الإمبراطورية الإيرانية الوهمية

الإمبراطورية الإيرانية الوهمية


06/06/2018

عماد بوظو

في 22 أيلول/سبتمبر 2014 اعتبر مندوب طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني المقرب من خامنئي أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد بغداد وبيروت ودمشق وأن إيران الآن تمر بمرحلة الجهاد الأكبر.

في شهر نيسان/أبريل 2015 قال وزير الاستخبارات الإيراني السابق حيدر مصلحي إن إيران تسيطر فعلا على أربع عواصم عربية، وإن الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود، وإن جماعة الحوثيين في اليمن هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية.

وقبله قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي إن المسؤولين في إيران "لم يتوقعوا هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية لتمتد من العراق إلى سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان". كما صرح مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي بأن العراق هو عاصمة إمبراطورية إيران الجديدة. وقبلهما صرح نائب فيلق القدس اللواء إسماعيل قائاني: "إيران مستمرة "بفتح" بلدان المنطقة والجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على أفغانستان والعراق وسورية وفلسطين وأنها تتقدم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة".

كما صرح رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أن "إيران تحتاج إلى قواعد بحرية في مناطق بعيدة وقد يأتي اليوم الذي تنشئ فيه قواعد بحرية في اليمن وسورية، أو قواعد بحرية عائمة، ويجب التفكير بجدية في هذا الموضوع وهو أكثر أهمية من التقنية النووية". وتأييدا لهذا الكلام تناقلت الصحافة تقارير تتحدث عن استئجار إيران لجزر في أرخبيل دهلك من أرتيريا مع حصولها على تسهيلات في ميناء عصب بحيث أصبحت تتحكم بالسواحل الشرقية والغربية لجنوب البحر الأحمر.

وكان هذا جزءا من استراتيجية إيرانية شاملة تجاه إفريقيا تعتمد على إرسال مساعدات اقتصادية لبعض البلدان وتزويدها بالبترول والأسلحة بالإضافة للتدريب العسكري. ولا يقتصر ذلك على البلدان بل يشمل الكثير من الميليشيات المسلحة المعارضة للحكومات في السنغال وساحل العاج وزامبيا ونيجيريا والبوليساريو في الصحراء الغربية، بالإضافة لبناء مؤسسات تعليمية ودعوية، ونتج عن ذلك علاقات إيرانية مميزة مع بعض الدول مثل الجزائر وجنوب إفريقيا وغينيا بعد اكتشاف اليورانيوم فيها حيث ارتفع التبادل التجاري بينها وبين إيران بنسبة 140 في المئة.

كما وصل التمدد الإيراني إلى أميركا اللاتينية عبر علاقات خاصة مع فنزويلا وكوبا وأي دولة تتبنى سياسة معادية للولايات المتحدة. وتربط إيران علاقات قوية مع البرازيل وتشيلي والأرجنتين. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في كانون الثاني/يناير 2015 أنه تم اعتراض محادثات هاتفية بين إيران والأرجنتين تشير إلى وجود اتصالات سرية بين البلدين تهدف إلى تزويد الأرجنتين بالنفط الإيراني مقابل عدم توجيه الأرجنتين الاتهام لإيرانيين بتفجير المركز اليهودي في بوينس أيرس والذي أدى لمقتل 85 شخصا، وقام المدعي الخاص ألبرتو نيسمان بذكرها ضمن تقريره المفصل عن الاعتداء؛ وسرعان ما وجد هذا المحقق ميتا في شقته. وتشير المعلومات إلى أن هذه الاتصالات تمت بمعرفة حكومة رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا فيرنانديز، التي وجه إليها قاض أرجنتيني في نهاية 2017 اتهامات رسمية حول هذه القضية، كما أكد القضاء الأرجنتيني مؤخرا أن وفاة نيسمان كانت نتيجة عملية اغتيال.

في نهاية شهر نيسان/أبريل 2015 اعترضت البحرية الإيرانية سفينة تجارية تابعة لشركة "مايرسك" وأرغمتها على التوجه إلى ميناء بندر عباس الإيراني، كما أطلقت في شهر أيار/مايو 2015 نيران تحذيرية على سفينة تجارية وقال متحدث باسم شركة ترانسبترول النرويجية التي تدير السفينة أنها هوجمت بدون سبب وهي في طريقها لميناء الفجيرة. وفي كانون الثاني/يناير 2016 احتجزت إيران قاربين تابعين للبحرية الأميركية وعلى متنها عشرة بحارة أميركيين، وفي 24 آب/أغسطس 2016 قامت أربعة زوارق حربية إيرانية تابعة للحرس الثوري باعتراض المدمرة الأميركية "يو إس إس نيتز" قرب مضيق هرمز.

تجاوزت تصرفات إيران طموحات دولة إقليمية إلى محاولة لعب دور قوة دولية. واستمر هذا الحال وسلوك إيران حتى مطلع عام 2017 حيث بدأت الأمور بالتبدل، فنفوذ إيران في اليمن اليوم يختلف جذريا عما كان عليه الحال سابقا، حيث يتعرض الحوثيون لهزائم متكررة آخرها كان وضعهم الحرج في منطقة وميناء الحديدة المنفذ البحري الأخير لهم على العالم الخارجي، وفي حال خسارته تكون مناطق سيطرتهم قد تقلصت بشكل كبير. ولمعرفة الإيرانيين بذلك فإنهم يحاولون القول للأوروبيين إنهم جاهزون للتفاوض حول الموضوع اليمني بما يتماشى مع القرارات الدولية، ويصورون ذلك باعتباره تنازلا منهم على أمل أن يطلبوا شيئا بالمقابل، في سورية أو حول برنامجهم الصاروخي أو المساعدة بالالتفاف على العقوبات الأميركية.

أما في العاصمة الثالثة الواقعة تحت نفوذهم، وهي دمشق، فقد تغيرت المواقف الإقليمية والدولية من الوجود الإيراني فيها وكان العامل المهم لحصول هذا التغيير فيها الموقف الإسرائيلي. إذ انتقل من اشتراط ابتعاد الميليشيات الإيرانية عن مرتفعات الجولان وعدم نقل أسلحة إلى حزب الله في لبنان إلى الرفض الكامل لأي وجود عسكري إيراني في أي مكان من سورية، وأرفقت إسرائيل موقفها هذا بسلسلة من الغارات الجوية استهدفت عشرات القواعد والمنشآت الإيرانية وميليشياتها في مختلف المناطق السورية، وأدت، باعتراف الإيرانيين، إلى مقتل العشرات من الحرس الثوري والميليشيات المرتبطة به.

وبدت الأمور وكأن روسيا لم تستطع أو لا تريد الدفاع عن الوجود الإيراني في سورية، ولذلك اتهم بعض المسؤولين الإيرانيين روسيا بالتآمر على إيران، خصوصا بعد أن قال الرئيس بوتين نفسه بأنه على جميع القوات الأجنبية مغادرة سورية، وأكد مستشاره أن الإيرانيين مشمولين بهذا التصريح، وتشير المعطيات الحالية إلى أن مغادرة القوات الإيرانية لسورية ليست سوى مسألة وقت.

أما بغداد فإن الانتخابات الأخيرة قد أكدت حجم وقوة التيار الوطني العراقي الذي يرفض الهيمنة الإيرانية. والوضع الحالي في العراق يجعل من الصعب على مستشار خامنئي يونسي الادعاء بأن العراق هو عاصمة إمبراطورية إيران.

كما أن السودان قطع علاقاته مع إيران بداية 2016، وفي الشهر الماضي قطعت المغرب علاقاتها مع طهران، ويتم مراقبة ومتابعة شبكات إيران الدولية في كل مكان.

لكن الوضع داخل إيران نفسها هو الأكثر أهمية. فقد انخفضت قيمة العملة الإيرانية بشكل حاد خلال الأشهر الماضية رغم كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمحاولة تدارك ذلك، كما استمرت الإضرابات والاحتجاجات على سوء الوضع الاقتصادي من قبل سائقي الشاحنات للسيارات العمومية إلى العمال والمدرسين الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر.

وتدل كل المؤشرات على أنه لا توجد حلول قريبة في الأفق، خصوصا وأن مجموعة من الشركات الكبرى قد بدأت بالخروج من إيران مثل شركة "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"إيرباص" الأوروبية و"سيمنز" الألمانية و"جنرال إلكتريك" و"دانيللي" للصلب و"ميرسي" للشحن البحري وألغت شركة "ديلم إندستريال" الكورية الجنوبية عقدا بقيمة 2 مليار دولار لمصفاة نفط. كما قالت صحيفة واشنطن تايمز أن البنك التجاري السويسري قد علق أي معاملات جديدة مع طهران. وقال بنك بي سي بي في بيان نشرته وكالة رويترز: "أوقفنا أي صفقة جديدة تتعلق بإيران بعد الثامن من أيار/مايو 2018". وأعلنت مؤسسة الإقراض الألمانية عن إيقاف جميع المعاملات المالية مع إيران في تموز/يوليو المقبل، كما أن الكثير من المشاريع قد فشلت في الحصول على التمويل نتيجة للعقوبات الأميركية، إذ لن تغامر أغلب الشركات الكبرى بخسارة السوق الأميركية الهائلة مقابل العلاقات مع إيران خصوصا أن وضعها غير مستقر اقتصاديا وسياسيا.

رغم أن بيروت تبدو للآن وكأنها العاصمة العربية الوحيدة التي لم تتأثر بهذه التغيرات، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى زيادة تحكم حزب الله بالحياة السياسية اللبنانية، لكن الغطاء العربي على هذا الحزب لم يعد كالسابق بعد تصنيفه كتنظيم إرهابي من قبل أغلب الدول العربية ووضع عدد من قياداته على لوائح العقوبات مما يجعل خياراته خلال المرحلة المقبلة أكثر صعوبة.

وتدل بعض المؤشرات على قرب انسحاب قوات حزب الله من سورية نتيجة المطالب والتهديدات الإسرائيلية رغم أن الحزب سيحاول تسويق ذلك باعتباره التزام بسياسة النأي بالنفس التي ستتبناها الحكومة اللبنانية المقبلة.

لم يتغير شيء عند إيران وحلفائها خلال الأشهر الأخيرة التي شهدت هذا الانقلاب الدراماتيكي في الوضع الإيراني. فخامنئي وروحاني والحوثي ونصر الله والعامري والمالكي كلهم ما زالوا موجودين في مواقعهم ومناصبهم. واستمر القادة الإقليميين والدوليين أيضا في سياساتهم ذاتها تجاه إيران.

كل ما تغير هو ذهاب الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ليحل مكانه الرئيس دونالد ترامب وفريق عمله خصوصا وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. ورغم أن سياستهم تجاه إيران ما تزال في بداياتها فقد ترتب عنها كل هذه النتائج وهو ما يدل على أن كل ما حدث من تضخم للدور الإيراني خلال الأعوام 2014 حتى 2016 لم يكن نتيجة امتلاك إيران لعوامل قوة ذاتية حقيقية بل نتيجة سياسة محاباة أميركية، ولذلك سرعان ما تبخر كل شيء بمجرد خروج الرئيس باراك أوباما من السلطة وقدوم إدارة جديدة لا تشاطره نفس رؤيته ومواقفه تجاه النظام الإيراني.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية