هل يستطيع المجتمع المدني تحقيق السلام في السودان؟

هل يستطيع المجتمع المدني تحقيق السلام في السودان؟

هل يستطيع المجتمع المدني تحقيق السلام في السودان؟


10/07/2024

طارق العليان

اجتمعت مجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني السودانية في أديس أبابا في 27 مايو (أيار) لحضور المؤتمر التأسيسي لهيئة تنسيق القوى المدنية الديمقراطية في السودان، التي تُعرف اختصاراً باسم "تقدُّم". كان هذا الاجتماع دليلاً على إظهار القوة والوحدة للجبهة المدنية السودانية، التي تضغط بقوة نحو إجراء مفاوضات بين الفصائل العسكرية المتحاربة في السودان.

وقف إطلاق النار سيكون خطوة حاسمة في فتح الطريق أمام تدفق المساعدات

لكن تحوم شكوك كبيرة حول إمكانية تحقيق وقف إطلاق النار في الأمد القريب.

وسيحتاج وقف إطلاق النار ضغوطاً مستمرة من جانب القوى المدنية والمجتمع الدولي لرفع تكاليف القتال بالنسبة للأطراف الرئيسة في الصراع.

ومع ظهور بوادر لوقف إطلاق النار، تزيد احتمالات انهياره، وسوف يكون للكيفية التي يتم بها التوصل إلى اتفاق ومن يشارك فيه آثار كبيرة على استدامة السلام، حسب ما أفاد سانتياغو ستوكر، مدير برنامج خدمات المقيمين في السودان بالمعهد الجمهوري الدولي الأمريكي IRI.

لماذا هناك حاجة ملحة لوقف إطلاق النار؟

وقال ستوكر في مقاله بموقع "ناشونال إنترست": مع تصاعد القتال حول الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وفي أجزاء أخرى من السودان، وتفاقم الأزمة الإنسانية، تبرز حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار. ووثّق "مشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح" أكثر من 17 ألف حالة وفاة مباشرة نتيجة للصراع.

ووفقاً للجنة الإنقاذ الدولية، يحتاج ما يقرب من 25 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. ويتعين على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهود لمنع حدوث مجاعة وشيكة، ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى السودان. 

وأوضح الكاتب أن التوصل إلى وقف إطلاق النار سيكون خطوة حاسمة في فتح الطريق أمام تدفق المساعدات الإنسانية وزيادة مستوى المساعدة من المجتمع الدولي، والتي تقل كثيراً عما هو مطلوب (تفيد منظمة أطباء بلا حدود بأنه قد تم تمويل 16% فقط من خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024). 

ماذا حدث سابقاً؟

وفي حين وافقت قوات الدعم السريع مراراً وتكراراً على وقف إطلاق النار من حيث المبدأ، رفضت القوات المسلحة السودانية الدعوات لوقف إطلاق النار، وتعهدت بالقتال حتى النصر. في 29 مايو (أيار)، رفض نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، مبادرات وزير الخارجية الأمريكي للقوات المسلحة السودانية للمشاركة في عملية السلام في جدة، مشيراً إلى أن "الذهاب إلى جدة لن يحدث إلا على جثثنا".

واستبعد الكاتب أن يتوصل المتحاربون إلى وقف إطلاق النار ما لم ينظر الجانبان إلى تكلفة القتال على أنها أعلى من تكلفة وقف إطلاق النار.

وتشير دراسات الحالة إلى أن الجبهة المدنية القوية التي تعمل بالتنسيق الوثيق مع المجتمع الدولي يمكن أن تغير حسابات القوات المسلحة السودانية وتدفعها هي وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات.

وأوضح الكاتب أنه يمكن للجبهة المدنية أن تزيد من الضغوط على طرفي القتال من خلال توسيع نطاقها ليشمل قطاعات محايدة سابقاً في المجتمع - وهو ما تعهدت به "تقدم" مؤخراً - ومن خلال الدعوة بقوة إلى رؤية واضحة ومتماسكة على الساحة الدولية. يمكن للمجتمع الدولي زيادة التدابير العقابية، بما في ذلك العقوبات، ضد قيادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وأعضاء رئيسيين في الائتلاف الحاكم للقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك الشركات والجماعات الدينية المتشددة.
وأكد الكاتب أنه يتعين على المجتمع الدولي أيضاً زيادة الضغوط على موردي الأسلحة والممولين الدوليين لوقف دعمهم للمقاتلين.

في حين دعت "تقدم" إلى تدخل دولي، فإن مثل هذا التدخل غير مرجح في الأمد القريب.

ومع ذلك، يقول الكاتب، هناك مجال كبير لزيادة الضغط على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وهو ما لا يرقى إلى التدخل العسكري. كانت العقوبات التي فُرضت حتى الآن على قيادات قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية محدودة، ولم يُتخذ سوى القليل من الإجراءات بشأن حظر الأسلحة على المستوى الوطني أو للضغط بشكل هادف على الداعمين الدوليين للمتحاربين.

حدود وقف إطلاق النار

وفي حالة السودان، فإن وقف إطلاق النار المحتمل سيكون اتفاقاً بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي سيفشل في توفير خارطة طريق للمفاوضات أو لمعالجة أي قضايا جوهرية. 

ومن المحتمل أن يرجع هذا إلى صعوبة حل القضايا الكامنة وراء الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فضلاً عن الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي لحرمان المتقاتلين من فرصة رسم الترتيبات الدستورية والحكمية المستقبلية في السودان.

ومع ذلك، يُظهر التحليل التجريبي لبيانات وقف إطلاق النار أن عمليات وقف إطلاق النار في القارة الأفريقية التي تتضمن جدولاً زمنياً للمفاوضات أو تعزيز عملية السلام من المرجح أن تكون دائمة (أي تستمر إلى ما بعد تاريخ الانتهاء المقرر في البداية)، مع معدل نجاح يبلغ حوالي 26%. مقارنة بمعدل نجاح بلغ 13% في اتفاقات وقف إطلاق النار المنفصلة عن المفاوضات الجوهرية.

لذلك، يرى الكاتب أنه من الأهمية بمكان أن يتضمن أي اتفاق لوقف إطلاق النار خريطة طريق أو إطار عمل، وهو ما لا يمكن التوصل إليه بمصداقية إلا من قبل الجبهة المدنية والمجتمع المدني. وكما أشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، في تصريحاته الأخيرة، "لا ينبغي للمدنيين أن يظهروا في المحادثات فحسب، بل ينبغي أن يحددوا شروط المناقشات". إن تشكيل مفاوضات وقف إطلاق النار بهذه الطريقة يتطلب دفعة قوية من المجتمع الدولي.

كيف يمكن لأصوات المدنيين أن تشكل المفاوضات؟

وأظهرت الدراسات التجريبية أنه من المرجح نجاح التسويات التي تعالج التناقضات السياسية الأساسية التي أدت إلى الصراع في المقام الأول. وفي حين تم الحديث كثيراً عن شخصيتي برهان من القوات المسلحة السودانية وحميدتي من قوات الدعم السريع وتاريخهما الطويل والمعقد، فهناك قوى هيكلية أكبر - وتناقضات أساسية - وراء الحرب الحالية وما سبقها من انقلاب وثورة.

وأوضح الكاتب أنه يتطلب إنشاء إطار أو خارطة طريق معتمدَين لمعالجة هذه التناقضات المشاركة القوية من المجتمع المدني السوداني والأحزاب السياسية، والعديد منها منظم حالياً تحت مظلة منظمة "تقدم"، وكذلك الشباب السوداني، الذي تمثل تطلعاته لجان المقاومة السودانية وغيرها من المنظمات. وقد أكد المؤتمر التأسيسي لمنظمة "تقدم" الذي اختتم أعماله مؤخراً التزام المجتمع المدني بمجموعة واسعة من المبادئ، بدءاً من الوصول الإنساني إلى تمثيل النساء والشباب انتهاءً بالفيدرالية والديمقراطية والعلمانية.

وهناك فرص أخرى لا تقل أهمية، مثل المؤتمر المخطَّط له من قبل مجالس التحرير - المنظمات الشعبية التي لعبت دوراً مهماً في الإطاحة بنظام البشير في عام 2019 وتمثل "الشارع" السوداني - والتي ستنتج أطراً وخرائط طريق.

إن مجالس التحرير، على وجه الخصوص، هي صوت يجب على المجتمع الدولي دعمه ورفعه إلى جانب دفعه من أجل وقف إطلاق النار بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية نظراً لشعبيتها بين الشباب والشرعية المحلية في السودان.

وبغض النظر عن موعد بدء المفاوضات الجوهرية، فإن فوائد وقف إطلاق النار واضحة في الأمد القريب، ومن ضمنها السماح بتوزيع المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين والممتلكات، ويمكن أن يؤدي عدم النجاح في وقف إطلاق النار بصورة دائمة إلى تمهيد الطريق لاتفاقات ناجحة في المستقبل. وبالتالي، يرى الكاتب ضرورة الترحيب بأي مسار لوقف إطلاق النار.

ومع ذلك، فإن السلام الدائم يتطلب مفاوضات جوهرية تعالج بشكل موثوق أوجه عدم التوافق الكامنة، وهذا لا يمكن أن يتم من دون المشاركة القوية للأصوات المدنية وزيادة الضغط الدولي بشكل كبير على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ورعاتهم الدوليين.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية