الاقتصاد في زمن كورونا: السياسات الذكية تصنع الفارق

كورونا

الاقتصاد في زمن كورونا: السياسات الذكية تصنع الفارق


20/05/2020

يتوقع خبراء اقتصاديون أن تؤدي السياسات المالية الموائمة للدورات الاقتصادية إلى تعميق الركود وإطالة أمده، حيث تشكل أزمة فيروس كورونا المستجد مسرعاً حقيقياً لأزمات ذاتية موجودة بالأصل في النظام الاقتصادي.
لذلك يعتقد المحلل الاقتصادي الدولي ماريو فانيلا أنّ صناعة القرارات المتعلقة بالسياسات هي السبيل إلى الحد من المخاطر، فهي في وقتنا الحالي أكثر أهمية من أي وقت مضى.

يعتقد المحلل الاقتصادي الدولي ماريو فانيلا أنّ صناعة القرارات المتعلقة بالسياسات هي السبيل إلى الحد من المخاطر

يقول فانيلا في تقرير نشره مركز الشرق للبحوث في دبي، الأحد الماضي: "كما قلت سابقاً، لا أستطيع أن أفهم تمسك بعض المؤثرين في الرأي العام بقناعاتهم حول توقع تعافي اقتصادي سريع ومتهور، مع أنه ليس سوى مجرد تمنيات. ستنخفض الإنتاجية نتيجة للدمار الاقتصادي الذي سبّبته هذه الأزمة. إنّ الافتقار إلى رد فعل سريع من قِبَل بعض البلدان، مثل إيطاليا، من شأنه أن يزيد من حجم هذا الانخفاض في الناتج. وسنرى ما إذا كانت تلك البلدان قادرة الآن على العودة إلى مسارها الصحيح بمزيد من الدعم والتدخل الأكثر فعالية". كما أعرب عن اعتقاده بأنه سيكون هناك صعوبات كبيرة في المرحلة التالية مباشرة بعد انجلاء أزمة فيروس كورونا المستجد.

خسائر الاقتصاد العالمي
وذكر بنك التنمية الآسيوي، الجمعة الماضية، أنّ الاقتصاد العالمي قد يخسر ما بين 5.8 إلى 8.8 تريليون دولار، نتيجة لوباء كوفيد-19، حسبما نقلت وكالة أنباء "شينخوا" الصينية.
وأوضح البنك، في تقرير جديد أصدره تحت اسم "التقييم المحدّث للأثر الاقتصادي المحتمل لكوفيد-19"، أنّ الخسائر الاقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ يمكن أن تتراوح من 1.7 تريليون دولار في ظل الإغلاق القصير لمدة ثلاثة أشهر، إلى 2.5 تريليون دولار في حالة الإغلاق الطويل لمدة ستة أشهر.

اقرأ أيضاً: الأزمة الاقتصادية والضم صاعقا تفجير للانتفاضة الثالثة
ووفق "سكاي نيوز عربية" التي أوردت التقرير، ستمثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ حوالي 30 في المئة من الانخفاض العام في الناتج العالمي.
ويُحدِّث التقرير الجديد النتائج التي تم تقديمها في تقرير آفاق التنمية الآسيوية 2020 الصادر في نيسان (أبريل) الماضي، والذي قدّر التكلفة العالمية لكوفيد-19 بما يترواح من تريليونين إلى 4.1 تريليون دولار.

زيادة الإنفاق على قطاع الصحة
وسارعت الحكومات في جميع أنحاء العالم للاستجابة لآثار الوباء، ونفذت تدابير مثل زيادة الإنفاق على قطاع الصحة، والدعم المباشر لتغطية الخسائر في الدخل والإيرادات.
وقال التقرير إنّ الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومات التي تركز على هذه الإجراءات يمكن أن تخفف من تأثير كوفيد-19 الاقتصادي بما يتراوح من 30 إلى 40 في المئة، مضيفاً أنّ هذا يمكن أن يقلل الخسائر الاقتصادية العالمية بسبب الوباء بما يتراوح من 4.1 تريليون إلى 5.4 تريليون دولار.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر فيروس كورونا على القطاعات الاقتصادية في قطر؟
ويقرّ فانيلا بأننا نعيش في فترة زمنية سيئة للغاية نتيجة تفشي فيروس كورونا، "لكنني لا أتفق مع وجه النظر التي لا ترى بصيص أمل في المستقبل. المخاطر السلبية موجودة، لكن الأزمات تصنع التغيير، ويمكن أن يؤدي التغيير إلى تحسن كبير؛ بيد أنّ هذا التغيير الإيجابي لا يمكن إحداثه إلا من خلال اتخاذ القرارات الذكية والمناسبة".
ما بعد كورونا ليس كما قبله
ويقول أيضاً: "لن يكون الوضع بعد أزمة كورونا كما كان في السابق، لكن في حال قام صانعو السياسات باتخاذ القرارات المناسبة، يمكن تحقيق الكثير. في ظل الأزمة الراهنة، من المؤكد أنّ السياسات المالية الموائمة للدورات الاقتصادية لن تساعد في تحقيق هذه الغاية، بل على العكس من ذلك، إنها ستزيد من شدة الأزمة وتطيل أمدها. والواقع أنّ السؤال لا يدور حول عمق الأزمة، بل حول طول الفترة الزمنية للأزمة".

بنك التنمية الآسيوي: الاقتصاد العالمي قد يخسر ما بين 5.8 إلى 8.8 تريليون دولار، نتيجة لوباء كوفيد-19

ففي ظل قرارات كالتي اتخذتها المملكة العربية السعودية بزيادة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 200٪ بين عشية وضحاها فيما جرى تخفيض بدل غلاء المعيشة، والذي يعتبر مثالاً صارخاً للقرارات الموائمة للدورات الاقتصادية، فقد يزيد ذلك، كما يقول فانيلا، من حدة وطول أمد الأزمة، فضلاً عن أنّ هذا من شأنه أن يخلق مزيداً من الضغوط المعيشية والاجتماعية، وقد لا يحقق النتيجة المرجوة في زيادة الإيرادات العامة الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الخطوة، وفق فانيلا، تدل مرة أخرى على اتخاذ قرار بمنح دور أقوى للقطاع العام. وتكشف هذه الأزمة بطرق متعددة عن اختلاف الأساليب والسياسات التي تتبعها الدول في إدارة حالات الطوارئ. فمن ناحية، هناك دور للدولة بوصفها شريكاً وداعماً للقطاع الخاص؛ ومن ناحية أخرى، هناك قرار بالاستمرار في الإستراتيجية القديمة (الخاطئة) للقطاع العام بوصفه المحرك الحقيقي الوحيد للنمو.

الأزمة كحافز للتغيير
قد تشكل هذه الأزمة حافزاً كبيراً للتغيير الذي من شأنه أن يقود العديد من البلدان إلى الخروج من أزماتها الحالية. قد يأتي التحول الاقتصادي الإيجابي (وبالتالي التحول الاجتماعي) من الأنقاض التي خلفها وباء عالمي. غير أنّ القرارات الخاطئة ستزيد من الانعكاسات السلبية للأزمة.
وفي نظر الخبير الاقتصادي الدولي، فإنّ المشاكل تكمن في ضعف الطلب، التوترات التجارية ستتفاقم دون إجراء إصلاحات. وقد أصبحت هذه الإشكالية أكثر تعقيداً في وقتنا الراهن، إذ من الواضح في السيناريو القائم أنّ المشكلة تكمن إلى حد كبير في ضعف الطلب، وليس في جانب العرض، رغم أنّ إعادة إطلاق العرض مهمة سهلة نسبياً، إلا أنّ تعزيز الطلب أمر أكثر تعقيداً.

اقرأ آأيضاً: الأزمة الاقتصادية تتفاقم في تركيا.. رؤوس الأموال تهرب
وتشكل الحالة الصينية مثالاً واضحاً، لكن يمكن الحصول على معلومات إضافية في كوريا الجنوبية وتايوان، وهما بلدان شهد كل منهما تفشي للفيروس لكن بدرجة أقل خطورة بكثير ولكنهما شهدا انكماشاً حاداً في الاستهلاك. في كوريا الجنوبية انكمش الإنفاق الاستهلاكي بنحو 12٪ في آذار (مارس)، في حين هبط الإنتاج بنحو 1٪ فقط. وفي تايوان، وهي بلد تمكن من تجنب تفشي الفيروس ولم يوقف قط نشاطه الاقتصادي، انخفضت مستويات الاستهلاك بينما استمر الإنتاج دون تغيير.

سلع بلا مشترين
ويعني هذا التفاوت في الفرق بين العرض والطلب أنّ العالم سوف يكون لديه عدد غير مسبوق من السلع التي تعجز عن إيجاد المشترين. وهذا الطلب الكاسد من شأنه أن يرغم المنتجين على تكثيف جهودهم من أجل الحصول على حصص أكبر من أسواق تتناقص وتنكمش. سوف تتلخص النتيجة الطبيعية لهذه الجهود في ارتفاع مستوى الضغوط المفروضة على الحكومات لحملها على الحفاظ على الوظائف المحلية والشركات المحلية؛ من أجل مساعدة أعمالها الداخلية في مواجهة المنافسين الأجانب.

اقرأ أيضاً: خبيران دوليّان: الإمارات تمتلك مقوّمات قيادة العالم في القطاعين الصحي والاقتصادي
ورغم أنّ حجم هذه الفرق في التغير بين العرض والطلب قد شهد ارتفاعاً غير مسبوق نتيجة الوباء، كما يلاحظ فانيلا، فإنّ هذه الظاهرة ليست جديدة على الإطلاق. سيؤدي هذا الوضع أساساً إلى زيادة التوتر بين المتنافسين التجاريين. وعلى هذا، فإنّ السبيل إلى مزيد من الصراعات التجارية يبدو مفتوحاً على نحوٍ متزايد. بطبيعة الحال، هناك أمل في التغيير، والذي سيتجسد في إصلاحات من جانب الدول الرئيسية موجهة إلى وقف تنفيذ سياسات إفقار الجار. وحتى الآن، يقول فانيلا: "إذا نظرنا إلى تصريحات الأسبوع الماضي، يبدو أنّ هذا الأمل بعيد المنال".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية