لم تُبقِ الأزمة الراهنة داخل جماعة الإخوان المسلمين على أيّ ملمح من ملامح الهيكل التاريخي للتنظيم، سوى الرؤوس المتناحرة، فيما يطلق عليهم "القيادات التاريخية" للجماعة، بينما التنظيم أصبح مفتتاً تماماً، ومتفرعاً على الأرض إلى عدة جماعات، برأس وقواعد، ولا سيّما أيديولوجيا مختلفة، بحسب وصف مراقبين.
وفي خضم الصراع المحتدم بين جبهتي؛ لندن بقيادة إبراهيم منير وإسطنبول بقيادة محمود حسين، للسيطرة على مركزية الحكم ومصادر التمويل في الجماعة، يبدو التنظيم الدولي، الذي يمثل الذراع الخارجية والقوة الدولية المهمة بالنسبة إلى الإخوان، قد "ذاب وتلاشى"، أو تحول إلى مجموعة جديدة من الهيئات الصغيرة تحمل أسماء متعددة مثل؛ مكتب إخوان الخارج، هيئة المكتب العام، لجنة القائم بأعمال المرشد وما يتبعها، يتصارع كلّ منها لحسم الصراع لصالحه.
ويرى مراقبون أنّ قوة التنظيم الدولي للجماعة تأتي باعتباره كياناً يجمع كافة الأقطار التي ينشط فيها التنظيم، وبوصلة لضبط تحركات الجماعة التاريخية، وتفعيل وجودها في مناطق من العالم تمثل ملاذات آمنة لنشاطها وأموالها لتعويض السقوط والتقهقر في مناطق أخرى، إضافة لكونه أحد أهم مصادر تمويل الإخوان عبر إدارة شبكات ضخمة من المال والأعمال أو حتى جمع التبرعات لصالح مشروعات التنظيم في الخارج.
تفتت جزئي
الباحث والكاتب المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب، وصف في تصريح لـ"حفريات" أزمة التنظيم الدولي للإخوان في ضوء حالة الصراع الراهن بأنّها تنقسم إلى جزء اقتصادي، وآخر سياسي، يتعلق الاقتصادي بشبكات المال التي يديرها قادة التنظيم في الخارج، وبالرغم من احتدام الصراع فيما بينهم على تلك الشبكات بشكل عام، إلا أنّ المنظومة الاقتصادية لم تتأثر بشكل عميق بهذا الصراع مثلما هو الوضع في الشق السياسي.
وبحسب أديب، تسببت حالة الصراع التاريخي داخل الإخوان في استحداث مجموعة من الكيانات داخل التنظيم؛ نتيجة دمج الهيكل التاريخي مع التنظيم الدولي، وبدأت تظهر مجموعة من الهيئات تباعاً أحدثها الهيئة العليا للإخوان، التي جرى تشكيلها خلال الأشهر الماضية من جانب مجموعة إبراهيم منير، فضلاً عن عدد من المجموعات الأخرى تشكلت على مدار الأعوام الماضية، منها هيئة المكتب العام ولجنة إدارة الإخوان وغيرهما.
ويرى أديب أنّ جميع التكتلات الجديدة خرجت من رحم تنظيم الإخوان القديم الذي شاخت أفكاره وأصبح قادته غير قادرين على إدارة أزمتهم الداخلية، لكنّه يستدرك قائلاً: "تلك الكيانات أيضاً هشة للغاية، وتحركها دوافع الصراع والرغبة في تحقيق النفوذ والسيطرة على مصادر التمويل، ولا يمكن التعويل عليها لإنهاء الصراع أو حسمه لصالح طرف دون الآخر، لكن ما يحدث الآن يمكن وصفه بأنّ الجماعة "قد انشطرت إلى مجموعة جماعات صغيرة" تأكل نفسها، وستكتب هذه الصراعات نهايتها.
ووفق أديب "لا يمكن القول إنّ التنظيم الدولي قد تلاشى تماماً، لكنّه انصهر بفعل عوامل الصراع، وجرى إعادة تشكيله ضمن مجموعات أخرى".
انشطار الأفرع
تنعكس حالة الانهيار التي يمرّ بها التنظيم الدولي للإخوان بشكل مباشر على الأفرع التنظيمية في مختلف الدول التي ينشط فيها التنظيم، ولعل الملمح الأبرز في هذا السياق يرتبط بفقدان الجماعة قدرتها على السيطرة المركزية (الفوقية)، وتوحيد لوبيات الضغط أو التنظيمات الحركية في الدول لتحقيق أهداف متزامنة، منها على سبيل المثال العمل على الوصول إلى الحكم في كافة الدول في توقيت واحد، وهو ما يُطلق عليه خطة حسن البنا لأستاذية العالم، التي فشلت الجماعة في تحقيقها أعقاب عام 2011، إثر حالة السقوط المتتابع والسريع لها في كافة الدول التي وصلت فيها إلى الحكم.
منير أديب: تسببت حالة الصراع التاريخي داخل الإخوان في استحداث مجموعة من الكيانات داخل التنظيم، نتيجة دمج الهيكل التاريخي مع التنظيم الدولي، وبدأت تظهر مجموعة من الهيئات تباعاً أحدثها الهيئة العليا للإخوان
وفي هذا السياق، يرى الباحث المصري المختص في الإسلام السياسي والمنشق عن تنظيم الإخوان، طارق البشبيشي، أنّ دور جماعة الإخوان كجماعة وظيفية تم دعمها منذ نشأتها من جانب أجهزة مخابرات دولية لتحقيق أجندة تستهدف تقسيم الشرق الأوسط وتحقيق هيمنة أطراف بعينها على الدول العربية، قد أوشك على الانتهاء؛ بسبب ضعف التنظيم وفشل كافة فروعه في جميع الدول في الاستمرار بالحكم، وانكشاف حقيقة أفكارهم المتطرفة أمام الشعوب.
سقوط مركزية التنظيم في مصر أضعفت الأفرع
وفي تصريح لـ"حفريات" يقول البشبيشي: إنّ "التنظيم قد مُني بخسائر فادحة منذ سقوطه في مصر إثر ثورة 30 حزيران (يونيو) عام 2012، ونجحت الأجهزة الأمنية في مصر والدول العربية في التصدي للمخططات الإخوانية وإحباطها، وبالتالي قطع الطريق أمام كافة الأفرع الإخوانية في الشرق الأوسط من تحقيق أهدافها".
وحول تأثير الصراع المستعر داخل الإخوان على نشاط فروعه في الخارج يقول البشبيشي: إنّ "التنظيم المركزي في مصر كان له الدور الأكبر في تحريك كافة الأذرع السياسية للإخوان في العالم، وحرصت الجماعة على مدار تاريخها على الاحتفاظ بمركزية القرار بأيدي مجموعة مكتب الإرشاد والقائمين على إدارة الجماعة في الداخل المصري؛ لذلك تسبب سقوط التنظيم في مصر في إضعاف جميع أفرع الإخوان في العالم، وأنتج متوالية السقوط للجماعة في كافة دول المنطقة، كما هو الحال في تونس والمغرب واليمن وغيرها.
طارق البشيشي: التنظيم المركزي في مصر كان له الدور الأكبر في تحريك كافة الأذرع السياسية للإخوان في العالم
وبحسب البشبيشي "يسعى الإقليم في الوقت الراهن للتخلص نهائياً ممّا تبقى من تيارات الإسلام السياسي، وتتعاون الأجهزة الأمنية والمؤسسات الفكرية للتصدي للإرهاب، سواء على مستوى العمليات أو مواجهة الأفكار المتطرفة وحماية المجتمعات منها، لذلك يواجه التنظيم الدولي ضربات مكثفة ومتتالية، سواء بسبب الصراعات الداخلية أو المواجهة الإقليمية لتيارات التطرف".
ويشير البشبيشي إلى أنّ "حالة الصراع بين الطرفين حقيقية ومستعرة، وقد أدت إلى تفكك التنظيم ونهايته، ولكنّه يعتقد أيضاً أنّ تلك الصراعات يتم فرضها على وسائل الإعلام في ضوء المناورة الإخوانية للفت النظر لبقاء الجماعة، ومن الأفضل أن يتم تجاهله، واعتبار الجماعة منتهية سياسياً ومرفوضة شعبياً.
مواضيع ذات صلة:
- تصريحات إبراهيم منير عن "عنف الإخوان".. مبادرة أم أجندة غربية جديدة؟
- حقائق ورسائل خادعة.. هذا ما كشفته تصريحات إبراهيم منير الأخيرة