يوسف القرضاوي... "أعلم أهل الأرض"؟!

يوسف القرضاوي... "أعلم أهل الأرض"؟!

يوسف القرضاوي... "أعلم أهل الأرض"؟!


06/10/2022

عمرو فاروق

سنوات طويلة روجت جماعة "الإخوان المسلمين" للشيخ الراحل يوسف القرضاوي، على أنه أحد مرجعياتها ومنظريها على المستوى الفكري والفقهي والحركي، ووصفته بأنه" أعلم أهل الأرض"، و"أفقه أهل زمانه"، متفوقاً على معاصريه من علماء "الأمة الإسلامية" بمعرفته بحلالها وحرامها.

العلاقة بين الشيخ يوسف القرضاوي وجماعة "الإخوان" تاريخياً قائمة في ذاتها على المنفعة المتبادلة، فكلاهما وجد مصلحته في الطرف الآخر، مع الحفاظ على الإطار المحدد لكل منهما.

وجد يوسف القرضاوي ضالته في "الإخوان المسلمين"، من أجل صناعة مشروعه في الهيمنة الدينية العالمية بعيداً من الساحة المحلية، وكذلك وجدت جماعة "الإخوان" في يوسف القرضاوي ملاذاً آمناً للاحتماء به كمرجع شرعي، يملأ الفراغ الفكري والفقهي، ويضفي المزيد على توجهاتها الحركية والتنظيمية أمام متغيرات ساحة الإسلام السياسي ومستجداتها. 

تمرد القرضاوي على الإطار التنظيمي لجماعة "الإخوان"، يرجع  الى رغبته وطموحه في أن يصبح مرجعية دينية مستقلة، ربما متجاوزاً تيارات الإسلام السياسي وجماعة "الإخوان" ذاتها، رغم استفادته الكبيرة منهم في الترويج لأكذوبة "أعلم أهل الأرض".

يمثل القرضاوي تجسيداً حقيقياً لأزمة "الأزهريين" داخل جماعة "الإخوان"، وإشكالية احتوائهم داخل إطار تنظيمي تهيمن عليه قوة مدنية من ذوي التعليم الحكومي العام، وإجبارهم للخضوع لأوامرها وتعليماتها، ومن ثم قفز القرضاوي مبكراً من المركب، مثلما قفز قبله الشيخ سيد سابق، والشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي.

يعتبر "الأزهريون" داخل جماعة "الإخوان" أنفسهم الأجدر والأحق بممارسة الخطابة والدعوة إلى مبادئ التنظيم والتشريع لضوابطه من دون غيرهم، نظراً الى دراستهم العلوم الشرعية وتفقههم فيها، وإسقاطها على الجوانب الحركية للجماعة.

سهولة استمالة الطلاب الأزهريين واستقطابهم واتساق بعضهم فكرياً مع مشروع الإسلام السياسي جعلهم في مقدم صفوف جماعة "الإخوان"، بل وسيطرتهم على مقاليد السلطة داخلها مثل "لجنة الدعوة العامة"، فضلاً عن تشكيلهم كياناً منفصلاً إدارياً في شكل قطاع معني بنشاط "الأزهريين"، وكذلك متابعة تجنيد المنتمين الى المؤسسات الدينية الرسمية.

انحاز يوسف القرضاوي في مختلف فتاويه لمشروع الإسلام الحركي، لا سيما المعني بترجمة أدبيات جماعة "الإخوان" وفروعها في شتى البقاع العربية والغربية، في مقابلة مع الجماعات الراديكالية المسلحة، كنوع من طرح البديل المناسب والآمن للإسلام العصري، متجاهلاً أن جماعة "الإخوان" تمثل المصدر الأول للفكر المتطرف، والمنبت الأساسي لأيديولوجية الجماعات الأصولية.

الاجتهادات الفقهية التي وضعها يوسف القرضاوي في مضمونها، لم تحد عن مشروع حسن البنا، ولم تنفك عن الإطار الفكري لسيد قطب، ولم تبعد من مرجعية أبو الأعلى المودودي، لكنها ارتدت رداءً سياسياً، يراعي مصلحة الجماعة ومزاعمها بأنها كيان دعوي وسطي سلمي، من خلال التأصيل لـ"فقه أسلمة الدولة"، رغبة في الوصول بالمجتمع إلى "مرحلة التمكين"، التي تعمل على تحقيقها منذ تأسيسها على يد حسن البنا في عشرينات القرن الماضي.

مزاعم يوسف القرضاوي بمهاجمة منهجية سيد قطب (تحديداً)، ليست رفضاً جوهرياً لما طرح في كتاب "في ظلال القرآن"، أو في كتاب "معالم في الطريق"، إنما  لأسباب متعلقة بالقضاء على وضعية سيد قطب كمرجعية أساسية لدى جماعة "الإخوان" وتيارات الإسلام الحركي، فضلاً عن تقديم نفسه كمرجع شرعي مناهض لأدبيات العنف والتكفير، وثالثها محاولة احتكاره لمشروع الفتوى بين منافسيه من علماء عصره.

مثلما صنع حسن البنا مشروعه على أركان تنظيم جامع لمختلف الأطياف والفئات والألوان والمذاهب، تحت مسوغات "الهيئة الجامعة للمسلمين"، رغبة بالتفرد والسيطرة المطلقة على الإرث الإسلامي، وتحقيقاً لمآربه ومطامعه السياسية، وضع كذلك القرضاوي منهجه الفقهي والفكري على أسس تجميعية معتمداً على التيسير في القضايا الخلافية، في إطار مشروع "فقه أسلمة الدولة". 

منهجية يوسف القرضاوي تحمل الكثير من التناقض بين ما يطرحه على الملأ وبين ما دونه في كتبه في ما يخص إشكاليات "الفقه السياسي" وقضاياه، إذ إن "فقه الواقع" لديه مرتبط بمفردات سيد قطب، والمودودي والبنا، وليس مرتبطاً بمقاصد الوسطية والاعتدال، لا سيما أن ما يضمره ظهرت ملامحه في تحريضه على اغتيال الشيخ محمد سعيد البوطي في مساجد دمشق، وكذلك استهداف ضباط الجيش والشرطة وهدم مؤسسات الدولة المصرية.

وقع القرضاوي بين سندان طموحه الشخصي، وما يفرضه عليه في تحقيق تطلعاته كمرجعية دينية كبرى، وبين مطرقة الانتماء الى الإطار التنظيمي، وضرورة الالتزام بضوابطه وخضوعه لأوامر مرشد جماعة "الإخوان"، ما يعلل أسباب رفضه المستمر لتقلد المنصب ذاته مرات عدة، هروباً من القيود التي سُتفرض عليه وتحجم من دوره وتحركاته.

أدرك القرضاوي أن منصب شيخ الأزهر الشريف صعب المنال، ومن ثم عمل على استكمال مشروعه الشخصي في تأسيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"،برعاية قطرية،  في محاولة لاستنساخ مكانة شيخ الأزهر العالمية والتمتع بها، وبناء منظومة تحتكر الفتوى الدينية غرباً وشرقاً.

كان يوسف القرضاوي المهندس الحقيقي لتماهي المشروع "الإخواني" مع النظام السياسي القطري، ومساعي الهيمنة عليه وتوظيفه سياسياً، مثلما كان الفاعل في عملية حل التنظيم نهائياً في بداية الثمانينات من القرن الماضي في ظل انتفاء الدوافع السياسية والاجتماعية، وتفادياً لصناعة مرجعية تنظيمية وحركية مدعومة من "الدوحة" تزاحمه المكانة التي تحصل عليها.

استفاد القرضاوي من النفوذ القطري في الغرب الأوروبي، من خلال تدشين العشرات من المؤسسات الفكرية التي تمثل امتداداً لمشروعه الشخصي، تحت مظلة التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان".

انتهت رحلة القرضاوي، ولن تنتهي معها تأثيراته الفكرية السياسية المغلفة بالإطار الديني، المروجة في مضمونها لمفاهيم الإسلام الحركي والجماعات الأصولية، ما لم يتم فك الاشتباك بين ازدواجية الديني والسياسي. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية