هل تنجح الحركة الكردية في إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن؟

هل تنجح الحركة الكردية في إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن؟


كاتب ومترجم جزائري
05/05/2022

ترجمة: مدني قصري

في 24 نيسان (أبريل) 2022، كانت عيون غالبية الفرنسيين مسمّرة على الانتخابات الرئاسية، لكن في السنوات السابقة كانت ذكرى الشعب الأرمني المذبوح هي التي تستحوذ على كل الاهتمام.

عن هذه الذكرى يتحدث عدنان جيليك، باحث زائر في جامعة كامبريدج، وهو جزء من مشروع بحثي حول العلاقات التركية الأرمنية. استضافه برنامج كامبريدج بين الأديان بتمويل من مؤسسة "كالوست جولبنكيان".

"24 نيسان (أبريل)، تاريخ تم اختياره في إشارة إلى اعتقال المثقفين الأرمن في عام 1915، أصبح بالفعل رسمياً منذ عام 2019 يوماً لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن التي اعترفت بها فرنسا في القانون منذ عام 2001.

في ذلك العام أكّد رئيس الوزراء الفرنسي، إدوارد فيليب؛ أنّ "فرنسا تنوي المساهمة في فرض الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن كجريمة ضدّ الإنسانية وضدّ الحضارة".

في المناطق الكردية تمّ ذبح المسيحيين (قرابة ثلث السكان، أرمن وآشوريين) وترحيلهم بمشاركة متعاونين محليين، باسم الأخوة التركية-الكردية المتصوَّرة تحت راية الإسلام.

إبادة جماعية تنكرها تركيا

عندما يقع حدث مؤسف في كردستان التركية؛ فمن المعتاد أن يهتف الناس كمن يذكر سوء المصير"مئة عام من اللعنة!"، أصل هذا القول الشائع والشبح الذي يثيره أمرٌ لا شكّ فيه؛ إنّه يشير إلى الإبادة الجماعية للأرمن التي شنّتها لجنة الاتحاد والتقدم في الإمبراطورية العثمانية في نيسان (أبريل) 1915.

هذه الجريمة التأسيسية هي موضوع إنكار شرس في تركيا، لقد جعلت نُخب الدولة القومية التركية، منذ ولادتها عام 1923 هذا الإنكار حجر الأساس للتاريخ الرسمي، وجرّمت بشدة الأصوات والذكريات المعارضة، خطابُ الإنكار الذي بُثّ من قمة الدولة يتم تدريسه في المدرسة وقد نُفِخ في كامل المجتمع الذي ورث جزء منه الممتلكات الأرمنية المصادَرة والمحتكَرة.

الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، والنضال من أجل حقوق الأكراد وإمكانية الديمقراطية في تركيا ما يزالان مترابطين بشكل وثيق وغير قابل للإنكار والإلغاء

ومع ذلك؛ ففي العاصمة السياسية والثقافية لكردستان تركيا، ديار بكر، عام 2015، سعى الآلاف من الناس لإحياء الذكرى المئوية للإبادة الجماعية، وكانت تتويجاً لإيقاظ الذاكرة التي كانت كردستان مهدها الرئيس في العقدين الماضيين. يندرج التعبير الجماعي عن هذه الذاكرة المضادة ضمن حركة أوسع لإيقاظ المجتمع المدني.

الطعن في الرواية الوطنية التركية

منذ تسعينيات القرن الماضي انتفضت العديد من المجموعات الاجتماعية في تركيا (النساء  وحركة LGBTI + و"الأقليات" الدينية والعرقية في البلاد) ضدّ رواية رسمية طمست هذه المجموعات وجعلتها غير مرئية وجرّمتها. تطالب هذه المجموعات بتاريخ نقيّ يختلف عن التاريخ المجيد والخطي والقومي الذي فرضه المنتصرون. بدأت الآن مقتطفات وشظايا من الذاكرة المشتتة، التي ظلّت محصورة حتى الآن في الدائرة الخاصة تطفو على المسرح العام، هذه الخطب تردّد صدى بعضها، وتحفّز بعضها، وأحياناً تكتشف فيما بينها مصير مجتمع مشترك نسبياً، مجتمع تعرّض لقمعِ دولة وعنفها المتكرّر.

فهكذا على الخصوص يلتقي ويتّحد ماضي الأرمن والأكراد في السجل نفسه "ذكرى الضحية"، في المنطقة الكردية "يتذكر" السكان ذلك التحذير الذي نسِب للأرمن في طريق ترحيلهم ووُجِّه جيرانهم الأكراد: "نحن الفطور وأنتم العشاء".

محاولة بعث توعية عامة بالإبادة الجماعية

مع التهدئة النسبية للصراع والديناميكيات الاجتماعية الجديدة، كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مناسباً لتجديد الذكرى والتساؤل، يبدو أنّ اللغة الأم للأكراد (الممنوعة منذ فترة طويلة) وأسماؤهم الجغرافية (التي ما تزال مع ذلك مستخدمة)، وروايات تاريخهم الشفوي، وبصمت أكثر، مناظرهم الطبيعية، تحمل ذكرى هذه الإبادة الجماعية بشكل لا رجوع فيه. ألم يحن الوقت إذاً لمواجهة هذا الماضي والابتعاد عن طريق إقصاء القوميات التي أدمت المنطقة لتجسيد عبارة "مئة عام من اللعنة" ألا تجب مواجهة الماضي؟

متظاهرون أتراك يحملون علماً تركياً محتجّين ضد حزب العمال الكردستاني (PKK)

مدفوعاً بأقوال عامة منبثقة من المجتمع المدني ورغبة قوية جداً في العودة إلى السلام، أصبح ظهور الذاكرة المكبوتة لعام 1915 ممهَّداً أيضاً من خلال التحول الأيديولوجي للحركة الكردية، التي هيمنت بعد ذلك، إلى حدّ كبير، على السياسة المحلية. من خلال الابتعاد عن منظورٍ كردي ذاتي المركز قوي بمشروع سياسي للتحرر يراهن على الحل السلمي للنزاعات وتعايش الاختلافات، فقد رافق هذا المشروعَ نشرُ عملِ الذاكرة الذي يحدث في المجال الاجتماعي. لقد أفضى إحياء الذكرى هذا الذي تبنته البلديات الكردية بالكامل إلى أعمال رمزية قوية للغاية، لا سيما في ديار بكر (ترميم الآثار الأرمنية، وتغيير أسماء الشوارع والآثار التذكارية، وما إلى ذلك).

كان "الانفتاح الكردي" الذي وعد به أردوغان في فجر ولايته الثانية ضعيفاً وقصير الأجل: بعض التقدم الرمزي، لكن قبل كلّ شيء محادثات سلام تاريخية سرعان ما تلاشت

ما بين 1999 (وصول الحركة القانونية المؤيدة للأكراد إلى رأس مجلس بلدية ديار بكر) و2015 احتشدت العديد من الجهات الفاعلة لإعادة تأهيل الماضي متعدد الثقافات في المنطقة والاعتراف بالإبادة الجماعية لعام 2015. وقد أدّى ذلك إلى العديد من المبادرات، من البحث الأكاديمي إلى المجال الأدبي، ومن تنظيم الاجتماعات والمناقشات والمهرجانات إلى الأعمال المعمارية والتذكارية والمتحفية، إلى الاعتذارات العامة نيابة عن الشعب الكردي. وقد شكّلت الذكرى، التي أقيمت عام 2015، بحضور شخصيات بارزة في الحركة الكردية (مثل رئيسة بلدية المدينة غولتان كيشاناك والرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، وكلاهما الآن خلف القضبان) تتويجاً لـ هذه الرحلة الطويلة.

عودة الإنكار بقوة

بين عامَي 2015 و 2021، بعد فشل عملية السلام، التي بدأت عام 2013، أدّى هجوم جديد شنته الدولة التركية إلى القضاء كلياً تقريباً على جهود وإنجازات عملية الذاكرة متعددة الأشكال هذه. كان "الانفتاح الكردي" الذي وعد به أردوغان في فجر ولايته الثانية ضعيفاً وقصير الأجل: بعض التقدم الرمزي، لكن قبل كلّ شيء محادثات سلام تاريخية سرعان ما تلاشت آمالها عام 2015، من خلال العودة إلى خيار إثارة الحرب والقمع. منذ استئناف الحرب ضدّ الحركة الكردية، اشتدّ العنف الحكومي والعسكري والقضائي التركي مرة أخرى على نطاق واسع، ليس فقط في المناطق الكردية، لكن أيضاً ضدّ جميع الفاعلين في المجتمع المدني الذين تجرّؤوا على رفع أصواتهم المنتقدة لتركيا.

في كردستان تمّ استبدال السلطات المحلية المنتخبة بـ "القيوم" (kayyum) (مدراء) معيّنون من قبل الحكومة، وهو التجسيد المثالي لاستبداد الدولة.

في أعقاب هجوم الدولة هذا شهدنا أيضاً عودة ظهور خطاب كردي ينفي المسؤولية إزاء الإبادة الجماعية لعام 1915. ينبغي ألّا ننسى، في الواقع، وجودَ أصوات كردية معادية منذ البداية لعملية الاعتراف هذه.

كان هذا العداء متجذراً في وجهات نظر متنوعة، يعتقد البعض أنّه من خلال "التوبة" أضعف الأكراد أنفسهم، وتحمّلوا عن خطأ "جريمة السيد" (الدولة التركية بالنسبة لهم هي الجاني الوحيد)، فيما لم يرغب آخرون، من أنصار كردستان الكردية في سماع ماضٍ كردي أرمني يمكن أن يشوّه التجانس والمطالبات الإقليمية للقومية الكردية الكلاسيكية. وأخيراً استولى آخرون، من الإسلاميين الراديكاليين، دون تحفّظ، على نصيب دعاية الدولة المتمثلة في شجب الحركة الكردية ككلّ كحركة تخدم المصالح الأرمنية والغربية.

ذكرى المذبحة عدوّ للدولة التركية

إذا كانت هذه الأصوات في الواقع قد تمّ تهميشها وتعتيمها أثناء صعود حركة إعادة تأهيل الذاكرة الأرمنية؛ فقد تم التعبير عنها دون قيود بعد الهجوم الحكومي العدواني والقاتل لذكرى عام 2015.

خلال إحياء تلك الذاكرة تمّ ترميم حيّ سور التاريخي في ديار بكر، والذي كان يضمّ بشكل خاص الكنيسة الأرمنية "سورب جيراغوس" (Surp Giragos) بدعم سياسي واقتصادي من البلدية و"نصب الضمير المشترك" الذي أقيم قبل عامين، لكن تمّ تدميره على مرحلتين: من قبل الجيش خلال اشتباكات "حروب المدن" عام 2015، ثم سياسة المصادرة وإعادة الإعمار التي تلت ذلك. هذا المثال الأخير هو رمز لاستمرار الرغبة في القضاء على أيّة عودة لآثار الوجود الأرمني القديم الذي ظلّ يستحوذ على هاجس السلطات التركية لأكثر من قرن.

لقد أدّت وحشية قتل الذكرى وعودة الدورة الجهنمية للحرب والقمع إلى اختزال العمل الاستثنائي للذاكرة، الذي تمّ إنجازه على طريق الاعتراف الطويل. كانت هذه العملية أكثر تفرداً وعمقاً، لا سيما أنّها حدثت في دولة/أمة إنكارية، في قلب مجموعة تابعة (الأكراد) يتمتع ممثلوها بخصوصية كونهم، جزئياً، المنحدرين مباشرة من مرتكبي الإبادة الجماعية جنباً إلى جنب مع المجموعة المهيمنة على السلطة منذ قرن من الزمان.

عمل الذاكرة هذا يستحق الإشادة به والحديث عنه، لا سيما أنّه يوضح كيف أنّ الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، والنضال من أجل حقوق الأكراد وإمكانية الديمقراطية في تركيا ما يزالان مترابطين بشكل وثيق وغير قابل للإنكار والإلغاء".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

theconversation.com


مواضيع ذات صلة:

ارتكبتها الدولة العثمانية وتنكرها تركيا.. الذكرى 107 لمذابح الأرمن

باحث يروي قصة تدمير الأرمن والمسيحيين في الدولة العثمانية

مؤرخ: لم أسمع أحداً من عشائر العرب قتل أرمنياً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية