%65 من الفلسطينيين يفضّلون القضاء العشائري على النظامي

%65 من الفلسطينيين يفضّلون القضاء العشائري على النظامي


02/09/2021

بات للقضاء العشائري في قطاع غزة حضور بارز في حلّ الخلافات والقضايا المختلفة، وكذلك تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، نظراً لسهولة إجراءاته، وسرعة البتّ والفصل في المنازعات وإنجازها، مقارنة بالنظام القضائي، الذي يطول أمد التقاضي داخل أروقته.

وفي القضاء العشائري، لا يستند العقاب إلى نَصّ القانون، وإنّما يستَوحى من الأعراف والتقاليد، وكثيراً ما تكون العقوبات جماعيّة وفيها انتهاك لحقّ الإقامة والتنقل، كترحيل عائلة المتهم (الجلوة)، أو منعهم من السير في شوارع معينة، أو فرض مبالغ مالية تتشارك في تأديتها العشيرة، على خلاف مبدأ المسؤولية الشخصية، إضافة إلى إيلام المتهم من خلال إيقاع العقوبة عليه مرّتين؛ مرّة من خلال قرارات العشائر، وأخرى بواسطة سلطة القضاء الرسميّ.

ووفقاً لإحصائية صادرة عن الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح، عبر لجانها المنتشرة في جميع محافظات قطاع غزة، فقد تمكنت، خلال الرُبع الأول من العام الحالي 2021، من حلّ 2257 قضية مُجتمعية متنوعة تقدم بها المواطنون عبر مكاتبها، وتنوعت القضايا المعالجة بين مشاجرات، وقضايا مالية، وخلافات على أراضي، وحوادث ومشكلات عائلية، وقضايا قتل، وسرقات، وغيرها.

في القضاء العشائري، لا يستند العقاب إلى نَصّ القانون، وإنّما يستَوحى من الأعراف والتقاليد

وبحسب دراسة مسحية أعدها المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" عام 2015؛ فإنّ 65% من الفلسطينيين يفضّلون تدخّل القضاء العشائري، وهو ما يشير إلى عدم ثقتهم بالقضاء النظامي من جانب، ومن جانب آخر يظهر أنّ ثقافة العنف أصبحت مقبولة بشكل أكبر لدى المجتمع الفلسطيني.

"دائرة لشؤون العشائر"

وكان الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، قد أصدر قراراً، في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994، يقضي بإنشاء "دائرة لشؤون العشائر"، ولم يذكر القرارُ مهامَ هذه الدائرة وصلاحيّاتها، أو صلاحياتِ رجال الإصلاح المرتبطين بها، كما لم يُشر القرار إلى أصول عمل القضاء العشائريّ، وعلاقته بالنظام الرسميّ أو أيٍّ من مؤسساته؛ حيث لم تـَرِد أيّة إشارةٍ للقضاء العشائريّ، أو لقيمة التدابير المتخذة من رجال الإصلاح في أيّ من القوانين التي سُنّت بعد تأسيس السُّلطة.

كما أصدر الرئيس محمود عباس، في 5 آب (أغسطس) 2012، القرار رقم (89/2012)، القاضي بإنشاء "الهيئة العليا لشؤون العشائر" للمحافظات الجنوبيّة (قطاع غزة)، التي تتبع إليه شخصيّاً، وتشتمل عضويتها على 21 عضواً جميعهم من الرجال، ومن عائلات مختلفة، ومنح القرار الهيئة صلاحية تشكيل لجان فرعيّة في المحافظات لمتابعة شؤون العشائر. 

قضاء يقوم على الصلح بين المتخاصمين لإعادة الحقوق لأصحابها

وكحال سابقه، لم يُشر القرار إلى سلطات الهيئة وأعضائها أو صلاحيّاتهم، ليترك للسلطة التنفيذيّة تفسيرَ الأمر على نحو ما يخدمُ مصالحَها، فيما يخالف القرار القانون الأساسيّ المُعدّل لعام 2003، لأنّه بحسب المادة (69) منه؛ فإنّ إنشاء أيّة هيئة يجب أن يتمّ من خلال سنّ قانون، وليس بقرارٍ رئاسيّ، علاوةً على أنّ إنشاء هيئة كهذه يتعارض مع المبادئ الدستورية.

بقاء القضاء النظامي دون فاعلية في إنجاز العديد من القضايا بشكل أسرع، سيؤدي إلى تعزيز دور القضاء العشائري في حلّ المشكلات والمشاجرات والقضايا المختلفة

وأظهرت دراسة ميدانية تحت عنوان "القضاء غـير النظامي سـيادة القانـون وحـل النزاعات في فلسـطين"، أعدّها معهد الحقوق بجامعة "بير زيت"، عام 2006، ودراسة للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان صدرت عام 2019، وجود تأثير للصلح العشائري على أحكام القضاء النظامي وقراراته، وهذا التأثير ينعدم في الحالة العكسية، فلا تأثير للقضاء النظامي على الصلح العشائري؛ إذ إنّ إعلان براءة شخص أمام القضاء النظامي لا يمنع من ملاحقته عشائرياً.

أحد روافد القضاء النظامي

ويرى المنسق العام للهيئة العليا لشؤون العشائر بالمحافظات الجنوبية، المختار أبو سلمان المغني، أنّ "القضاء العشائري يقوم على الفصل في القضايا والمشكلات والحقوق التي تحدث بين أبناء العائلة الواحدة، أو بين المواطنين داخل المجتمع، وهو قضاء يقوم على الصلح بين المتخاصمين لإعادة الحقوق لأصحابها"، مشيراً إلى أنّ "القضاء النظامي قد يؤدي إلى نتائج لا تحمَد عقباها بين الأطراف المتنازعة، من خلال نشر العداوة والبغضاء والمشاحنات بينهم، لعدم ميله للتراضي بينهم".

المختار أبو سلمان المغني

ويضيف المغني، في حديثه لـ "حفريات": "القضاء العشائري هو أحد روافد القضاء النظامي، ولا يمكن أن يطيحه، أو أن يكون بديلاً عنه باعتباره سقفاً وأساساً للتقاضي لدى الجميع، إلا أنّ الأخير يأخذ وقتاً أطول في الفصل بين القضايا، حتى الصغيرة منها، وهو ما يدفع بالأطراف المتنازعة لعدم اللجوء إليه في العديد من القضايا المجتمعية، والخلافات الأسرية، كسباً للوقت، وتجنباً للانتظار لسنوات طويلة للفصل فيها".

كذلك بيّن المغني؛ أنّ "رجال الإصلاح والمخاتير يلجؤون إلى عقد جلسة القضاء داخل هيئة العشائر أو في منزل أحد الأطراف المحايدين، ما يلقى قبولاً من قبل الأطراف المتخاصمة، وتكون الجلسة علنية بحضور عدد من الوجهاء والمخاتير والكفلاء وأقارب الطرفين، وقد تستمرّ الجلسات في الانعقاد لشهور عديدة، بحسب طبيعة المشكلة، ومدى رغبة الأطراف المتنازعة بقبول المقترحات والحلول التي يقدمها لهم رجال الإصلاح، إلا أنّه غالباً ما يتم الفصل في العديد من القضايا بشكل نهائي وسريع كالقضايا المالية والأسرية وغيرها".

قضاء صلب

وتابع المغني: "القضاء العشائري قضاء صلب، يردع المخالفين ويلبّي احتياجات المجتمع في حلّ القضايا المعقدة، وهو له دور بارز في حقن الدماء لدى العديد من العوائل في قطاع غزة، من خلال حثه عائلات المجني عليهم للعفو عن الجاني، أو القبول بالدّية المعروفة، وذلك بمحض إرادتهم ودون الضغط عليهم، لإسقاط العقوبة القضائية التي صدرت بحقّ الجاني، كالإعدام، وذلك في محاولة للحفاظ على السلم والأمن المجتمعي".

المحامي والناشط الحقوقي د. صلاح عبد العاطي، لـ "حفريات": القضاء العشائري لعب دوراً مهمّاً في حلّ النزاعات، تحديداً خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لغزة

وحول الاتهامات التي توجه للقضاء العشائري بعدم إنصاف النساء والأطفال في العديد من القضايا، وعدم معالجته القضايا الجوهرية التي تؤدّي إلى المشكلات الاجتماعية، بيّن المغني؛ أنّ "القضاء العشائري يهتم بجميع القضايا ولا ينحاز لطرف أو جنس على حساب الآخر"، موضحاً أنّ "70% من القضايا التي يفصل بها القضاء العشائري تتعلق بالنساء والأطفال، وهو ما يدلّل على أنّ القانون العشائري يقف دائماً بجوار المرأة ويساند ويدعم حقوقها الكاملة".

تعزيز السلطة للقضاء العشائري

 بدوره، عبّر المحامي والناشط الحقوقي د. صلاح عبد العاطي، لـ "حفريات"؛ بأنّ "القضاء العشائري لعب دوراً مهمّاً في حلّ النزاعات، تحديداً خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لغزة، ومع قدوم السلطة الفلسطينية لغزة كان الأصل أن تقوم على تعزيز مبادئ سيادة القانون، وتفعيل دور المؤسسات القضائية لحلّ النزاعات بين المواطنين، إلا أنّ السلطة عززت القضاء العشائري في حلّ المشكلات، وهو ما دفع المتخاصمين للجوء إليه لسرعة الفصل في المنازعات، وسهولة إجراءاته، التي تعتمد على مبدأ الوساطة والتحكيم والتراضي، بدلاً عن القضاء النظامي الذي يعاني طول أمد التقاضي الذي قد تصل مدّته إلى سنوات طويلة".

صلاح عبد العاطي

وأكّد عبد العاطي؛ أنّ "بقاء القضاء النظامي دون فاعلية في إنجاز العديد من القضايا بشكل أسرع، سيؤدي إلى تعزيز دور القضاء العشائري في حلّ المشكلات والمشاجرات والقضايا المختلفة، ليصل إلى أن تكون له سطوة ودور أعلى أحياناً، بشكل يوازي دور الأجهزة القضائية والشرطية والتنفيذية".

وتابع: "الازدواجية بين القضاء العشائري والنظامي تساهم في الإخلال بمبدأ سيادة القانون، وربما بالحق العام والشخصي، إلا إذا جرى اعتماد نظام متكامل بين المؤسسة القضائية والقضاء العشائري"، مبيناً أنّ "الأصل هو تفعيل مبدأ السلطة القضائية، وضمان استقلاليتها، وكذلك التوجه نحو مجتمع مدني يقوم على أساس المواطنة، واعتماد مبادئ سيادة القانون، لتكون جميع القضايا تحت سقف قضاء واحد بعيد عن الازدواجية بين القانون النظامي والعشائري".

قضاء مكمّل

ولفت عبد العاطي إلى أنّ "أحكام القضاء العشائري باتت تدخل ضمن نظام التحكيم، وهو قضاء مكمّل في أحيان كثيرة، خاصة أنّ القضاء في فلسطين هو قضاء صلح، لكن نظراً لتعدد القضايا وطول أمد التقاضي والفصل في العديد من المنازعات، يلجأ العديد من القضاة داخل المحاكم إلى تأجيل جملة من القضايا، حتى باتت هناك توجهات لاعتماد أشكال أخرى في حلّ النزاعات، لتجنّب إرهاق موازنة الدولة عبر اللجوء للقضاء العشائري".

وطالب عبد العاطي بـ"ضرورة تعزيز وتكامل دور السلطة القضائية ورجال الإصلاح بما يسمح بإعادة بناء كافة مكونات النظام السياسي وضمان وحدته واستقلاليته وفعاليته، ورفده بكلّ الإمكانات للقيام بدوره في حماية الحقوق والحريات، للحفاظ على السلم والأمن والنسيج المجتمعي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية