هل المدافعون عن سلمان رشدي متآمرون على الاسلام؟

هل المدافعون عن سلمان رشدي متآمرون على الاسلام؟


16/08/2022

فارس خشان

أخرج المدافعون عن إقدام الامريكي، اللبناني الأصل، هادي مطر على محاولة قتل الكاتب سلمان رشدي، كلّ الحجج الداعمة لمواقفهم، وبدا أنّ أخطر ما فيها اعتبار الانتماء الديني بمثابة الخلفية التي تدفع برافضي هذا العمل الارهابي إلى التنديد به، بحيث توهّموا بأنّ كلّ من يقف الى جانب كاتب رواية "آيات شيطانية"، هو ، بالضرورة، معادٍ للدين الاسلامي ومتآمر عليه.

ومن يُدقّق ليس فقط في ما يُكتب في مواقع التواصل الاجتماعي، بل أيضًا في النقاشات التي شهدتها الصالونات الاجتماعية، يمكنه أن يقيس مدى انتشار ظاهرة ربط رفض كلّ تعامل ارهابي مع الانتاج الادبي والفكري والفنّي، بالعداء للدين الاسلامي.

هل هذا صحيح؟

قد يكون هذا الربط صحيحًا جزئيًا، اذ إنّ التطرّف الديني الذي يقوم على الكراهية المتبادلة يبيح كلّ "أدوات الإلغاء"، وهو يستغل حدثًا من أجل أن يدعم هذه المواجهة المفتوحة التي كبّدت البشريّة ملايين القتلى، منذ اكتمل نشوء الاديان "التوحيدية" وطوائفها وجماعاتها ومذاهبها وتيّاراتها.

ولكن هذا لا يُلغي حقيقة ساطعة تتمثّل في وجود فئة وازنة ضمن شرائح المدافعين عن محاولة قتل سلمان رشدي غير معنية بالدين الاسلامي كدين،بقدر ما هي معنية بالجهة السياسية التي كانت قد أصدرت فتوى تفرض قتل صاحب "آيات شيطانية"، وليس أدلّ على ذلك سوى الأدبيات المقزّزة للنفس والمستفِزة للعقل التي توسّلها هؤلاء في الدفاع عن هادي مطر الذي ركّب هوية مزوّرة مستعملًا الاسم الأوّل لأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله والاسم الثاني للقائد العسكري للحزب نفسه عماد مغنية الذي كان قد اغتيل، قبل سنوات، في عملية مخابراتية في دمشق.

ولا يمكن أن تكون لغة المؤمنين الحقيقيين، بغض النظر عن مستوى غيرتهم على دينهم،مشبعة بهذا الكم من الشتائم والسباب والبذاءة، ولكن مثل هؤلاء يمكن العثور عليهم، وبكثرة في التنظيمات التي تستغلّ الدين لتحقيق مآرب سياسية وسلطوية، ومن بينها تنظيمات تنتمي الى ما يطلق عليه الغرب تسمية "الإسلام السياسي" التي يوجد شبيه به في "اليهودية السياسية" و"المسيحية السياسية" ولكنّ الغرب يطلق عليه صفة "اليمين المتطرّف".

إنّ هاتين الفئتين من المدافعين عن منفّذ فتوى المرشد الراحل للثورة الاسلامية في ايران روح الله الخميني تتجاهلان، عفوًا أو عمدًا،وجود شرائح كبيرة جدًا، عابرة للحدود الوطنية والفوارق اللغوية وتنوّع الانتماءات الدينية والتمايزات العرقية، تنتسب الى تيّار "التّسامح" الذي يرمز إليه الفيلسوف الفرنسي "فولتير".

و"فولتير" لم يأخذ صفاته التي أدخلته الى "مسكن الخالدين"، من عدائه للإسلام، بل لأنّه كان قد وقف، بصلابة كلّفته الكثير من التضحيات في حياته ومحاولة منع "إكرام" جثّته بضريح عند مماته، ضدّ النّهج الاضطهادي الذي كانت تعتمده الكنيسة الكاثوليكية ضدّ من يواجه سلطتها أو يرفض سرديتها الدينية.

وقد اعتنق هذا الفيلسوف، في مرحلة نضوجه الفكري، الايمان بالله، من دون إعارة الأديان ومبادئها وتعاليمها أدنى اهتمام ناهيًا عن أيّ سلوك يعتمد على "فتاويها"، بحيث راح يكتب ويردّد:"من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات يستطع أن يجبرك على إرتكاب الفظائع".

وعملًا بالمبادئ التي رسّخها فولتير وآخرون، وُجد ما يُسمّى، راهنًا، ب"حرية التجديف".

إنّ منح هذه الحرية، لا يعني أنّ جميع من يذودون عنها ويحمونها، هم من الكفّار والملحدين والمارقين والمرتدين، بل هو محاولة انسانية سامية لمنع أيّ سلطة أو مجموعة من اعتماد العنف لفرض عقيدتها وتفسيراتها واجتهاداتها ولاهوتها، الأمر الذي يترجمه فولتير نفسه بشعاريه المتكاملين:

• "قد أكون مختلفا معك في الرأي، ولكنّني مستعد للموت دفاعًا عن حقك في إبداء رأيك".

• أمقت ما تكتب، لكنني مستعد لأن أدفع حياتي كي تواصل الكتابة.

وخلافًا لما يروّجه المدافعون عن العملية الارهابية التي استهدفت الكاتب سلمان رشدي، فنصرته ضدّ تنفيذ فتوى القتل الخمينية ليست استهدافًا مسيحيًا للإسلام وعقائده، إذ إنّ المكتبة الغربية تحفل بالكتب المناهضة للمسيحية وعقائدها ورموزها.

وفي هذا الإطار، لم يتحوّل اسم الكاتب ميشال اونفريه عالميًا، مثل اسم سلمان رشدي، عندما صدر كتابه الذي هاجم فيه، بطريقة عنيفة جدًا، السردية الدينية المسيحية وملافنة الكنيسة، وحقّر أحد أبرز أعمدتها: بولس الرسول.

وقد احتلّ كتاب اونفريه الذي حمل عنوان " الانحطاط: حياة وموت اليهو-مسيحية" مرتبة عالية في تراتبية المبيعات، وجرت ترجمته الى لغات عدّة.

ولم يتلقّ أيّ خدّ من خدّي بنوا ميشال صفعة واحدة عندما صدر كتابه الذي حمل عنوان "الله رغمًا عنه"، حيث نزع كلّ صفات الالوهيّة عن "الإنسان يسوع بن يوسف".

ولم ينطّم أحد أيّ عملية حرق لرواية "السر الأسمى للمسيح" الذي كتبه جوزف رودريغيز دوس سانتوس، وترجم على نطاق واسع، بعدما صوّره شخصية يهودية متطرّفة مهووسة باقتراب نهاية العالم.

وهذه النماذج ليست سوى غيض من فيض ممّا تمتلئ به المكتبة في البلدان التي يُزعم أنّها تتآمر على الاسلام وسمعته ورموزه، بوقوفها ليس الى جانب سلمان رشدي، بالمطلق، بل ضدّ فتوى قتله.

إنّ المسيحية في الغرب تمكنت، بعد تجارب مريرة يندى لها الجبين، من تجاوز عقدة "الاضطهاد الفكري" واضطرّت، بعد صراع مرير مع الفلاسفة والمفكّرين والكتّاب على مدى عصور الظلامية، إلى الدخول في حقبة "التسامح العظيم".

إنّ الهدف الحالي، لغالبية هؤلاء الذين وقفوا ضدّ محاولة قتل رشدي، يتمثّل في أن ينتقل نهج "التسامح الكبير" الى "المسيحية المشرقية"، وهذا ما تجلّى لدى تصدّيهم لهؤلاء الذين وقفوا، بعنف، ضدّ فرقة "مشروع ليلى" وضدّ توزيع رواية وفيلم دان براون "دافينشي كود"، وضدّ رائعة الاسرائيلي، اللبناني الأصل، يوفال نوا هاراري "سابيينس" التي مسّ فيها بأسس سرديات العقيدة اليهودية.

وعليه، فالدفاع عن حق سلمان رشدي بالحياة ليس إساءة "مغرضة" ضدّ الدين الاسلامي بل ضدّ من يريدون في العصر الحادي والعشرين الاساءة للدين الاسلامي بتحويله الى وسيلة لإبادة حق الاختلاف الذي طالما حوّل أيّام المبدعين المسلمين الى جحيم من نار وسكاكين.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية