هل ثمة جدوى من المقاطعة العربية للانتخابات الإسرائيلية؟

الانتخابات الإسرائيلية

هل ثمة جدوى من المقاطعة العربية للانتخابات الإسرائيلية؟


14/09/2019

تمخّضت الانتخابات الإسرائيلية، التي أجريت في نيسان (أبريل) الماضي، عن تحديات عديدة، ستلقي بظلالها على الانتخابات المزمَع عقدها منتصف الشهر الجاري؛ حيث أبرزت الصراعات بين القوى والأحزاب السياسية الموجودة، وتفكّك التحالفات القديمة والتقليدية داخل اليمين، خاصّة مع الاتهامات المتعلقة بقضايا فساد، والموجهة إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
تصدّع اليمين الإسرائيلي
تواجه الحكومة الإسرائيلية اختباراً ورهاناً قويين فيما يتعلق بواقعها السياسي، وهو ما يكشف الأزمات المحلية، التي تشمل تأثيراتها نتنياهو، في ولايته الخامسة؛ إذ تراجع حلفاؤه من حزب الليكود عنه، واتّسعت هوّة الخلافات بينهم، في حين ارتفعت أسهم التحالف المنافس له، المسمّى "أزرق أبيض"، بقيادة بيني غانتس، رئيس الأركان السابق.

من أسباب مقاطعة الفلسطينيين للانتخابات شعور الشباب بالإحباط جراء إهدار حقوقهم المدنية والتعامل معهم كمشكلة ديمغرافية تجري محاصرتها باستمرار

نصف العرب الموجودين في إسرائيل تقريباً، ممن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، اختاروا قرار المقاطعة، وعدم التصويت، الأمر الذي أثّر بوضوح في النتائج النهائية؛ حيث بلغت نسبة التصويت 49%، وهو رقم مرتفع، لكنّه كشف عن مصير غير محدّد ومحسوم للكتلة العربية، التي تتزايد وتتجه لجهة رفض الاشتراك، فيما يصفونه "المسرحية الديمقراطية"، خاصة مع اقتراب الانتخابات المقبلة، التي ستُجرى في السابع عشر من الشهر الجاري.

هذه الكتلة العربية، التي غالبيتها من الشباب، والبالغ عددها، وفق أرقام مكتب الإحصاءات المركزي في إسرائيل، نحو 1.9 مليون، في مطلع العام 2019، ومعظمهم من المسلمين والمسيحيين والدروز، يرفعون شعار المقاطعة، ما يفضح السياسات العنصرية تجاههم؛ إذ تعمل القوانين الإسرائيلية على عزلهم وتهميشهم، وترفض اندماجهم في المجتمع، بالشكل الذي يظهر من خلال حظوظهم الضعيفة، في التعليم والوظائف، إضافة إلى قانون "قومية الدولة اليهودية" في إسرائيل، الصادر عام 2018.
أزمات محلية تشمل تأثيراتها نتنياهو في ولايته الخامسة

الشباب العربي وسلاح المقاومة
"لا يرى معظم الشباب العربي، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، جدوى من التصويت، ويعود ذلك في المقام الأول إلى اعتقادهم بأنّهم غير قادرين على التأثير في النظام السياسي، أو تشكيله"؛ هكذا، يوضح مايكل ميلستين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية، عوامل وتداعيات عزوف الشباب العربي عن المشاركة في العملية السياسية، والانتخابات الإسرائيلية، حيث رصد في مقال له عبر منصّة "منتدى فكرة"؛ أنّ عدم مشاركة هذه الفئة مستقبلاً في السياسة والانتخابات، يعكس عدم رضاها تجاه الحكومة والنظام السياسيين، وعدم قدرة الأطراف السياسية على حلّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تواجهها تلك الأجيال الصاعدة.

اقرأ أيضاً: هل ستواصل إسرائيل هجماتها على مواقع إيران وحزب الله؟
ويؤكّد ميلستين أنّ الشباب العربي يشعر بتهميش مزدوج في حياته اليومية، سواء من المؤسسة الحاكمة أو من القادة السياسيين العرب، وتبعاً لذلك؛ تعيش نسبة كبيرة من الشباب العرب حياة تهميش حقيقية، ويحيط الغموض بمستقبلهم، رغم زيادة الوعي السياسي والقيم المجتمعية الواضحة.
وفيما يتعلق بالأوضاع المزرية التي يعانيها الشباب العربي، بفعل الحكومة الإسرائيلية نفسها، تبلغ نسبة تمثيل القيادة السياسية في معظم مراكز السلطة، في الحكومة المحلية والحكومة الوطنية نحو 10% فقط، فمثلاً؛ يبلغ عدد ممثلي الأحزاب السياسية العربية في الكنيست عشرة أعضاء فقط.
لماذا المقاطعة؟
وعلى مستوى المجال العام الذي ينبذ الكتلة العربية ويضطهدها في المجتمع الإسرائيلي، ذي الأغلبية اليهودية التي تصل نحو 74%، ويحول دون اندماجها، يضع رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية يده على معضلة جديدة، وهي "قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل"؛ حيث أظهرت استطلاعات للرأي العام، أُجريت قبيل انتخابات نيسان (أبريل)؛ أنّ معظم المواطنين العرب يتوقعون أن يواجه الأعضاء العرب في الكنيست ارتفاعاً مستمراً في معدلات الجريمة، وتدمير المنازل، في المدن العربية، وقد شكلت خيبة الأمل الجماعية بين الأعضاء العرب في الكنيست، إحدى أسباب مقاطعة الانتخابات.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستعين بالخنازير لمعالجة جنودها المصابين بأمراض نفسية وعقلية
وعبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، أوضحت الحملة الشعبية لمقاطعة انتخابات الكنيست الصهيونية، في بيان صادر عنها، اجتماع العشرات من الناشطات والنّاشطين، من العديد من مناطق البلاد، في مدينة حيفا المحتلة، لإطلاق حملة لمقاطعة انتخابات الكنيست، قبل بدء الانتخابات.
وعليه؛ قامت الحملة بالحشد والتجنيد بغية الشروع في تدشين أوسع حملة سياسية، تشمل جميع أبناء الشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجدهم، في فلسطين وخارجها، لفضح ما وصفوه بـ "كذبة التمثيل البرلماني"، وتعرية الديمقراطية الإسرائيلية، بحسب توصيفهم.

لا يرى معظم الشباب العربي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً جدوى من التصويت
وجاء في البيان الصادر عنهم: "لا تتوقف الدولة العنصرية، يومياً، عن تذكيرنا بالهوية الحقيقية لمشروعها الصهيوني الاستيطاني، هذا المشروع الذي لا يتوقف عن مصادرة الأراضي، وتنفيذ المجازر، وهدم المنازل، واقتلاع الفلسطينيين، ومحاولة محو هويتهم، ولغتهم، وثقافتهم، ووجودهم؛ وهي تستخدم في ذلك جرافاتها التي رأيناها في المثلث، وأم الحيران، والقدس، وقرى الجفتلك، فضلاً عن قوانينها التي يتمّ إقرارها، في حضور "التمثيل العربي" في الكنيست، الذي يعمل، رغماً عنه، بوظيفة ورقة التوت".
قانون القومية وعنصرية الكيان
كما أنّ "قانون القومية" أثبت، مرة أخرى، ماهية إسرائيل، بحسب الحملة الشعبية التي نجحت في قرار المقاطعة، وذلك باعتبارها دولة طائفية عنصرية، وأنها دولة لليهود، ومن ثمّ لن يكون التصدي لمحاولات محو الوجود القومي العربي على هذه الأرض، إلا عبر النضال في الشارع، وعبر مقاطعة المشاركة الطوعية في المؤسسة الصهيونية، وأية مشاركة فلسطينية في برلمان الكيان، لن تكون سوى إسهام في منح "إسرائيل" غطاء عربياً لتمرير مشاريعها العنصرية.

اقرأ أيضاً: احتدام الصراع الانتخابي في إسرائيل.. واتفاق على إطاحة نتنياهو
وإلى ذلك، يشير بلال السيد، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أنّ التمثيل العربي في الكنيست مجرد غطاء على مجمل السياسات العنصرية التي تقوم بها الدولة الاستيطانية، ضدّ الوجود العربي، ومنح مشروعية لمشروعها القائم على بناء دولة قومية لليهود، الأمر الذي يتأكد في كلّ السياسات التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية عبر تاريخها، وممارساتها على الأرض، التي لا تعكس سوى عمليات عدوان دائم، على الحقوق التاريخية للعرب والفلسطينيين، وتصفية هويتهم.
وفي تصريح لـ "حفريات"،  يعزو السيد أسباب تقدم ونجاح قرار المقاطعة إلى عاملين رئيسَيْن، هما: وجود شباب عربي فطِن إلى الأدوار المصالحية التي تعنى بها إسرائيل، من خلال التمثيل الهشّ للعرب في الكنيست، وهو ما ظهر بقوة من خلال الدعاية الصهيونية في الشارع والإعلام، التي كانت تحضّ العرب على التصويت والمشاركة، وكذلك شعور هؤلاء الشباب بالإحباط جراء إهدار حقوقهم المدنية، والتعامل معهم كمشكلة ديمغرافية، تجري محاصرتها باستمرار.
حزب "الليكود" هو أكبر حزب إسرائيلي

فشل يحيط بالانتخابات الإسرائيلية
ومن ناحية أخرى؛ يعكس اقتراب موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية الجديدة، تعقيد الخريطة الحزبية الإسرائيلية، وضعف الروابط التقليدية داخل اليمين، والاضطراب بين عدد من أطرافها، وهو ما يجعل مراقبين ينذورن بفشلها.

وبحسب لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية؛ فإنّ الانتخابات المقبلة تعكس كثرة التحالفات، وعدد الأحزاب الأكبر المشاركة في الانتخابات؛ إذ تتنافس 31 قائمة انتخابية على 120 مقعداً في الكنيست، ومن بينها 9 قوائم؛ حيث تتنبأ لها استطلاعات الرأي باجتياز نسبة الحسم، وهي 3.25%، بينما سيبلغ عدد أصحاب حقّ الاقتراع حتى تاريخ الانتخابات نحو 6 ملايين و394 ألف مقترع.

اقرأ أيضاً: هل زرعت إسرائيل عميلاً في صفوف حزب الله؟
وفيما يتّصل بالتحالفات؛ فإنّ حزب "الليكود"، أكبر حزب إسرائيلي، من المقرَّر أن يتحالف مع حزب "كولانو"، والذي يتزعمه وزير المالية، موشي كحلون، واستطاع الأخير أن يحسم مع حزب "زهوت"، بزعامة موشي فيغلين، مسألة تراجعه عن المشاركة في الانتخابات، في مقابل منحه حقيبة وزارية في الانتخابات القادمة، ومن ثمّ تجنّب ضياع أكثر من 100 ألف صوت من أصوات اليمين، في أعقاب عدم اجتياز الحزب لنسبة الحسم؛ بحسب ما أوضحته استطلاعات محلية داخل إسرائيل.

يعكس اقتراب موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في السابع عشر من أيلول الجاري تعقيد الخريطة الحزبية الإسرائيلية

وفي سياق متصل، يشير الباحث الفلسطيني، طارق معمر، إلى أنّ النقاش في الأوساط العربية حول مشاركة فلسطيني الداخل المحتل، في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية؛ هو نقاش قائم منذ قيام دولة الاحتلال، التي أعقبها احتلال لأرض فلسطين التاريخية؛ إذ يتجدّد عند كلّ انتخابات؛ حيث يرى قطاع واسع من الفلسطينيين أنّ الواقع يجب ألّا يرى في المقاطعة موقفاً مبدئياً؛ بل المقاطعة والانسحاب نهائياً هو الموقف المطلوب؛ لأنّ المشاركة سيف ذو حدّين؛ إذ  تستخدم إسرائيل الوجود الفلسطيني لتثبيت وجهها الديمقراطي، على الأقل خطابياً.
ويضيف لـ "حفريات": "مع ذلك، فإنّ ما يهدّد إسرائيل حقاً، أولاً، ديمغرافياً؛ هو الفلسطيني المنتج على جميع المستويات، والمستقلّ اقتصادياً، الذي أصبحت لديه قدرة على تسديد فواتيره الشهرية دون الاعتماد على التأمين الوطني الإسرائيلي؛ هذا هو النموذج الذي يمكنه كسر العلاقة الهرمية بين السيد والعبد وإعادة ترتيب حدود اللعبة السياسية.

اقرأ أيضاً: هل انطلقت الدرونز الإسرائيلية على الضاحية من لبنان؟
مقاطعة انتخابات الكنيست، في نظر معمر، لا تعدّ إستراتيجية بحدّ ذاتها، بدلاً من ذلك؛ يجب أن يكون هذا تكتيكاً وجزءاً من رؤية شاملة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وعلى الراغبين في المساعدة في إنشاء إستراتيجية سياسية فلسطينية جديدة، أن يسخّروا الزخم المكتَسب من المقاطعة في تطوير مساحات سياسية بديلة، خارج السياسة المؤسسية الإسرائيلية، ويجب أن يكون ذلك مرهوناً بإرادة السياق السياسي الأوسع للشعب الفلسطيني ومجتمعاته المجزَّأة.
ويختتم معمر بأنه رغم كلّ ما يقال حول إتاحة المشاركة في انتخابات الكنسيت، والذي يضفي بالنهاية شرعية على الاحتلال ونموذجه الإكراهي والعنصري، فإنّ المجال أمام الفلسطينيين متاح لتنظيم أنفسهم داخلياً، وإجراء مناظرات سياسية، والمناداة بحقوقهم المدنية والقومية في إسرائيل وخارجها، كما أنّ المشاركة في الانتخابات يمكن أن تكون تكتيكاً سياسياً، يتم العمل به إلى حين بروز آليات أكثر تأثيراً لتبني إستراتيجيات بعيدة المدى، هذا يتطلب من الفلسطينيين تكوين أرضية سياسية مناسبة؛ حيث إنّ رفض المشاركة في الانتخابات، دون بناء بديل قوي، قد ينشئ حالة من السلبية السياسية؛ وهو أخطر ما يمكن أن يصيب شعباً مستعمَراً ومحتلّاً ومضطَّهداً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية