التحدي الإصلاحي القادم في السعودية: تقويض سلطة الأصوليين

التحدي الإصلاحي القادم في السعودية: تقويض سلطة الأصوليين


14/01/2018

مدينة أبها، المملكة العربيَّة السعوديَّة. منذ طفولتها، أرادت أروى النعيميّ أن تكون فنانة. ولكن بما أنَّها نشأت في منطقة عسير ذات النَّزعة المحافظة، فقد كانت محكومة بأسلوب متزمِّت من الإسلام السنيّ حدَّد لفترة طويلة الحياة في المملكة العربيَّة السعوديَّة وميَّز صورة المملكة في عيون العالم الخارجيّ. وتذكر السيِّدة النعيميّ أنَّها عندما رسمت طائراً، قامت المعلِّمات بتوبيخها ومحو رأس الطائر، قائلات إنَّ الله وحده له أن يخلق الحياة.

والآن، أصبحت تلك الرِّقابة الدينيَّة أمام أخطر تحدٍّ لها في العصر الحديث. لأنَّ القادة السعوديين، مدفوعين بالحاجة إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، يتحرَّكون بشكل أسرع من كل أسلافهم لخلخلة ميراث النَّزعة الإسلاميَّة المحافظة التي هيمنت على البلاد منذ أربعة عقود وشكَّلت تعليم أجيال.

يقود هذا التحوُّل وليّ العهد، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً، الذي يَعتبر التحرُّر الاجتماعيّ جزءاً حيوياً من خطَّة التحديث الاقتصاديّ الراديكاليَّة التي يقوم بها، والذي تعهَّد بإعادة بلاده إلى شكل أكثر تسامحاً من الإسلام.

وكان الأمير محمَّد قد قال خلال مؤتمر استثماريّ في الرياض في تشرين الأول/أكتوبر: "إنَّنا نعود فقط إلى ما كنَّا عليه: إلى الإسلام المتسامح، المعتدل، المنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان والتقاليد والشعوب".

تغيير وردود فعل متباينة

السيِّدة النعيميّ، 32 عاماً، هي اليوم نجمة صاعدة في المشهد الفنيّ المزدهر في المملكة. وهي تقول: "كانت لديّ علاقة حب وكراهيَّة في آن واحد تجاه السعوديَّة. وكنت أفكر كثيراً في مغادرة البلاد. أردت أن أذهب إلى مكان يمكنني أن أعيش فيه حياة طبيعية. أمَّا الآن، فالحياة الطبيعية هي التي تأتي إلينا".

لقد أعلنت المملكة العربيَّة السعوديَّة، في أيلول (سبتمبر)، أنَّ الحظر على قيادة النساء للسيارات - وهو الوحيد من نوعه في العالم - سوف يُلغى هذا الصيف. ودور السينما سوف تَفتح أبوابها قريباً بعد حظر دام 35 عاماً. والموسيقى، التي تُعتبر على نطاق واسع من المحرَّمات وحتَّى وقت قريب نادراً ما كانت تُعزَف كخلفية في المطاعم، في طريقها للعودة. ويوم الجمعة، لأوَّل مرة، سوف يُسمح للنساء بدخول الستاد لمشاهدة مباراة لكرة القدم.

أثارت هذه الجهود مقاومة من جانب أولئك الذين يتملَّكهم القلق من نَقْض عقودٍ من المراسيم المحبوكة في النسيج الاجتماعيّ السعوديّ، لا سيما المحافظين الدينيِّين، الذين لا يزالون يمثِّلون دائرة قويَّة.

القادة السعوديون، مدفوعين بالحاجة إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، يتحرَّكون بشكل أسرع لخلخلة ميراث النَّزعة الإسلاميَّة المحافظة

مثلاً، كرَّر الشيخ صالح الفوزان، عضو الهيئة الدينيَّة العليا في المملكة العربيَّة السعوديَّة، حجَّة شائعة ضدَّ قيادة المرأة. ففي بيان نُشِر على موقعه على الإنترنت، قال: "إذا سُمِح للمرأة بالقيادة فإنها سوف تتمكَّن من الذهاب والخروج كيفما شاءت ليلاً ونهاراً، وهو ما سيفتح أبواب الفتنة بسهولة، لأنَّ المرأة كما نعلم ضعيفة ومن السهل إغراؤها".

ومن بين أولئك الذين يدعمون جوانب من التغييرات، مثل تشجيع المزيد من النساء على الانضمام إلى القوَّة العاملة، يرى البعض أن السرعة التي تسير بها عملية التحرير مثيرة للقلق، قائلين إنَّهم لا يريدون أن تفقد السعوديَّة هويَّتها الدينيَّة المعروفة باعتبارها مسقط رأس الإسلام.

كيف تغيَّرت السعوديَّة بعد عام 1979؟

لا تزال هناك قيود كثيرة، ومن غير الواضح ما إذا كانت سوف تُلغى. مثلاً، حتَّى يومنا هذا، يُطلَب من النساء ارتداء عباءات مُسبَلة؛ والمحلَّات تُغلَق عدَّة مرَّات في اليوم للصلاة؛ والفصل بين الجنسين يمارَس على نطاق واسع في المطاعم وأماكن العمل. ويتعيَّن وجود وليّ أمر لكل امرأة، يلزمُ أخذ إذنه للسفر إلى الخارج أو الزواج. ولا يزال غير المسلمين ممنوعين من ممارسة إيمانهم علناً.

إنَّ جذور الإسلام المحافظ تضربُ عميقاً في المملكة العربيَّة السعوديَّة، كما أنَّها مَضْفورة بالأسرة الحاكمة في المملكة. ففي القرن الثامن عشر، أقامَ آل سعود تحالفاً مع الإمام محمد بن عبد الوهَّاب، الذي طالب بالعودة إلى ما رأى أنَّه الإيمان الخالص الذي مارسه النبيّ محمَّد (عليه السلام) وصحبه. وتلك النزعة المتعصِّبة من الإسلام السنيّ، التي يُطلَق عليها الوهابيَّة من جانب النقَّاد، أصبحت المذهب المهيمن في المملكة العربيَّة السعوديَّة، ملهمة أجيالاً من الجهاديين في الداخل والخارج.

تقول علياء العازميّ (24 عاماً) وتعمل في مختبر في الرياض إنَّها تأمل قريباً بالتخلُّص من النقاب

وقد ساعدت الشراكة بين أحفاد عبد الوهَّاب والعائلة المالكة في خلق الدولة السعوديَّة الحديثة في عام 1932. ومنذ ذلك الحين، حكم النظام الملكيّ بدعمٍ من المؤسَّسة الدينيَّة، التي تسيطر على جهاز العدالة، على أساس الشريعة الإسلاميَّة. وقد ساعدَ رجال الدِّين الوهَّابيين في إضفاء الشرعيَّة على حكم آل سعود، جاعلين طاعة الحاكم التزاماً دينيّاً.

وعلى مدى عقود، كان يجب أن تتوازن الرغبة في تغيير الديناميكيَّات الاجتماعية في المملكة العربيَّة السعوديَّة مع التقاليد القبليَّة والاعتبارات الدينيَّة. وهو ما جعل المملكة لفترة طويلة من أكثر الأماكن ذات النزعة المحافظة على وجه الأرض. ومع ذلك، تمكَّن الحكام السعوديون من إدخال اختراعات مثل التلفزيون، وفتحوا مدارس للبنات بالرغم من اعتراضات المحافظين الدينيِّين.

بعد عام 1979، حظي المحافظون الدينيِّون باليد الطولى عندما اعترضَ حدثان دور المملكة العربيَّة السعوديَّة باعتبارها مهد الإسلام: الثورة الإسلامية في إيران، والحصار الذي دام أسابيع للمسجد الحرام في مكة المكرمة، أقدس موقع عند المسلمين، وذلك على يد متطرِّفين مسلَّحين.

لقد اتَّخذ القادة السعوديون خطوات لاسترضاء المجموعة الهامشيَّة ذات النزعة المحافظة المُغاليَّة، التي اعتبروها أكبر تهديد لحكمهم.

وبفعل ذلك، أطلق النظام الملكيّ العنان لرجال الدِّين في المملكة لفرض قانون أخلاقيّ صارم على الجمهور، وإعادة تشكيل نظام التعليم، وتصدير رؤاهم المتعصِّبة إلى الخارج. وكان معنى الثروة النفطيَّة المكتشفة حديثاً في البلاد أنَّ الحكومة قادرة على إعطاء الأولويَّة للدِّين على حساب الإنتاجيَّة.

الإسلاميون الراديكاليون سرّبوا تعاليم علماء الوهابيَّة إلى المناهج المدرسيَّة ووجَّهت الكتب المدرسيَّة الطلاب نحو كراهية المسيحيين والشيعة

وموَّلت الحكومة قضايا دينيَّة في الداخل والخارج، ولم تكن في حاجة ماسَّة إلى مستثمرين أجانب، الذين تراجعوا بدورهم بفعل قواعد صارمة مثل الحظر المفروض على الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل. كما استطاعت الحكومة أن تُهمل صناعات مثل السياحة والترفيه، التي يُعارِضها المتشدِّدون الدينيِّون.

وقد تمَّ الشعور بالتحوُّل الحاد للمملكة العربيَّة السعوديَّة في جميع أنحاء البلاد، وربَّما ليس هناك مكان تظهرُ فيه دراماتيكيَّة هذا الأمر أكثر منطقة عسير، التي كانت تُعدُّ تاريخياً واحدة من المجتمعات الأكثر انفتاحاً في المملكة. وباعتبارها منطقة جبليَّة في الجنوب الغربيّ، فإنَّ عسير أكثر خصوبة من معظم مناطق البلاد. وبقدر ما تُسعف الذاكرة سكانها، كان الرجال والنساء يعملون في حقول القمح جنباً إلى جنب، وغالباً ما قاموا بذلك وهم يدندنون الأغاني. وقد أدَّى مزيج الحماسة الدينيّة وفيضان الأموال النفطيَّة إلى وضع نهاية لذلك بحلول أوائل الثمانينيات.

يذكر محمد طرشي، 89 عاماً، الذي يعيش في قرية رجال ألمع في منطقة عسير أنَّه "كانت للمرأة حيوات أكثر نشاطاً في الماضي. وكان يمكننا العمل جنباً إلى جنب في الحقول. حيث بإمكاني الغناء، وبإمكانهن الغناء". ويضيف: "ثمَّ جاء هؤلاء المتديِّنون".

إنَّ الاختلاط بين الرجال والنساء غير ذوي الصلة، ناهيك عن الغناء والرقص، لم يعد مقبولاً. وكذلك، أغلِقَت دور السينما وتوقفت الموسيقى.

وفي الأماكن العامَّة، اضطرَّت النساء إلى ارتداء النقاب، الذي كان غير موجود تقريباً في بعض أنحاء البلاد مثل منطقة عسير. والشرطة الدينيَّة، المعروفة رسمياً باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مُنِحَت مهمَّة إنفاذ النظام الجديد.

وقام الإسلاميون الراديكاليون بتسريب تعاليم علماء الوهابيَّة إلى المناهج المدرسيَّة. ووجَّهت الكتب المدرسيَّة الطلاب نحو كراهية المسيحيين واليهود والتشنيع على المسلمين الشيعة. وقد جاءت بعض الرؤى الأكثر تطرفاً غالباً من المعلِّمين، الذين قاموا بتجنيد الطلَّاب في بعض الأحيان من أجل إلى قضايا متطرِّفة.

كذلك، ساعدت الجمعيَّات الخيريَّة السعوديَّة المرتبطة بالحكومة في نشر هذا التفسير للإسلام خارج حدود المملكة، ممَّا ألهم أجيالاً من الجهاديين.

وبهذا، صارَت عسير أرضاً خصبة للتطرُّف. فمن بين 17 مواطناً سعودياً شاركوا في هجمات القاعدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كان خمسة منهم من عسير، وهذا أكثر من أي منطقة أخرى.

كان أحدهم جاراً للسيِّدة النعيميّ. وبالنسبة إلى شخص يكبر في أبها في التسعينيَّات، لم يكن اللهو سهلاً. لكن السيِّدة النعيميّ وجدت طرقاً إلى ذلك. على الرغم من أنّ الموسيقى اعتُبرت على نطاق واسع شيئاً محرَّماً، فإنَّها جمعت أشرطة صوتيَّة جرى توزيعها من قِبل محافظين دينيِّين لتعميم الخُطَب وقامت بمسحها وسجَّلت الموسيقى عليها. وكانت تقضي ساعات في غرفة نومها مع جهاز الووكمان ماركة سوني خاصتها ترقصُ على أغاني نُظراء مايكل جاكسون ونجم البانك روك الجزائريّ رشيد طه.

"طوجي" و"نيللي": أيقونات الجيل الجديد من الشباب السعوديّ

في وقت سابق من هذا الشهر، حضرت حفلة هبة طوجي، أوَّل فعالية تقوم بها مغنية في العاصمة السعوديَّة في العقود الأخيرة. وفي مشهد لم يسبق له مثيل من قبل في المملكة، قام أعضاء من الجمهور من مقاعدهم ورقصوا وصاحوا وصرخوا فرحين.

وتقول السيِّدة النعيميّ، التي يشتمل عملها على التصوير الفوتوغرافيّ والأعمال الفنيَّة المعاصرة التي تركِّز على الطرق التي يقضي بها السعوديون أوقتاً ممتعة بالرغم من القيود: "كان يقال لي إنَّ الناس الذين يستمعون إلى الموسيقى سوف يعاقبون [في الآخرة] بصب الآنك في آذانهم". وتضيف: "أنا سعيدة جداً لأنَّني تمكَّنت من رؤية أوَّل حفلة - إنَّها مثل منحوتة فنيّة معاصرة".

كما قدَّم مغني الراب الأميركي نيللي - المعروف بأغاني مثل Hot in Herre - حفلاً الشهر الماضي في جدَّة. وفي تذكير بأنَّ بعض القيود لا تزال سارية، كان الحفل الأوَّل، لطوجي، مفتوحاً أمام النساء فقط، والحفل الثاني، لنيللي، للرجال فقط.

عندما تولَّى الملك سلمان العرش في أوائل عام 2015، كان عددٌ قليل يتوقَّع أن يكون هو الشخص الذي يقوم بالإشراف على تغيير اجتماعيّ سريع. لقد رَعَى، وهو المعروف بورعه، علاقات وثيقة مع المؤسَّسة الدينيَّة عندما كان حاكماً للرياض، وهو المنصب الذي شغله لعقود. وفي الواقع، يقول العديد من المحلِّلين إنَّ هذا أعطاه وابنه، وليّ العهد الأمير محمَّد، نفوذاً أكبر لإجراء تغييرات مقارنة بسلفه الملك عبد الله الذي اعتُبِر ليبرالياً وَفْقَ المعايير السعوديَّة.

وفي عصر تراجع أسعار النفط الخام، أصبح تخفيف القواعد الاجتماعية في المملكة ضرورة اقتصاديَّة وسياسيَّة للأمير محمَّد، الذي يُعدُّ القوَّة الدافعة وراء خطة طموحة لإنهاء اعتماد المملكة على النفط. وتحاول المملكة العربيَّة السعوديَّة، التي يقلُّ عمر غالبية سكانها عن 30 عاماً وتصل نسبة العاطلين عن العمل بها إلى 12.8 في المئة، أن تصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب ولشباب البلد نفسه. كما تريد جلب المزيد من النساء إلى قوَّة العمل. ويعرِّض الفشل الجيل القادم في البلاد للخطر، حيث يمكن أن يضيع إمَّا في فرصٍ خارج البلاد أو على يد الجماعات السريَّة المتطرِّفة في الداخل.

التركيز على التعليم

إنَّ المحافظين الدينيِّين أقل قوَّة بكثير مما كانوا عليه قبل عقد من الزمان. وبفضل الفضائيات والإنترنت، تعرَّض السعوديون لطرق مختلفة من التفكير. كما عاد أكثر من مائة ألف رجل وامرأة سعوديين إلى المملكة على مدى العقد الماضي بعد أن درسوا في الجامعات الغربيَّة بمنح مموَّلة من الحكومة.

وفي العام الماضي، بدأت الحكومة أيضاً بإرسال معلِّمين إلى الخارج للتعرُّف كيفية عمل المدارس الغربيَّة، وهي خطوة تهدف جزئياً إلى معالجة التطرُّف بين المعلِّمين.

وقال وزير التعليم السعوديّ أحمد العيسى: "إنَّنا نسير في اتجاه جديد للتعليم، واتجاه جديد للبلاد". وأضاف أنَّه سوف يتم نشر كتب مدرسيَّة جديدة، ومنقَّحة، في العام الدراسيّ القادم.

وفي عام 2016، جرَّدت الحكومة السعوديَّة الشرطة الدينيَّة من سلطة الاعتقال، وكانت تلك هي النتيجة الأكثر منطقيَّة لتآكل التحالف بين النظام الملكيّ والمؤسَّسة الدينيَّة.

ورابطة العالم الإسلاميّ - وهي الهيئة التي كانت في السابق الأداة الرئيسة التي تنتشر السعودية من خلالها الفكر الوهَّابيّ فيما وراء حدودها - يقودها الآن رجل دين معتدل، يقول إنَّ تعزيز التفاهم بين الأديان يمثِّل أولويَّة.

ويقول الشيخ محمد العيسى، وزير العدل السابق، الذي يشجِّع بشكل روتينيّ، وفي لفتة تسامح، النساء غير المسلمات اللواتي يلتقي بهن على إزالة الحجاب: "في عام 1979، اختُطِفَ ديننا. والآن نحن نقضي على جذور التطرُّف".

وخلال زيارته إلى أوروبا في وقت سابق من هذا العام، أصبح أوَّل رئيس لرابطة العالم الإسلاميّ يجتمع مع البابا ويزور كنيساً يهودياً.

تقويض نفوذ الإسلاميين وتجديد الخطاب الديني

في أيلول (سبتمبر)، ألقت السلطات القبض على عشرات من رجال الدِّين كجزء من حملة واسعة ضدَّ المعارضة. ومن بين هؤلاء أعضاء سابقون في ما يسمَّى الصحوة الإسلامية، وهي حركة إسلاموية اكتسبت نفوذاً آنذاك وارتبطت بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكانت تتحدَّى في الماضي سلطة النظام الملكيّ. وقد تبنَّى معظم أعضائها فيما بعد رؤى أكثر اعتدالاً بشكل علنيّ.

كما تمَّ استهداف الأمراء أيضاً. ففي الشهر الماضي، اعتقلَت السلطات الأمير البارز خالد بن طلال، لمعارضته إصلاحات حكوميَّة مثل قرار كبح سلطة الشرطة الدينيَّة، بحسب أشخاص مطَّلعين على الأمر.

وقد ذكر أحد هؤلاء أنَّه "كان يشكو من الإصلاحات. واعتقدَ أنَّ ذلك سوف يعطيه مصداقية [سياسية]". ويجري التحفُّظ على الأمير، الذي يمتلك نفوذاً سياسيَّاً محدوداً، في سجن الحاير شديد الحراسة.

ومنذ حملة تقويض مراكز القوى هذه، أيَّد العديد من رجال الدِّين علناً الإصلاحات الاجتماعية، في حين التزم آخرون الصمت. وقال الشيخ محمد الحديثي (87 عاماً)، الذي كان حتَّى تقاعده رئيساً لمحاكم منطقة عسير: "إنَّها قرارات حكومية وجانب من ديننا يقضي بقبول ذلك".

كما تقوم الحكومة بإنشاء مركز جديد للتدقيق في شروحات تعاليم النبيّ محمَّد، أو الأحاديث، في محاولة لمنع استخدام التعاليم لتبرير العنف.

وقال الشيخ محمَّد بن حسن الشيخ، رئيس الكيان الجديد وعضو هيئة كبار العلماء، أعلى هيئة دينيَّة في المملكة: "سوف ينقِّح الكيانُ الإسلامَ من أي بدع ويُخلي الأحاديث من مدسوسات الكاذبين المتعمَّدة ويقدِّم الإسلام في صورة أفضل".

النساء والإصلاحات

في المدن الكبرى مثل الرياض، يختار عدد أكبر من النساء السعوديات عباءات ملوَّنة، بدلًا من تلك السوداء تماماً التي عادة ما ترتديها النساء. كما يسمح العديد منهن للحجاب بالانزلاق من رؤوسهن إلى أكتافهن. وفي مدينة جدَّة الأكثر ليبرالية، تقوم مجموعات الركض النسائية بالجري بمُحاذاة الواجهة البحرية، مرتديات سراويل ضيقة تحت ستر قصيرة.

وتقول علياء العازميّ، وهي فنيَّة تعمل في مختبر في الرياض وتبلغ من العمر 24 عاماً، إنَّها تأمل في أن تتمكن قريباً من التخلُّص من النقاب الذي ترتديه دائماً. وبينما تُقلِّب في هاتفها الجوال، حيث ثمَّة صور لها دون حجاب كانت أخذتها خلال رحلة خارج البلاد، تقول: "في المستقبل، سوف نبدو أكثر مثل دبي. لكن هنا، يجب أن أرتدي النقاب. ولا أريد أن يراني أي من زملائي".

بعد 30 عاماً من انتشار النزعة الدينيَّة المحافظة، لا تزال هناك جيوب عميقة مقاوِمة للتغيير. وفي منطقة عسير، تظهر كل امرأة سعودية تقريباً في الأماكن العامَّة في نقاب أسوء وعباءة سوداء. وفي أبها، عاصمة المنطقة، قال صبيّ في سن المراهقة إنَّ ما كان يهمه هو الوظائف، وليس دور سينما، حتَّى لو كانت ستعرض أفلاماً تتوافق مع الشريعة الإسلاميَّة.

حتَّى في جيب محافظ مثل أبها، يرى الكثيرون أنَّ التغيير الاجتماعي ضرورة اقتصادية

وقال رجل يبلغ من العمر 55 عاماً من أبها، رفض ذكر اسمه، بينما يتنزَّه مع أقرانه من الرجال، إنَّ "أي شيء يقضي تغييره المساس بالدِّين، لا أريد أن أراه يتغيَّر. والاختلاط بين الرجال والنساء، على سبيل المثال، غير مقبول". وأضاف: "إنَّ تحرير المجتمع أمر خطير. لا أحد راضٍ عن ذلك، ولكن الناس خائفون جداً من الحديث عن الأمر".

ولكن حتَّى في جيب محافظ مثل أبها، يرى الكثيرون أنَّ التغيير الاجتماعي ضرورة اقتصادية.

بالنسبة إلى أم جابر، التي تبيع سِلال محبوكة وأعشاباً مجفَّفة في كشك تديره في سوق أبها الشعبيّ، فإنَّ الحصول على رخصة قيادة يتعلَّق أكثر بتلبية احتياجاتها: فهي تنفق حالياً حوالي 400 دولار شهرياً على سائق، وهذا هو أكبر نفقاتها بعد الإيجار.

وتقول المرأة التي تبلغ من العمر 58 عاماً، والتي تُخطط للقيادة بنفسها في أقرب وقت ممكن: "إنَّني فقط أجني من المال ما يكفي لتغطية التكاليف".

وبعيداً عن المدينة، وفي قريتها في جنوب عسير، تقود السيارة بانتظام للمساعدة في أعمال منزلية مثل حمل المياه والخشب الجاف والماشية.

وبالنسبة إلى آخرين، لا يمضي التغيير بسرعة كافية. يقول سعيد البشري، وهو مدرِّس فنون عمره 50 عاماً: "لم أر أي تغيير حقيقي في أبها. فالحفلات الموسيقيَّة تحدث في جدَّة والرياض وليس في أبها".

وقال إنَّه خلال العقد الماضي خُفِّف تدريجياً الحظر على رسم الكائنات الحيَّة. ومع ذلك، وفي وقت سابق من هذا الشهر، طلب السيِّد سعيد من طلابه البالغين من العمر 10 أعوام رسم الإبل. فرفض أحدهم. و"رسم منظراً طبيعياً بدلاً من ذلك".

مارغريتا ستانكاتي- "وول ستريت جورنال"

الصفحة الرئيسية