هل ينفّذ الأكراد تهديدهم في إطلاق الدواعش من مخيم الهول؟

هل ينفّذ الأكراد تهديدهم في إطلاق الدواعش من مخيم الهول؟


21/10/2020

وقت تمهيده الطريق للعملية العسكرية التركية في شمال سوريا، أصرّ الرئيس الأمريكي، ترامب، على أن تتحمّل تركيا مسؤولية مقاتلي داعش الأسرى وعائلاتهم، وقال إنّ الولايات المتحدة كانت تحتجز أخطرهم، لكن مع سحب البنتاغون للقوات الأمريكية من شمال سوريا، تحمّل الأكراد مسؤولية احتجاز هؤلاء المقاتلين الخطيرين، وأصبح هؤلاء ورقة ضغط لدى الأكراد، يلوّحون بها كلّ فترة، لتقليل الضغط التركي عليهم، لكن هل سينفّذ الأكراد تهديدهم في إطلاق سراح الدواعش من مخيم الهول؟

التخلّص من العبء

يعدّ مخيم الهول أحد أكبر معتقلات عناصر تنظيم داعش في سوريا؛ إذ يمثّل، إلى جوار مخيمات الشمال السوري بأكملها، أزمة حقيقية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شكّلت عبئاً ضخماً عليهم، من الناحية اللوجيستية والإدارية والمالية.

 ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مصطفى أمين؛ أنّ "هذا المقترح هو محاولة من قوات سوريا الديمقراطية لإنهاء هذا الملف، والتخلّص من هذا العبء وتكاليفه الخاصة بحراسة المعسكرات وإدارتها، والأموال الطائلة التي تنفَق على هؤلاء المقاتلين المارقين، ومع ذلك حين يأتي الحديث عن تسريحهم، دون خطة تأهيل ودمج،  فهي كارثة، ليس لمنطقة الشرق الأوسط وحدها، بل للعالم أجمع؛ لأنّها إعادة تدوير للتطرف، لكن بصورة أكثر عنفاً وضراوة".

الباحث محمد حامد لـ"حفريات": الأكراد يفضّلون الظهور كأصحاب قضية كبيرة ومؤثرة، يجب الالتفات إليها، وقد جعلت إدارة ترامب لتركيا اليد العليا عليهم، رغم حمايتهم  

يتابع أمين، في تصريحه لـ "حفريات": "هذه الكارثة ستأتي لا محالة، ولكن هناك عدة أسباب تدفعنا لوصفها بالكارثة:

 أولاً: لأنّ معظم المتواجدين في هذه المعسكرات هم من النساء المتشرّبات لأفكار تنظيم داعش الإرهابيّ، وما يزلن متمسكات بها، وظهر هذا جلياً في أكثر من فيديو خرج من قلب التنظيم؛ إذ شاركت هؤلاء النسوة الدواعش في القتال، كما أنّ دعواتهنّ تؤكّد التزامهنّ بأفكار أزواجهنّ، ممن قتلوا أو اعتقلوا، إضافة إلى أنّ أرامل الدواعش يحملن ثأراً كبيراً على قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي، الذين قتلوا أو اعتقلوا أزواجهنّ.

اقرأ أيضاً: الأكراد يفرجون عن الآلاف من معتقلي مخيم الهول... ما مبرراتهم؟

 ثانياً: الضغط على هذه المعسكرات من خلال الخلايا النائمة الموجودة بالشمال السوري، مع مرور الوقت، ربما يدفع إلى هروب بعض الأفراد الخطيرين، وهذا ما تمّ إبان الهجوم التركي على الشمال السوري، ورأينا محاولات هروب عناصر منهم.

مفرخة الإرهاب وإعادة إنتاج التطرّف

تدير السلطات الكردية أكثر من عشرين مركز احتجاز، منتشرين حول شمال شرق سوريا، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)؛ فإنّ مخيم الهول، الذي كان يؤوي في بعض الأحيان أكثر من 70 ألف شخص، يؤوي حالياً ما لا يقلّ عن 64 ألف نازحاً، وتقول الأمم المتحدة إنّ من بين هؤلاء 24300 من سوريا، بينما يعتقد أنّ نحو 30 ألفاً من العراق، إضافة إلى 10 آلاف من دول أخرى، جميعهم على صلة بمقاتلي داعش الأجانب، ومع انتشار فيروس كورونا، في نيسان (أبريل) الماضي، قام المعتقلون بأعمال شغب، وحاولوا الهرب من السجن، إلّا أنّ السلطات الكردية تمكّنت من السيطرة على الوضع، وفي مقال نشرته صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، في الخامس من الشهر الجاري، أوضحت؛ أنّ "مخيّم الهول، الذي صار عبئاً بشرياً على قوات سوريا الديمقراطية، أصبح بشكل قاطع مفرخة جديدة للإرهاب، وإحدى أهم حواضن التطرف في العالم".

ويؤكد أمين أنّ اعتقال هؤلاء الدواعش لمجرّد الاعتقال، لا يجلب سوى المزيد من الضغط على السلطات المحلية، وسينطلق بعد ذلك صغار الإرهابيين لتكرار أفعال أسلافهم نفسها؛ حيث إنّ خروج هؤلاء، دون وجود مشروع لإعادة التأهيل، ودمجهم مرة أخرى في المجتمع، غلطة سيدفع ثمنها الجميع، ويجب أن يكون هناك مشروع دولي، وبالتنسيق مع القوى المحلية، ووضع خطة لكيفية إعادة تأهيل هؤلاء، ويجب أن ننتبه إلى أنّهم ليسوا مختطفين تمّ تجنيدهم بالإكراه، بل هم من أقدموا على هذه الخطوة، إيماناً منهم بالأفكار الإرهابية للتنظيم، ما يعني أنّ هذا المشروع يجب أن يضع كلّ جهده لإعادة برمجة أفكار هؤلاء الأشخاص، لكن إذا خرجوا هكذا، فهي كارثة حقيقية.

مأزق دولي

حصل المسؤولون الأكراد على بعض الدعم من المجتمع الدولي، ومن مجموعات الإغاثة التي عملت في المخيمات، كما ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام جزء من ميزانيتها، البالغة 200 مليون دولار، في مكافحة تنظيم داعش، للعام المالي 2020، بدعم تأمين معسكرات الاعتقال في المنطقة، وفي نيسان (أبريل) الماضي؛ أرسلت الولايات المتحدة أيضاً إمدادات طبية بقيمة 1.2 مليون دولار للمساعدة في منع تفشي فيروس كورونا المحتمل في المخيمات.

تعدّ فرنسا أكبر الدول الأوروبية التي تملك مقاتلين في داعش، تليها إنجلترا، فإسبانيا وإيطاليا، وهناك دول المستوى الثاني، وهي شمال أوروبا، ثمّ دول شرق أوروبا

ويؤكد أمين؛ أنّ "الحلّ يكمن في مشروع دولي، لإعادة هيكلة هذه العناصر، تتعاون  فيه قوّات سوريا الديمقراطية، بشكل محلي، والتحالف الدولي، باعتبارهم ممولين، لإنشاء مراكز خاصة بتأهيل الموجودين في هذه المعسكرات، حتى يطمئنوا تماماً بأنّهم تخلصوا من الأفكار المتطرفة التي تشربوها من تنظيم داعش، بالتالي؛ يتم دمجهم في المجتمع مرة ثانية، وهذا بالنسبة إلى العراقيين والسوريين، أمّا بالنسبة إلى المواطنين الأجانب من دول أخرى، فتتمّ إعادتهم إلى بلادهم، وهنا تكمن مشكلة أكبر؛ حيث إنّ جميع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون، لا تريدهم مرّة أخرى، باعتبارهم مارقين وخارجين عن قيم مجتمعاتهم، وهي أزمة ستظلّ قائمة؛ لذلك يجب أن يتّم هذا المشروع بتنسيق أممي؛ لأنّ الأسر والعائلات والدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون، يجب عليها قبولهم مرّة أخرى، وإعادة تأهيلهم في دولهم، أو إعادة محاكمتهم".

هل تلفظ أوروبا أبناءها؟

تعدّ فرنسا أكبر الدول الأوروبية التي تملك مقاتلين في داعش، تليها إنجلترا، فإسبانيا وإيطاليا، وهناك دول المستوى الثاني، وهي شمال أوروبا، ثمّ دول شرق أوروبا، أمّا الدول الكبرى فترفض عودة هؤلاء الإرهابيين، باعتبارهم أزمة وعبئاً؛ حيث لا تمتلك هذه الدول صيغة قانونية لإعادتهم مرة أخرى، أو نصّاً دستورياً يوضح العقوبة المترتّبة على ما فعلوه من جرائم خارج نطاق جغرافيتهم.

 ويؤكّد مدير منتدى شرق المتوسط، الباحث محمد حامد؛ أنّ رفض أوروبا لعودة هذه العناصر أمر منطقي، باعتبارهم منشقّين عن القيم الأوروبية، وهي لا تريدهم مرّة أخرى؛ فهي لا تستطيع احتواء الإرهاب الموجود على أراضيها، فكيف تستجلب إرهابيين آخرين حتى إن كانوا مواطنيها؟

اقرأ أيضاً: هل تستخدم روسيا الأكراد لمناكفة تركيا؟

يتابع حامد، في حديثه لـ "حفريات": "نحن، الآن، في خضمّ الذكرى الأولى، لعملية تل أبيض، وأحدثت ضجّة كبيرة، بسبب عزم أردوغان على شّن حرب على تلك المنطقة، وهو ما أثار حفيظة المجتمع الدولي بأكمله، أيضاً يتزامن تلويح الأكراد بتسريح الدواعش، مع انتخابات أمريكية وشيكة، وهي ورقة ضغط لدى الأكراد،  الذين يشعرون بأنّ إستراتيجية ترامب كانت ضدّهم  بالكامل، ودفعت تركيا للتفوق عليهم، على العكس من إستراتيجية أوباما، التي حققت لهم نوعاً من التوازن، وبرامج من الدعم والتسليح، وأعتقد أنّها ربما تكون رسائل توجَّه للناخب الأمريكي، للضغط على الإدارة، سواء استمرّ ترامب، أو جاء بايدن".

اقرأ أيضاً: كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟
يضيف حامد: "الأكراد يفضّلون الظهور كأصحاب قضية كبيرة ومؤثرة، يجب الالتفات إليها، وقد جعلت إدارة ترامب لتركيا اليد العليا عليهم، رغم أنّها قامت بحمايتهم في النهاية، وربما أيضاً يكون هذا الإعلان بتحريض روسي، لتخفيف الضغط على أزمة أرمينيا وأذربيجان، والتلويح مرة أخرى بالورقة الكردية لإيذاء تركيا، خاصة بعد حديث أردوغان قبل أسابيع عن إمكانية تحرّكه للمرة الرابعة في سوريا، فالأمور كلّها مختلطة ومتداخلة، لكنّها، بشكل عام، ترمي إلى قدرة الأكراد على التفاوض، ولفت الانتباه لقضيتهم، ولأنّ هناك الكثير من العرب حالياً ضدّ الأتراك، يجب أن يلتفت الأكراد إليهم ويتحالفوا معهم، وأعتقد أنّهم يحاولون اللعب على كافة المستويات، التي قد تكبح جماح المشروع التركي في الشمال السوري".  

ويدعو أمين إلى الإسراع في بناء هذا المشروع؛ "لأنّ بقاءهم مدة أطول في هذه المعتقلات، سيجعلها معقلاً لتوسّعهم المستقبلي، وستصبح تجمّعاتهم عبارة عن إعادة تفريخ لدواعش مستقبليين أكثر شراسة ممن رأيناهم سابقاً"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية