كيف كان الخميني وريثاً لعبد الناصر وحسن البنا؟

كيف كان الخميني وريثاً لعبد الناصر وحسن البنا؟

كيف كان الخميني وريثاً لعبد الناصر وحسن البنا؟


03/04/2024

"فليعلم شعب مصر أنّ الإسلام في مصر في خطر، وواجب على رجال مصر ونسائها أن يثوروا ضدّ هذه الحكومة [حكومة السادات] التي أعلنت منذ البداية حربها على الإسلام".
فتاوى الإمام الخميني/ المجلد 15، ص 318

التيار المحافظ في طهران يعتقد أنّ ما يجعل من إيران دولة إقليمية محورية ومؤثرة هو استنساخها لتجربة عبد الناصر

في خطابه إلى الشعب المصري، عقب ثورة 25 يناير مباشرةً؛ عرّج السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، على التاريخ الثقافي والسياسي للشعب المصري واصفاً إياه بــ "مصنع النوابغ"، الذين اختصرهم في: "محمد عبده، والسيد جمال [الأفغاني]، وسعد زغلول، وأحمد شوقي، وعبد الناصر، والشيخ حسن البنا"، وقد قابل الإخوان والناصريون في مصر معاً خطابه بالاستنكار الشديد، ما عدّوه بمثابة تسوية مُهينة بين المَلَاك والشيطان، كلٌّ بحسب خلفيّته، فيما اكتفى المصريون من غير هاتين الأيديولوجيتين بالتعجب من وضع عدوّين لدودين، مثل جمال عبد الناصر وحسن البنا، في خانة واحدة، واعتبارهما بمثابة عَلمين ينبغي التمسك بمنهجهما والسير عليه، بغضّ النظر عن الصراع المرير بين المنهجين، الذي استهلك 60 عاماً، على الأقل، من عمر المصريين.

اقرأ أيضاً: أربعون عاماً خمينية
سياسياً؛ كان المستنكرون والمتعجبون على حقّ، غير أنّ التحليل الأيديولوجي بإمكانه أن يكشف أنّ ما يبدو في الظاهر تناقضاً وتنافراً بين الأيديولوجيات السياسية هو في العمق متضافر؛ فقد صاغت رؤية حسن البنا وتجربة عبد الناصر، مع بُعد التصوف، التصور العام للدولة والحكم لدى مرشد الثورة الإيرانية، آية الله الخميني، والتي على ضوئها تحدث خامنئي بأريحية سياسية، وهو يحتفي بعبد الناصر والبنا معاً.
جمال عبد الناصر

ليس مجتمعاً استثنائياً
النقطة المنهجية، التي يجب التأكيد عليها قبل كلّ شيء؛ هي خطأ "النظرة الجوهرية" للمجتمع الإيراني، وبالتحديد كونه شيعياً، فبدلاً من أن نحصر الأيديولوجيا الإسلامية الشيعية في إدراكها لنفسها كعقيدة ثورية، يمكن النظر إليها بوصفها ظاهرة تاريخية مترابطة نظرياً وسياسياً مع ظواهر تاريخية أخرى في المنطقة، وبالتحديد مع الناصرية والراديكالية الدينية في مصر؛ وكون الثورة الإسلامية انطلقت من المذهب الشيعي، وتفادتها المراكز السنّية التقليدية العربية، لا يجعل من العقيدة الشيعية ثورية بشكل جوهري ودائم، ومن ثّم لا يمكن بحال الحديث عن ديمومة "الثورية الشيعية" التي بدأت بالحسين بن علي وتُوّجت بالخميني.

إيران مجتمع ضارب بجذوره في التاريخ وحافل بالتناقضات وشهد على مدار القرن العشرين العديد من الحركات الليبرالية والاشتراكية والشيوعية

فليست منتجة بحال تلك النظرة التي تعتمد الاستمرارية التاريخية أساساً لتفسير الواقع الإيراني؛ فالظواهر الحالية والمؤسسات هي بنت واقعها، وليست امتداداً، كما قد يتخيل البعض، لماضٍ عتيق، لكن لا ينفي هذا أنّ الثقافة تمثل مستودعاً عاطفياً وأيديولوجياً، يمكن استدعاؤه وتوجيهه بقصد التأثير في الحاضر، بشرط توفر الظروف الموضوعية لتحقق ذلك.
على هذا الأساس؛ سيكون نمطياً الكتابة عن إيران، سواء العدائي لـ "دولة الملالي"، أو الاحتفائي بتجربتها (انطلاقاً من مفاهيم توفيقية من بقايا الفكر القومي [الخصوصي] مع تطريز يساري مشتق من العالمثالثية)؛ فكلا الخيارين وجهان لضياع الفهم والتفكر في طبيعة التجربة التاريخية الإيرانية والرؤى المفهومية التي تقف وراءها.

اقرأ أيضاً: أول رئيس إيراني يكشف خيانة الخميني لمبادئ "الثورة"
إيران مجتمع ضارب بجذوره في التاريخ وحافل بالتناقضات، وشهد على مدار القرن العشرين العديد من الحركات الليبرالية والاشتراكية والشيوعية، فضلاً عن رجال الدين المعارضين للاشتغال بالسياسة، وكانت البلاد تضجّ بالتيارات الفكرية على تباينها، ومنها الإلحادية، قبل الثورة؛ لذا سيكون الحديث عن مجتمع ذي "ماهية ثقافية واحدة" محض لغو.
ولولا الصدام الطويل بين المؤسسة الدينية مع السلطة السياسية، الذي يرجع إلى القرن الثامن عشر، والنفوذ المعنوي الهائل للخميني، وتأويله للإسلام لاهوتاً وفقهاً بشكل راديكالي، لما أمكن تحريك خزان الذاكرة الثورية الكامنة في المذهب الشيعي، والتعبير عنها في حركة سياسية على المستويين؛ الميتافيزيقي والدنيوي.

علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية
وقد تنوعت ألوان الصحوة بين اليسار الإسلامي، بقيادة علي شريعتي، والإصلاح الديني والراديكالية الدينية التي قادها الخميني، الذي نجح في جذب الجزء الأكبر من الجيل الإسلامي الصاعد في السبعينيات، إضافة إلى القرويين والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى سكان الأحياء الحضرية الفقيرة، الذين شكلوا القاعدة الاجتماعية والحاضنة الثقافية للراديكالية الإسلامية، (هؤلاء كانوا، وما يزالون، "المستضعفين" الذين خطبت الثورة ودّهم كمحرومين ينشدون العدالة، وكانوا الأكثر تضرراً من سياسات الشاه الانفتاحية)، فضلاً عن قطاعات مهمّة من الطبقة الوسطى الإيرانية الساخطة على سياسات الشاه والمتلقية للدعاية الإسلامية التي تصورت الحراك الإسلامي على أنّه "استعادة لهوية" إيران الحقيقية والسليبة بفعل "التغريب"، وروّجت لتشييد نمط اجتماعي خاص ليس شرقياً (شيوعياً)، ولا غربياً (رأسمالياً).

مثل الأصولية الإسلامية السنّية، حاولت الأصولية الشيعية إدماج الحداثة داخل منظومة الإسلام، حيث يظلّ هو المرجعية العليا للدولة والمجتمع

ومن المفارقات الدالة في ظاهرة الصحوة الشيعية، التي تأخرت إلى حدٍّ ما عن نظيرتها السنّية؛ أنّ شعارها الأساسي "لا شرقية ولا غربية"، كان شعاراً ناصرياً بامتياز، وكانت مجلة "الثورة"، التي أصدرها الضباط الأحرار، عام 1955، في مصر، تضع هذا الشعار أسفل عنوان المجلة، وهو يعبر عن سياسة عامة انتهجها النظام الناصري تماشياً مع فكرة "عدم الانحياز"؛ إذ ورثت الصحوة الإسلامية، في نسختها الشيعية، الهوية القومية بعد تحويرها، وأخذ الخميني والمحيطون به يتبنّون أفكاراً من جعبة اليسار القومي تتعلق برفض الهيمنة الغربية التي أخذت اسم "الاستكبار" والانحياز لـ "قوى الشعب العامل"، التي سميت بـ "المستضعفين"، إضافة إلى بعض الأفكار الحداثية المتمحورة حول حريات محدودة بإطار دستوري يقنن الرؤية الإسلامية، ضمن أفق سياسي وثقافي، تحدده دولة ذات طابع إسلامي يحمي "ثوابت الأمة" و"خصوصيتها الثقافية" و"ميراثها الحضاري"، والأقانيم الثلاثة منتقاة من معجم اليسار القومي الذي ميز حركة عدم الانحياز بشكل عام، والناصرية ذات الصبغة الهوياتية بشكل خاص.
ولاية الفقيه كحاكمية
تماماً مثل الأصولية الإسلامية السنّية، التي حاولت، بدءاً من الأفغاني ومحمد عبده (اللذين احتفى بهما خامنئي في خطابه كنوع من استمرارية رؤية الأصولية الشيعية للإصلاح الديني) خلق مساحة داخل الإسلام لمستجدات الحداثة من أجل تمكين المجتمع من مواجهة الاستبداد والاستعمار، حاولت الأصولية الشيعية إدماج الحداثة داخل منظومة الإسلام؛ حيث يظلّ هو المرجعية العليا للدولة والمجتمع اللذين يخضعان ضمن هذه الرؤية لتصور كليّ إسلامي، في إطار مواجهة الاستعمار، كان سيد قطب هو المنظّر الأبرز لأسلمة الدولة الحديثة هذه، وكان الخميني أول من جعلها حقيقة واقعة.

اقرأ أيضاً: جهيمان والخميني وأفغانستان!
ففكرة الدولة الإسلامية؛ التي صاغها حسن البنا، وطورها سيد قطب من بعده، افترضت تجسد الإرادة الإلهية في الدولة، ولأنّ دولة الخلافة الراشدة أصبحت مستحيلة، ودولة المُلك الإسلامي (كما شرّحها ابن خلدون في مقدمته) زالت وزال مجتمع الطوائف والقبائل الذي نبعت منها، وأصبحت كتب "السياسة الشرعية" بلا معنى، لم تبقَ إلا الدولة الحديثة لأسلمتها عبر مصادرة المجال العام وإعادة بنائه وفق تصورٍ ما عن الإسلام.
لإنجاز أسلمة الدولة؛ كان على الخميني أن يتحدى صميم النظرة اللاهوتية الشيعية التي تتمحور حول فكرة تجسد إرادة الله في الإمام الغائب؛ وكحلٍّ شافٍ لأزمة غيابه المزمن طرح الخميني فكرة "ولاية الفقيه"؛ أي النائب الذي يمثل الإمام أمام جمهور أبناء المذهب ويحتكر القرار السياسي والديني، في ظلّ التزامه بتوافق القيادة الدينية العليا التي تحمي قراره من الشطط والتعسف.

حسن البنا
أمل الخميني أن تكون "ولاية الفقيه" على كامل الأمة، نيابة عن الإمام الغائب، الفكرة المركزية التي يعي الشعب به نفسه ورسالته ويحقق تجانسه السياسي والاجتماعي من خلال إيمانه بها، فيما تحصل الدولة بموجبها على تفويض هوياتي، يفوق كل تقييد حداثي، يمكنها من القرار السياسي.
كانت تلك القفزة اللاهوتية الاستثنائية كفيلة بمحورة معنى الإسلام حول السياسة، لا العقيدة، تماماً كما في الإحيائية السنّية التي تمحورت حول الدولة دون أن تنجح في حيازاتها، ومن ثّم استبعاد الفهوم والتأويلات التاريخية للإسلام، وتكريس الوجود الواقعي للدين في إيران كهوية ثقافية وواقع سياسي واجتماعي سلطوي، وليس كمكون شعوري يحظى بتقديسٍ تعويضي لتراث بدده الزمان، كما الحال في باقي المجتمعات الإسلامية التي لم تنجح فيها الأصولية في مصادرة آلة الدولة.

اقرأ أيضاً: لماذا قدّم الإخوان 3 تفسيرات مختلفة لرسالة التعاليم لحسن البنا؟
النتيجة الكارثية لهذا الخيار الهوياتي؛ تكمن في تحققه لمرة واحدة فحسب، بمعنى تحديد هوية معينة للدولة؛ حيث اختيار الأغلبية إلغاء حريتها في أن تختار شيئاً مختلفاً في المستقبل، ويصادر على اختيارات الأجيال اللاحقة التي لم تمنح حقّ الاختيار من الأساس. كلّ ذلك متناقض تماماً مع جوهر الديمقراطية التي ترفض أيّة فكرة مركزية مفارقة للواقع الاجتماعي ومفرزاته من قوى سياسية تتنازع للهيمنة على الدولة، وتمنح حقّ التراجع عن أيّ خيار سياسي وتبنّي خيار آخر.
بغير هذا المبدأ المؤسس للديمقراطية (الحقّ المتواصل في الاختيار) يكون من حقّ الشعب أن يختار لمرة واحدة في تاريخه، المرة التي يختار فيها دستوراً هوياتياً، وتكون كلّ الإجراءات الديمقراطية تنويعاً على هذا الاختيار الأبدي.

اقرأ أيضاً: كيف يقدس الإخوان المسلمون حسن البنا ؟
فقد افترضت المهمة الملحمية لتحرير الهوية في العالم السنّي، وهو ما جرى تكراره بشكل حرفي مدهش في إيران، أنّ "التحرر" لا يكمن في مجرد الاستقلال السياسي والاقتصادي عن الآخر الاستعماري؛ بل يكمن، وبالأساس، في استعادة نقاء "الذات الثقافية" للأمة، وأنّ التنوع الفكري والسياسي عدو يجب استئصاله، أو تحجيمه إلى الحدّ الأدنى، بسببٍ من حيلولته دون تربية الأمة على الحق، كان المغزى السياسي الوحيد لهذا الاهتمام الهستيري والغامض بهوية الأمة؛ هو وضع المتحدثين باسم الهوية (الطليعة المؤمنة بلغة سيد قطب) على رأس السلطة، فالأمة بوصفها جماعة ثقافية لا تحكم، ولكن تحكم الجماعة التي تقدم وتجسد تصوراً عن هويتها.
من الشعب إلى الأمة
كان نتيجة ذلك؛ أن تحول الصراع الفكري الذي دار بين العلمانيين بشتى أطيافهم والإصلاحيين واليسار الإسلامي والراديكالية القطبية (ممثلةً في الخميني) إلى صراع صفري يُفترض أنّ الطرف المنتصر فيه هو الذي يحدد ماهية ومعنى "الإسلام الصحيح"، وهكذا تحدد الإسلام كـ "مركز هوية" للشعب الإيراني يمثل جوهره، وتتعين حمايته.

 

وبتحول الإسلام إلى هوية تحوّل الشعب إلى أمة، والفارق بين الاثنين؛ أنّ الشعب، كما يقول شريف يونس، في كتابه "البحث عن خلاص"، عبارة عن جماعة سياسية ذات سيادة على أرضها ومواردها ونظامها، ولا تلتزم بالضرورة بأيّة أفكار مسبقة ومتعالية عن هويتها إلا أنّها صاحبة حقّ أصيل في تفضيلاتها السياسية، التي يجري التعبير عنها بشكل مؤسسي، من خلال البرلمانات والأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، يتم تأطيره عبر عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الدولة ومؤسساتها وبين أفراد هذا الشعب، على عكس مفهوم الأمة؛ الذي يعني تميز جماعة بسمات ثقافية ثابتة وغير تاريخية، وهو مفهوم يستدعي ويفترض أيديولوجيا تعلو على الناس وتحكمهم بقوة القوّامين عليها، والذين يحمون هويتها، هذا ما نظّر له البنا، وما طبقه الضباط الأحرار، بقيادة عبد الناصر.

 

اقرأ أيضاً: في ذكرى ميلاد عبد الناصر.. هل سقط المشروع القومي العربي؟
وفق هذه الهوياتية تكون المهمة الأولى هي تحرير الهوية من استلابها من الهيمنة الخارجية ومن عملائها في الداخل، وبالتالي يكون التطهير المعنوي والمادي للمختلفين ضرورة لا غنى عنها، كما لدى كل نزعة أو حركة هوياتية تسعى لإسكات آخرها الذي يلوث نقاءها المفترض. قدم سيد قطب "مانفيستو" لهذا التطهير، في "معالم في الطريق"، والذي كان بدوره رداً مباشراً على "الميثاق" الناصري، الذي حدد فيه عبد الناصر دوائر الانتماء: المصري العربي الإسلامي، وهي الدوائر التي كان حسن البنا واضعها من الأساس!
ولتمرير ذلك؛ كان لا بدّ للدولة من عدوٍ يهدّد وجودها، ويهدّد الوجود المميز لشعبها، فمما ورثته الثورة الإسلامية عن الناصرية ثقافة الرمز الجامع والعدو السياسي، وكانت كثافة صور الخميني في ميادين الثورة ضرورة لإغلاق هذه الدائرة بخلق رمز حيّ وشبه متعالٍ، وأب للأمة وحاميها، كان الحال نفسه مع عبد الناصر.
ماضي مصر حاضر إيران؟
ألحّ خامنئي في خطابه على أنّ مصر نموذج فريد، باعتبارها "أول بلد عربي أقام دولة مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية [الفترة الناصرية] ودافع عن مصالحه الوطنية في تأميم قناة السويس، وأول بلد وقف بكل طاقاته إلى جانب فلسطين، وعرف في العالم الإسلامي بأنه ملجأ للفلسطينيين".
كان الاستقلال السياسي وقضية فلسطين، المهمّتين اللتين اضطلع بهما النظام الناصري (إضافة إلى محاولات الاستقلال الاقتصادي لاحقاً)؛ وكانتا الميراث السياسي الذي استحوذ عليه الخميني الذي كفّر نظام السادات خليفة عبد الناصر لاعتقاده بردّته عن مذهب الاستقلال وخيانته لقضية فلسطين، وهو ما استمر مع خامنئي، وتجلى في خطابه للشعب المصري؛ حين قال: "حين يتجه أي نظام حاكم إلى دعم القضية الفلسطينية فإنه ينال دعم شعبه والشعوب العربية والمسلمة، وقد جربت مصر ذلك في الستينيات وأوائل السبعينيات، لكنه حين يقف [النظام] في الصف الآخر فإن الشعب يعرض عنه، وفي مصر ظهرت الهوة بين الدولة والشعب بعد اتفاقية العار في كامب ديفيد".

اقرأ أيضاً: عبد الناصر يدعم الثورة الإيرانية .. يا لثارات مصدق
واضعاً نصب عينيه التحولات السياسية والاقتصادية التي جرت في مصر في العقود الستة الأخيرة، اعتقد التيار المحافظ أنّ ما يجعل من إيران دولة إقليمية محورية ومؤثرة هو استنساخها لتجربة عبد الناصر في الاستقلال السياسي ورعاية قضية فلسطين والاستناد على اقتصاد قائم على سياسية صناعية ونقدية واستهلاكية "وطنية"، وبالتالي جعل إيران دولة صانعة لتاريخها الخاص، وأن التماهي مع أطروحات التيار "الإصلاحي" والانفتاح على الغرب لا يمضي بإيران إلى الأمام؛ بل يدمجها في نظام عالمي جائر، وبالتالي يدفعها دفعاً نحو مغادرة التاريخ، كما يقول خامنئي الذي يعتبر أنّ "أكبر جريمة ارتكبها النظام الحاكم في مصر؛ هي أنّه هبط بهذا البلد من مكانته الرفيعة إلى مرتبة آلة طيعة في يد أمريكا في لعبتها السياسية على صعيد المنطقة".

اقرأ أيضاً: "رسالة التعاليم" لحسن البنا: اترك عقلك واتبعني!
عكست تلك التناقضات انقساماً في عقل النخبة الفاعلة في إيران، على مستوى المرتكزات المعرفية، وعلى مستوى الاختيارات السياسية، بعد أن غيّر جزء من النخبة الحاكمة قناعاته اليقينيّة وتحولت مضامين اهتماماته من مواجهة "الاستكبار" (الإمبريالية) وتعزيز الانتماء القومي إلى الانفتاح على الغرب لتحرير الديمقراطية من وصاية "الطليعة المؤمنة" وتحقيق مزيد من الاندماج في الأسرة الدولية، وامتدّ الصراع ليشمل طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وسياسات إيران الخارجية وعلاقاتها المعقدة، وفي الأساس شكل الجمهورية الإسلامية ومقوماتها الأساسية.
كانت المعضلة أنّ الصراع يدور في ظل حقبة من تاريخ العالم يجري فيها توحيده اصطناعياً؛ عبر العولمة الاقتصادية والمالية؛ فالاقتصاد يزداد تشابكاً وتوحداً، والمستوى الثقافي في موازاة ذلك يعاد تركيب مكوناته ليصبح داعماً لـ "عقلانية السوق"، والبرجوازية الإيرانية ليست بمنأى عن هذا، وكردّ فعل على ذلك تتصاعد معاناة الفقراء واحتجاجاتهم ويُعاد إنتاج الهويات وترسيخها في جدلية معقدة يصعب تقرير ما تسفر عنه في قادم الأيام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية