إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟

السودان

إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟


27/01/2020

منذ ليلة فض اعتصام المتظاهرين السلميين في السودان، في 3 حزيران (يونيو) 2019، بما عرف بمجزرة القيادة التي راح ضحيتها المئات من الشباب شهداء للثورة السودانية، شرعت جماعة الإخوان المسلمين في الاحتفاء بالموت والدم من على منابر مساجدها، وعمدت إلى تحريض المجلس العسكري الانتقالي سابقاً، والذي أصبح جزءاً من مكونات مجلس السيادة الحالي، على تولّي السلطة في السودان والانقلاب على الثورة.

 


واعتبر الإخواني المتطرف عبد الحي يوسف، إمام مسجد "خاتم المرسلين" بضاحية جبره بالخرطوم ونائب رئيس هيئة علماء السودان المحلولة التابعة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في خطبة العيد الخميس 6 حزيران (يونيو) الماضي بعد فض الاعتصام، أنّ أحداث المجزرة المهولة "أثلجت صدور المؤمنين وشرحت قلوب المسلمين، وردّت الحق إلى أهله"، ظناً منه أنّ الإخوان قد عادوا إلى السلطة مُجدداً عبر بوابة الجيش؛ حيثُ دعا الأخير إلى تولّي السلطة ومحاكمة القوى المدنية والحزبية التي أسماها "القلّة القليلة".

 

باحث سياسي: تلعب جماعة الإخوان على العاطفة الدينية لدى غالبية السودانيين لكنّها لم تُقدّم برامج سياسية ولا خططاً اقتصادية

إلاّ أنّ فرحة الرجل لم تستمر طويلاً، فقد أعلن الثوار العصيان المدني الشامل، الذي حقق نجاحاً كبيراً أجبر العسكريين على العودة إلى التفاوض مُجدداً مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وعضّد من ذلك وصول رئيس وزراء أثيوبيا إلى مطار الخرطوم وسيطاً بين المجلس العسكري الانتقالي والقوى المدنية، وكذلك تدخل الاتحاد الأفريقي عبر وسيطه، محمد الحسن ولد لبات، فكان أن أُبرِمَ الاتفاق السياسي ووقِّعت الوثيقة الدستورية وشُكّلت الحكومة الانتقالية بمجلسيها السيادي والوزاري؛ حيث انضم قادة الجيش والدعم السريع إلى مجلس السيادة، فجُن جنون فلول الإخوان وسيّر المتشددون منهم مسيرات احتجاجية أمام سفارة أثيوبيا، وطفقوا يشيعون بين الناس أنّ الدولة المدنية "كُفر بالله"، وأنّ الحكومة الجديدة "ضد الشريعة وداعية للإلحاد والزندقة"، حتى أنّ عبد الحي يوسف، المتهم بتلقي أموال من الرئيس المخلوع عمر البشير لصالح قناته الفضائية "طيبة"، تولى كِبرِ ذلك التحريض والوصول به إلى ذروته حين كفّرَ وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي، ناسباً إياها للحزب الجمهوري الذي أُعدم رئيسه محمود محمد طه عام 1985 بإيعاز وتحريض من الإخوان المسلمين، إبان عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري بتهمة الردة، حينها كان الأب الروحي للإخوان حسن الترابي وزيراً للعدل ونائباً عاماً.

 

اللعب على العاطفة الدينية
يقول الباحث السياسي عبد الرحمن محمود لـ "حفريات"؛ إنّ جماعة الإخوان المسلمين عُرفت خلال مسيرتها السياسية باللعب على العاطفة الدينية لدى غالبية السودانيين المسلمين، لكنّها لم تُقدّم برامج سياسية ولا خططاً اقتصادية، كما أنّها لا تطبق الدين نفسه، والدليل على ذلك ساطع وواضح، وفق محمود الذي يشير إلى أنّ الجماعة حكمت البلاد منذ انقلابها على الحكومة المدنية عام 1989، حتى لحظة الإطاحة بها عام 2019، وخلال هذه العقود الثلاثة، نشرت الفساد وحمته وأصدرت هيئة علمائها الكثير من الفتاوى التي تحلل اختلاس المال العام، كان أشهرها ما عرف بفقه "السترة"؛ أي التستر على الفاسدين من أعضاء الجماعة وعدم تناولهم إعلامياً أو تقديمهم إلى القضاء، وكذلك فتوى "التحلل" الشهيرة، التي تنص على أنّ من يُعيد جزءاً من الأموال العامة التي سرقها، يُحلل له ما سرقه، ويعتبر بريئاً كونه تاب إلى الله توبة نصوحاً!

اقرأ أيضاً: إخوان تونس وإخوان السودان
ومع ذلك، يضيف محمود؛ لا تزال الجماعة لا تتورع في المتاجرة بالدين والتوسل به إلى السلطة، ووصف مخالفيها بـ"الكفار والملحدين"، وتعمد إلى تحريض السودانيين، عبر دغدغة مشاعرهم الدينية، على التخلّي عن دعم الحكومة الانتقالية التي تحظى بشعبية كبيرة، خاصة وسط الشباب والنساء، باعتبارها "حكومة علمانيين كُفار وملاحدة"، لكن هذا الخطاب "أكل عليه الدهر وشرب، بل وشبع موتاً"، على حد تعبير محمود، وأنّه لم يعُد ذا قيمة سياسية أو أخلاقية، ولا يحتاج ذلك إلى دليل إلّا إذا احتاج إليه النهار. 
كرة القدم النسائية والمناهج التعليمية
من جهتها، أشارت المحللة السياسية، خديجة عبد التام، إلى ما أسمته "استغلال الإخوان لمنابر المسجد" في التحريض على الحكومة ووصفها بأنّها ضد الدين والشريعة، وكأنّهم كانوا يديرون البلاد من خلال الشريعة طوال الثلاثين عاماً المنصرمة، ولفتت عبد التام في تصريحها لـ "حفريات" إلى أنّ الشيخ عبد الحي يوسف، مالك قناة "طيبة" الفضائية، المحالة للتحقيق في قضايا فساد مالي، بنى تكفيره لوزيرة الشباب والرياضة على معلومة خاطئة، وهو يعلم ما الصحيح بالطبع، لكنه تعمّد الكذب على الجمهور، حين قال في خطبة جمعة؛ "إن آخر التقليعات التي شغلت بها الحكومة الناس، هي افتتاح أول دوري نسائي لكرة القدم وكأنّ رجالنا الذين يلعبون الكرة قد حازوا البطولات، حتى فرغوا من شأنهم ثم التفتنا للنساء"، ولم يكتف بذلك، بل زاد عليه بقوله؛ "إنّ وزير الشباب والرياضة، ولاء البوشي، لا تؤمن بما نؤمن به نحن، فهي تؤمن بأفكار حزبها الجمهوري وأفكار قائده المرتد"، يقصد المفكر السوداني محمود محمد طه الذي أعدمه نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري بتحريض من الإخوان المسلمين بتهمة الردة.

الإخواني المتشدد عبد الحي يوسف في لقطة أرشيفية وهو يصلي صلاة الغائب على أسامة بن لادن
إلا أنّ الحقيقة تقول، وفق المحللة السياسية، إنّ لا الوزيرة ولاء البوشي تنتمي لهذا الحزب -إذا سلّمنا جدلاً بأنّ الانتماء إليه أمراً غير مرغوب- ولا كرة القدم النسائية بدأت في عهد وزارة ولاء البوشي، بل ظلت موجودة في السودان منذ سبيعينيات القرن المنصرم وحتى في عهد  نظام الإخوان البائد، الذي يشق الشيخ عبد الحي جيوبه ويلطم خدوده حسرة على ضياعه، لذلك فإنّ الرجل يكذب وهو يعلم الحقيقة، وهذا ديدن الإخوان المسلمين وأسلوبهم في العمل السياسي منذ نشأتهم في السودان تحت اسم "جبهة الميثاق"، وإلى آخر نسخة منهم "حزب المؤتمر الوطني" المحلول، وفق عبد التام.
إغلاق المنظمات الإخوانية المشبوهة
جُن جنون فلول الإخوان أكثر، عندما صدر قانون تفكيك نظام الإنقاذ، وكان "القشة التي قصمت ظهر بعير (تمويلهم)"؛ بحسب تعبير عبد التام، فقد تم الحجز بموجب هذا القانون على قناة طيبة ومنظمة مشكاة، التابعتين للإخواني المتطرف عبد الحي يوسف، بجانب منظمة ذي النورين التابعة للسروري، الشيخ محمد عبد الكريم، ما حدا بالداعشي الشهير محمد على الجزولي بأن يغرد على تويتر قائلاً؛ "إنّ المعركة مع قوى إعلان الحرية والتغيير أضحت واضحة"، محاولاً الإيحاء للناس بأنّها معركة بين الإسلام والكفر، فيما هي معركة بين الاستبداد والعدل، بين الدكتاتورية والديمقراطية، بين الظلم والعدل، بين الفساد والإصلاح، بين اللوثة والعقل، بين الحكمة والجنون، وفق عبدالتام.
تغريدة لمحمد علي الجزولي

إضعاف تجربة الانتقال الديمقراطي
ظلت جماعة الإخوان المسلمون تلهث ما استطاعت لإضعاف تجربة الانتقال الديمقراطي في السودان، ومن ثم الانقضاض عليها وإطاحتها؛ فالجماعة فقدت أهم مصادر تمويلها داخلياً وخارجياً، بعد أن وضعت يدها على موارد دولة كاملة (السودان)، ونهبتها بشكل مستمر ومتواصل لدعم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وللمصالح الشخصية لأعضائها، وقد هرّب كبار قادة الجماعة فرع السودان أمثال وزير البترول السابق، عوض الجاز، مليارات الدولارات خارج البلاد، كما فعل الرئيس البشير نفسه وزوجته وشيوخهم في هيئة علماء السودان، ولذلك، وبحسب عادل الفادني، الأكاديمي المتخصص في التجربة السياسية لجماعة الإخوان داخل السودان وخارجه، فإنّ الجماعة "تحارب الآن ليس من أجل الدين والشريعة كما تدعي، فهي لم تطبق شيئاً من الشريعة بل داست عليها، واعتبر الترابي، عراب الجماعة، عقب خلافه مع المعزول البشير، من ماتوا من أعضاء جماعته في ما أسموه جهاداً في الأعوام الأولى لحكمة، محض (فطائس) لا أكثر".

اقرأ أيضاً: النيابة السودانية تحقق مع الصندوق الأسود لتنظيم الإخوان
ويقول الفادني في حديثه لـ "حفريات": "لم يكن هنالك مظهر واحد يدل على أنّ الإخوان كانوا يطبقون الشريعة، فقد انتشر في عهدهم الفساد، ودمرت مقدرات البلاد وسرقت مواردها بشكل لا يُصدق، والآن عندما شعروا بأنّ مصالحهم الاقتصادية مهددة بالخطر، وهي مصالح كوّنوها من المال العام المسروق، عادوا مجدداً للمتاجرة بالدين والشريعة، لكن بعد فوات الأوان".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية