على خُطى تشاد.. مالي في سبيل تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"

إفريقيا وإسرائيل

على خُطى تشاد.. مالي في سبيل تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"


06/02/2019

عملت "إسرائيل" طوال العقود الماضية على إغراء الدول الإفريقية، بتقديم الأسلحة والمساعدة الإنمائية والتكنولوجيا المتقدمة، في محاولة منها لتوطيد علاقاتها مع القارة، وإنهاء عزلتها الجغرافية والسياسية.

لكن بدأ مؤخراً اهتمام إفريقي بالاتجاه المعاكس؛ حيث بات بعض القادة الأفارقة يتنافسون لزيارة "إسرائيل"، وآخر تلك الزيارات؛ الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي، إدريس ديبي، إلى "إسرائيل"، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في رحلة وصفتها الحكومة الإسرائيلية ووسائل إعلامها بأنّها "اختراق مهمّ حققه بنيامين نتنياهو باتجاه القارة"، وفي المقابل، كان قد استقبل ديبي، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في أنجامينا؛ حيث وافقوا على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

اقرأ أيضاً: الإسرائيليون "سعداء" ببداية التطبيع القطري!
تتحدث وسائل الإعلام العبرية هذه الأيام ضمن دعاية نتنياهو الانتخابية، الذي يروّج بدوره لتقوية المكانة الإستراتيجية لـ"إسرائيل"، إلى الاستعدادات الجارية "لزيارة تاريخية" أخرى، وهي زيارة رئيس وزراء مالي، سوميو بوبيي ماغا، لدولة الاحتلال في "الأسابيع المقبلة".

الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى "إسرائيل" مؤخراً

لماذا إفريقيا؟
لقد ظلت القارة الإفريقية، في سياسة "إسرائيل" الخارجية، هدفاً ثابتاً منذ قيامها، وكانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى كينيا وأوغندا وإثيوبيا ورواندا، عام 2016، أول زيارة تاريخية يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي إلى إفريقيا منذ عقود، وقال الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب محادثات تموز (يوليو) عام 2016: "نعتقد كقارة أننا في حاجة إلى إعادة النظر في إسرائيل على أسس أكثر إيجابية".

اقرأ أيضاً: قناة الجزيرة: التطبيع باسم حرية التعبير
ومنذ ذلك الحين؛ عاد نتنياهو إلى القارة مرتين، إحداهما حلّ ضيفاً خاصاً في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا(ECOWAS) ، في حزيران (يونيو) العام 2017.

ترى "إسرائيل" أنّ الفيتو الأمريكي لم يعد ضامناً للهيمنة الإقليمية

ورغم العلاقة المتينة التي تجمع كلاً من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، في الوقت الحالي، فإنّ بعض المراقبين للمشهد يرون أنّ "إسرائيل" تساورها شكوك في مستقبل الهيمنة الأمريكية في المنطقة، في الوقت الذي يبرز فيه لاعبون دوليون نشطون، في القارة الإفريقية ومنطقة الشرق المتوسط، على حدّ سواء.

التحالف مع "إسرائيل" يشكّل بالنسبة لبعض الدول الإفريقية تذكرة مضمونة لقبولهم ضمن النادي السياسي التابع لواشنطن

وقد تحدث عن ذلك نتنياهو علناً، قبل زيارته الأخيرة إلى تشاد؛ حيث أشار في حديثه لصحيفة "التايمز أوف إسرائيل"، في حزيران (يونيو) الماضي، إلى حاجة "إسرائيل" إلى تنويع حلفائها الدوليين، وأنّ الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يعد ضامناً للهيمنة الإقليمية لـ"إسرائيل".
وذكر نتنياهو أكثر من مرة طلب بلاده بمنح عضو مراقب لدى الاتحاد الإفريقي، وإلى سعي "إسرائيل" لحلّ "الكتلة الكبيرة المكونة من 54 دولة إفريقية، التي تشكل أساس الأغلبية التلقائية ضدّ إسرائيل في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية".

إستراتيجية جديدة
إنّ "إسرائيل" تأمل من خلال إستراتيجيتها الجديدة، المتمثلة في السعي إلى إقامة تحالفات منفصلة مع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى كسب ودّ الدول التي وقفت تاريخياً إلى جانب الفلسطينيين، والحصول على تصويتهم في الأمم المتحدة.
إنّ الصراع بين "إسرائيل" والدول العربية في إفريقيا، بحسب قول دان أفني، وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ظلّ منذ الخمسينيات والستينيات "معركة حياة أو موت"، وكانت الدول الإفريقية حجر عثرة أمام القرارات الإسرائيلية المدافعة لممارستها الاحتلالية.

ظلّ الصراع بين "إسرائيل" والدول العربية بإفريقيا منذ الخمسينيات "معركة حياة أو موت"

وفي أعقاب توسع المشروع الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين والدول العربية الأخرى، بعد حرب 1967، غطّى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الأمريكي غير المشروط لـ"إسرائيل" العديد من نقاط الضعف لدى هذاالكيان الصهيوني، مما مكّنها من أن تصبح لاعباً قوياً بلا منازع للمنطقة برمتها، رغم غياب قبول لها لدى القارة أو لدى بقية المجتمع الدوليّ.
لكن، تجري الآن لعبة جديدة تهدف إلى تغيير القواعد مرة أخرى، بسبب أنّ الولايات المتحدة تفقد هيمنتها المطلقة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك بفضل صعود التأثيرات الروسية والصينية على المنطقة.

وهم التكنولوجيا الأمنية
غالباً ما يُفسَّر فتح بعض الدول الإفريقية مجالها أمام إسرائيل بأنّه يعود بإغراء البلدان الفقيرة في إفريقيا، بدعم سياسي ووعود اقتصادية، حتى يُحرم الفلسطينيون من التصويت في الأمم المتحدة.

العلاقات الدبلوماسية مع تشاد ومالي قد تكسب نتنياهو بعض الأصوات بالانتخابات القادمة لكنها ستسهم أيضاً بترويج الوهم الإسرائيلي مؤقتاً

وصحيح أنّ "إسرائيل" تقدم مساعدات تنموية إلى دول القارة لكسب ودّها؛ ففي أوائل كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بدأت "إسرائيل" في المشاركة في البرنامج التنموي الأمريكي، الذي يسمى"Power Africa" ، ويهدف إلى تأمين الكهرباء لــ 60 مليون إفريقي، بحلول عام 2030.
لكن بنظر رمزي بارود، وهو باحث فلسطيني؛ فإنّه يستبعد أن تكون "التكنولوجيا الأمنية" الإسرائيلية لها علاقة بالسبب وراء رغبة بعض الدول الإفريقية في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" مؤخراً.
ويتساءل بارود، في مقال له على موقع "ماندويس"، المتخصص في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية، عمّا يمكن لـ"إسرائيل" أن تقدمه في قطاع التكنولوجيا إلى تشاد ومالي وغيرها من الدول، ولا تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها تقديمه؟
يجيب بارود: "لا شيء"، ويضيف "اللحظة التي نقبل بها مثل هذه الحقيقة؛ هي اللحظة التي نبدأ نفهم فيها حقاً لماذا قامت تشاد، وهي دولة ذات غالبية مسلمة، بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل"، وينطبق الأمر نفسه على مالي، وهي دولة أخرى ذات غالبية مسلمة مستعدة للتطبيع مع دولة الاحتلال.

ليس الطريق إلى تل أبيب هو ما تبحث عنه نجامينا وباماكو بل الطريق إلى واشنطن نفسها

بوابة إلى الرضا الأمريكي
ما تبحث عنه الدول الإفريقية مثل؛ تشاد ومالي، ليس فقط دعماً على مستويات الاقتصاد والتنمية، لكنها تبحث أيضاً عن شرعية سياسية، ويشعرون بأنهم مضطرون لإيجاد خيارات بديلة يمكن أن تنقذهم من أي خطر داخلي، سواءً عبر اضطرابات شعبية أو انقلاب عسكري، كما أنّ التحالف مع "إسرائيل" يشكّل، بالنسبة إلى هذه الدول، تذكرة مضمونة لقبولهم ضمن النادي السياسي التابع لواشنطن.

اقرأ أيضاً: إيران هي مشكلة اللبنانيين وليست إسرائيل
إذاً؛ ليس الطريق إلى تل أبيب هو ما تبحث عنها نجامينا وباماكو، بل الطريق إلى واشنطن نفسها؛ ففي إفريقيا، كما هو الحال في أجزاء أخرى من جنوب العالم، غالباً ما تكون الولايات المتحدة، وليس الأمم المتحدة هي التي تمنح الشرعية السياسية أو تسلبها، بالنسبة إلى القادة الأفارقة، الذين لا يتمتعون بأيّة مصداقية ديمقراطية؛ فإنّ مصافحة نتنياهو يمكن أن تكون بمثابة تأمين مؤبّد على الحياة السياسية.

اقرأ أيضاً: الحركات الجهادية في إفريقيا... تحالف وتقاتل وعنف
لذا؛ تحاول "إسرائيل" في الوقت الحالي السير في هذه الإستراتيجية، ومن خلال الاستفادة من الموارد الأمريكية ودعمها السياسي، تنسج علاقات مستقلة مع دول العالم بمفردها، في سبيل رغبتها في تطوير سياسة خارجية تأمل أن تقدّم لها مزيداً من الاستقلالية في المستقبل.
في المحصلة؛ العلاقات الدبلوماسية مع تشاد ومالي قد تكسب نتنياهو بعض الأصوات في الانتخابات القادمة، في شهر نيسان (أبريل) المقبل، لاختراقه المزعوم لجبهة إفريقيا، لكنها ستسهم أيضاً في ترويج الوهم الإسرائيلي مؤقتاً، بأنّه يمكن أن يكون نظاماً مقبولاً على المستوى الدولي، ونظاماً للفصل العنصري، في وقت واحد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية