ترجمة: محمد الدخاخني
في 8 شباط (فبراير) سيدلي الباكستانيون بأصواتهم في انتخابات المجالس الوطنية والمحلية، وبدلاً من أن تكون الانتخابات العامة عملية أصيلة وحقيقية، فهي أشبه باختيار (حزب الرابطة الإسلامية) لرئاسة حكومة ائتلافية ضعيفة.
نُقبِل على الانتخابات العامة والجو السياسي في باكستان ممل، ويبدو الجمهور غير مبالٍ بما يعتبره الكثيرون عملية تطهير تقودها المؤسسة العسكرية ضد رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي كان أيضاً رئيساً لـ (حزب حركة الإنصاف).
على هذه الخلفية، من الصعب إلى حد ما استكشاف دور مختلف الجماعات الدينية والسياسية في الانتخابات المقبلة ومدى جاذبيتها العامة.
يشارك في المعركة الانتخابية (23) حزباً دينياً من أصل (175) حزباً سياسياً مسجلاً. وقد كان أداء الأحزاب الإسلامية تقليدياً ضعيفاً في الانتخابات الوطنية والمحلية. والاستثناء الوحيد هو الانتخابات العامة لعام 2002 عندما كان أداء (مجلس العمل المتحد) ـوهو ائتلاف من (6) أحزاب دينيةـ جيداً، وشكَّل الحكومة في مقاطعتي خيبر بختونخوا وبلوشستان.
ومنذ عام 2013 تراجعت الجاذبية الانتخابية والتصويتية للأحزاب الإسلامية بشكل مُطَّرد، على الرغم من الصعود السريع لـ (حزب حركة لبيك) في انتخابات عام 2018. ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه في الانتخابات المقبلة أيضاً. وبحسب تقارير في انتخابات عام 2018، حصل (12) حزباً إسلامياً على (5.2) ملايين صوت من أصل (54.3) مليون بطاقة اقتراع في جميع أنحاء باكستان.
ومن المرجح أن تُسهِم (4) عوامل في تراجع حصة الأحزاب الإسلامية من الأصوات في انتخابات 8 شباط (فبراير):
أوّلاً: على عكس انتخابات 2018، لم تُشكِّل هذه الأحزاب أيّ تحالفات انتخابية. في عام 2018 قامت الجماعات الدينية التي كانت جزءاً من (مجلس العمل المتحد) بإحياء التحالف وتنافست في الانتخابات على بطاقته، لكن هذا ليس هو الحال في الانتخابات الحالية.
ثانياً: انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وغياب أيّ قضية جذابة عاطفياً وحسَّاسة دينياً تستغلها هذه الأحزاب لتحفيز الجيوب التصويتية المؤيدة لها في أجزاء مختلفة من باكستان سوف يُسهِم أيضاً في ضعف أدائها الانتخابي. وفي الانتخابات الحالية، القضايا الحقيقية التي تواجه باكستان هي العلاقات المدنية العسكرية، وارتفاع معدلات التضخم، وسوء حالة الاقتصاد، فضلاً عن الوضع الأمني المتدهور. ولا يحمل أيّ من الأحزاب الإسلامية أهمية في نظر الناخبين فيما يتعلق بأيٍّ من هذه القضايا.
ثالثاً: بما أنّ الأحزاب الإسلامية لم تجتمع في تحالف، فإنّ أصواتها متناثرة في جميع أنحاء باكستان، وبالكاد تترجم إلى عدد كبير من المقاعد على المستوى الوطني أو مستوى المقاطعات.
أخيراً: على عكس انتخابات عام 2018، عندما دعمت المؤسسة العسكرية (حزب حركة لبيك) لتقويض (حزب الرابطة الإسلامية)، فإنّ الجنرالات لن يدعموا أيّ كيان ديني في الانتخابات المقبلة. كما أنّ الافتقار إلى الدعم من المؤسَّسة سوف يُسهِم في ضعف أداء الأحزاب الإسلامية.
سيكافح (حزب حركة لبيك)، الذي حصل على (2.2) مليون صوت في انتخابات 2018، من أجل الحفاظ على رصيده في الانتخابات المقبلة. وعلى نحو مماثل، لن يتمكَّن من تأمين عدد كبير من المقاعد على المستوى الوطني أو مستوى المقاطعات. وتجدر الإشارة إلى أنّ (حزب حركة لبيك) قد حصل على مقعدين إقليميين من مقاطعة السند في انتخابات 2018.
وعلى أيّ حال، فإنّه يمتلك ما بين (4 و8) آلاف صوت في كل دائرة انتخابية في البنجاب ومناطق السند الحضرية، على سبيل المثال في كراتشي وحيدر أباد. وهو قادر على إفساد اللعبة على الأحزاب السياسية الرئيسة في البنجاب ومناطق السند الحضرية. على سبيل المثال، من الممكن أن يؤدي (حزب حركة لبيك) إلى إضعاف حصة أصوات (حزب الحركة القومية المتحدة) و(حزب حركة الإنصاف) في كراتشي.
وعلى نحو مماثل، في البنجاب قد يلحق الضرر بـ "المرشحين المستقلين" لـ (حزب الرابطة الإسلامية) و(حزب حركة الإنصاف) في دوائر انتخابية معينة. وتجدر الإشارة إلى أنّه في انتخابات 2018 قام (حزب حركة لبيك) بحرمان (حزب الرابطة الإسلامية) من (15) مقعداً في الجمعية الوطنية. ويبقى أن نرى ـبالنظر إلى أنّ المؤسسة لا تدعم (حزب حركة لبيك)ـ من سيقوم الحزب بإفساد أدائه بمجرد ظهور النتائج النهائية.
ويُعدُّ (حزب جمعية علماء الإسلام) حزباً إسلامياً آخر يستحق الذكر. وعلى الرغم من الأداء الانتخابي الضعيف المتوقع، فإنّه قد يفوز ببعض المقاعد في مناطق خيبر بختونخوا والبشتون في بلوشستان. والافتراض هو أنّه سوف يستفيد جزئياً من الفراغ السياسي الناجم عن إضعاف (حزب حركة الإنصاف) في خيبر بختونخوا.
في انتخابات 2018 حصل (حزب جمعية علماء الإسلام) على (12) مقعداً في الجمعية الوطنية، وإذا كرَّر الحزب أداءه أو فاز بـ (8 إلى 10) مقاعد، فسوف يظهر كـ "صانع ملوك" رئيس في برلمان تلعب فيه الأحزاب الصغيرة دوراً حيوياً في تشكيل حكومة. ومن الممكن أن يتزايد نفوذه السياسي ونفوذه التفاوضي.
إنّ (حزب جمعية علماء الإسلام) قريب جداً من (حزب الرابطة الإسلامية)، وسوف ينضم إلى الائتلاف الحاكم، بشرط نجاحه في الفوز بـ (8 إلى 10) مقاعد في الجمعية الوطنية. ونجاح (حزب جمعية علماء الإسلام) في تشكيل الحكومة في خيبر بختونخوا بالتحالف مع (حزب عوامي الوطني) ومجموعة "برلمانيي حزب حركة الإنصاف" بزعامة برويز خاتاك، سيعتمد إلى حد كبير على أداء المرشحين المستقلين لـ (حزب حركة الإنصاف) وكذلك الحزبين السابقين.
وإذا كان أداء (حزب عوامي الوطني) و"برلمانيي حزب حركة الإنصاف" جيداً - وفرص تحقيق ذلك ضئيلة للغاية - وقدَّم (حزب جمعية علماء الإسلام) أداءً مثيراً للإعجاب على مستوى المقاطعات، فمن المتوقع تشكيل حكومة ائتلافية من هذه الأحزاب في خيبر بختونخوا.
أيضاً، سوف تكافح المنظمات السياسية الطائفية والجبهات السياسية للجماعات المسلحة مثل (جماعة الدعوة) و(الجماعة الإسلامية) للحصول على أصوات جوهرية في انتخابات 8 شباط (فبراير). على سبيل المثال، خاضت الجماعة السنّية المناهضة للشيعة "أهل السنّة والجماعة" انتخابات عام 2013 كشريك في ائتلاف "متحدة ديني ماهاز"، وحصل مرشحوها على حوالي (6) آلاف صوت في دوائر انتخابية مختلفة. وفي انتخابات 2018 شاركت "أهل السنّة والجماعة" تحت راية (حزب راه الحق) في صناديق الاقتراع، وتقلصت حصتها في التصويت.
وبالمثل، حصل الحزب الشيعي (مجلس وحدة المسلمين) على (12360) صوتاً في انتخابات 2018، بانخفاض عن (41532) صوتاً في عام 2013. ومن المرجح أن يستمر الاتجاه الهبوطي في عام 2024. وبالمثل، حصلت "جمعية أهل الحديث المركزية" على (520) صوتاً فقط في عام 2013، ولم تظهر أيّ حماسة في انتخابات 2018.
وأخيراً، فإنّ (الجماعة الإسلامية)، على الرغم من ارتفاع مخزون الأصوات لديها في الانتخابات المحلية في كراتشي، تدير حملة انتخابية روتينية، ويبدو أنّها مستسلمة لأدائها الانتخابي الهزيل بالفعل.
ممّا سبق، فإنّ الأحزاب الإسلامية -وتحديداً (حزب جمعية علماء الإسلام) و(حزب حركة لبيك)- ستظهر إمّا كـ "صانعة ملوك"، وإمّا مُفسِدة لأداء الأحزاب السياسية الرئيسة في انتخابات 8 شباط (فبراير). وسوف تستمر الجماعات الأخرى، على الرغم من انخفاض جاذبيتها التصويتية، في الاحتفاظ بأهميتها وشرعيتها ونفوذها الاجتماعي كمجموعات ضغط بفضل المشاركة في العملية الانتخابية.
المصدر:
https://thediplomat.com/2024/01/pakistans-islamist-parties-could-emerge-spoilers-or-kingmakers/