الاستبداد يحول الإقليم الصومالي الإثيوبي إلى سجن

الصومال

الاستبداد يحول الإقليم الصومالي الإثيوبي إلى سجن


27/08/2018

على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، استخدم النظام الإثيوبي خطاب "مكافحة الإرهاب" كسلاح سياسي للحفاظ على قبضته الاستبدادية على البلد وتعزيزها،خصوصاً في الوقت الذي أصبحت فيه "الحرب على الإرهاب" محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ حيث بادر النظام الإثيوبي بوضع نفسه كواجهة الشريك الأمثل والأكثر موثوقية لدى واشنطن في مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، في محاولة للاستفادة من الدعم السياسي والاقتصادي من هذه الشراكة.
واستخدمت النخبة التي حكمت إثيوبيا، آنذاك، المعونات التقنية والاقتصادية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب لبناء دولة مراقبة أوروبية مماثلة لتلك التي كانت توجد في ألمانيا الشرقية،حيث اختفت التعددية السياسية والصحافة الحرة والمجتمع المدني بشكل كامل ونهائي.وهو ما سمح للحزب الحاكم بفوز 99.6٪ من الأصوات في انتخابات 2010 و 100٪ من المقاعد في انتخابات عام 2015.

بعد الإطاحة بالرئيس الإقليمي السابق، خلفه إلى السلطة بصفة انتقالية مصطفى عمر البالغ من العمر 45 عاماً

كما وجدت تلك النخبة في مطية "الحرب على الإرهاب" إستراتيجية ملائمة لتحقيق ممارساتها السلطوية.واستخدمتها كمبرّر لسحق المعارضة.ولا عجب أنّ ميليس زيناوي، رئيس الوزراء الأسبق ومهندس هذه الدولة البوليسية، وصف "الحرب على الإرهاب" بأنها "هبة من السماء".لكن، منذ وصول رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد إلى سدة الحكم في نيسان (أبريل) الماضي، ظهرت بوادر جديدة للعلن تشير إلى الاتجاه بتخفيف حدة تلك السلطة القمعية، لقد أفرج أحمد عقب اختيارهعن آلاف السجناء السياسيين، واعترف أمام البرلمان بأنّ الدولة استخدمت التعذيب ضد المعارضين السياسيين في الماضي.

اقرأ أيضاً: أزمة الصومال .. الدور التركي والقطري

ومن شأن اعتراف أحمد أن يفرض مسؤولية قانونية على الحكومة الإثيوبية للتحقيق في تلك الجرائم ومقاضاة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات،فضلاً عن أنّهذا الاعتراف بأنّ الأجهزة الأمنية استخدمت كأداة للهيمنة السياسية،قد مهدت الطريق لعصر جديد من الأمل والتفاؤل في الشكل الجديد للدولة الإثيوبية.

الإقليم الصومالي الإثيوبي

يقع الإقليم الصومالي في إثيوبيا،أو الإقليم الخامس، بحسب التقسيم الإداري لدولة إثيوبيا، تحت السيادة الإثيوبية، ويناهز عدد سكانه حوالي 8 ملايين نسمة، ينتمي كلهم إلى العرق الصومالي، ويشتركون بروابط قبلية وثيقة مع باقي الصوماليين؛ في صوماللاند وجيبوتي والصومال. ويتحدثون اللغة الصومالية كلغة أم.
ويعتبر الإقليم واحداً من أكثر الأقاليم الإثيوبية تضرّراً من القبضة الحديدية التي حكمت البلد لعقود، ونظراً للمظلومية التاريخية لسكان الإقليم، الذي سيطرت عليه إثيوبيا بالقوة، فإنّخطاب مكافحة الإرهاب يأخد أبعاداً وتعقيدات مختلفة عن باقي مناطق أقاليم إثيوبيا، خصوصاً أنّ إيثوبيا تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي تتبع نظاماً فيدرالياً مبنياً على أساس العرق.

الاحتلال البريطاني ألحق الإقليم الصومالي بإثيوبيا عام 1948

قبل أشهر من وصول آبي أحمد إلى السلطة، وتحديداً في أيلول (سبتمبر) 2017، اندلعت اضطرابات واسعة بين الصوماليين والأروموا على طول الحدود بين مقاطعتي الإقليم الصومالي وإقليم أوروميا، واستمرت شهوراً، ما أسفر عن مقتل المئات وتشريد ما يقرب من مليون شخص. ويعتقد أنّ تلك التوترات ناجمة عن صراع على الأراضي،بيْد أنّ هنالك العديد من الأسباب المعقدة المحلية والإقليمية والسياسية والاقتصادية تقف خلف هذا الصراع.
وبعد وصول آبي أحمد إلى السلطة، سرعان ما اتضح أنّ رئيس الإقليم الصومالي، عبدي عمر، لم يدعم أجندة أحمد للإصلاح، وظل موالياً لجبهة تحرير تيغري الشعبية، التي هيمنت على التحالف الإثني للبلاد، قبل أن يصعد أحمد إلى السلطة. رفض عمر مراراً مقابلة مسؤولين من الإدارة الفيدرالية لأحمد، موضحاً لهم بأنه غير مستعد للتعاون معهم لإعادة المنطقة إلى طبيعتها.

اقرأ أيضاً: احتدام صراع النفوذ والمصالح في الصومال

وبذلك، استشعر رئيس الوزراء أحمد بالحاجة إلى التدخل، وأرسل قوات من الدفاع الإثيوبي إلى المنطقة في 3 آب (أغسطس). وسيطر الجيش الفيدرالي الإثيوبي على العاصمة الإقليمية وبعض البلدات الأخرى في المنطقة التي انتشرت أعمال العنف فيها.
من جانبه، هدّد الرئيس الإقليمي عبدي عمر بالانفصال عن الاتحاد باستخدام المادة 39 من الدستور الإثيوبي، الذي يمنح الأقاليم الفيدرالية الحق في تقرير المصير، بما في ذلك الانفصال. قبل أن يضطر إلى الاستقالة، وفي نهاية الأمر أُلقي القبض عليه.

التاريخ السياسي للإقليم

هنالك تعقيدات قانونية وتاريخية وسياسية قائمة بين المركز السياسي الإثيوبي وهوامشه؛ خصوصاً في حدوده الخارجية مع الصومال التي سيطرت عليه إثيوبيا بالقوة، وأخضعته من خلال الحكم بـ"حالة الاستثناء الأغامبينية"، بما يُتيح لها إمكانية التصفية الجسدية ليس فقط للخصوم السياسيين، بل لشرائح كاملة من "المواطنين" الذين تعتبرهم السلطة السيادية، لسبب أو لآخر، غير قابلين للاندماج في الدولة الإثيوبية.
تعود جذور القضية الى الأطماع التوسعية للإمبراطورية الإثيوبية في القرن التاسع عشر، حين استولى الإمبراطور منيليك على معظم المنخفضات الصومالية، لكن ظلت هذه المنطقة تتسم بالاضطراب الأمني،إذ واجهت الأنظمة الإثيوبية الثلاثة الأخيرة بدءاً بـ (الحكم الإمبراطوري 1980-1974) مروراً بـ (الحكم العسكري الماركسي 1974 – 1991)، وانتهاء بـ (النظام الفيدرالي الحالي 1991– الآن). صعوبة في إخضاع وحكم الإقليم الصومالي، مما جعلها تلجأ إلى العنف بشكل ثابت؛ بغية الاستدماج العنيف للإقليم في الجسد السياسي الإثيوبي.

ظل الإقليم الصومالي مصدر قلق وحروب

يتلخص العنف المرتكب في الإقليم باسم سيادة دولة إثيوبيا من خلال الأحكام العرفية وقانون الطوارئ و"عمليات التصدي للمتمردين"، بما يتسق مع الفكرة القائلة بأنّ بقاء الدولة يتوقف على قدرتها على ممارسة السيادة على حدودها، وفق تنظير فقيه الدستور الألماني وأبرز منظري نظرية السيادة كارل شميت: "صاحب السيادة هو من بيده إقرار حالة الإستثناء".

اقرأ أيضاً: كيف ساهمت الإمارات في مواجهة الإرهاب والقرصنة في الصومال؟

وفي جانب آخر، تعكس قضية الإقليم أحد مظاهر فشل النظام القانون لأفريقيا ما بعد الاستعمار.وكان الصومال، العضو في منظمة الوحدة الأفريقية، قد طالب منذ ولادته دولة مستقلة بالصومال الغربي، على أساس الوحدة التاريخية ونضال الصوماليين ضد المحتلين الأجانب. لكن لم تستجب منظمة الوحدة الأفريقية لذلك المطلب، وظلت تلك المنطقة مصدر قلق أمني وسياسي في منطقة القرن الأفريقي تطورت إلى نشوء حروب في بعض الأوقات.

جرائم ضد الإنسانية

في تقرير صدر في تموز (يوليو) 2018، وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التعذيب الوحشي للسجناء في السجن المركزي بالمنطقة، المعروف باسم "سجن أوجادين" والذي تسيطر عليه شرطة ليو. ووصف سجناء سابقون سوء المعاملة والتعذيب في السجن، مع حرمانهم من الرعاية الطبية الملائمة، أو رؤية أسرهم أو حتى الحصول من الطعام في بعض الأحيان. وقالت المنظمة إنه"ينبغي التحقيق مع المسؤولين الذين تورطوا في هذه الانتهاكات الجسيمة ضد السجناء، بغض النظر عن رتبهم، ويجب أن يواجه المسؤولون تهماً جنائية. وينبغي أن يشمل هذا تحقيقات محددة مع كبار المسؤولين في المنطقة الصومالية، مثل عبدلي ايلي وعبد الرحمن عبد الله بورالي، المعروف أيضاً باسم عبد الرحمن لاباغولي..(Labagoole)"

وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش التعذيب الوحشي للسجناء في السجن المركزي بالإقليم الصومالي المعروف باسم "أوغادين"

وقالت ماريا بورنيت؛ مديرة قسم الشرق الأوسط والقرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش: "للمضي قدماً، تحتاج حكومة إثيوبيا إلى ضمان العدالة لضحايا أكثر من عقد من الانتهاكات المروعة في المنطقة الصومالية". وأردفت: "ينبغي أن يتضمن جدول أعمال إصلاحات رئيس الوزراء آبي أحمد أن يستشعر المسؤولون عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،بأنهم لم يعودوا في مأمن من المساءلة".

انتهاكات مروّعة ضد الإنسانية

وفي تقرير عام 2008، وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ قوات الأمن الإثيوبية ارتكبت جرائم حرب بين منتصف عام 2007 وأوائل عام 2008، وأنّ القوات المسلحة الإثيوبية مسؤولة عن الجرائم ضد الإنسانية، استناداً إلى أنماط الإعدام والتعذيب والاغتصاب، والتهجير القسري الموثقة. ووجدت هيومن رايتس ووتش أنّ القوات الإثيوبية هجرت قسراً مجتمعات ريفية بأكملها، ودمرت وأحرقت عشرات القرى، وأعدمت المئات على وجه السرعة، بعضهم علناً لإرهاب المجتمع المحلي. كما اعتقلت قوات الأمن بشكل غير قانوني مئات المدنيين، تعرض العديد منهم للتعذيب أو الضرب أو الاغتصاب،وغير ذلك من ضروب الاعتداء الجنسي.

وبموجب القانون الدولي، فإنّ إثيوبيا ملزمة بالتحقيق مع المسؤولين عن جرائم الحرب ومحاكمتهم، بمن فيهم أفراد قواتها المسلحة.

أمل جديد

قبل شهرين، مثل آبي أحمد أمام البرلمان للإجابة عن أسئلة حول أداء حكومته. خلال الجلسة، بدأ أعضاء البرلمان في طرح أسئلة تتراوح بين قرار الحكومة بتطبيع العلاقات مع إريتريا وتحرير الاقتصاد من يد الدولة، ومن التماسك المجتمعي، إلى الإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين.

ورداً على تحدي دستورية وقانونية بعض تصرفات حكومته، خصوصاً الإفراج عن آلاف السجناء المتهمين بالإرهاب، جادل أحمد بأنّ الإرهاب ليس فقط العنف الموجه ضد الدولة، "بل ينبغي أيضاً اعتبار استخدام الحكومة القوة غير الدستورية للبقاء في السلطة إرهاباً".

مثل آبي أحمد أمام البرلمان للإجابة عن أسئلة حول أداء حكومته

وفي الجلسة نفسها اعترف آبي أحمد بأنّ قوات الأمن الإثيوبية تورطت في أعمال تعذيب للسجناء في الماضي، وبهذا الاعتراف بأن حزبه؛الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية(EPRDF)، استخدم التعذيب والتكتيكات الإرهابية للبقاء على السلطة في الماضي، أظهر أحمد جدية حقيقية باتجاه تغيير الدولة الإثيوبية للأفضل، ما خلق له إرتياحاً كبيراً لدى الشعب.

للمضي قدماً، تحتاج حكومة إثيوبيا إلى ضمان العدالة لضحايا أكثر من عقد من الانتهاكات المروعة في المنطقة الصومالية

وفيما يخص الإقليم،وبعد الإطاحة بالرئيس الإقليمي السابق، خلفه إلى السلطة بصفة انتقالية مصطفى عمر، البالغ من العمر 45 عاماً، وهو معارض شرس للنظام السابق، وهو نفسه تضرّر من النظام الإقليمي، حيث كان فاراً إلى الخارج في الـ11 سنة الأخيرة. وقبل عامين، قام النظام الإقليمي بإعدامٍ علني ووحشيّ لشقيق مصطفى عمر الأصغر، في محاولة لمعاقبته وإرغامه على الكفّ عن انتقاد النظام.

اقرأ أيضاً: لماذا أوقفت الإمارات تدريب الجيش الصومالي؟

وقد عمل مصطفى كضابط اتصال إنساني للأمم المتحدة في مقديشو وزيمبابوي والإمارات العربية المتحدة وكينيا. وقبل ذلك، شغل مناصب مختلفة في الإقليم الصومالي قبل أن يضطر إلى الفرار.
وفي يوم الجمعة الرابع عشر من الشهر الجاري، تحدث الرئيس الجديد مصطفى عمر إلى جانب رئيس الوزراء آبي أحمد وبمعية أحمد شدي رئيس الحزب الحاكم للإقليم، في لقاء جماهري مع مئات من الصوماليين في العاصمة أديس أبابا، تناوب المسؤولون التأكيد على رغبتهم في إحداث تغيير إيجابي ملموس على أوضاع الإقليم، والاتجاه نحو دولة القانون والمواطنة ورعاية حقوق الإنسان.

لقاء جماهري شارك فيه الرئيس الإقليمي الجديد مصطفى عمر ورئيس الوزراء

بدأ الرئيس الإقليمي الجديد أولى خطواته بتغيير علم الإقليم، والعودة الى العلم السابق، كما شدد على أنّاسم الإٌقليم هو الإقليم الصومالي، وليس (أوغادين أو أوغادينيا) كما يحلو للبعض بتسميته.
اختيار مصطفى عمر رئيساً للإقليم يعده الكثيرونخطوة بالاتجاه الصحيح، ويعلّق أبناء الإقليم الكثير من الآمال عليه، وعلى القيادة الجديدة في إثيوبيا، بامتلاك القدرة والرؤية على تصحيح الإلغاء والتهميش التاريخيين اللذين تعرض لهما الإقليم على مدى عقود طويلة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية