هل تعاود قطر الاختراق الهجومي للسودان لإحياء العبث الإخواني؟‎

السودان

هل تعاود قطر الاختراق الهجومي للسودان لإحياء العبث الإخواني؟‎


28/01/2020

لم تكن أولى طائرات الشحنة الطبية المقدمة من الهلال الأحمر القطري إلى السودان، الأسبوع الماضي، عملاً يقع في إطار الخير وتعميق أواصر التعاون والأخوّة، أو تضميد جراح السودانيين ومشافاة مرضاهم، بل تأتي في سياق سعي محموم من قبل الدوحة إلى العودة للساحة السودانية عبر أية بوابة. المهم هو تقويض الحكم في السودان، والبحث بالتعاون مع أشلاء جماعة الإخوان المسلمين هناك عن منفذ لطعن الديمقراطية السودانية، وزعزعة الحكومة الوطنية بقيادة عبد الله حمدوك.

اقرأ أيضاً: إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟

وسبقت الشحنة الطبية، التي قالت الدوحة إنّه سيتبعها شحنتان إضافيتان، زيارة مفاجئة قام بها، مطلع الشهر الجاري، رئيس هيئة الأركان القطرية الفريق غانم بن شاهين الغانم، الذي التقى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، كما اجتمع مع نائب رئيس هيئة الأركان للإمداد السوداني الفريق مجدي إبراهيم عثمان خليل. وذكرت الأنباء أنّ اللقاء تناول "أوجه التعاون العسكري في المجالات المختلفة وسبل تعزيزها". حيث أعرب الغانم عن تطلعه "أن يكون التعاون في المجال العسكري بين البلدين تكاملياً".

 

الغانم يلتقي شخصيات إخوانية

لكنّ الأنباء في أغلبها لم تذكر أنّ الغانم، كما أفادت مصادر عليمة، التقى، سراً، شخصيات سياسية سودانية وأخرى من الإخوان المسلمين في السودان، لتجديد ما وصفته المصادر بـ"التآمر" على الحكومة السودانية، ووضع العصي في دواليبها، وتأجيج الشارع السوداني ضدها، وهذه على الأرجح هي الأهداف الإستراتيجية لعودة قطر إلى السودان مرة من بوابة المساعدات الطبية، وأخرى من نافذة التنسيق العسكري، وهو أمر تدركه جيداً أجهزة الأمن والاستخبارات السودانية، وهي تمارس أقصى درجات اليقظة للحيلولة دون اختراقات قطرية إخوانية تركية للجبهة الوطنية السودانية المحمولة على تأييد شعبي منقطع النظير.

الدوحة تحاول استعادة نفوذها في الخرطوم بعد صفعات متتالية تلقاها المحور القطري التركي بتفكك النظام الإخواني في السودان

وظلت قطر تبحث عن منافذ للعودة مجدداً إلى الساحة السودانية، بعد أن توترت العلاقات بين الخرطوم والدوحة على إثر تحرك قطري لإعادة ترتيب بيت إخوان السودان بالإشراف على اجتماعات مكثفة لتوحيد أحزاب سودانية لها خلفيات إخوانية لإعادة إنتاج النظام الإخواني السابق الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير.

ولا تتوقف تدخلات قطر على السودان، بل تشمل باقي أقطار القارة الأفريقية؛ حيث تستثمر قطر التحالف العسكري والدفاعي مع تركيا لاختراق أفريقيا مجدداً، ما دامت لأنقرة هي الأخرى مصالح سياسية واقتصادية في دول القارة، وهي تعتمد فيها أيضاً على القوة العسكرية الصلبة، كما أفاد موقع "ميدل إيست أونلاين".

وانتقلت قطر من سياسة الدفاع والنفي المتواصل للاتهامات بتمويلها حركات الإرهاب والتمرد في عدد من الدول الأفريقية إلى معاودة الاختراق الهجومي، في مسعى لاستعادة النفوذ المنحسر.

 

التخفي وراء المساعدات
ولجأت قطر إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، والمساعدات الطبية، كأدوات ضغط على الأنظمة الأفريقية، فضلاً عن توظيف التحالف مع تركيا لنقله من سياقه الشرق الأوسطي إلى الأفريقي.

ولجأت قطر إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، والمساعدات الطبية، كأدوات ضغط على الأنظمة الأفريقية، فضلاً عن توظيف التحالف مع تركيا لنقله من سياقه الشرق الأوسطي إلى الأفريقي.

وليس من قبيل المفارقة أن تسلم قطر 68 مدرعة لدعم الجيش في الصومال أوائل العام الماضي، لا سيما أنّ هذا البلد، الذي يقع في القرن الأفريقي، بات يشكل ساحة تشترك فيها الدوحة مع أنقرة للضغط على مصالح مصر والسعودية والإمارات عبر البحر الأحمر.

اقرأ أيضاً: ما هي المساعي الحقيقية لقطر في السودان؟
وسبق ذلك الحدث بأيام قلائل، وتحديداً في 8 كانون الثاني (يناير) 2019، عقد لقاء بين رئيس الأركان القطري (الذي يخدم الذراع السياسية للدوحة)، ونظيره الكيني في نيروبي، ضمن جولة باتجاه رواندا والسودان وإثيوبيا.
واتسع الاختراق القطري للدول الأفريقية مع تسليم مدرعات أخرى لكل من بوركينا فاسو ومالي في وسط وغرب أفريقيا، خلال عامي 2018 و2019، بخلاف السعي الراهن لصفقة مشابهة مع تشاد بعد أن استعادت الدوحة علاقتها معها في شباط (فبراير) 2018، في أعقاب تسعة أشهر من انضمام نظام انجامينا للمقاطعة العربية.

اقرأ أيضاً: إخوان تونس وإخوان السودان

وتتوالى الأنباء عن المساعي القطرية للعودة للقارة الأفريقية عبر بيع السلاح، في وقت تتهم فيه تقارير غربية الدوحة، بتمويل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، بل ودعم معسكرات هذه الحركة في كينيا، ودعم المعارضة التشادية المسلحة، خاصة في جنوب ليبيا، وتأجيج عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي، عبر تمويل تنظيمات وشخصيات من القاعدة في مالي، والتي تمدد فيها العنف الإرهابي العابر للحدود باتجاه النيجر وبوركينا فاسو، بخلاف اتهامات مضافة قبل سنوات بتمويل قادة حركة سيليكا المتطرفة في أفريقيا الوسطى.

 

هل هناك أدلة قاطعة على دعم الدوحة للإرهاب؟

يعني هذا التناقض أنّ الأدلة على اتهام قطر بتمويل الإرهاب في قارة أفريقيا قد يصعب إثباتها بالأدلة القاطعة ومعاقبتها، لأنها تدخل في نطاق علاقات سرية واستخباراتية، وتصدر من شخصيات غير رسمية ووسطاء غير رسميين.

كانت الإمارات والسعودية من الدول السباقة في مساعدة الخرطوم على مواجهة الأزمة الاقتصادية وأزمة نقص الوقود والعملة بالنقد الأجنبي

ربما تدرك بعض الأنظمة الأفريقية، تحت وطأة الضغوط الأمنية والاقتصادية بأنّ عليها اتباع مبدأ التعايش مع الخصوم واحتوائهم بقدر الإمكان للحد من أضرارهم على أمنها، إذا علمنا مثلاً، كما أفاد موقع "ميدل إيست أونلاين" أنّ تسريباً صوتياً كشفته "نيويورك تايمز" في تموز (يوليو) الماضي أظهر تورط الدوحة في دعم عملية إرهابية في بوصاصو، عبر مكالمة بين السفير القطري في مقديشو ورجل أعمال صومالي مقرب من الأمير تميم.
وما يلفت النظر أكثر من ذلك، في تحركات السلاح القطري في دول أفريقيا، أنّ الدوحة من كبار مستوردي السلاح في العالم. والمدرعات القطرية السابق الإشارة لها نتاج تحويل عربات دفع رباعي إلى ناقلات جند على يد شركة ستارك موتور القطرية.
الملاحظ أنّ ثمة اتجاهاً قطرياً متصاعداً عقب المقاطعة العربية للدوحة لتوطين بعض الصناعات العسكرية، مستثمرة في هذا الشأن تحالفها مع تركيا، إذ اتفقت الدولتان على تشييد أول مصنع للعتاد العسكري لتعزيز التعاون الدفاعي، حيث تملك أنقرة قاعدة عسكرية في الدوحة، بخلاف صفقات سلاح خفية تتدفق على قطر وتتضمن مدرعات وطائرات بدون طيار تأتي لها من تركيا.

 

الدوحة تبيع السلاح لدول أفريقية
وينطوي الاتجاه القطري لبيع السلاح لدول أفريقية على عدة أهداف أساسية ترتبط أكثر بمعاودة الاختراق الهجومي لدول القارة، أبرزها غسل سمعة سياسة قطر الخارجية في أفريقيا، والتي تآكلت بفعل اتهامات تصدر من داخل وخارج القارة بتغذية الدوحة لعدم الاستقرار.
كما تسعى قطر الى امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي لليبيا من جهة تشاد أو النيجر المرتبطتين بالنزاع الليبي من جهة الجنوب، بما يمكنها من دعم حليفها التركي الساعي للتدخل في غرب ليبيا، عبر الاستفادة من شبكة العلاقات القطرية الاستخبارية الواسعة مع قيادات ميليشياوية وإسلامية في المنطقة.

تعتقد قطر أنّ تزويدها بعض الجيوش الأفريقية بالسلاح قد يساعد سياساتها لتأمين نفوذها، أو توظيفها للضغط على الأنظمة السياسية

تعتقد قطر أنّ تزويدها بعض الجيوش الأفريقية بالسلاح قد يساعد سياساتها لتأمين نفوذها، أو حتى توظيفها للضغط على الأنظمة السياسية عند تغير المواقف ضد توجهاتها في ظل أهمية دور الجيوش في عملية التغيير بدول القارة.
المحاولة القطرية للعودة إلى اختراق الساحة السودانية تأتي بالتزامن مع جهد خليجي لتحصين السودان من الهزات السياسية والتدخلات الخارجية ومساعدته اقتصادياً لتجاوز أزماته.
وكانت الإمارات والسعودية من الدول السباقة في مساعدة الخرطوم على مواجهة الأزمة الاقتصادية وأزمة نقص الوقود والعملة بالنقد الأجنبي إلى جانب ضخ ودائع في البنك المركزي لمساعدته في مواجهة شح السيولة.
ومنحت أبوظبي في نيسان (أبريل) الماضي البنك المركزي السوداني وديعة بقيمة 250 مليون دولار، فيما شكلت تلك الوديعة جزءاً من حزمة مساعدات مشتركة أقرتها الإمارات والسعودية للخرطوم قيمتها 3 مليارات دولار من شأنها أن تساعد السودان على استعادة توازناته المالية وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوداني.
مساعي الدوحة، كما يلاحظ مراقبون، هدفها استعادة نفوذها في الخرطوم بعد صفعات متتالية تلقاها المحور القطري التركي بتفكك النظام الإخواني في السودان مع سقوط نظام البشير.

ولم تجد الدوحة من سبيل للعودة للساحة السودانية إلا بتطبيع العلاقات مع السلطة التي يقودها المجلس السيادي وحكومة عبدالله حمدوك من بوابة الدعم المالي والسياسي بعد فترة فتور في العلاقات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية