة بتحديث تونس، وطرحت النشاط الدعوي جانبا لصالح التخصص في مجال العمل السياسي والالتزام بمبادئ الدستور الجديد، غير أن خبراء الحركات الإسلامية اعتبروا، منذ البداية، أن هذا التحول الأيديولوجي مجرد تكتيك مؤقت.

وقد تصاعدت المطالب منذ وقت طويل بضرورة حل الحركة، التي مثلت واجهة سياسية قوية، لقوى الإسلام السياسي في المنطقة، فيما يعتقد مراقبون أنه إذا ثبت تورطها في قضية الجهاز السري والاغتيالات، فإنه سيتم حظرها، "لكن هذا لن يمنع الإسلاميين من أن يكونوا موجودين بصيغة أو بأخرى".

النهضة استثمرت في الحكم 

وعلى مدى عقد من الزمن اعتبره التونسيون "عشرية سوداء"، لم تنجح حركة النهضة الإخوانية في وضع سياسات عمومية ناجعة تمكنها من تأصيل حكمها من خلال خلق الثروة وتلبية حاجيات التونسيين في العيش الكريم، وفقا لما تشير إليه أغلب التقارير المحلية.

وبمرور السنوات، تفطن أغلب المواطنين إلى أن الحركة تستثمر وجودها في الحكم وتستفيد من السلطة من دون أن تسعى لتغيير نمط الحكم ووضع سياسات عمومية تخلق الثروة وتحدث فرص العمل التي طالب بها التونسيون منذ 2011. 

بدأت متاعب حركة النهضة عندما نجح الرئيس قيس سعيد في تفعيل المادة الـ80 من الدستور السابق ليطيح البرلمان والحكومة اللذين كانت تهيمن عليهما الحركة آنذاك

وكانت جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تنذر بالانهيار خصوصاً مع تفشي فيروس "كورونا" وعجز حكومة هشام المشيشي حينها عن توفير اللقاحات علاوة على أن تنامي البطالة وإغراق البلاد في الدين الخارجي يدل على تهاوي الحركة التي استمرت في المكابرة ولم تقم بالمراجعات الضرورية لتضمن ديمومتها في الحكم والمشهد السياسي. 

هذا وذكر تقرير سابق لموقع "درج" أن زلزال 25 تموز/ يوليو 2021 وارتداده في 25 أيلول/ سبتمبر 2021 – فقدان الحزب السلطة والانشقاق المتعاظم عن قيادة متنازع عليها – وضعا نهاية لمرحلة من حياة “النهضة” السياسية، وفتحا صفحة عصيبة، يلوح في أفقها غموض وجودي. 

حركة النهضة ليست استثناء

هذا وبدأت متاعب حركة النهضة عندما نجح الرئيس قيس سعيد في تفعيل المادة الـ80 من الدستور السابق ليطيح البرلمان والحكومة اللذين كانت تهيمن عليهما الحركة آنذاك، وقد أدى ذلك إلى استقالة نحو 110 قياديين بالحركة من ضمنهم نواب سابقون ووزراء سابقون احتجاجاً على استفراد رئيس الحزب، راشد الغنوشي، بالقرار ووضع عقبات أمام إقامة المؤتمر الـ11 له.

رئيس حركة النهضة التونسية: راشد الغنوشي

وفتح ذلك الباب أمام سلسلة ملاحقات قضائية في حق قيادات بارزة من الحركة على غرار الرئيس التاريخي للحركة راشد الغنوشي ونائبه علي العريض والعقل المدبر للحركة نور الدين البحيري بسبب عديد من القضايا مثل "التآمر على أمن الدولة"، كما شملت الإجراءات التي أضعفت الحركة بصورة كبيرة غلق مقرها المركزي وتطويقه من قبل أفراد الأمن، مع بدء أبحاث في شأن تلقيها تمويلات من الخارج والمساهمة في تسفير التونسيين نحو مناطق القتال مثل سوريا للانضمام إلى جماعات إرهابية وغير ذلك.

الباحث السياسي التونسي، الجمعي القاسمي، يقول، في هذا السياق، إن "حركة النهضة تلاشت مثلها مثل تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة العربية ككل، عشرية ما سمي بالربيع العربي انتهت وتبين أن هذه التنظيمات كانت تستند في سرديتها السياسية إلى بعض المسائل التي تجاوزها الزمن".

وأردف القاسمي في تصريح "اندبندنت عربية" أنه "في ما يتعلق بالنهضة ليست استثناء على ما يجري في المنطقة العربية التي يتراجع فيها الإخوان من الأردن وليبيا والمغرب ومصر، وانطلاقاً من هذا تراجعت حركة النهضة كثيراً في الفترة الماضية وأسهمت القرارات التي اتخذها قيس سعيد في جعل الحركة في الزاوية، والآن الصفان القياديان الأول والثاني للحركة في السجن، والاعتقالات والمتابعات القضائية طاولت الصفين الثالث والرابع الآن".

يقول الناصري إن الإسلام السياسي لم ينته في تونس مشيرا إلى أن خلاياه النائمة لا تزال تتحرك على أمل العودة للمشهد السياسي في المرحلة القادمة

وشدد المتحدث على أن "هذه المعطيات مجتمعة تعطي رسالة مفادها أن هذه الحركة لا بد من القضاء عليها، لكن علمتنا التجربة أن الإخوان المسلمين عادة ما يتعاملون بالانحناء أمام العاصفة في المراحل الصعبة ثم يعاد بناء هذه التنظيمات من جديد، وحركة النهضة ليست استثناء في ذلك، والآن هي في مرحلة تراجع كبير ومن الصعب أن تنجح في استعادة مكانتها كرقم مهم فاعل في المشهد السياسي، لكن ذلك لا يمنع من القول إنها مثلها مثل تنظيمات الإسلام السياسي قد تجد نافذة ما أو طريقة تعود منها في مراحل أخرى".

للإسلام السياسي خلايا نائمة

وبالنظر إلى تحركات الإخوان الأخيرة، التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية ومحاولاتهم المستميتة في التشويش عليها، كشف رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري أن الخلايا النائمة للإخوان لا تزال رابضة بتفاصيل المشهد السياسي يرابطون بالزوايا والهوامش بانتظار فرصة للقفز إلى الواجهة وإشعال فتيل الفوضى، محذرا من أن عهد الإخوان، وإن انتهى سياسيا، فهو موجود في شكل خلايا نائمة تتحرك كلما كان هناك استحقاق مصيري أو حدث هام.

رئيس حزب (التحالف من أجل تونس): سرحان الناصري

تحرك قال إنه يأتي في شكل اندساس بشكل أو بآخر، سواء في صورة دعم مرشح معين لضرب خصمهم، أو محاولة بث الفتنة والفوضى عبر خطابات الكراهية وحملات التضليل، ما يستدعي حل الذراع السياسي للتنظيم، والمتمثل في حركة النهضة.

وفي حوار أجراه معه موقع "العين الإخبارية"، طالب الناصري بضرورة حل الحركة الإخوانية، محذرا من تبعات تأخير خطوة مماثلة على أمن البلاد.

يقول الناصري إن "الإسلام السياسي لم ينته في تونس"، مشيرا إلى أن "خلاياه النائمة لا تزال تتحرك على أمل العودة للمشهد السياسي في المرحلة القادمة"، وتابع: "ننتظر مراجعة قانون الجمعيات والأحزاب"، داعيا "القضاء إلى القيام بمهامه في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد".

كما حث القضاء على "حل حركة النهضة التي دمرت البلاد وساهمت في الخراب الذي نعيشه اليوم"، مشددا على ضرورة "القطع نهائيا مع هذا المكون الخبيث في المشهد السياسي".

بداية الإسلام السياسي في تونس

تاريخياً تعود ظاهرة الإسلام السياسي في تونس إلى عام 1972، حين تأسست "الجماعة الإسلامية" على يد 40 شخصية اجتمعت في ضاحية مرناق بتونس العاصمة، من بينهم الغنوشي ومورو والنيفر وصالح بن عبد الله والمنصف بن سالم. واختير الغنوشي زعيما للجماعة والنيفر نائبا له.

واقتصر نشاط الجماعة في البداية على الجانب الفكري والدعوي في المساجد والانخراط في جمعيات المحافظة على القرآن الكريم. وبدأ نشاطها الطلابي، وكان فكرها أقرب إلى فكر الإخوان المسلمين في مصر.وعقدت الجماعة مؤتمرها التأسيسي الأول عام 1979.

مع بداية الثمانينات، تغير اسم الجماعة ليصبح "حركة الاتجاه الإسلامي"، وأصبحت أول حركة إسلامية في تونس تجمع بين الدعوة والعمل السياسي. أبدت الحركة استعدادا للانخراط في التعددية السياسية وأكدت أنها تتبنى الديمقراطية ولا ترى تعارضها بينها وبين الإسلام.

وقوبل طلب الحركة الحصول على ترخيص رسمي بالرفض، وشن نظام الحبيب بورقيبة حملة اعتقالات على أعضائها أجبرت الحركة على العمل السري.

ومثلت بداية سنة 2011 نقطة تحول في تاريخ الإسلام السياسي في تونس، بعودة رموز حركة النهضة من الخارج، على غرار الغنوشي، ثم إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين عبر عفو تشريعي عام، لتسيطر الحركة بعدها على كل مفاصل الحكم، حتى إجراءات 25 تموز / يوليو 2021.


 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية