ارتكبتها الدولة العثمانية وتنكرها تركيا.. الذكرى 107 لمذابح الأرمن

ارتكبتها الدولة العثمانية وتنكرها تركيا.. الذكرى 107 لمذابح الأرمن


24/04/2022

تصادف اليوم 24  نيسان (أبريل) الذكرى الـ (107) لضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقّ الأرمن نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما أقدم العثمانيون على الانتقام من الأرمن إثر هزيمتهم في الحرب بقتلهم وتهجيرهم من ديارهم في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها التاريخ.

وتُعدّ مجزرة الأرمن واحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، وعرفت مجزرة الأرمن باسم "المحرقة الأرمينية" أو الجريمة الكبرى، وراح ضحيتها نحو مليون ونصف المليون أرمني.

إحياء الذكرى

ويستذكر الأرمن في جميع أنحاء العالم المجزرة كلّ عام بزيارة النّصب التذكارية والآثار والأضرحة المقدّسة التي أُقيمت في ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية، وإشعال الشموع تخليداً لذكرى وفاتهم. وهناك أكثر من (135) نصباً تذكارية موزعة على (25) بلداً تخليداً لذكرى الإبادة الجماعية بحقّ الأرمن.

وشارك أمس عشية الذكرى عشرات الآلاف في مسيرة مشاعل انطلق في العاصمة الأرمينية يريفان. وسار عشرات الآلاف من الناس في شوارع المدينة، ووضعوا أكاليل الزهور على نصب الشعلة الأبدية التذكاري، وتركوا شموعاً مضاءة.

نصب تذكاري لضحايا الإبادة في العاصمة الأرمنية

وشاركت القوى السياسية المعارضة الرئيسية في البلاد في موكب هذا العام، لإظهار اعتراضها على بدء المفاوضات حول تسوية العلاقات الأرمنية التركية، ومعارضتها لما تصفه بـ "التنازلات لتركيا وأذربيجان".

كما شهدت مدينة حلب السورية مسيرة جماعية لأبناء الطوائف الأرمنية انطلقت من حي الفيلات حتى مقبرة الأرمن الكاثوليك في المدينة، أحيا من خلالها الأرمن مرور قرن و(7) أعوام على ذكرى جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحقّ أجدادهم.

وفي هذه المناسبة، تحدث المطران ماسيس زوبويان، رئيس أساقفة أبرشية حلب وتوابعها للأرمن الأرثوذكس، في حديث لـ "سبوتنيك"، عن أهمية إحياء ذكرى هذا اليوم لتذكير العالم بأسره بالمجازر والمذابح التي ارتكبتها السلطنة العثمانية بحقّ أبناء الشعب الأرمني وتشريد الأهالي وسرقة ممتلكاتهم وصلبهم وملاحقتهم، وارتكاب المذابح الجماعية بحق النساء والأطفال.

   شارك أمس عشرات الآلاف في مسيرة مشاعل انطلقت في العاصمة الأرمينية يريفان إحياءً لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية

طريق المسيرة الذي انطلق ليوثق جرائم القتل والتشريد من حي الفيلات إلى مقبرة الأرمن الكاثوليك التي تحوي ضريحاً لضحايا مجزرة الأرمن؛ لم يوثق فقط جرائم الماضي بل كان شاهداً على حرب إرهابية عصفت بالمدينة مخلفة حتى اليوم ملايين الضحايا بين قتل وتشريد وتهجير، وذلك بحكم وقوعها كخط تماس مع المجموعات الإرهابية المسلحة.

المشاركون في المسيرة استذكروا المآسي التي عاشها الشعب الأرمني والاضطهاد والظلم اللَذينِ لحقا به والمذابح التي ارتكبها الأتراك بحق الأبرياء، مؤكدين أنّ وجودهم اليوم يعني إبقاء هذه الذكرى في أذهان أبنائهم، ولكي لا تذهب دماء أجدادهم هدراً، لأنّ العدالة لن تموت طالما هناك مطالب بها، ولن يموت هذا الحق مهما طال الزمن.

الإبادة الجماعية 

تقول دائرة المعارف البريطانية إنّ "المذابح" التي تعرّض لها الأرمن تمّت من خلال عمليات تهجير قسري وقتل جماعي نفذتها حكومة حزب تركيا الفتاة التي كانت تحكم الدولة العثمانية ضد الرعايا الأرمن في الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

كانت الهضبة الجبلية العظيمة في شرق الأناضول، وهي في شرق تركيا حالياً، مأهولة لعدة قرون بشكل أساسي من قبل الأرمن المسيحيين الذين تقاسموا المنطقة مع الأكراد المسلمين، كما عاش عدد كبير من الأرمن خارج الحدود الشرقية للإمبراطورية العثمانية في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.

 مذبحة الأرمن التي ارتكبت على يد الإمبراطورية العثمانية في عام 1915 كانت "إبادة جماعية"

وكانت حياة القرويين وسكان المدن الأرمن في الإمبراطورية العثمانية صعبة، حيث كانوا غالباً ما يتعرضون لمعاملة قاسية من قبل الأكراد المهيمنين على المنطقة، كما كانت المحاكم المحلية والقضاة يحابون المسلمين في كثير من الأحيان في أيّ نزاع، ولم يكن للأرمن ملاذ يُذكر عندما يقعون ضحايا للعنف، أو عندما يتم الاستيلاء على أراضيهم أو مواشيهم أو ممتلكاتهم بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وبحسب ما نقلته "بي بي سي" عن دائرة المعارف البريطانية، تحولت المشاعر المعادية للأرمن إلى أعمال عنف جماعية عدة مرات في أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20.

فعندما رفض الأرمن في منطقة ساسون في عام 1894 دفع ضريبة جائرة قتلت القوات العثمانية آلاف الأرمن في المنطقة، وبدأت سلسلة أخرى من عمليات القتل الجماعي في خريف عام 1895 عندما تحوّل قمع السلطات العثمانية لمظاهرة للأرمن في إسطنبول إلى مذبحة.

وإجمالاً، قُتل مئات الآلاف من الأرمن في مذابح بين عامي 1894 و 1896، والتي عُرفت فيما بعد بمذابح الحميدية. وقُتل حوالي (20) ألف أرمني آخر في أعمال عنف ومذابح في أضنة في عام 1909.

هزيمة الدولة العثمانية في الحرب 

وقد ازدادت الكراهية تجاه المسيحيين عندما تعرضت الإمبراطورية العثمانية لهزيمة مذلة في حرب البلقان الأولى (1912-1913)، ممّا أدى إلى خسارة ما تبقى من أراضيها في أوروبا، وألقى قادة تركيا الفتاة باللوم في الهزيمة على خيانة المسيحيين في البلقان.

وعلاوة على ذلك، أدى الصراع إلى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين شرقاً إلى الأناضول، ممّا أدى إلى تصعيد النزاع بين المزارعين المسلمين والمسيحيين على الأرض.

وفي العام 1914 فرضت القوى الأوروبية إصلاحاً كبيراً على العثمانيين تضمّن إشرافاً من قبل مفتشين في المنطقة الشرقية، وقد اعتبرت تركيا هذا الترتيب دليلاً آخر على تواطؤ الأرمن مع أوروبا لتقويض سيادة الإمبراطورية العثمانية.

وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى في صيف عام 1914 انضمت حكومة تركيا إلى ألمانيا والنمسا والمجر ضد الحلف الثلاثي الذي ضم بريطانيا وفرنسا وروسيا.

ولأنّ الأرمن والآشوريين عاشوا على طول الجبهة الروسية العثمانية، فقد حاول كلّ من الروس والعثمانيين تجنيد المسيحيين المحليين في حملاتهم ضد أعدائهم.

وقد اقترحت تركيا على حزب "داشناكتسوتيون"، الذي كان آنذاك الحزب السياسي الأرمني الرائد، إقناع الأرمن الروس وكذلك الأرمن في الأراضي العثمانية بالقتال من أجل الإمبراطورية العثمانية، فأجاب الحزب إنّ الرعايا الأرمن سيظلون موالين للإمبراطورية التي يعيشون فيها، وقد اعتبرت حكومة تركيا ذلك الرد بمثابة خيانة.

اعترفت الحكومة التركية بحدوث عمليات تهجير قسري، إلّا أنّها أكدت أنّ الأرمن كانوا عنصراً متمرداً

وقد قاتل الأرمن في الإمبراطورية العثمانية إلى جانب العثمانيين، بينما قاتلت وحدات المتطوعين الأرمن المكونة من رعايا روس مع الجانب الروسي.

حاول أنور باشا صدّ الروس في معركة ساري قاميش في كانون الثاني (يناير) من عام 1915، إلّا أنّ العثمانيين منوا بأسوأ هزيمة في الحرب.

وعلى الرغم من أنّ سوء الإدارة العامة والظروف الجوية القاسية كانت من الأسباب الرئيسية للهزيمة، فقد سعت حكومة تركيا الفتاة إلى تبرير هزيمتها بـ "الخيانة الأرمنية"، فتم تسريح الجنود الأرمن وغيرهم من غير المسلمين في الجيش ونقلهم إلى كتائب عمالية، وتم بعد ذلك قتل الجنود الأرمن المنزوع سلاحهم بشكل منهجي على يد القوات العثمانية، وهم كانوا أول ضحايا ما سيصبح لاحقاً مذابح الأرمن، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.

شهدت مدينة حلب السورية مسيرة جماعية لأبناء الطوائف الأرمنية انطلقت من حي الفيلات حتى مقبرة الأرمن الكاثوليك في المدينة

وفي الوقت نفسه تقريباً، بدأت القوات غير النظامية تنفيذ عمليات قتل جماعي في القرى الأرمنية بالقرب من الحدود الروسية.

وقد وفرت المقاومة الأرمنية ذريعة للسلطات لاستخدام إجراءات أشد قسوة، ففي نيسان (أبريل) من عام 1915 تحصن الأرمن في مدينة وان في الحي الأرمني بالمدينة، وقاتلوا ضد القوات العثمانية.

وبعد فترة وجيزة من الهزيمة في ساري قاميش، بدأت الحكومة العثمانية في تهجير الأرمن من شرق الأناضول على أساس أنّ وجودهم بالقرب من الخطوط الأمامية يُشكّل تهديداً للأمن القومي.

وفي أيار (مايو) من ذلك العام أصدر البرلمان العثماني تشريعاً يسمح رسمياً بالتهجير القسري، وطوال صيف وخريف عام 1915 نُقل المدنيون الأرمن من منازلهم، وساروا عبر الوديان والجبال في شرق الأناضول نحو معسكرات الاعتقال الصحراوية.

وقد رافق التهجير القسري، الذي أشرف عليه مسؤولون مدنيون وعسكريون، حملة قتل جماعي ممنهجة نفذتها القوات غير النظامية، وعندما وصل الناجون إلى صحراء سوريا عانوا في معسكرات الاعتقال حيث مات الكثيرون منهم جوعاً.

دائرة المعارف البريطانية: تحولت المشاعر المعادية للأرمن إلى أعمال عنف جماعية عدة مرات في أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20

ولم يكن مصير أولئك الذين نجوا من القتل الجماعي أفضل، حيث لم ينجُ ما يقدر بنحو (400) ألف من المهجرين جنوباً، وقد حصد الجوع والمرض المزيد من الأرواح.

وبحلول نهاية الحرب، غاب أثر أكثر من 90% من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، وتم محو العديد من آثار وجودهم السابق، وتم منح منازل وممتلكات الأرمن المهجورة في شرق الأناضول للّاجئين المسلمين، وكثيراً ما أُجبر الناجون من النساء والأطفال على التخلي عن هوياتهم الأرمنية واعتناق الإسلام، ومع ذلك، وجد عشرات الآلاف من الأيتام بعض الملاذ في حماية المبشرين الأجانب.

رفض تركي

دأبت تركيا على رفض الاعتراف بأنّ أحداث 1915-1916 تُشكّل إبادة جماعية، على الرغم من أنّ معظم المؤرخين قد خلصوا إلى أنّ عمليات الترحيل والمذابح تتناسب مع تعريف الإبادة الجماعية، وهي القتل المتعمد لمجموعة عرقية أو دينية.

وقد اعترفت الحكومة التركية بحدوث عمليات تهجير قسري، إلّا أنّها أكدت أنّ الأرمن كانوا عنصراً متمرداً كان يجب ضبطه خلال مرحلة كانت البلاد تواجه فيها خطراً على أمنها القومي، وقد أقرت بحدوث بعض عمليات القتل، لكنّها تؤكد أنّها لم تكن بمبادرة من الحكومة أو بتوجيه منها.

وفي السابق، رفضت الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وصف الأحداث بأنّها إبادة جماعية من أجل تجنب الإضرار بعلاقاتها مع تركيا.

وقدّم المسؤولون الحكوميون في تركيا في عام 2014 تعازيهم للضحايا الأرمن، لكنّ الأرمن كانوا يطالبون تركيا بالاعتراف بأنّ جرائم القتل خلال الحرب العالمية الأولى كانت إبادة جماعية.

وتدعو تركيا إلى إنشاء لجنة دولية للمؤرخين لدراسة الوثائق الأرشيفية المتوفرة في البلاد من أجل تطوير فهم موضوعي لأحداث الحرب العالمية الأولى.

قرار تاريخي

في إعلان تاريخي، اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن العام الماضي بأنّ مذبحة الأرمن التي ارتكبت على يد الإمبراطورية العثمانية في عام 1915 كانت "إبادة جماعية"، وهو تصنيف تجنّبه الرؤساء الأمريكيون لفترة طويلة خوفاً من الإضرار بالعلاقة الأمريكية التركية.

وقال في بيان بمناسبة إحياء ذكرى الضحايا: إنّه في هذا اليوم من كلّ عام نتذكر أرواح جميع الذين ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني، ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى.

وأضاف قائلاً في بيانه: "نحن نُحيي ذكرى الضحايا حتى لا يضيع التاريخ أبداً أهوال ما حدث، ونتذكر حتى نظلّ يقظين دائماً ضد التأثير المدمر للكراهية بجميع أشكالها".

وكان بايدن قد أحيا قبل ذلك بعام، عندما كان ما يزال مرشحاً رئاسياً، ذكرى "مليون ونصف مليون أرمني من الرجال والنساء والأطفال الذين فقدوا أرواحهم في الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية"، وقال إنّه سيدعم مساعي وصف عمليات القتل تلك بالإبادة الجماعية.

مواضيع ذات صلة:

 أردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة

إقرار الرئيس الأمريكي بإبادة الأرمن.. الرمزية والتداعيات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية