ما لا تعرفه عن الماسونية في البلاد الإسلامية

ما لا تعرفه عن الماسونية في البلاد الإسلامية


كاتب ومترجم جزائري
05/09/2018

ترجمة: مدني قصري


في جزء كبير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ليس للماسونية أيّ وجود قانوني، ومع ذلك؛ فقد كانت موجودة في وقت مبكر في العديد من هذه البلدان، رغم أنّ الأمر استغرق بعض الوقت لقبول المسلمين في النظام الماسوني.

يضمّ كتاب تييري زاركون (Thierry Zarcone)  هذه القصّة، إضافة إلى قصّة "مناهضة الماسونية الإسلامية" لكنّه يذكر أيضاً محاولات تكييف الماسونية مع البيئة الإسلامية، من خلال أوجه الشبه مع الأخوية الصوفية.

اقرأ أيضاً: علاقة الجمعيات السرية بالأديان

رغم محاولات ربطِها بأصول أكثر غرابة؛ فقد تميّزت الماسونية بالسياق التاريخي الغربي الذي تطورت فيه، وبتراث ثقافي مسيحيّ. للوهلة الأولى، لا شيء كان يهيئُها لأن تترسّخ في أجزاءٍ أخرى من العالم. لكن، إذا كانت قد حصلت على موطئ قدم في البلدان الآسيوية أو الإفريقية، فقد كان ذلك في أعقاب التوسع الغربي في القرن التاسع عشر، أولاً وقبل كلّ شيء للمستوطنين الغربيين. ومع ذلك؛ سرعان ما جذبت انتباه الناس من أصل محليّ، والذين رحّبوا بها مع بعض التردّد، كما انتشرت مكافحة الماسونية في الأراضي الإسلامية؛ حيثُ حُظرت المحافل الماسونية في كثير من البلدان.

كتاب زاركون: مناهضة الماسونية الإسلامية

تييري زاركون... خبير في الماسونية

هذا الحضور الماسوني في الدول ذات الغالبية العظمى من المسلمين، كثيراً ما أثار الاهتمام والفضول؛ ففي بعض الأحيان كانت الماسونية موضوع مقالات صحافية، كما كُرّست لها عدة كتب ذات نوعية مختلفة، بعّدة لغات، وهناك مجلد جديد مهمّ أُضيف قبل بضعة أشهر، يقدّم نظرة عامة، ليس فقط عن الوجود الماسوني في الدول الإسلامية، بل أيضاً عن تفاعله مع الدوائر الإسلامية، وعن تطوّر التصورات في هذه المناطق.

المؤلِّف مؤهَّلٌ بارز؛ لأنّه، تحديداً تييري زاركون، مدير الأبحاث في مركز البحث العلمي (الفرنسي) "CNRS"، ومدرّس في العديد من المؤسسات، وخبير مطلع في مجال المنطقة التركية الفارسية، ومؤلِّف كتاب ومقالات متخصصة في الطرق الصوفية، مع اهتمام طويل الأمد في عالم التلقينية.

لقد وقّع بالفعل، عام 1993، كتاباً بعنوان "صوفيون وفلاسفة وماسونيون في الإسلام"، وعام 2002، وقّع كتاباً بعنوان "أسرار وجمعيات سرّية في الإسلام، تركيا وإيران وآسيا الوسطى، القرنان التاسع عشر والعشرون، الماسونية، الكربونيريا والصوفية".

الهلال والبوصلة: الإسلام والماسونية

عنوان كتابه الأخير يلخص موضوعه: الهلال والبوصلة. الإسلام والماسونية: من الانبهار إلى الاحتقار (باريس، دار نشر دورفي، 2015)، الجزء الأول من الأجزاء الثلاثة هو بانوراما لتاريخ المَجمع الماسوني في البلدان الإسلامية، في حين يتناول الجزءان التاليان تطوّر ماسونية إسلامية ومناهضة الماسونية في الإسلام.

اقرأ أيضاً: هكذا تُغيث أموال المخدرات بنوك العالم!

في الواقع، من فترة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر؛ لم يكن الموقف تجاه الماسونية في البلدان ذات الثقافة الإسلامية متطابقاً دائماً، فعلى سبيل المثال: في البداية، الكثير من الكهنة الأرثوذكس ومثلهم من العلماء المسلمين تم الترحيب بهم واستقبالهم في المحافل الماسونية، لكنّ "هذا الزمن انتهى الآن" (ص 17)، علاوة على ذلك؛ فمن ناحية الأرثوذكس، أوّل إدانة لمجمع الماسونية تعود إلى عام 1747، وتمّ تجديدها عام 1793 بصوت البطريرك النيوفيتي الرابع (ص 41).

من الترحيب بالمسلمين في الماسونية إلى رفض المجمَع الماسوني

في حين تمّ استقبال بعض المسلمين في الماسونية في القرن الثامن عشر، على سبيل المثال: الطلاب أو التجار أو الدبلوماسيون المقيمون في الغرب، فإنّ المحافل الماسونية الأولى، التي تمّت إقامتها في البلدان الإسلامية، كانت مخصصة لنظرائهم الغربيين المقيمين هناك، لكن كانت هناك استثناءات نادرة.

لا يبدو أنّ المحافل الأولى في الإمبراطورية العثمانية قد قبلت أشخاصاً غير معتمدين، لكن، في المقابل، تمّ قبول بعض اليهود والمسيحيين المحليين، وكان لا بدّ من انتظار منتصف القرن التاسع عشر "حتى لا يخضع تلقين المسلم للاستثناء"(ص 39)، كما ظهرت محافل متعددة الإثنيات في جزر الهند البريطانية والهولندية خلال هذا القرن، رغم أنّ جميع المحافل الماسونية لم تكن متفقة في الترحيب بالأشخاص الأصليين.

الحضور الماسوني في الدول ذات الغالبية العظمى من المسلمين أثار الاهتمام والفضول

وفي الهند، كما يقول زاركون: تمّ استقبال المسلمين والزرادشتيين قبل الهندوس "بسبب الشرك ونظام الطبقات"(ص 49). وفي سوريا وفلسطين؛ حيث وُلدت المحافل الأولى في العالم الإسلامي، كان لا بدّ من انتظار أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر (1880)، للترحيب بأوائل الملقنين المسلمين الذين تمّ الترحيب بهم (ص 93).

هناك ملقَّنون مرموقون؛ فمن الحالات المعروفة حالة استقبال الأمير مراد في القسطنطينية عام 1872 (ص 71-74)، بعد أن أصبح سلطاناً، عام 1876، ثمّ عُزل بعد بضعة أشهر، واعتُقل من قبل شقيقه، وفي وقت لاحق، عام 1920، تلقّى السلطان مولاي حفيظ (الذي حكم المغرب من عام 1907 حتى عام 1912) تلقينه الماسوني في منفاه بإسبانيا (ص 65).

أما بالنسبة إلى أعضاء المحافل الفرنسية أو الإيطالية في شمال إفريقيا؛ فإنّ بعضهم أصبح مفتوحاً لاستقبال المسلمين منذ منتصف القرن التاسع عشر، لكن من خلال وضع هذا الاستقبال، ضمناً، في سياق أفق "المهمة الحضارية" أمام الشعوب الأصلية؛ أي وضع رؤية ليبرالية غربية مع الانخراط في "الدين العالمي"، كان أعضاء هذه المحافل الغربية يخشون العناصر المسلمة المتطرفة دينياً، وعلى العكس؛ لم يرغبوا في ظهور بيئة "مستنيرة"، تطالب بالتحرّر وتحلم بنهاية الاستعمار.

اقرأ أيضاً: هكذا ستنهار الحضارة الغربية داخلياً

وعام 1902؛ لم ترغب القمة الماسونية في شمال إفريقيا في إصلاح وضع المرأة المسلمة فحسب؛ إنما سعت أيضاً إلى إلغاء الأديرة الصوفية والمدارس الدينية (ص ص 63-64).

ويشير زاركون إلى أنّ نهج المحافل البريطانية مختلف؛ لأنّها تعترف بـ "تعددية المعتقدات الدينية"، "وبالتالي، يُقبل المرشح المسلم في محافل هذه الطاعة، مع اختلافاته، وهو ليس ملزماً، كما هو الحال في المحافل الفرنسية، بتجاوزها، أو حتى إنكارها" (ص 59).

مدخل المحفل الماسوني التركي الكبير. إسطنبول

شخصيات إصلاحية عربية وإسلامية في ماسونية

إضافة إلى مكانة أيّ مجتمع سرّي، تجذب المحافل الماسونية شخصيات إصلاحية، في هذا الشأن؛ يذكر زاركون أنّ الشباب الأتراك، الذين تمكّنوا من استعادة الدستور عام 1908، "كانوا كثيرين في الإقبال على المحافل الماسونية" (ص ص 75-76)، مع جعل هذه المحافل "تشتغل كأندية سياسية" (ص 78)، كما انتشرت الماسونية في المحافظات العربية، في الدولة العثمانية، في أعقاب هذه الثورة (ص 84)، وكانت الدوائر الماسونية تدعم الجمهورية التركية ومصطفى كمال (الذي لا نعلم إن كان ماسونياً أو لم يكن، لكن هذا الأخير، في وقت لاحق، طلب من المحافل أن تنام  إلى أن استيقظت الماسونية من جديد عام 1948).

الماسونية بأفغانستان كان حضورها ضئيلاً  وحضلات في عدد قليل من المحافل العسكرية الإنجليزية

كما يستحضر زاركون "التقليد الماسوني القوي في الدائرة المغلقة للدبلوماسيين الإيرانيين" في القرن التاسع عشر، الذين كانوا يتلقون تلقينهم في الخارج.

أمّا بالنسبة إلى آسيا الوسطى وأفغانستان؛ فإنّ الماسونية لم يكن لها سوى حضور ضئيل، باستثناء عدد قليل من المحافل العسكرية الإنجليزية، لكن الملك الأفغاني الإصلاحي حبيب الله (1872-1919) تلقّى تلقينه سرّاً في كلكوتا، عام 1907. (ص ص 88-89).

جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده

في مصر؛ المنفصلة عن الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1841، ازدهرت المحافل الماسونية، واستقبلت أيضاً العرب، ومن بينهم شخصيات مهمة في النهضة العربية والإصلاحية الإسلامية، بدءاً بجمال الدين الأفغاني (1838 - 1897) ومحمد عبده (1849-1905). وفي وقت مبكر من عام 1864؛ وُجدت طاعة ماسونية ذاتية الحكم في مصر، نشرت مجلاتها، وأنشأت محافل في سوريا ولبنان.

اقرأ أيضاً: هل كان بن لادن حقاً عميلاً لـ CIA تحت اسم تيم عثمان؟

ويشير زاركون إلى النجاح الكبير الذي حقّقته الماسونية في سوريا في العشرينيات من القرن العشرين، بمشاركة ممثلين عن العائلات الكبيرة في البلاد، وممثلي رجال الدين من الأرثوذكس والمسلمين في المحافل المتعددة الأعراق والمتعددة الطاعات، لكن لم يحل ذلك دون أن يصبحوا، في غالب الأحيان، ملحقين بأحزاب سياسية (ص 102-104).

بعض الرموز الماسونية

محافل الماسونية في فلسطين

في فلسطين؛ إذا كانت الماسونية قد تمكّنت، على ما يبدو، في البداية، من التغلب على الانقسامات؛ فقد انتهى الأمر بالمحافل العربية واليهودية إلى اتخاذ مسارات منفصلة: "تغلبت الأديان والقوميات على المبادئ الماسونية الكبرى"(ص 101). واليوم، معظم المحافل في "غراند لودج" (المحفل الكبير) بإسرائيل تعقد اجتماعاتها بالعبرية، والأغلبية الساحقة من أعضائه يهودية، لكن هناك محافل تتحدث بالعربية، في عكا وحيفا والقدس والناصرة (ليون زيلديس، "الماسونية الإسرائيلية" (Israeli Freemasonry).

أضحى النصفُ الثاني من القرن العشرين صعباً بالنسبة إلى المحافل الماسونية، في جزء كبير من العالم الإسلامي، مع ظهور القوميات والاستقلال، وعلى مرّ الأعوام، أدّى هذا إلى "العديد من حالات الحظر التي ما تزال قائمة إلى اليوم، لأسباب دينية أو سياسية. في الواقع؛ لا يمكن أن تكون منظمة ذات مهمّة دولية إلّا مشبوهة في نظر بناة الأمم الجديدة"(ص 112).

الماسونية اليوم في أربع دول عربية وإسلامية

في إيران، حيث ينتمي العديد من ممثلي النخبة إلى الماسونية؛ تَحوّل الوضع وتغيّر، بعد ثورة 1979، مع عواقب شخصية خطيرة (الإعدام، السجن، الإقصاء، ...إلخ)، وقد اختفت المحافل الماسونية (ص 114-115).

وبالمثل؛ الماسونية محظورة اليوم في معظم البلدان العربية، مع بعض التسامح في المغرب، رغم الحظر الرسمي، والانقطاعات و"المعارضة المتزايدة من قبل الإسلام"(ص 122).

اقرأ أيضاً: سيد قطب بين الماسونية والمايوه وقمع المخالفين

في تركيا؛ "ما تزال الماسونية، حتى الآن، الأكثر ديناميكية في العالم الإسلامي"(ص 128)، رغم هجمات القومية والأوساط الإسلامية (ص 126).

ووفق نظرة زاركون؛ فإنّ الأمر الماسوني مأذون به اليوم في أربع دول إسلامية (لبنان والمغرب، وتركيا، وماليزيا)، وقد اختفت من عدة دول أخرى (صفحة 217).

جمعية الماسونية في ماليزيا

التشابه بين الماسونية والصوفية

يتناول الجزء الثاني، وهو مثير بشكل خاص، محاولات توحيد الماسونية، سواء أكان الهدف منها العثور على تقارب مع التيارات الموجودة، أم تجريد ممارسة الماسونية من أي مضمون فكري.

تلعب التشابهات مع الأخوية الصوفية دوراً مهمّاً هنا، لكن منذ القرن الثامن عشر، تساءل بعض الماسونيين الأوروبيين؛ إن لم يكن الدروز أبناء عمومتهم، بل ذهبوا إلى حدّ جعلهم أحفاد البناة الحقيقيين لمعبد سليمان.

"هذه الشطحات الخيالية، الخالية من أي أساس تاريخي، تكشف الطابع الرومانسي لمسعى الماسونيين في البحث عن أصلهم الشرقي"(ص 136).

القواسم المشتركة بين الصوفية والماسونية

عمل مؤلفون آخرون على تحديد القواسم المشتركة بين الصوفية والماسونية، "توجد أخويتان صوفيتان عثمانيتان، ولا سيما البكتاشية والميلامية، في قلب هذا التقارب" (ص 134).

إنّ ما يثير الدهشة، بشكل خاص، هو أنّ الأمر ليس فقط مقاربة أوروبية؛ ففي تركيا وإيران على الخصوص، رأى المسلمون في الماسونية ما يعادل الأخويات الصوفية:

"بشكل عام، يعتبر المسلمون أنّ جميع المنظمات ذات البنية الهرمية وذات الطقوس والاحتفالات، حتى من خلفية غير مسلمة، شبيهة بالأخوية الصوفية، ويمكننا أن نذكر أنّ الماسونية والصوفية تتّحدان في ثلاث طرق مختلفة: من خلال ترجمة الطقوس الماسونية إلى اللغات الشرقية في المقام الأول، ثم بتفسير هذه الطقوس من قبل المسلمين، وأخيراً؛ فبفضل مجتمعات شبه ماسونية، تهدف إلى أسلمة المجمع الماسونية عن طريق دمج طقوسها مع طقوس الصوفية والأخويات الصوفية" (ص 144).

كان المفكر المسلم المؤثر رشيد رضا أوّل من وضع نظرية الخطر اليهودي الماسوني أمام المسلمين

وهكذا، وُجدت كلمات تنتمي إلى المصطلحات الصوفية لترجمة عناصر من المفردات الماسونية، ما يتيح "استعادة مفاهيم ماسونية غير قابلة للترجمة" (ص 179).

عام 1926؛ قدّم مؤلف تركي مقارنة، وإن كانت انتقائية إلى حدّ ما، بين الباكتاشيمية (Bektashism) والماسونية، للتأكيد على قربهما المفترض (ص 164-170).

هذا، وما تزال الجهود المبذولة لتسليط الضوء على نقاط الاتصال، والتكيف المحتمل للماسونية مع عالم من المرجعيات الإسلامية، التي يفكر الماسونيون في إيجاد معادلات ماسونية فيها، مستمرة حتى يومنا هذا.

منذ منتصف القرن التاسع عشر، وجدنا حالات غير عادية، مثل حالة الروابط التي يحتفظ بها "دير تيكه" (tekke)، في كتاشي في بلغراد، مع محافل ماسونية، بحدودها، لأنّه لم يكن من الممكن الحصول على تلقين في الدير "tekke"، دون أن يكون المعنيّ مسلماً (ص 151-158).

ويشير زاركون إلى منظمتين شبه ماسونيتين؛ في إيران والإمبراطورية العثمانية، كانتا "تزاوجان بين الطقوس والرموز الصوفية والماسونية. وكلاهما جمعيات سياسية أيضاً"(ص 161).

تأدية القسم على القرآن في المحافل

في الأشكال الكلاسيكية للماسونية، يؤدّي المتلقّن اليمينَ على الكتاب المقدس، ومنذ القرن التاسع عشر؛ أحصيت حالات من تأدية القسم على القرآن، رغم أنّ هذه الممارسة بعيدة عن أن تكون مقبولة من الجميع.

في المحافل التي تستمر اليوم في استخدام الكتاب المقدّس؛ يضع البعض القرآن إلى جانب الكتاب المقدّس، في الخمسينيات؛ كان البعض من بين عدد قليل من المسلمين الذين اعتنقوا الماسونية في الجزائر، يؤدون اليمين على القرآن، يقول زاركون (ص 179-180).

منذ بداية القرن العشرين، كان الانتقاد الرئيسي للماسونية أنها منظمة من صنع اليهود أو تحت سيطرتهم

في الاتجاه المعاكس، عام 1981؛ وقع مشهد في محفل ماسوني في المغرب، قرّر أنه في حالة وجود غالبية ماسونية من المسلمين، يجب أن يكون القرآن وحده موجوداً في المحفل، وهو ما أدّى إلى حدوث أزمة، أدّت في النهاية إلى رحيل المحفل (ص 180-181).

وجود القرآن هذا، على أية حال، ما لبث أن أثار مشكلات أخرى على الفور؛ لأنّه لا يجوز، من حيث المبدأ، أن يلمسه غير المسلم، أو المسلم الذي ليس على وضوء، هكذا تمّ وضع حلول عملية مختلفة (ص 183 - 185).

تعدّد الكتب المقدّسة؛ هو الأكثر تميزًا في بعض البلدان الآسيوية، حيث تضع محافل أخرى على المذبح، إضافة إلى الكتاب المقدّس والقرآن، كتباً مقدّسة بوذية وهندوسية وسيخية وفارسية (ص 183).

محفل الاتحاد الإفريقي: وهران، الجزائر

الماسونية تفسَّر على أنّها تهديد للإسلام

أخيرًا؛ لم يفت المؤلف أن يتناول مناهضة الماسونية في العالم الإسلامي: "منذ بداية تاريخها، واجهت الماسونية، في بلاد الإسلام، غضبة أكبر من تلك التي واجهتها في العالم المسيحي" (ص 217). لقد وَجدت الماسونية نفسها تحت نار الانتقادات، من قبل المسلمين والمسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس على السواء: "في سميرنا، من عام 1745، تجنّد رجال الدين الكاثوليك ضدّ الأعضاء الغربيين الأوائل في المَجمع الماسوني، وعلى الفور قلدتهم الكنائس الأخرى، وهكذا تمّ نقل العداء للماسونية منذ البداية، انطلاقاً من أوروبا.

منظمة من صنع اليهود

تكرّرت اتهاماتُ السحر والشعوذة تجاه الماسونية، واتهامات الشيطانية؛ فعلى الخصوص، منذ بداية القرن العشرين، كان الانتقاد الرئيسي للماسونية: "أنها منظمة من صنع اليهود، أو تحت سيطرتهم، تخدم مصالحهم ومصالح الصهيونية، قبل أن تصبح، ابتداء من عام 1948، في خدمة دولة إسرائيل" (ص 235). هنا نجد موضوع المؤامرة اليهودية-الماسونية، التي وُلدت أوّلاً في الغرب، ثم تكيّفت مع السياق الإسلامي.

كان المفكر المسلم المؤثر رشيد رضا (1867-1935)؛ أوّل من وضع نظرية الخطر اليهودي-الماسوني أمام جمهور مسلم (ص 236-241). موضوع المؤامرة اليهودية-الماسونية اتخذ ديناميكيته الخاصة في تركيا، في صلة مع حلقات من التاريخ المعاصر الخاص لهذا البلد؛ حيث كان الإنتاج المناهض للماسونية "أعلى بكثير من إنتاج بقية العالم الإسلامي (ص 250)؛ حيث أضحت الماسونية هدفاً لكلّ من الأوساط الدينية والقومية على السواء.

في الآونة الأخيرة؛ ذَكر زاركون نشْر نقد البعد الباطني للماسونية، من قبل الدوائر السلفية، وهو اتهام الباطنية (البحث عن المعنى السرّي للنصّ الديني).

من هذا المنظور؛ اتُّهمِت الماسونية بالبدعة الدينية (ص 296، 277-281).

الإدانة ضمن منطق المؤامرة

بشكل عام، أصدرت عدة مؤسسات وحركات في العالم الإسلامي إدانات ضدّ الماسونية.

يلاحظ زاركون؛ أنّ هذا يندرج ضمن منطق المؤامرة، الذي يرى أنّ الإسلام محاصَر من قبل العديد من الأعداء الذين يهدّدون مجتمعه وطريقة عيشه (ص 263). في هذا السياق؛ ليس من المستغرب أنّه منذ مطلع القرن العشرين ومحافل الماسونية المثبتة في العالم الإسلامي تواجه "تصاعداً في الهجمات ضدّها، في الصحف وعلى شبكات الإنترنت" (ص 283). ورغم أنّ زاركون لم يتوسّع حول دور شبكة الإنترنت؛ فإنه من المرجَّح أنّ الحركة السريعة للمعلومات الصحيحة أو الخاطئة التي لا حدود لها، قد ساهمت، إلى حدٍّ كبير، في هذا التطور الجديد، في صلة مع تشنّج بعض القطاعات من العالم الإسلامي.

التوافق بين الانتماء الديني والنهج الماسوني

من خلال هذه النظرة للوضع الراهن للماسونية في العالم الإسلامي، يبيّن "زاركون" أنّ الانبهار، سلباً كان أو إيجاباً، بالماسونية، وبالأسرار المرتبطة بها، لم تتطور في الغرب وحده؛ ففي السياق ذي الأغلبية المسلمة، ظلّت الأسئلة المتعلقة بمدى التوافق بين الانتماء الديني والنهج الماسوني، تطرح نفسها بشكل حادّ؛ ففي بعض البلدان، اجتذبت الماسونية أعضاء من النخبة، لكنّ هذا لم يجعلها في مأمن ضدّ النكسات وسوء الحظّ، على مرّ التطورات الاجتماعية والسياسية والدينية.

أصدرت عدة مؤسسات وحركات في العالم الإسلامي إدانات ضدّ الماسونية

المحافل الماسونية التي تمّ جلبها من الغرب والتي كانت، في بعض الأحيان، دوائر مخصّصة للغربيين، وبدأت في استقبال المسلمين، واجهت السؤال نفسه الذي تواجهه الأديان في بيئة ثقافية ودينية جديدة: هل يجب استيراد الممارسات ذات الأصل الأجنبي، مع منحها قيمة شمولية، أو اعتبارها مشروطة جزئياً بسياق ولادتها، والشروع، بجرأة، في طريق التثاقف؟ في هذه الحالة؛ إلى أيّ مدى يمكن الذهاب في هذا الاتجاه؟.

بعد إغلاق كتاب "زاركون"، يشعر القارئ بأنّ الاضطرابات التي رافقت الحياة الماسونية في الدول الإسلامية، ربما لم تستكشف هذه الخيارات بشكل كامل، إذا كانت المحافل الماسونية ستتمتع ذات يوم ببيئة مسلمة مسالمة في البلدان التي يهيمن عليها الانتماء الإسلامي، ربما سنشهد المزيد من التطورات والتهجين، تكون الحلقات التي وُصفت في هذا الكتاب، أولى علاماتها.


المصدر: religion.info

الصفحة الرئيسية