داعش يلجأ إلى الرسوم المتحركة لإعادة دوران عجلة التجنيد

داعش يلجأ إلى الرسوم المتحركة لإعادة دوران عجلة التجنيد


28/10/2018

محمود زكي

تواترت محاولات تنظيم داعش للعودة سريعاً إلى الحلبة الإعلامية بإطلاق عملية جديدة عبر فتح قنوات من الدعاية الجذابة. وعكس التوسع في استخدام الرسوم المتحركة مؤخراً، من خلال إطلاق حلقات كارتونية تبث جوانب إيجابية من أيديولوجيا التنظيم المتشددة، دخول ملعب مثير، في محاولة لغزو عقول الأطفال والشباب، وصب التركيز على عودة الدوران في عجلة التجنيد التي تعطلت نسبياً.

وأثارت سلسلة حلقات من الرسوم المتحركة أطلقها داعش مؤخراً على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً بعدما كشفت عن استراتيجية جديدة تبناها التنظيم الإرهابي لبث أفكاره وأطروحاته عبر مقاطع كارتونية قصيرة.

استبدل داعش أدواته التقليدية المعتادة، وأبرزها المقاطع المصورة التقليدية لمشاهد القتل والتعذيب أو مقاطع لحياة مجتزئة داخل جدران الخلافة الإسلامية المزعومة قبل سقوطها العام الماضي، بالإضافة إلى بيانات قصيرة عبر وكالة "أعماق" وصحف متخصصة مثل "رومية " و"نبأ"، ليلجأ إلى أداة جديدة لـ"البروباغندا" مستعيناً بأفلام الرسوم المتحركة.

اخترع داعشيون شخصية كارتونية تدعى "العابد لله" ترتدي ملابس التنظيم التقليدية من جلباب واسع ورأس حليق ولحية كبيرة بالإضافة إلى علم داعش الأسود. وتقوم في كل حلقة بزيارة منطقة رمزية هامة، أبرزها البيت الأبيض في الولايات المتحدة وقصر وستمنستر في بريطانيا وبرج إيفيل في فرنسا وسور الصين العظيم.

ويدعو الشخص الكارتوني أنصاره من المسلمين إلى فهم مؤامرات تلك الدول الغربية على الإسلام وضرورة دحر خططها ومهاجمتها في عقر دارها. وينتهي كل مقطع بتفجير المكان الذي يبث منه الحلقة. وتشمل حلقات الكارتون أيضا حكايات أخرى تكرم بعض قتلى داعش وقادته وتتحدث عن أهم العمليات الإرهابية التي ارتكبوها. استعان داعش بسلاح مضاد استخدم ضده في عام 2015 مع زيادة عدد المنضمين إليه من أوروبا ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وقامت وقتها بعض الدول بإنتاج رسوم متحركة لتوعية الأطفال والشباب بمخاطر الانضمام إلى الكيان الإرهابي.

واستغل داعش النجاح الملموس الذي حققته الرسوم المتحركة في توعية الطلاب في المدارس، بإطلاق سلاح الإعلام الكارتوني المضاد لأول مرة في وجه تلك الدول بتقديم شخصية مماثلة تبث أفكار التنظيم.

لم يكن المثير للدهشة قدرة التنظيم على البحث عن سبل جديدة للحفاظ على القاطرة الإعلامية في المضي نحو تحقيق أهدافها، إنما المدهش هو جودة العمل المقدم والقدرات الهائلة لإنتاج ورسم الشخصيات الكارتونية وصناعة إلقاء متقن بالعربية والإنجليزية وتعدد الأصوات وجودة الخطابة، ما أسهم في طرح التساؤل حول من يقف خلف عمل تنظيمي متعدد الإمكانات والمهارات؟

حاولت الباحثة النمساوية كيندل ريوزك الإجابة عنه في سلسلة مقالات منشورة بالمجلة العلمية "ميمري". وقالت "قادة داعش لا يمتلكون فقط فرق إعداد وتقديم مواد إعلامية جيدة، لكن ما يتميز به أنصار التنظيم هو تنوع الأفكار والقدرة على خلق أدوات إبداعية، مثل الرسوم المتحركة للترويج لأفكارهم بشكل مباشر وجذاب".

ربطت ريوزك بين ما صنعه وزير الإعلام النازي يوزف غوبلز خلال الحرب العالمية الثانية، والمعروف بأنه أحد أشهر مهندسي البروباغندا في العالم، وما يقوده إعلاميو داعش في الوقت الحالي، مؤكدة أن النازيين أول من استخدموا الرسوم المتحركة كأداة للدعاية، والتي وجهت إلى الألمان لتعزيز الأفكار النازية والترويج لفكرة السيادة على العالم وحماية الدولة والشعب.

يبقى السؤال الأهم يدور حول هوية منتج تلك الأعمال الجديدة، حيث تمهر كافة المقاطع المتحركة لداعش باسم "مؤسسة العبد الفقير"، وحسب ما أعلنه أحد حسابات داعش على تلغرام هي وكالة رسمية جديدة أطلقها التنظيم بداية عام 2018 ومختصة بصناعة المواد الإعلامية الموجهة إلى الشباب والأطفال. وإلى جانب الأفلام المتحركة، تنتج المؤسسة مجلة شهرية باسم "شباب الخلافة" بالإضافة إلى كتيبات غير منتظمة للأطفال باسم "أشبال الأمة". ورغم حداثة المشروع الداعشي الجديد حقق صدى واسعاً بين العديد من الفئات، لأنه يبث لفئة واضحة من المتابعين ويحمل أهدافا رئيسية، مثل الدفاع عن التنظيم الدموي والتأكيد على قوته وهيمنته، وتعزيز الكراهية للغرب والحكومات بشكل عام، وهو ما يصب في النهاية لصالح استقطاب شباب جدد لصفوف داعش. تعد معضلة كشف آلية العمل بداعش في خليته العنكبوتية الممتدة على شبكة الإنترنت والمجهولة إلى حد بعيد، مسألة مهمة، لأن كشف هوية صناع الرسوم المتحركة أمر معقد.

يستبعد خبراء أن يكون أعضاء ينتمون إلى داعش هم صناع الأفلام المبثة لصعوبة الحرفة ذاتها، وتعقيد سبل تعلمها أو إيجاد مصممين للغرافيك والرسم الكاريكاتيري، واستخدام برنامج "ثري دي مودلينج" و"فينل كت"، وهما برنامجان يحتاجان إلى تدريبات خاصة وكمبيوترات متقدمة.

ويقول الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب بجامعة أبردين في إسكتلندا أنطوني أنغرام لـ"العرب" إن بعض مقاطع الرسوم المتحركة التي بثها التنظيم عبر قنواته الإعلامية على تلغرام احتوت على درجات عالية من تقنية ثلاثية الأبعاد (ثري دي)، وأبرزها المقطع الخاص بتأبين التكفيري محمد العدناني، الذي برز فيه مرسوما بفن الكاريكاتير، رجلا يحمل سلاحا ويسير في الصحراء ناظرا إلى السماء. وبدت لقطات العمل عالية الجودة وندرت فيه الأخطاء الفنية.

وحمل المقطع خطابا بلغة عربية وترجمة إنجليزية سليمة، تحدث فيه عن إنجازاته "داعين فيه الله أن يرحمه ويدخله فسيح جناته".

ويشير أنغرام إلى وجود تناقض ملحوظ بين جودة الرسوم وضعف الحبكة الدرامية والإلقاء والسيناريو، إذ تفتقر الرسوم المتحركة التابعة لداعش إلى الإبداع في الصياغة وتأليف القصة، فهي مباشرة إلى حد كبير، فتعرض صورة لتمثال الحرية الأميركي ثم تقول إن الولايات المتحدة بلد سيء يريد القضاء على المسلمين وقتل الأبرار، وأنه لا يوجد ترابط قوي بين المشاهد المختلفة ولا رؤية قصصية متقنة.

ويرجح أنغرام في تصريحاته لـ"العرب"، أن يكون سبب ذلك اعتماد داعش على تقنين متخصصين في صناعة الرسوم المتحركة من خارج التنظيم عبر "المحتوى العميق" ويحتوي على عالم خفي تصعب مراقبته ويتيسر عن طريقه إجراء كافة عمليات الشراء والبيع والاستبدال لكل الأشياء الممنوعة من سلاح ومخدرات إلى تجارة الأعضاء والدعارة.

ويرى أنه ربما تم تنفيذ تلك الرسوم عبر صفقة مع أحد الشركات غير الشرعية على الإنترنت، واتفق على أن تكون تلك الشركة مسؤولة عن التصميم والإنتاج والرسم والمونتاج، بينما يتولى داعش المحتوى الداخلي من قصة وترابط وحبكة، ما عزز الفجوة بين جودة الرسوم المتحركة وتدني القصة والحوار.

ويبدو أن التنظيم أمام مرحلة انتقالية رتيبة بعد أن تقلصت كافة أجهزته، ومن بينها الإعلام الإلكتروني، أقوى أذرعه وصانع مجده المزيف، ومع الخسائر التي أُلْحِقت به في سوريا والعراق والحصار القاسي على جنود التنظيم في ليبيا، بات داعش في أوج الحاجة إلى خلق طرق متطورة تواكب التغيرات السريعة وتبقي تواجده الإلكتروني ليعوض غيابه الميداني المؤثر.

جاء دخول التنظيم عالم الرسوم المتحركة كأحد تلك الدلالات التي اختار فيها تحول صناعة "ميكي ماوس" الموجهة للأطفال إلى باب خلفي قد يخترق به عقول أجيال جديدة وصناعة صدع مجتمعي آخر.

 

عن صحيفة  "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية