"داخل حركة الشباب".. التاريخ السرّي لأقوى حليف للقاعدة

"داخل حركة الشباب".. التاريخ السرّي لأقوى حليف للقاعدة


02/02/2019

يحاول كتاب "داخل حركة الشباب: التاريخ السري لأقوى حليف للقاعدة"؛ الصادر حديثاً عن مطبعة جامعة إنديانا (2018)، للكاتبين الصحفيين؛ هارون معروف، ودان جوزيف، تقديم رصد تاريخي وتحليل توثيقي لمسار حركة الشباب المجاهدين الصومالية، وهو موضوع لطالما اجتذب اهتمام الباحثين الغربيين، لكن اتسمت غالبية الأبحاث التي تناولتها بالضبابية، وبفقر المعلومات وخلطها ببعض، وعلى عكس ما درجت عليه العادة؛ يتصدى هذا الكتاب الجديد لفهم تعقيدات الحركة وديناميتها منذ ظهورها إلى الآن في تحليل تاريخي متسند إلى كثير من المعلومات الغائبة في التحليلات المعهود لدى الدوائر المهتمة.

استفاد المؤلفان من خبرتهما الواسعة في تغطياتهما الصحفية عن الصومال ومقابلاتهما مع شخصيات بارزة نشطت بصفوف الحركة سابقاً

إنّ المنظور الذي يعتمده المؤلفان في هذا الكتاب غير معهود، فقد استفاد هارون معروف ودان جوزيف من خبرتهما الواسعة في تغطياتهما الصحفية عن الصومال، والمقابلات التي أجراها الصحفيان مع شخصيات بارزة، نشطت في صفوف الحركة سابقاً، لإنتاج واحد من أهم الكتب التي تناولت مشهد الحركات الجهادية في الصومال على الإطلاق.
وقد عمل هارون معروف في العقدين الأخرين كمراسل لإذاعة صوت أمريكا في قسم اللغة الصومالية، كما أنّه يغطي قضايا الأمن والتطرف والقرصنة وحقوق الإنسان والسياسة في المنطقة منذ أعوام طويلة. في حين أنّ دان جوزيف يشغل رئيس مكتب إفريقيا في غرفة الأخبار المركزية في نفس الإذاعة، وهو المنصب الذي ظل يشغله منذ ثلاثة عشر عاماً الماضية.

اقرأ أيضاً: هجوم نيروبي: حركة الشباب تعيد نشر الرعب في كينيا

يسعى الكتاب لتقديم فهم أفضل لنشأة سياقات الحركة، والبنية الهيكلية لنظامها الداخلي، وصولاً إلى صلتها بتنظيم بالقاعدة، وفي سبيل ذلك، يعرض العديد من المقابلات مع مقاتلين سابقين في صفوف الحركة، بمن فيهم مسؤولون وقادة كبار في الحركة، ممن انشقوا منها في الأعوام الأخيرة، كما يتضمن العديد من المصادر، بما في ذلك برقيات دبلوماسية أمريكية نشرتها "ويكيليكس"، ورسائل وُجدت في مخبأ زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.

وجاء الكتاب في أربعة فصول رئيسة، موزَّعة على عناوين فرعية، على امتداد 320 صحفة، يبدأ فيه الكاتبان بمقدمة عن ولادة التطرف في الصومال؛ حيث يجادلان بأنّ انهيار الدولة في الصومال في بداية التسعينيات مثّل أحد خطط الجهادية الإسلامية لتقديم أحد نماذجها، للوصول إلى الدولة الإسلامية المنشودة.

اقرأ أيضاً: ضربة جوية أمريكية تستهدف حركة الشباب الصومالية.. تفاصيل

فبعد أيام فقط من سقوط الدولة بدأت المنظمة، التي عُرفت وقتذاك باسم "الاتحاد الإسلامي" بالظهور، وإنشاء معسكرات للتدريب في كسمايو، وتم تداول تسجيلات تم جلبها من أفغانستان، تعود للشيخ عبدالله عزام عن الجهاد، بأيدي العائدين من الجهاد الأفغاني، وأبرزهم آدم أحمد عرالي، وإبراهيم حاج جامع (إبراهيم الأفغاني)، اللذان سيقودان تأسيس الحركة لاحقاً.

غلاف الكتاب

الفصل الأول: النشأة والصعود
يرى الكتاب أنّ فترة مجيء الفكر الجهادي الى الصومال بدأت عقب انهيار الدولة الصومالية مباشرة، فقد مثل العائدون من الجهاد الأفغاني نواة التأسيس الأولى لتأسيس الجهادية الصومالية، وتم في هذه الفترة افتتاح معسكر جهادي في كسمايو، يحمل اسم معسكر "خالد بن الوليد"، كما عقبه افتتاح معسكرات أخرى في مناطق "غدو" و"راس كامبوني".

اقرأ أيضاً: هل تموّل الاستخبارات التركية حركة الشباب الصومالية؟
وفي 1998؛ ظهر إلى العلن ما عُرف بالمحاكم الإسلامية، وعملت تلك المحاكم على محاربة قطّاع الطرق، وحل خلافات الأراضي بين الناس، والحفاظ على الأمن العام، وحلّوا أنفسهم بعد مؤتمر عرتة، عام 2000، وسلّموا سلاحهم لأول دولة نشأت بعد الانهيار.
لكن المحاكم عادت في نهاية عام 2004، حين اجتمعت المحاكم المبنية على أسس عشائرية في مقديشو، وأعلنت قيام "اتحاد المحاكم الإسلامية"، وهي مؤلفة من سبعة محاكم، ترأّسها الشيخ شريف الشيخ أحمد، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للحكومة الانتقالية.

كانت المحاكم أساساً تنظيماً عشائرياً، لكنه اختلط ببعض رواد العمل الجهادي، مثل: طاهر أويس، وإبراهيم الأفغاني، ومختار روبو، وآدم عيرو، وممّا قَوّى شوكة التيار الجاهدي؛ رغبة القاعدة بالحصول على موطئ قدم في الصومال، وتوسعة نطاق نشاطها في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب تهاجم مجمّعاً فندقياً في نيروبي.. تفاصيل

وفي آب (أغسطس) من عام 2006؛ أعلن الجناح الشبابي في المحاكم نفسه كمنظمة مستقلة عن اتحاد المحاكم الإٍلامية، وهم الألوية والسرايا المكونة من معسكر صلاح الدين ومعسكر راس كامبوني، وتم انتخاب إسماعيل محمود عرالي أول امير للحركة، وتولى حسن يوسف "أندي عدي" وزارة الدفاع، وعُيّن مختار روبو نائباً له، في حين تولى أحمد غودني "أبو الزبير" القيادة الأمنية.

ومع تفكّك اتحاد المحاكم الإسلامية، إبان الغزو الإثيوبي، ظهرت حركة الشباب كقوة مقاومة وحيدة متبقية ضدّ الاحتلال الأجنبي، وبين عشية وضحاها؛ انتقلت الحركة من كونها جزءاً صغيراً من الحراك الإسلامي، من أجل "تحرير" الصومال، إلى طليعة ذلك النضال.

هارون معروف المؤلف المشارك في الكتاب

الفصل الثاني: الصراع على مقديشو

يتناول الكتاب في الفصل الثاني القتال المرير الذي خاضته الحركة ضدّ الحكومات الانتقالية الهشة في الصومال، والتي كانت تستعين بالقوات الإثيوبية، ويسرد المؤلفان معلومات مفصلة ودقيقة عن بعض تلك المعارك، كما يتطرق إلى إستراتيجية الحركة التوسعية، ودورها في السيطرة على كبرى المدن في وسط وجنوب الصومال.

اقرأ أيضاً: هجوم جديد لحركة الشباب الصومالية
ففي كانون الثاني (ديسمبر) العام 2006؛ دخلت القوات الإثيوبية العاصمة الصومالية، وأطاحت بحكم المحاكم الإسلامية، لتؤسس المحاكم ما سُمي بـ "المقاومة الشعبية"، لردع العدوان الإثيوبي، لكن سرعان ما ظهر رفض الشباب القتال في صفوف المقاومة، بحيث قدموا أنفسهم كفصيل متمايز عن باقي تشكلات المقاومة بميله إلى الراديكالية.
وفي هذا الوقت؛ نصّبت الحركة أحمد غودني، المعروف بأبي الزبير، أميراً جديداً لها، ويخصص الكتاب عنواناً فرعياً خاصاً لأحمد غودني، أمير الحركة الأطول عمراً، والمؤسس الفعلي للحركة، وهو شخصية ذات كاريزما قيادية، وتخطيط إستراتيجي متقن، فرغم ارتباطه بالقاعدة، كمتدرب في أفغانستان، كان غودني خطيباً وشاعراً مفوّهاً، وحاول أن يقدّم حروبه بأنها امتداد لحروب التحرر من الاستعمار، عبر الأشعار التحررية.

أحمد غودني أمير الحركة الأطول عمراً والمؤسس الفعلي للحركة

وفي أقل من سنتين؛ باتت الحركة الفصيل الأقوى عسكرياً في الساحة الصومالية، ويذكر الكتاب أنّه في هذه الفترة دخل أكبر عدد من المقاتلين الأجانب إلى الصومال، لكنها أيضاً تلقّت خسارة جسيمة بمقتل قائد جيشها، آدم عير، بقصف أمريكي، في نهاية العام 2008.

يسعى الكتاب لتقديم فهم أفضل لنشأة سياقات الحركة والبنية الهيكلية لنظامها الداخلي وصولاً إلى صلتها بتنظيم بالقاعدة

وفي العام 2009؛ توصّل "تحالف إعادة تحرير الصومال" والحكومة الصومالية إلى توافق رسمي في جيبوتي، بموجبه تولى القيادي الإسلامي، الشيخ شريف الشيخ أحمد، رئاسة الحكومة الانتقالية الفيدرالية الصومالية، لكنّ الحركة رفضت هذا القرار، وشنّت حرباً ونجحت في السيطرة على معظم البلاد، عدا أحياء قليلة في مقديشو.

يتناول الكتاب بالتفصيل، تحت العنوان الفرعي: "منظمة راديكالية"، النظام الداخلي للحركة، وبنيتها الهيكلية، ويشير إلى أنّ القرار النهائي للحركة يعود لأميرها، وهذا ما يفسّر عدم تأثر الحركة بالخسارات التي لحقتها بمقتل الكيني صالح النبهان، المسؤول الأول عن المتفجرات في الحركة، وكذلك بمقتل قائد العمل الجهادي في شرق إفريقيا، فضول عبدالله محمد، الذي كان بمثابة جسر بين حركة الشباب وتنظيم القاعدة، وقد كان لفضول دور كبير في جلب موارد التنظيم والدعم المادي وجذب المقاتلين الأجانب، والأهم من ذلك؛ استفادت الحركة من خبرته العسكرية في كيفية صنع المتفجرات وتدريب الناس، وبوجوده اكتسبت الحركة التأثير الذي كانت تحتاج إليه وقتها.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تدعم إيران "حركة الشباب" الإرهابية
وفيما يتعلق بالنظام الداخلي؛ يشير الكتاب إلى أنّ للحركة مجلس شورى مكوّناً من 52 شخصاً، وثمانية مكاتب، بمثابة الوزرات، وتشمل: مكتب الدعوة، مكتب التفنيذ، مكتب الأمن، ومكتب الخارجية، مكتب المالية، مكتب الدفاع، ومكتب الإعلام. يتلقون مهامهم مباشرة من أمير الحركة، أحمد غودني.

الفصل الثالث: الهروب

تناول المؤلفان، في القسم الثالث من الكتاب، الانقسام والتطهير الداخلي الذي قاده الأمير السابق غودني، المعروف بأبي الزبير، والهروب الذي حصل داخل الحركة من قبضة أمير الحركة الذي اتجه إلى التسلط، كما يتناول أيضاً توسعة نشاط الحركة إلى خارج الصومال، مثل كينيا وأوغندا التي نفذت فيها الحركة بعض التفجيرات.

ففي عام 2011؛ بدأت بوادر خلاف بين قيادات الصفوف الأولى في الحركة تطفو على السطح، ودار الخلاف بين تيار يتزعمه أمير الجماعة أبي الزبير، وتيار معارض يتزعمه إبراهيم الأفغاني، وهو خلاف كان مرده أنّ بعض القيادات اعتبرت أنّ أمير الحركة استأثر بالحكم، وانحرف عن مسارها المحدّد سلفاً، وتحولت من حركة إسلامية محلية إلى حركة موغلة في التشدد، وأن الأمير أخذ الحركة إلى مزيد من الراديكالية.

اقرأ أيضاً: بعد وقف الدعم الإماراتي للصومال: مخاوف من تصاعد إرهاب "حركة الشباب"

وحاول إبراهيم الأفغاني التواصل مع أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، وإطلاعه على المخالفات الشرعية التي وقع بها أمير الحركة، لكن أبا الزبير اكتشف الأمر وقاد حملة تصفية داخل الحركة، شملت الأفغاني وعدة قياديين بارزين آخرين.

كما قامت الحركة باغتيال عدد من المقاتلين الذين أُدرجت أسماؤهم في قوائم القتل/ القبض، التي وضعتها المخابرات الأمريكية، وأسست الحركة شبكة من السجون السرية، التي تحبس بتهمة التجسس مواطنين من بريطانيا وأمريكا ودول غربية أخرى؛ قدموا إلى الصومال للانضمام إلى الحركة.

دان جوزيف المؤلف المشارك في الكتاب

الفصل الرابع: مستقبل الحركة

في الفصل الرابع والأخير؛ يخصص الكاتبان الحديث عن انبعاث الحركة، مع حصول انشقاقات وتصدّعات كبيرة في داخلها، كما يتناول ولادة فرع لتنظيم الدولة في الصومال، وعلاقة ذلك بمستقبل الحركة.
ويظهر السرد التوثيقي الذي يقدمه المؤلفان عن مسار الحركة كيف أعطى الغزو الإثيوبي، المدعوم من الولايات المتحدة، عام 2006، للحركة الدعم الشعبي الذي كانت تحتاج إليه لإضفاء الطابع الراديكالي على المواطنين العاديين، إلى الحدّ الذي سمح بولادة حركة جهادية قوية بهذا الحجم.

اقرأ أيضاً: الصومال: حركة الشباب الإرهابية تجبر الأهالي على التنازل عن أطفالهم

ومع ازدياد الضربات الجوية للطائرات بدون طيار تحت قيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونشر الولايات المتحدة حوالي 500 من قواتها في الصومال، مهمتهم تدريب القوات الصومالية حتى يتمكن الجيش الصومالي في نهاية المطاف من الدفاع عن نفسه، يخلص الكتاب إلى أنّه لا يبدو في الأفق أيّ انحسار في نشاط الحركة؛ بل تلجأ إلى تغيير قواعد اللعبة وأساليب القتال.

وفي النهاية، يذكر الكتاب بأنّ ما جعل الناس العاديين يبتهجون بحكم المحاكم الإسلامية ليس حبّهم للإسلاميين، لكنهم أردوا السلام فحسب، وهنا يبرز سبب رئيس لاستمرار حركة الشباب ينعته الكتاب بـ "الفيلة بالغرفة"، ويقول إنّ فشل الدولة في تقديم البديل فيما يتعلق بالأمن، وفرض نفسها على أرض الواقع، هو ما يفسح المجال لاستمرار الشباب، والاستثمار في الخراب.

لكن بلا شك، أن توفير السلام هذا، اقترن بفرض نمط متشدد من العيش، فيذكر الكتاب أنّ الجهادية الصومالية اختصرت بحركة طالبان الأفغانية، من حيث التحكم بالحياة العامة مثل تحديد كيفية اللباس، وأشكال قصّ الشعر المسموحة، كما منعت مشاهدة التلفاز، والموسيقى، وحرمت المرأة من معظم الوظائف العامة خارج البيت، وبدأت تلجأ لتأديب الناس علناً في الشوارع.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب المجاهدين الصومالية: كلما خفت بريقها توحّشت أكثر

وعلى المستوى الأيديولوجي؛ يقول الكتاب إنّ الحركة لا تبدو أنّها ستتراجع ما دامت توجد قوات أجنبية داخل الصومال، وستبقى القوات الأجنبية موجودة في ظلّ غياب جيش وطني موحّد، قادر على ضمان استقرار البلاد، ويلاحظ الكتاب أنّ حركة الشباب تحولت في الأعوام الأخيرة من جماعة سياسية إلى مؤسسة إجرامية، ترتكب العنف بشكل عشوائي، فقط لإثبات وجودها.
في المجمل؛ يعدّ الكتاب مرجعاً مهماً لكلّ الباحثين والمهتين بنشاط الحركات الجهادية في العالم، ويسدّ فراغاُ واضحاُ في المعلومات المتوفرة عن حركة الشباب، التي ظلت مجهولة تماماً، عدا ما توفره نشرات الأخبار السريعة حول العنف الذي ترتكبه، وعلى عكس ما درجت عليه العادة؛ يذهب هذا الكتاب أعمق، ويقدّم معرفة وأسراراً ظلت طيّ الكتمان حول حركة الشباب الجهادية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية