هل الضفة الغربية على أعتاب انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

هل الضفة الغربية على أعتاب انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

هل الضفة الغربية على أعتاب انتفاضة فلسطينية ثالثة؟


01/10/2022

يرى متابعون فلسطينيون أنّ تاريخ أيار (مايو) 2021، كان فاصلاً في مسيرة المقاومة في الضفة الغربية، وهو التاريخ الذي شهد عملية "حارس الأسوار" الإسرائيلية ضد غزة، أو عملية "سيف القدس" كما سمتها الفصائل الفلسطينية في القطاع، والذي شهد إعلان كتيبة جنين انطلاق العمل المقاوم بشكل منظم ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ومنذ ذلك التاريخ تصدرت الضفة أولويات العمل الأمني الإسرائيلي، وبدأت القوات الإسرائيلية سلسلة عمليات عسكرية بهدف القضاء على تشكيلات المقاومة المسلحة، التي تتبع أغلبها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وبعضها يتبع كتائب شهداء الاقصى، الجناح العسكري لحركة فتح.

ويمكن اعتبار العملية العسكرية الأخيرة على قطاع غزة، والتي حملت اسم "الفجر الصادق" كما أطلقت عليها إسرائيل، أو اسم "وحدة الساحات" كما أطلقت عليها حركة الجهاد، في آب (أغسطس) الماضي، جزءاً من حالة الاشتباك التي شهدتها مدن الضفة الغربية؛ إذ كانت الأحداث في الضفة هي المحرك لهذه العملية، وهو ما أعلنته بوضوح حركة الجهاد، وما حمله اسم العملية من رمزية لوحدة ساحات المقاومة في الضفة وغزة والقدس.

العدوان على الضفة

وتشهد العديد من مدن الضفة الغربية عمليات عسكرية إسرائيلية شبه دائمة، تصفها إسرائيل باحتواء التهديد المتصاعد للكتائب المسلحة في الضفة. وخلال هذه العمليات التي زادت وتيرتها خلال الأيام القليلة الماضية، استشهد العديد من المواطنين الفلسطينيين، خلال الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، التي تعتبر في وضع قوة احتلال، وفقاً للقوانين الدولية.

عبد المُهدي مطاوع: المقاومة في الضفة تعتمد على عناصر حركة فتح

فضلاً عن ذلك، لقي العشرات مصرعهم جراء عمليات إطلاق النيران العشوائية من قبل جنود الجيش الإسرائيلي، وتم اعتقال العشرات، وشهدت مدينة جنين ومخيمها أشد العمليات العسكرية وطأة، ودارت فيها اشتباكات مع كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، فضلاً عما شهدته مدن طولكرم وطوباس ونابلس والخليل ورام الله من عمليات من قبل المقاومة الفلسطينية، واقتحامات من قبل الجيش الإسرائيلي.

وتشهد مدن الضفة الغربية تصاعداً ملحوظاً في نشاط المقاومة الفلسطينية، خصوصاً الكتائب التابعة لسرايا القدس، وألوية تابعة لكتائب شهداء الأقصى، والذين يعملون في أحيان كثيرة جنباً إلى جنب.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع: "السبب الرئيسي في هجمات الفلسطينيين هو إسرائيل وحكوماتها اليمينية التي تشجع الاستيطان والاعتداءات على الفلسطينيين. والمقاومة في الضفة هي بشكل أو آخر تعتمد على عناصر وقيادات حركة فتح وربما هذا المتغير أكثر ما يقلق اسرائيل".

 

تشهد مدن الضفة الغربية تصاعداً ملحوظاً في نشاط المقاومة الفلسطينية، خصوصاً الكتائب التابعة لسرايا القدس، وألوية تابعة لكتائب شهداء الأقصى

 

وتابع لـ"حفريات" بأنّ "حمّى الانتخابات في إسرائيل هي عامل مساعد لمزيد التصعيد من الجانب الإسرائيلي، والذي سيجلب ردوداً فلسطينية".

ويرفض المحلل الفلسطيني مقولة "انتقال المقاومة إلى الضفة"، ويرى أنّ المقاومة ليست حكراً على حماس أو حلفائها، بل بالعكس، أقوى مواجهة تمت بين قوات الاحتلال والمقاومة كانت عمودها الفقري حركة فتح وضباط السلطة في فترة (2002 - 2004).

وأشار إلى أنّ "هناك محاولة من حماس لتبريد غزة، وإشعال الضفة بهدف جلب رد فعل اسرائيلي ضد السلطة، مما يساهم في ضعفها وانهيارها مستقبلاً".

ومن جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، محمد بدر: "تحاول إسرائيل ربط تصاعد العمليات العسكرية في الضفة بفترة الأعياد اليهودية، وذلك لتشويه صورة المقاومة، وتصويرها على أنّها تستهدف الأعياد، لكنّ الحقيقة ليست مشكلتنا مع إسرائيل دينية أو يهودية".

وتشهد مدن الضفة والقدس استنفار عسكري إسرائيلي كبير، وأعلنت السلطات الإسرائيلية أنّ تنفيذ العمليات العسكرية يستهدف وأد عمليات المقاومة التي تخطط لاستهداف الإسرائيليين في فترة الأعياد. فضلاً عن ذلك تشهد مدينة القدس انتشاراً أمنياً وعسكرياً مكثفاً، لتأمين أداء المستوطنين اليهود شعائرهم داخل المسجد الأقصى، والتي تعتبر تدنيساً وعدواناً على المسجد.

جميل العموري، مؤسس كتيبة جنين

وفي حديثه لـ"حفريات" لفت الباحث الفلسطيني إلى أنّ إسرائيل تنفذ عمليات عسكرية في الأعياد، بل وفي يوم السبت الذي يعتبر إجازة دينية، فضلاً عن ارتباط الأعياد بانتهاكات في القدس والمسجد الأقصى. وأضاف "هذا العام تجاوزت انتهاكات المستوطنين الأعوام السابقة، وهو أمر يستهدف استفزاز الفلسطينيين، ومن الطبيعي أن يخلق حالة من رد الفعل، التي يستغلها الإسرائيليون لتشويه صورة المقاومة والفلسطينيين، وتصوير الأمر كأنه عدوان على محتفلين في أعيادهم".

حركة الجهاد الإسلامي

وفي السياق ذاته، أكد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع على أنّ "المعركة في الحقيقة دائماً كانت على الضفة، وما كان يحدث في غزة كان بهدف إبعاد الكاميرات عن مشروع اسرائيل في الضفة والقدس، التي تعتبر أراض توراتية حسب معتقدات اليهود، بينما غزة لم تكن كذلك".

ومن جانبه، يرى الباحث الفلسطيني، محمد بدر، أنّ تاريخ أيار (مايو) 2021، هو تاريخ فاصل في مسار المقاومة في الضفة الغربية، حين خرجت مجموعة تابعة للجهاد في مخيم جنين، بقيادة جميل العموري، الذي وجه دعوة إلى شباب الضفة بالاشتباك مع الجنود والآليات الإسرائيلية، وأعلن "انطلاق العمل العسكري بالضفة الغربية من جديد".

وفي حزيران (يونيو) استشهد جميل العموري، واثنان من رفاقه، خلال عملية عسكرية إسرائيلية، وتصفه سرايا القدس بأنّه مؤسس "كتيبة جنين".

وبحسبه حديثه لـ"حفريات"، يرى الباحث محمد بدر، أنّ المقاومة لم تتوقف في الضفة الغربية، لكنها لم تكن منتظمة ومؤطرة، حتى العام الماضي، الذي شهد ظهور تشكيلات عسكرية في عدة مدن، منها ما يتبع سرايا القدس، وهي كتيبة جنين، وكتيبة طولكرم، وكتيبة نابلس، وكتيبة طوباس، وما يتبع كتائب شهداء الأقصى، ومنها مجموعة عرين الأسود في نابلس، وضمت من 90 - 95 % من فتح، ولواء الشهداء في جنين، الذي يقاتل مع كتيبة جنين.

 

عبد المُهدي مطاوع لـ"حفريات": المقاومة في الضفة هي بشكل أو آخر تعتمد على عناصر وقيادات حركة فتح وربما هذا المتغير أكثر ما يقلق اسرائيل

وبسؤاله عن أسباب وجود تنسيق بين عناصر فتح والجهاد، بخلاف حماس، أجاب بأنّ "الموضوع له علاقة بتاريخ العلاقة بين الفصائل من الناحية الميدانية، ومن المعروف أنّ مقاتلي الجهاد وفتح عادةً يشتركون بعمليات مع بعضهم البعض".

وأرجع ذلك إلى عدة أسباب، "تكوين الجهاد الفكري والبشري؛ حيث الجهاد ليست حركة إسلامية خالصة، بل حركة إسلامية وطنية، لديها هوية وطنية وهوية دينية، ولا تطغى الهوية الدينية على الوطنية، ولدى حركة فتح هوية وطنية، ولدى حماس هوية دينية، ولهذا تقع الجهاد في المنتصف، وتستطيع التعامل مع الطرفين".

وأفاد بأنّ "السبب الآخر له علاقة بكادر الجهاد الإسلامي، حيث إنّ عدداً مهماً من قيادات وكوادر الجهاد العسكريين على امتداد تاريخها بالأساس كانوا عناصر في حركة فتح، وسئموا نهج التسوية والسلام، وبالتالي انتقلوا إلى الجهاد، ولهم علاقات مع عناصر ظلت في حركة فتح".

وهناك سبب ثالث، يتعلق بإستراتيجية الجهاد الإسلامي القتالية، بحسب الباحث محمد بدر، وهو أنّ حركة الجهاد لا تعتبر المشروع الحزبي المقاتل أهم، بل المشروع المقاتل، ولهذا تقدم مساعدات لمجموعات ليست تابعة لها عسكرياً، ولا تشترط عليهم الانضمام لها، وفي إحدى المرات دعمت مجموعة مقاومة في بيت لحم من الفلسطينيين المسيحيين.

مخاوف إسرائيلية

وكانت إسرائيل أعلنت عن المصادقة على استخدام سلاح الطيران في شنّ عمليات عسكرية واغتيالات في مدن الضفة الغربية، وذلك على إثر تنامي نشاط المقاومة. 

ويرى المحلل السياسي عبد المُهدي مطاوع، أنّ هذه الخطوة تستهدف "تقليل الاحتكاك في الاقتحامات، وتفعيل الاغتيالات من الجو، بعد أن كانت أول عملية اغتيال في عام 2002، والتي استهدفت القيادي في حركة فتح، الدكتور ثابت ثابت".

بالإضافة إلى ذلك، تابع مطاوع "إظهار أنّ الحكومة الموجودة أكثر حزماً وحسماً من سابقاتها في التعامل مع الفلسطينيين، فضلاً عن أهداف تتعلق بتجربة تقنيات أسلحة إسرائيلية، وتسويقها".

عناصر شهداء الأقصى تتعاون مع عناصر سرايا القدس

وحول قراءة إسرائيل لتزايد نشاط المقاومة في الضفة، قال الباحث الفلسطيني، محمد بدر: "واحد من أهم دلالات تصاعد المقاومة هو تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية. وأدى وجود مجموعات داخل المقاومة تشتبك داخل المدن مع الاحتلال إلى ثلاث مسائل؛ الأولى تعميم ثقافة المقاومة، في المجال العام، وهذا خطير جداً للإسرائيليين؛ حيث إمكانية خلق حالة من المقاتلين الفرادى الذين ينفذون عمليات".

وتبعاً لذلك، وفق الباحث الفلسطيني: "كثفت إسرائيل من عمليات الاغتيال بكثرة في جنين وغيرها، وهو أمر أدى إلى خروج منفذين منفردين، غير مؤطرين تنظيمياً، نفذوا عمليات عسكرية في الداخل المحتل".

وبحسبه، هناك مسألة أخرى، وهي "انتقال تهديد المقاومة من داخل المدن إلى المستوطنات، خصوصاً في نابلس، التي شهدت عمليات إطلاق نار بشكل شبه يومي على المستوطنات، حيث تتشارك الأخيرة الطرق مع المدن الفلسطينية، وهو ما يعني انتقال المقاومة من الدفاع إلى الهجوم".

والمسألة الثالثة، التي يراها الاحتلال تشكل خطورةً عليه، يقول بدر: "إمكانية انتقال حالة المقاومة إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، كما شهدنا في سلوان في رام الله حين وقعت عدة عمليات إطلاق نار، وقام الاحتلال بحملة اعتقالات كبيرة، لإنهاء هذه الحالة خوفاً من تفاقمها. وشهدنا عمليات إطلاق نار في الخليل، وإن امتدت هذه الحالات سندخل في مرحلة انتفاضة شاملة، ولهذا تكثف إسرائيل من عملياتها العسكرية للقضاء على حالة المقاومة في مدن الضفة قبل توسعها".

ويُذكر أنّ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية‘ قطاع غزة، والقدس الشرقية) لم يتخطَ 20 ألف مستوطن حتى عام 1977. بينما وفق إحصاءات 2021، يعيش 451 ألف إسرائيلي في المستوطنات في الضفة الغربية، يشكلون 14% من مجمل السكان فيها، ويسكنون في 132 مستوطنة قانونية، و141 مستوطنة غير قانونية، ومنحت الحكومات الإسرائيلية الصفة القانونية لـ 21 من المستوطنات غير الشرعية، وتعمل على شرعنة 11 آخرين. وفي القدس الشرقية يعيش 558 ألف مستوطن في أحياء سكنية ومستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية، وذلك وفق إحصاء منظمة "peacenow".

مواضيع ذات صلة:

استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين تركيا وإسرائيل.. ماذا عن حماس وفلسطين؟

إخوان المغرب والقضية الفلسطينية.. مزايدات لا تنتهي

كيف انتقلت القضية الفلسطينية من قلب الصراع إلى هامشه؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية