هل خطر الإرهاب البيولوجي مستبعد؟

هل خطر الإرهاب البيولوجي مستبعد؟


24/03/2020

على خلفية الاهتمام العالمي بمرض فيروس كورونا المستجد، وبهدف إلقاء المزيد من الضوء على خطر الإرهاب البيولوجي، من المفيد تسليط الضوء بالقراءة والتحليل لاحتماليات خطر الإرهاب البيولوجي، والتوعية المجتمعية منه، وكيف تم تناوله في التأليف والأبحاث والاهتمام الأكاديمي من قبل الباحثين والخبراء، بهدف أن نبيّن للقراء والمهتمين أنّ هذا الموضوع كان محطّ اهتمام كبير في الغرب تحديداً، حيث نشرت حوله الكثير من الكتب والمقالات والأبحاث.

اقرأ أيضاً: لماذا قرر الاتحاد الأفريقي تشكيل قوة لمكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل؟
والإرهاب البيولوجي الذي نقصده، والذي سبق أن أشرنا إليه أكثر من مرة، "هو إرهاب ينطوي على الإطلاق المتعمد للمواد البيولوجية أو نشرها بقصد القتل والإرهاب. هذه العوامل هي البكتيريا أو الفيروسات أو السموم، وقد تكون في شكل طبيعي أو معدّلة من قبل الإنسان".


الملاحظة الرئيسة حول الاهتمام بخطر الإرهاب البيولوجي هي أنّ فورة الاهتمام والإنتاج والتأليف (كتب، مقالات، أبحاث) حوله جرت بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: هل أضحى جبل الشعانبي ومغاراته وكراً لعتاة الإرهابيين؟
ودليل ذلك أنّنا لو قمنا بالبحث باللغة الإنجليزية عن مصطلح "الإرهاب البيولوجي" (Bioterrorism) على منصة البحث الأمريكية الأكاديمية المتخصصة "كويستيا" (Questia) (وهي مصدر أبحاث وكتابة على الإنترنت، تم تأسيسها في شيكاغو العام 1998، لمساعدة الطلاب في العثور على أبحاث علمية عالية الجودة والاستشهاد بها، مع التركيز على المواد المتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية) سنجد عدداً من الإحصائيات المثيرة حول الموضوع؛ على رأسها أنّ هناك ما مجموعه 2398 عنواناً أو نتيجة بحث حول الإرهاب البيولوجي وجميعها باللغة الإنجليزية، وهي موزعة على النحو التالي: 448 كتاباً، و264 بحثاً محكّماً في مجلات أكاديمية، و604 عنواناً في المجلات، و1075 مقالاً في الصحف، و7 موسوعات.

يحذر المؤلف من إمكانية حيازة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش للمواد البيولوجية واستخدامها

بالطبع دون أن ننسى روايات الخيال العلمي وهي كثيرة جداً، ولعل من أشهرها وأحدثها رواية الجحيم للكاتب الأمريكي الشهير (دان بروان) التي ظهرت العام 2013 وتدور أحداثها حول (برتراند زوبريست) وهو عالم فذ في حركة فكرية ودولية تُدعى "ما بعد الإنسانية" Transhumanism تدعم استخدام العلوم والتكنولوجيا الجدية لتعزيز القدرة الإنسانية العقلية والفيزيائية، وقدرة تحمله وحتى إلغاء ما يعتبر غير مرغوب في معظم الأحيان مثل؛ الغباء، المعاناة، المرض، الشيخوخة وأخيراً التخلص من الموت، أراد هذا العالم وضع حل لمشكلة التعداد السكاني عن طريق نشر فيروس عبر ما يسمى تقنية "الناقل الفيروسي" في أنحاء العالم يسبب تفشي مرض العقم.
جميع هذه المواد ظهرت بعد العام 2001، ولا أظن أنّ الأسباب وراء هذا الاهتمام خافية على أحد، نظراً للاهتمام الذي حظيت به هجمات 11 أيلول الإرهابية التي تُعد نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين الدول والجماعات الإرهابية، وبالتالي إمكانية نجاح هذه الجماعات التي استخدمت الطائرات التجارية كأسلوب للإرهاب في أن تستخدم الأسلحة البيولوجية والجرثومية.

اقرأ أيضاً: من المسؤول عن ارتفاع جرائم الإرهاب في ألمانيا؟
في هذا السياق، أثارت هجمات الإنثراكس (Anthrax) في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، التي تُعتبر حسب الخبراء من المواد البيولوجية الإرهابية (bioterrorism agent)، المزيد من الهلع، وفتحت عيون الأجهزة الاستخبارية والأمنية في العالم تجاه احتمالية هذا الخطر. حيث توفي خمسة أشخاص وأُصيب 22 بالعدوى في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
وبالمناسبة؛ فقد دفعت هذه الهجمات السلطات الأمريكية إلى تطبيق الحجر الصحي، وقام الكثير من الموظفين في البيت الأبيض والساسة والمُشرّعين بالعمل من البيوت، وهذا يحيلنا اليوم إلى ما يحدث في العالم أجمع تجاه التعامل مع فيروس كورونا.
ومن جملة الكتب (448) التي أشرنا إليها اخترنا أحدث هذه الكتب في أول عرض له باللغة العربية، وهو بعنوان "الأمن البيولوجي والإرهاب البيولوجي ( Biosecurity and Bioterrorism) لمؤلفه جيفري رايان (Jeffrey Ryan) الصادر العام 2016/ الطبعة الثانية.

غلاف الكتاب
مؤلف الكتاب، الذي يتكون من 392 صفحة، هو ضابط متقاعد في الجيش الأمريكي وحالياً بروفيسور في قسم إدارة الطوارئ في جامعة جاكسونفيل في ولاية الاباما في معهد التأهب لحالات الطوارئ، وهو متخصص في بحوث الكشف عن مسببات الأمراض والأخطار البيولوجية والإرهاب الزراعي، ودور القوات العسكرية في الاستجابة للكوارث والمساعدة الإنسانية. وهو ما يعني أنّ المؤلف يملك الخبرة العملية كعسكري والخبرة البحثية كأكاديمي متخصص، ويقدم الاستشارات لكافة القطاعات العسكرية والمدنية.

من المفيد تسليط الضوء بالقراءة والتحليل لاحتماليات خطر الإرهاب البيولوجي والتوعية المجتمعية منه

في مقدمة الكتاب يؤكد المؤلف ما سبق أن ذكرناه أنّ هجمات 11 أيلول 2001، وما تلاها من هجمات الإنثراكس، نبّهت السلطات الأمريكية الى مخاطر الإرهاب البيولوجي، ودعت إلى تحديث الإجراءات الوقائية والقوانين والأنظمة لمواجهة مخاطر الإرهاب، ونحن نتحول من عصر المعلومات إلى عصر الإرهاب في القرن الواحد والعشرين، وأنّ هدف الكتاب هو لتوعية الجمهور بهذا الخطر على المجتمعات.
في وصف الكتاب، نلاحظ أنّه يأخذ نهجاً شاملاً للأمن البيولوجي، مع تغطية مسببات الأمراض، والوقاية، ومنهجية الاستجابة، وهو يعالج هذه المخاطر في سياق تقييمات الضعف واستراتيجيات التخطيط التي يمكن للحكومة والصناعة استخدامها للتحضير لمثل هذه الأحداث والتصدي لها.
والكتاب منظّم في أربعة أقسام حسب الموضوع: الجزء الأول يقدم شرحاً مفاهيمياً للحرب البيولوجية والإرهاب البيولوجي والقوانين التي يتعين علينا التصدي لها.
ويعرف الإرهاب البيولوجي بأنّه "الاستخدام المتعمد للميكروبات، أو السموم المستخرجة من الجزئيات الحية بهدف التسبب بالموت أو المرض للإنسان، والحيوانات، والمزروعات التي يعتمد عليها الإنسان" (ص5).

اقرأ أيضاً: مع التدخل التركي في ليبيا.. معركة تونس ضد الإرهاب تزداد صعوبة

ويتحدث عن تاريخ الإرهاب البيولوجي فيقول إنّه قديم في التاريخ، وإن كان في حاجة إلى المزيد من دراسة الحوادث والوثائق التي تؤكد ذلك، خاصة أنّه ليس هناك معلومات مؤكدة عن استخدام واسع ومتعمد للسموم والميكروبات حتى القرن الثامن عشر وظهور الأعمال الفردية للعلماء: باستور، وكوخ، وليستر، واكتشاف الميكروبات، لكن الإشارات الأولى تشير إلى قيام الجيوش في العصور الوسطى بتسميم مصادر المياه كنوع من الحرب ضد الأعداء.


لكنه لا ينسى أن يشير الى بعض الحوادث التاريخية على استخدام الجراثيم والسموم في الحرب؛ مثال على ذلك استخدام الآشوريين في القرن السادس قبل الميلاد لفطر الشوفان السام لتسميم آبار المياه لأعدائهم في الحروب. (ص8)
ويشير المؤلف الى أنّ أول حالة معروفة ومسجلة في الولايات المتحدة لدى الأجهزة الأمنية حول النية في استخدام الإرهاب البيولوجي تعود الى العام 1970 من قبل جماعة يسارية نشطت في الستينيات والسبعينيات تُدعى "منظمة الطقس تحت الأرض (WUO)"، وكانت جماعة إرهابية محلية يسارية متطرفة تأسست في حرم آن أربور بجامعة ميشيغان، تُسمى في الأصل الأرصاد الجوية، وأصبحت المجموعة معروفة بالعامية باسم الأرصاد الجوية. تم تنظيمها في العام 1969 كفصيل من الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي مؤلف في معظمه لقيادة المكتب الوطني لـ"خطة القرار الاجتماعي SDS" وأنصارهم.

أثارت هجمات الإنثراكس العام 2001 التي تُعتبر حسب الخبراء من المواد البيولوجية الإرهابية المزيد من الهلع

كان هدفهم السياسي، بعد العام 1974، هو إنشاء حزب ثوري للإطاحة بالإمبريالية الأمريكية. حاولت هذه الجماعة الإرهابية ابتزاز أحد الضباط الأمريكان الذين يعملون في أحد المختبرات للحصول على مواد بيولوجية بهدف تسميم مصادر المياه في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك قائمة بعدد من هذه الحوادث مرتبة حسب التاريخ. (ص14)
ويبحث الجزء الثاني من الكتاب في العوامل البيولوجية المعروفة والتهديد الناجم عن الأمراض الناشئة؛ ويركز الجزء الثالث على الإرهاب الزراعي والأمن الغذائي؛ ويعرض الجزء الرابع المبادرات الدولية والأمريكية والمحلية للدفاع البيولوجي والأمن البيولوجي، وهناك "دراسات حالة" توضح كيفية الدفاع البيولوجي ضد الإرهاب المتعمد، والانتشار وتفشي الأمراض الطبيعي على حد سواء.


أما السمات الرئيسية لمواد الكتاب فهي تغطي التهديدات الناشئة من الأنفلونزا الجائحة، وسلالات مقاومة للمضادات الحيوية من مسببات الأمراض البكتيرية، وأمراض الجهاز التنفسي الحادة الناجمة عن الفيروسات الجديدة، عروض التغطية الدولية المتزايدة، بما في ذلك مبادرات لمكافحة البيولوجية الأسلحة والتهديدات، والأمن الغذائي وتحديث البروتوكولات الطبية للتعامل مع التهديدات البيولوجية ودراسات حالة جديدة.

اقرأ أيضاً: الإرهاب: النظرية والتاريخ والتحديات المعاصرة
ويشتمل الكتاب كذلك على مواد تعليمية للطلاب المدربين على الإنترنت، وعرض الشرائح PowerPoint، وأسئلة الاختبار، ودليل للمدربين لزيادة فعالية قراءة وتحليل مواد الكتاب للمهتمين خاصة مديري أمن الرعاية الصحية؛ لما فيه من فائدة في كيفية إدارة الخوف والذعر إذا كان أحد مسببات الأمراض غير معروف ويمكن أن يسبب الموت، كذلك هو مفيد لأمن المختبرات الطبية التي تبحث في مجال الأمراض البيولوجية.


هذا ويحذر المؤلف من إمكانية حيازة الجماعات الإرهابية مثل؛ القاعدة وداعش للمواد البيولوجية واستخدامها إذا توافرت لها القدرة والإمكانيات المناسبة، خاصة في ظل حديث الكثير من الأبحاث والمصادر عن ضعف وانكشاف وهشاشة الكثير من المجتمعات في مواجهة خطر الإرهاب البيولوجي في ظل تزايد إمكانية الحصول عليها بسبب التطور التكنولوجي المتاح للبشرية اليوم، ونجاح الجماعات الإرهابية في تبنّي واستخدام الكثير من منتجات العولمة التكنولوجية.

عدم قدرة البعض تخيل أن يستطيع إرهابي استخدام المواد البيولوجية للإرهاب لا يعني أنّه لن يحدث مستقبلاً

ومثلما كانت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات الدولية، والمجتمع الدولي، والعالم وفتحت الباب لكثير من حركة التأليف والنشر والجدل التاريخي والفلسفي، فإنّ فيروس كورونا المستجد شكل نقطة تحّول أكثر عمقاً واتساعاً من هذه الهجمات، وهذه التحولات ستضرب عميقاً في أسطوغرافية الأحداث التاريخية التي سيشهدها عصرنا الحالي وتؤثر في الأجيال القادمة.
ونقتبس من رواية الجحيم لدان بروان قوله "إنّ مجرد كون العقل البشري لا يستطيع تخيل حدوث شيء.. لا يعني أن ذلك لن يحدث"؛ ولذلك، فإنّ عدم قدرة البعض منّا على تخيل أن يستطيع إرهابي مجنون أو عبقري أن يستخدم المواد البيولوجية للإرهاب، لا يعني أنّه لن يحدث مستقبلاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية