هل يستولي المتدينون على السلطة في مالي؟

هل يستولي المتدينون على السلطة في مالي؟


كاتب ومترجم جزائري
22/07/2020

ترجمة: مدني قصري

كيف سيترجَم نفوذ الإمام محمود ديكو القوي في نهاية المطاف على الائتلاف الواسع الذي يطالب باستقالة الرئيس جمهورية، مالي إبراهيم بوبكر كيتا

يتساءل العديد من المراقبين المتابعين للديناميكيات السياسية المالية، اليوم، عما إذا كان المتديّنون بصدد الاستيلاء على السلطة في البلاد.

اقرأ أيضاً: لماذا تتمسك المعارضة في مالي برحيل الرئيس إبراهيم كيتا؟

في الواقع، في 5 حزيران (يونيو)، ثم في 19 حزيران (يونيو) 2020، وأخيراً في 10 تموز (يوليو)، وبدعوة من ثلاث منظمات؛ تنسيق الحركات والجمعيات المتعاطفة مع الإمام محمود ديكو (CMAS)، و"حركة أمل مالي كورا" (EMK)، وجبهة حماية الديمقراطية (FSD)، التقى آلاف من المواطنين الماليين في ساحة الاستقلال في باماكو، للمطالبة باستقالة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، إذا كانت المنظمتان الأخيرتان سياسيتَين بشكل صريح، فإنّ الأولى حركة ذات بُعد ديني، ولا سيما إسلامي.

تحالف غير متجانس مع هدف مشترك

يقوم تنسيق الحركات والجمعيات المتعاطفة مع الإمام محمود ديكو (CMAS)، الذي أنشئ في أيلول (سبتمبر) 2019، على خطاب تنديد الإمام بـما يسميه بـ "الحكم الكارثي" للبلاد، وهو ما يشير إلى أنّ هذا التحالف يمثل أداة ضدّ الفساد، وضدّ السياسات التي يقال إنّها خانت الشعب المالي.

الإمام محمود ديكو

أسّس الإمام محمود ديكو شهرته كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى لمالي (2008-2019)، من خلال النضالات السياسية المختلفة التي خاضها في هذا السياق، وقد تألّق من خلال محاربته لقانون الأسرة بين عامَي 2009 و2011، وتورّطه في حلّ الأزمة منذ عام 2012 ، ودوره في الانتخابات الرئاسية، عام 2013، ومعارضته للتربية الجنسية، عام 2019، ...إلخ

لقد فهم الإمام أنّ قوته الوحيدة تكمن في قدرته على تعبئة السكان، ومن هنا جاءت هذه البنية التي تتيح له منصة لمواصلة معاركه، والاستمرار في التأثير على المشهد السياسي الوطني.

نجاح المظاهرات في 5 و19 حزيران (يونيو) سببه الظلم الاجتماعي الذي يشعر به غالبية الماليين، وهو نتيجة للفساد المستشري الذي يجعل الأقلية تحتكر الأموال العامة بالكامل

بالنظر إلى عدم ثقة السكان الماليين إزاء السياسة، يَظهر المتدينون كأشخاص مسؤولين ما يزال بإمكان المواطنين الوثوق بهم، وأنّهم الوحيدون القادرون على حشدهم. يبدو أنّ المعارضة السياسية، حركة أمل مالي كورا، وجبهة حماية الديمقراطية، وهي ائتلاف من أحزاب المعارضة، قد استوعبت هذه الوضعية بشكل جيد للغاية، بتحالفها مع حركة الإمام، فمعاً، وتحت قيادة محمود ديكو، نجح هذا الائتلاف في دعوة الماليين للخروج إلى الشوارع والمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية.

لقد تناوب قادة المظاهرة، بمن فيهم الوزراء السابقون للرئيس الحالي، والناشطة المناهضة للفساد، التي تمّ الإفراج عنها مؤخراً، كليمنت ديمبيلي، على المنصّة الخطابية، لإطلاق انتقاداتهم اللاذعة ضدّ رئيس الجمهورية.

اقرأ أيضاً: على خُطى تشاد.. مالي في سبيل تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"

إنّ حجم التعبئة التي بدأها الإمام تصنع منه، بلا شكّ، أول خصم سياسي في مالي، لقد تحوّل التحالف غير المتجانس الذي كان وراء الاحتجاجات، إلى حركة 5 حزيران (يونيو)، تجمّع القوى الوطنية (M5-RFP)، الذي يجمع الآن عدداً كبيراً من الأحزاب والشخصيات السياسية، وما انفكّ تجمّع القوى الوطنية M5-RFP)) يستقطب لصالحه شخصيات ذات وزن، مثل السيدة سي كادياتو سو، الوزيرة السابقة، أو موديبو سيديبي، رئيس الوزراء السابق، اللذين لم يشاركا في مسيرة 5 حزيران (يونيو).

التخطيط للاستيلاء على السلطة

إنّ الانتقادات الكبيرة التي تأتي من أنصار السلطة ضدّ تجمّع القوى الوطنية (M5-RFP) بواقع زعامة الإمام ديكو، وهو بالتأكيد من أتباع الإسلام الصارم، تؤشر إلى أنّ السلطة قد يستولي عليها إسلاميٌّ في خدمة حلفاء الجهاديين من الشمال والوسط، أمّا المعاينة الرئيسة التي يمكن استخلاصها من الأحداث الجارية؛ فهي، على أيّ حال، نموّ شرعية جزء من النخب الدينية، على حساب النخب السياسية التي رأت شرعيتها تتدهور تدريجياً على مدى العقدين الماضيين.

تورّط الإمام واعتذاره

أدّى عدم وجود زخم للأمل في التغيير الذي جسده الرئيس، إبراهيم بوبكر كيتا، وقت انتخابه عام 2013، إلى إقناع العديد من الماليين في النهاية بأنّه لم يعد هو الحل؛ "بوا ديسرا، بوا كا بلا" (بلغة بامبارا، تعني "الرجل العجوز لم يعد يطيق فليغادر السلطة")، وهو شعار أطلقه الناشط والمنشط، راس باث، وهو الشعار الذي يردّده المتظاهرون الآن.

الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا

منذ تورطه في انتخاب الرئيس، عام 2013، عندما دعم بقوة ترشيح إبراهيم بوبكر كيتا، لم يعد اهتمام الإمام ديكو بالسياسة يحتاج إلى براهين، وفي خطابه، في 5 حزيران (يونيو)، لم يفوت الفرصة للاعتذار من الشعب المالي، لأنّه ضلّله بدعوته للتصويت للرئيس الحالي، ولا شكّ في أنّ آخر المظاهرات والدعوات للاستقالة التي كان قد دعا إليها، كانت وسيلة لتصحيح هذا الخطأ.

سلطة أخلاقية "فوق العراك"

يبدو من غير المرجح أن يباشر الإمام بالاستيلاء على السلطة مباشرة، كما يبدو أنّه قد فهم بوضوح أنّ الحركة الاحتجاجية ستنهار عند أدنى اشتباه في رغبتها في فرض الشريعة في حال ترك الرئيس السلطة، وعلاوة على ذلك؛ فقد نأى الإمام بنفسه، مكتفياً بتقديم نفسه كسلطة أخلاقية "فوق العراك" الدائر، ولها، بلا شكّ، رأي تبديه في الصراع القائم.

اقرأ أيضاً: مخطط تركي في مالي... ما علاقة المقاتلين السوريين؟

إنّ تناول المسألة من زاوية دينية بحتة هو أيضاً تقليل من الطبيعة غير المتجانسة لهذه الحركة التي انضم إليها جميع غير الراضين عن السلطة.

تأثير الإمام في المشهد السياسي

لا شكّ في أنّ للإمام ديكو تأثيراً كبيراً في المشهد الاجتماعي والسياسي؛ فقد أظهر للتوّ هذا التأثير مرّة أخرى، ومع ذلك، كما سبق وقلنا، فمن غير المرجَّح أن يحاول تولي السلطة شخصياً، لأنّ المشاركة المباشرة في اللعبة الانتخابية سوف تُبرز وزنَها السياسي الحقيقي، ونتيجة صناديق الاقتراع دون التوقعات والتطلعات، يمكن أن تضرّ بهالته.

لا شكّ في أنّ للإمام محمود ديكو تأثيراً كبيراً في المشهد الاجتماعي والسياسي في مالي؛ لكن من غير المرجَّح أن يحاول تولي السلطة شخصياً

يبدو الإمام على دراية بحقيقة أنّ دور المشرف على اللعبة السياسية، الذي يلعبه بشكل جيد للغاية، يناسبه بشكل أفضل من دور الممثل السياسي الخالص، ومن ناحية أخرى؛ سيساهم (كما فعل في الماضي) في دعم الشخصية التي يختارها وفي إيصالها إلى السلطة.

رئيس يفتقر إلى الشرعية

يذكِّر أنصار الرئيس المالي بانتظام، المتظاهرين، بأنّ الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا قد تمّ انتخابه دون عناء؛ فهذا التذكير المتكرر يمكن أن يفسّر سبب عدم مراعاة رئيس الدولة للانتقادات المختلفة التي يتعرّض لها، ومن المؤكد أنّ إعادة انتخابه، عام 2018، قد عززت يقينه وعزمه على مواصلة السياسة التي اتبعها منذ عام 2013؛ لذلك يمكننا أن نفترض أنّ كلّ شيء، بحسب فهمه، منذ أن أعاد الماليون إعادة انتخابه، يسير على أحسن ما يرام، وبالتالي هناك عدم مبالاة كلية (تقريباً) منه إزاء المطالب التي تُقدّم خلال المظاهرات المختلفة.

رئيس "منتخَب بشكل مريح"

لكن، لعلّه ينسى أنّه لم تتمّ إعادة انتخابه، عام 2018، إلا من قبل أقلية من المواطنين، بالتالي؛ هناك فجوة بين شرعيته كرئيس وبين شرعيته الشعبية، وقد أدرك ممثلو المظاهرة، في 5 حزيران (يونيو)، لا سيما عيسى كاو نجيم، المنسق العام للحركات والجمعيات المتعاطفة مع الإمام محمود ديكو، أنّ هذا الأمر جيد؛ فمن بين 20 مليون مالي، تمّ تسجيل حوالي 8 ملايين في القوائم الانتخابية (في 2018)، وشارك 2,5 مليون فقط في التصويت، تمّ انتخاب إبراهيم بوبكر كيتا في الجولة الثانية بحوالي 1،700،000 صوت. ونظراً إلى أنّ الاقتراع العام لا يفرض حداً أدنى لانتخاب المرشح؛ فإنّ إبراهيم بوبكر كيتا يعدّ رئيساً قانونياً، لكنّ هذا المعدل المنخفض للغاية في المشاركة يؤثر على شرعيته. بالتالي؛ فإنّ عبارة "منتخَب بشكل مريح" تبدو نسبية تماماً.

الاعتقاد بأنّ غالبية الماليين يوافقون على سياسة إبراهيم بوبكر كيتا بحجّة أنّه "انتخب بشكل مريح" أمر خادع إلى حدّ ما.  

القشة التي قصمت ظهر البعير

إنّ مظاهرات بحجم تلك التي وقعت في 5 و19 حزيران (يونيو) جدّ نادرة في البلاد، ويأتي نجاحها من الظلم الاجتماعي الذي يشعر به غالبية الماليين، فهذا الظلم الاجتماعي هو نتيجة للفساد المستشري الذي يجعل الأقلية تحتكر الأموال العامة بالكامل؛ فالأموال المخصصة للقطاعات العسكرية والتعليمية والحيوية في الدولة يتم اختلاسها دون أيّة عواقب على الجناة.

إضراب المعلمين استمر لما يقرب من عامين

إضافة إلى ذلك؛ هناك أزمة المدارس، وإضراب المعلمين الذي استمر لما يقرب من عامين، ناهيك عن أنّ انعدام الأمن قد توسع إلى مناطق كانت آمنة من قبل، وفي هذا السياق؛ كانت شبهات التزوير بشأن الانتخابات التشريعية الأخيرة (تمّ انتزاع حوالي ثلاثين مقعداً من المعارضة لصالح الحزب الحاكم) هي القشّة التي قصمت ظهر البعير.

يبدو أنّ المواجهة بين الرئيس كيتا والإمام محمود ديكو قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، وقد قدمت المظاهرة الأخيرة، الجمعة 19 حزيران (يونيو) 2020، دليلاً إضافياً على ذلك؛ الوضع الاجتماعي والسياسي الحالي للبلاد أصبح أكثر غموضاً من أيّ وقت مضى، حيث رفض تجمع القوى الوطنية (M5-RFP)، حتى الآن، "اليد الممدودة"، واقتراح الحوار الذي قدّمه الرئيس كيتا، مطالباً فقط باستقالته.

يبقى أن نرى ما إذا كان حلّ الجمعية الوطنية (أحد العوامل الرئيسة في الأزمة، وحلّ المحكمة الدستورية (التي صادقت على التزوير الانتخابي بتنصيب نواب مزوّرين) اللذين اشترطتهما المعارضة، كافِيَين لتهدئة التوتر.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

epoint.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية