سجناء ومنفيون وشخصيات مثيرة للجدل تتنافس على كرسي "قرطاج"

تونس

سجناء ومنفيون وشخصيات مثيرة للجدل تتنافس على كرسي "قرطاج"


12/09/2019

تسارعت الأحداث في تونس التي قرّرت إجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ سابقةٍ لأوانها، تحدد موعدها في 15 من الشهر الجاري، وهي ثاني انتخاباتٍ رئاسيةٍ تعيشها البلاد منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. واشتدّت المنافسة بين 26 مرشحاً، يتمتعون بثقلٍ شعبي وحزبي كبيرين، تم اختيارهم من جملة 98 شخصاً قدّموا ترشحهم للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، غير أنّ أغلبهم لم يستوفِ الشروط القانونية المطلوبة.

اقرأ أيضاً: شعارات "الإخوان" في رئاسيات تونس.. تزوير للتاريخ وتلاعب بالرأي العام
المنافسة الانتخابية دخلت رسمياً مرحلة الحسم، بانطلاق الحملة الانتخابية يوم 2 الجاري، وبدأت معالم السباق نحو قصر قرطاج تتضح أكثر، بانطلاق المرشحين في الترويج لبرامجهم الانتخابية، بين جهات البلاد، وساعدت المناظرة التلفزيونية المباشرة، التي تقام لأوّل مرةٍ في العالم العربي، الناخبين على تحديد خياراتهم.
وعاشت تونس ظاهرة المرشح الواحد للانتخابات الرئاسية، وحكم الرئيس الواحد لعقودٍ، منذ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية واختيار الحبيب بورقيبة رئيساً من طرف المجلس القومي التأسيسي سنة 1957 إلى حدود انتخابات 20 آذار (مارس) 1994.
المترشحون للانتخابات الرئاسية يخوضون مناظرات تلفزيونية مباشرة للمرة الأولى

شخصيات من الوزن الثقيل
وتتنافس على منصب رئاسة البلاد العديد من الشخصيات السياسية البارزة من الائتلاف الحاكم والمعارضة، وأخرى مستقلّةً، خاصّةً أنّ حركة النهضة الإسلامية (الشريكة الأولى في الحكم) ذات الخزّان الانتخابي الكبير، قد قرّرت المشاركة للمرّة الأولى في رئاسيات 2019، بعد أن وقفت على الحياد في انتخابات 2014، حيث رشحت، بعد نقاشاتٍ مطوّلةٍ القيادي عبد الفتاح مورو، وهو أحد مؤسّسيها ونائب رئيسها راشد الغنوشي، ورئيس البرلمان الحالي.

المفكّر اليساري محمد الكيلاني: المشهد الانتخابي في تونس منقسم إلى جماهير انتخابية محسومة بين الحداثيين والإسلاميين

وظهر اسم وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي بقوّةٍ، في الساحة السياسية، رغم أنّه لم يكن مطروحاً خلال الأشهر الماضية إلى حين وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي؛ إذ كان ملازماً له في أيامه الأخيرة، وقد صعد نجم الزبيدي بعد نجاح تنظيم الجنازة العسكرية للرئيس الراحل؛ حيث ناشده سياسيون في مقدمتهم ممثلو حزب "نداء تونس" بالترشح، وأعلنوا دعمهم له علناً، معتبرين أنّه الشخصية الأكثر كفاءةً لخلافة الرئيس الراحل.
كما يبرز الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي المدعوم من "تحالف تونس أخرى"، ضمن المرشحين، البارزين، وهو الذي سبق وحاز المرتبة الثانية في أول انتخاباتٍ رئاسيةٍ ديمقراطيةٍ بعد الثورة في 2014، بنسبة 44.3 في المائة من أصوات الناخبين، ويُعرف المرزوقي بدفاعه المستميت عن الثورة، وقيمها، ومعاداته للثورة المضادة في الداخل التونسي والخارج.

اقرأ أيضاً: 6 ملفات عاجلة تنتظر المشهد السياسي الجديد في تونس
ويُعتبر كلٌّ من الناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، (يسار) ومؤسّس حزب التيار الديمقراطي (وسط) محمد عبو، منافسين جديين في رئاسيات 2019، نظراً لأهمية وزنهما السياسي، وما حققه حزباهما من نتائج إيجابية خلال الانتخابات المحليّة لعام 2018.

حركة النهضة تقدم مرشحاً لرئاسيات تونس لأول مرة منذ 2011
ولا يعتقد المفكّر اليساري محمد الكيلاني أن تُحدث مشاركة شخصياتٍ ذات أهميّةٍ كبرى في تونس، تغييراً كبيراً في المشهد الانتخابي الذي يتميّز بانقسامه إلى جماهير انتخابية محسومةٍ بين المجموعات الحداثية والإسلاميةٍ، مشدّداً على أنّ هذه المجموعات من الناخبين قد حسمت أمرها قبل انطلاق العملية الانتخابية، وأنّ هذا التعدّد وإن كان إيجابياً فسيشتّت الأصوات بين المترشحين من نفس العائلات الفكرية.

اقرأ أيضاً: إما تونس أو النهضة
وقال الكيلاني لـ "حفريات"، إنّ المستقلّين الذين يشاركون في السباق الانتخابي، سيحصلون على عددٍ محدودٍ من الأصوات؛ لأنّ المنافسة ستنحصر بين الإسلاميين والحداثيين، مشدّداً على أنّ "المشاركة الصورية لبعض المترشحين لن تقلب المعادلة ولن تؤثّر على المشهد الانتخابي، على الرغم من أهميّتهم في المشهد السياسي".
ثلاث رؤساء حكومات ضمن السباق
ومن بين المشاركين في رئاسيات 2019، ثلاث رؤساء حكوماتٍ، في مقدّمتهم يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالية منذ 27 آب (أغسطس) 2016، رشّحه لهذا المنصب رئيس الجمهورية التونسية الراحل الباجي قايد السبسي، قبل أن ينقلب عليه ويغادر الحزب الذي أسّسه السبسي (نداء تونس)، ويؤسّس لنفسه حزباً جديداً باسم تحيا تونس، ليترشح لانتخابات الرئاسة 2019، لخلافة صاحب الفضل السياسي عليه الراحل الباجي قايد السبسي.

الباحث التونسي هادي يحمد: ترشّح رؤساء حكومات سابقين قد يعطي انطباعاً سلبياً لأنّهم فشلوا في إخراج البلاد من أزمتها

الشاهد يستمد شعبيته من التجربة السياسية التي خاضها على رأس الحكومة منذ 3 أعوام، أدار خلالها عديد الأزمات، واكتسب خبرةً ودرايةً بمشاكل تونس، ويحسب له أنّه أصغر رئيس حكومةٍ، تولى هذا المنصب في تاريخ تونس، وتمنحه استطلاعات الرأي مواقع متقدّمةٍ في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية ما بين الترتيب الرابع والخامس.
بدوره، طُرح اسم رئيس الحكومة السابق، مهدي جمعة (57 عاماً) عن حزب "البديل"، بقوّةٍ في سباق المنافسة نحو قصر الرئاسة بقرطاج؛ حيث إنّه استطاع أن يُحرِز مفاجأة في الانتخابات المحلية بجهة باردو بالعاصمة، بعد أن حلّ في المرتبة الثانية، ونجح في افتكاك رئاسة البلدية من مرشحة حركة النهضة.
كما يعتبر الإسلامي ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي (70 عاماً) ، منافساً قوياً، خاصّةً أنّه شغل منصب رئيس حكومةٍ بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بين كانون الأول (ديسمبر) 2011 وآذار (مارس) 2013، عقب اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد، في 6 شباط (فبراير) 2013.

اقرأ أيضاً: مرشّحة للرئاسة التونسية معرَّضة للاغتيال.. تعرّف إليها
واستقال الجبالي من منصب الأمين العام لحركة النهضة في آذار (مارس) 2014، ثم انسحب من الحركة تماماً في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، ويعتبر نفسه مرشحاً مستقلاً داعماً لخط الثورة.
كما يشارك كلٌّ من رئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) السابق مصطفى بن جعفر، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة سلمى اللومي، في السباق نحو قصر قرطاج، وهو ما عقّد عملية الاختيار لدى الناخبين.
وفي هذا الشأن يرى الباحث التونسي المتخصص في الحركات الاسلامية هادي يحمد في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ نقاط قوّة المترشّحين تتمثل في أنّهم من ذوي الخبرة في تسيير البلاد، وفي تقلّد مناصب مهمّة سابقةٍ في الدولة، ما سيشعر الناخبين بنوعٍ من الارتياح تجاههم، وسيضفي شيئاً من الثقة على العمليّة الانتخابية، "غير أنّ ذلك قد ينقلب إلى نقاط ضعفٍ، قد تعطي انطباعاً لدى الشعب بأنّهم فشلوا في إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يراهن عليه أغلب المترشّحين".
يحمد أضاف أنّ مشاركة بعض المسؤولين الحاليين في مقدّمتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في الرئاسيات "سبّب تخوّفاً لدى التونسيين من استغلال أدوات الدولة وآلياتها في خدمة، حملته الانتخابية، وهو ما أعطى صورةً سلبيّةً على العمليّة الانتخابية".
شخصيات مثيرة للجدل
وظهرت على الساحة السياسية التونسية شخصيات أثارت الكثير من الجدل، من بينها رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، الذي كانت تشير التوقعات إلى تقدّمه في المراتب الأولى، ويلقب القروي بإمبراطور الإعلام ومالك قناة نسمة الفضائية، الذي يشارك في السباق الانتخابي من داخل السجن، بعد إيقافه على ذمة التحقيقات في قضايا غسيل أموالٍ وتهرب ضريبي، وبقرارٍ سياسي، في علاقة بالمنافسة الانتخابية.
وكانت محكمة استئناف تونسية قد رفضت الإفراج عنه مؤخراً، وسط تشكيك من مناصريه بأنّ توقيف الرجل شابه الكثير من الاختلالات، وأنّ الأمر مقصود نظراً لتصدره استطلاعات الرأي قبل القبض عليه.

تونس تجري ثاني انتخابات رئاسية بطريقة ديمقراطية في تاريخها
شعبية القروي يستمدها من قناته التلفزية "نسمة"، عبر ترسانة من البرامج الاجتماعية والإنسانية، التي تغلغلت في الأوساط الفقيرة في تونس، وعملت خلال السنوات الأخيرة على مساعدة المحتاجين، والقيام بحملاتٍ خيريةٍ لفائدتهم، ما أكسبه تعاطفاً كبيراً من الفئات المهمشة.
ويخوض المرشح سليم الرياحي السباق من خارج البلاد، مكتفياً بالتواصل مع أنصاره عبر حساباته على الشبكات الاجتماعية والإعلام الأجنبي، بعد أن غادرها أواخر 2018، كما أنّه قدم ترشحه عن طريق محاميه.
وتطارد المرشح أحكام قضائية مختلفة، صدر فيها أمر إيداع بالسجن في حقه، على خلفية شكاية رفعتها ضده أطراف ليبية تتعلق أساساً بالفساد المالي والإداري، فيما يؤكد أنصاره أنّه ممنوع من دخول تونس، على خلفية شكاية تقدم بها سابقاً ضد رئيس الحكومة ومجموعة من القيادات الأمنية، اتهمهم خلالها بمحاولة الانقلاب على الرئيس الراحل السبسي.

اقرأ أيضاً: تونس: مقتل مسؤول أمني و3 إرهابيين
ومن الشخصيات المثيرة للجدل أيضاً عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي يعتبرها البعض أحد أبرز وجوه نظام بن علي، وإحدى أخطر أعداء الثورة في تونس، وتعرف موسى بكرهها الشديد لحركة النهضة، وقد تعهدت دائماً بإعادة قياداتها إلى السجن في حال فوزها، وبتغيير الدستور.
وأرجع المحلّل السياسي جمعي القاسمي ذلك إلى ما أسماه "شوائب" أحاطت بالدستور، وسمحت ببروز مثل هذه الظواهر، حتّى إنّ المشهد السياسي أضحى محكوماً بجملةٍ من التناقشات والمفارقات، التي قال إنّها ساهمت في ارتفاع نسق التيّار الشعبوي، وبروز الشخصيّات المثيرة للجدل.
وشدّد القاسمي في حديثه لـ"حفريات"، على أنّ هذه الظاهر لن تزول "إلاّ بتخليص الدستور من الهنات التي تشوبه، وبنضج الطبقة السياسية، التي برزت بعد ثورة 2011، وترسّخ مفهوم الدّولة لديهم"، لافتاً إلى أنّ هذه الظواهر التي وصفها بـ"الخطيرة"، ستشتّت الأصوات، وستربك الناخب التونسي الذي سيكون متأرجحاً بين التصويت بعقله، أو بالعاطفة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية