خلال 24 ساعة، كابَدَت إسبانيا هجومين إرهابيين كبيرين وقعا بتاريخ 17/8/2017 عندما قتلت خليةٌ جهاديةٌ 15 شخصاً في برشلونة ومنتجع كامبريلس الساحلي.
أما في العام الماضي، فكانت ألمانيا البلد الأوروبي الآخر الذي هاجمه الإسلامويون المسلّحون بضراوة؛ إذ قام جهادي بجرّ شاحنة كبيرة إلى سوق الكريسماس وسط برلين، وقتل 12 شخصاً، ثمّ أقدم رجلٌ يُمسك سكيناً على قتل شخص خلال هجوم على سوبر ماركت في هامبورغ.
وبعد يوم من مجزرة برشلونة، وقع هجوم إرهابي آخر في توركو بفنلندا؛ حيث تم قتل امرأتين في ساحة أقدم سوق مدينة في البلاد، ليثير مسألة وصول الجهاد إلى فنلندا؟!
الجبهة المنسية في حرب داعش
وكشفت الهجمات الإسلاموية ضدّ إسبانيا وألمانيا وفنلندا عن المشكلة المركزية، وهي أنّ "السياسات السلميّة" لن تحمي أوروبا من الأسلمة أو الهجمات الإرهابية، وكانت إسبانيا وألمانيا في الواقع، من بين الدول الأكثر تردّداً في أوروبا بالقيام بدورٍ نشطٍ في التحالف المناهض لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا.
وعرّف جون فينوكور من صحيفة "وول ستريت" جورنال ألمانيا مؤخراً على أنّها "بلد لا يُقَاتِل فيه أساساً لا الجيش ولا القوات الجوية". أما في إسبانيا، فلم يدعم السياسيون الإسبان منذ تفجيرات القطارات في مدريد عام 2004 العمليات الأمريكية ولا العمليات التابعة لحلف شمال الأطلسي في دول مثل ليبيا ومالي. وقد وُصِفت إسبانيا في حينه أنّها "شريك متردد" في التحالف المناهض لتنظيم داعش في العراق وسوريا.
وتُسهِم كلّ من إسبانيا وألمانيا بشكلٍ أقل من الدول الأخرى في جهود حلف شمال الأطلسي.
من ناحيته، وضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سابقاً أنّ وجود حلف شمال الأطلسي يتوقف على وفاء الأعضاء بالتزاماتهم المتفق عليها بإنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع؛ حيث تنفق إسبانيا أقل من نصف هذه النسبة "0.91"%، وألمانيا بشكلٍ أفضل قليلًا "1.19"%، في حين لم تنضم فنلندا حتّى الآن إلى حلف شمال الأطلسي.
وقد أشارت صحيفة "الفايننشال تايمز" إلى دهشة النُّخبة الفنلندية من هجوم توركو بقولها: "إنّ البلد الشمالي، الذي يبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة، لا يحتلّ مكانة بارزة في عمليات التعدي الجهادي على الغرب، وعلى الرغم من أنّ القوات المسلحة الفنلندية دعمت أحياناً بعثات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان والعراق، إلا أنّ الوضع العسكري - طويل الأمد – المحايد والمسالم قد عزل البلد عن معظم ارتدادات الأزمات في الشرق الأوسط".
وفي عام 2004، تمكّن تنظيم القاعدة للمرة الأولى من إحداث تغيير في النظام في أوروبا بعد ارتكاب الأعمال الوحشية الإرهابية على قطارات مدريد، فبعد وقت قصير من تلك التفجيرات، تحوّلت الانتخابات الإسبانية إلى استفتاء حول تورّط البلد في حرب العراق، وتبع الانتصار الدرامي للحزب الاشتراكي حينها انسحاب القوات الإسبانية من العراق.
ومنذ ذلك الحين، كان وجود إسبانيا شبه معدومٍ على الساحة الدولية، وربما "لافتراضها" أنّ السلام قد يحفظها من هجمات أخرى؛ إذ جرى اعتبار إسبانيا "الجبهة المنسية في حرب تنظيم داعش الإرهابي في أوروبا".
استرداد الحكم الإسلامي!
ولم تكترث الصحافة الإسبانية بأي نقاش حول حرية التعبير، التي كانت ومازالت، تتعرّض للتهديد من قِبل الإسلامويين في أوروبا، رغم أنّ الصحافة الإسبانية لم تشارك في مناقشة "رسوم النبي محمد"، ولم يتّهم أي كاتب إسباني بالـ"إسلاموفوبيا"، كما لم يتم وضع أي شخصية إسبانية تحت حماية الشرطة "لانتقاد الإسلام".
ويبدو كأنّ إسبانيا لم تكن مهتمّة بما هو على المحك في الهجمات الإسلاموية على وجود أوروبا ذاته. كما لم تُصدِر أي مدينة إسبانية عناوين رئيسة عن وجود جيوب ""ghettos متعددة الثقافات، كما هو الحال في فرنسا وبريطانيا، لكن، ينبغي ربما بعد هجوم برشلونة الأخير، أن يكون وهم الحياد هذا قد انتهى؛ لأن الهجوم أظهر أنّ الإرهابيين لا يحتاجون إلى ذريعة لسفك دماء "الكفار"!
لا يحتاجُ الجهاديون إلى سبب لقتل الغربيين لإيمانهم أنّ الأرض التي كانت تحت حكم المسلمين ستظل تحت حكمهم إلى الأبد
وقد لاقت ألمانيا، البلد الأوروبي الذي رحّب بالمسلمين، نفس مصير إسبانيا؛ حيث عقدت الحكومة الألمانية صفقة مريحةً مع تركيا بشأن المهاجرين؛ وعندما قام الفنان الكوميدي الألماني يان بومرمان، بالسخرية من سياسي مسلم، سمحت الحكومة الألمانية لنظامها القانوني بإحالة الكوميدي إلى المحاكمة.
ويظهر من كل هذا أنّ النتيجة المحزنة تشير إلى أنّ الجهاديين لا يحتاجون إلى "سبب" لقتل الغربيين؛ إنّهم يهاجمون فرنسا، التي تقوم بعمليات عسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلدان مثل؛ إسبانيا وألمانيا، وهي محايدة بنفس الدرجة؛ إذ يكفي أن يقولوا إنّ الأرض التي كانت ذات يوم تحت حكم المسلمين تظل إلى الأبد تحت الحكم الإسلامي.
فعلى سبيل المثال، إسبانيا "الأندلس" بالنسبة للإسلامويين، كانت تحت الحكم الإسلامي حتّى الاسترداد المسيحي "الذي بدأ في 722م"، ثم "طُرد" المسلمون عام 1492م، لكنها ما زالت تنتمي، وفقاً للمتطرفين الإسلامويين، إلى الإسلام، وبالتالي يجب أن تُسترد.
وعن المذبحة التي وقعت في برشلونة، علّق الفيلسوف الفرنسي باسكال بروكنر قائلًا "لا أحد محصَّن، الصورة التي تأتي إلى ذهني هي "طاعون" ألبير كامو: آفة تقع على مدينة بريئة. ونِطاق النضال الجهادي يتمدد عالمياً، والإرهابيون يتّهمون العالم كلّه بالمسؤولية عن فشلهم، إنّهم يضربون متى استطاعوا أن يضربوا، ومن العبث محاولة إرضائهم، فوجودنا ذاته هو الذي لا يُطاق بالنسبة إليهم".
وبإعادة صياغة لعبارة تروتسكي الشهيرة، فقد لا تكون مهتماً بمحاربة الجهادية، ولكن الجهادية مهتمّة بمحاربتك.
المصدر: معهد غيتستون- جوليو ميوتي
المقال منشور بتاريخ 24 آب (أغسطس) 2017