كيف انتقلت القضية الفلسطينية من قلب الصراع إلى هامشه؟

كيف انتقلت القضية الفلسطينية من قلب الصراع إلى هامشه؟


19/07/2022

تشهد المنطقة العربية تحولات سياسية متسارعة منذ أحداث الربيع العربي في العام 2011، خلقت واقعاً جديداً على مستوى السياسية والاقتصاد والأمن والعلاقات البينية داخل المنطقة التي تضم إسرائيل، وكانت الأخيرة محور أساسي في العديد من التحولات خلال الأعوام الأخيرة، لأسباب تتعلق بمصالح مشتركة مع دول عربية مثل الاقتصاد والأمن والتعاون العلمي، ولأسباب تتعلق بإدارة علاقات دول عربية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وكان لذلك تأثير كبير على القضية الفلسطينية التي تعيش أحلك أيامها لأسباب عديدة؛ إذ بينما تحظى إسرائيل بمزيد من القبول الإقليمي العربي تتوارى القضية الفلسطينية، والتي لا يبدو لها مكانة في ظل هذه التحولات، ليس لأنّ الدول العربية تخلت عنها، بل لأسباب عديدة موضوعية تتعلق أولاً بالفلسطينيين أنفسهم؛ فهم القادرون وحدهم على حمل قضيتهم وجعلها جزءاً أساسياً من تفاعلات المنطقة.

زيارة بايدن

وفي زيارة بايدن إلى المنطقة التي بدأت في 13 من شهر تموز (يوليو) الجاري، واختتمت أول من أمس السبت، لم يكن نصيب القضية الفلسطينية منها سوى لقاء لمدة 15 دقيقة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، و50 دقيقة هي مجمل زيارته إلى الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن عدم اصطحاب مسؤول فلسطيني خلال زيارته إلى مستشفى المقاصد الإسلامية في القدس الشرقية، كي لا يمنح ولو بشكل رمزي الفلسطينيين تأييداً لحقهم في القدس الشرقية، والتي يعترف القانون الدولي بها كأرض فلسطينية، ما يعني أنّ الولايات المتحدة تتبنى الرواية الإسرائيلية التي لا تؤمن بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وإن ظلت تتحدث عن حل الدولتين، الذي قيضت إسرائيل فرص وجوده بسياستها الاستيطانية.

أحد لقاءات بايدن وعباس

فضلاً عن ذلك تراجع البيت الأبيض عن تصريحات مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، التي تحدث فيها عن عزم واشنطن افتتاح قنصلية للفلسطينيين في القدس الشرقية، ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض التصريحات بأنّها "خطأ"، في الوقت الذي تنهال فيه تصريحات أمريكية ومنها لبايدن عن "دمج إسرائيل في المنطقة" كهدف أساسي للزيارة التي تشمل السعودية ولقاء مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.

ويقول الكاتب والباحث السياسي، ربيع أمين أبو حطب: "الملف الفلسطيني هو الحاضر الغائب في زيارة بايدن، ليس لأنّ الإدارة الأمريكية الجديدة لا يوجد لديها خطط للحل والتسوية، بل لأنه ليس لديها رغبة في ذلك؛ أولاً في ظل تعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي وهشاشة الحكومة برئاسة بينت أو حكومة تسيير الأعمال التي يتزعمها لابيد، ففي ظل هذا المشهد وقرب الذهاب لانتخابات خامسة في ثلاث سنوات، لا يوجد لدى إسرائيل قيادة قوية وقادرة على توقيع أي تسوية وإنفاذها".

مواقف قوى فلسطينية، وخصوصاً حركة حماس، من الصراعات الداخلية في سوريا واليمن ولبنان، خفف من حدة تراجع شعبية القضية الفلسطينية وقوى المقاومة لدى الجماهير العربية

وأضاف الكاتب الفلسطيني لـ"حفريات": "ليس الفلسطينيون أفضل حالاً؛ فحالة الانقسام السياسي والبرامجي تسيطر على المشهد الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى تكريسها بعد أحداث 2007 لانقسام جغرافي وإداري بحكومتين برأسين ومؤسسات في الضفة وغزة وصراع على التمثيل والشرعية".

وعربياً صارت القضية الفلسطينية جزءاً أساسياً من بروتوكول البيانات الرسمية التي تجمع القادة العرب فيما بينهم ومع نظرائهم الأجانب، ولا يعني ذلك تعمداً عربياً لإهمالها؛ لكن هناك تحولات عديدة في العالم والإقليم، زيادةً على المشاكل الفلسطينية الداخلية جعلت القضية الفلسطينية تتوارى وتتراجع، حتى على المستوى الشعبي نسبياً.

تشخيص الأزمة

ويقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا: "الانقسام الفلسطيني الداخلي يمثل أحد العوامل الرئيسية للتراجع الكبير الذي تشهده القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي؛ حيث بسببه فقدت القضية الفلسطينية الكثير من التعاطف الشعبي والذي يمثل أحد الروافع المهمة للحقوق الفلسطينية، بما يمثله من ضغط على المستوى الرسمي، وأيضاً أسهم الانقسام في التشكيك بقدرتنا على بناء نظام سياسي موحد ومستقر وديمقراطي".

ربيع أبو حطب: الانقسام الفلسطيني أوجد بيئةً مناسبةً للاحتلال كي يواصل سياسة التهويد

وتابع القيادي الفلسطيني لـ"حفريات": "لم ننجح منذ بدء الانقسام في تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولم نتمكن من استكمال الانتخابات المحلية في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك عدم تمكننا من تجديد وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وليس هذا فحسب بل إنّ الانقسام الفلسطيني أوجد بيئةً مناسبةً للاحتلال كي يواصل سياسته القائمة على التهويد وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية لإجهاض حل الدولتين، ناهيك عن أنه أوجد حالة من عدم الانسجام والتناغم في علاقاتنا مع محيطنا العربي وشكّل عبئاً كبيراً على تحركاتنا السياسية على المستوى الدولي".

ويعود الكاتب والباحث السياسي، ربيع أمين أبو حطب إلى اتفاق أوسلو لتشخيص مرض القضية: "بدايةً يجب أن ندرك أنّ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيعها اتفاق أوسلو ارتكبت خطيئةً كبيرةً باعترافها بالمحتل، وذلك ما سوغ ويسوغ الآن التعايش مع هذا الكيان طالما أنّ صاحب القضية والمدافع عنها أرتضى بهذا المسار، وحسب تصريحات قيادة المنظمة والسلطة: أنه لا بديل لديها عن المفاوضات إلا التعايش ومزيد من المفاوضات".

وبخصوص تصريحات بايدن والذي تحدث في آن واحد عن التهديد الإيراني من ناحية وأمن إسرائيل وإدماجها في المنطقة من ناحية أخرى، فذلك يعني أنّ من يساهم في إدماج إسرائيل في المنطقة فسيكون تحت الرعاية الأمريكية من المخاطر والتهديد الإيراني".

إيران في قلب القضية

وإلى جانب الانقسام، تعتبر العلاقات بين فصائل فلسطينية وإيران جزءاً من النفور العربي من القضية؛ لأنّ إيران تشكل خطراً شديداً على العديد من الدول العربية. وحول ذلك يقول القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا: "لا يمكن إنكار تقديم إيران الدعم للمقاومة، ولا يمكن لنا في الوقت ذاته تجاهل الأطماع الإيرانية في المنطقة وتدخلاتها في الشؤون العربية الداخلية، بدءاً من لبنان مروراً بسوريا واليمن والعراق وصولاً إلى دول الخليج، وسواء اتفقنا أم اختلفنا على مدى التهديد الذي تشكله إيران للدول العربية، وقبلنا أن نضعه في سياق المؤامرة التي يحيكها الغرب بقيادة أمريكا وبما يخدم المصالح الإسرائيلية من خلال تضخيم المخاطر الإيرانية على المنطقة العربية، فالشيء الذي لا يمكن إنكاره أنّ التدخلات الإيرانية في الدول العربية تكشف حقيقة هذه الأطماع وتثير القلاقل ليس فقط في الدول المستهدفة بشكل مباشر بل وارتداداتها في الإقليم".

د. أسامة الفرا: العلاقة بين بعض الفصائل الفلسطينية وإيران ألحقت الضرر بالعلاقات الفلسطينية العربية

وشدد الفرا على أنّ "الأمر لم يعد يحتمل أكثر من مسار واحد؛ لأنّ أي تقارب مع إيران ينعكس بالسلب على العلاقة مع الكثير من الدول العربية، ليس من باب العلاقات الدبلوماسية والمصالح المتبادلة، بل من زاوية الأمن القومي العربي وما يترتب عليه، وبالتالي فإنّ العلاقة القائمة بين بعض الفصائل الفلسطينية مع إيران ألحقت الضرر بالعلاقات الفلسطينية العربية، وما كان علينا أن ننجر إلى ذلك، حيث تبقى الدول العربية رغم ما يعتريها من ضعف ووهن هي العمق الإستراتيجي للقضية الفلسطينية، وأي تهديد للأمن القومي العربي يلقي بظلاله السلبية على القضية الفلسطينية".

القيادي بحركة فتح أسامة الفرا لـ"حفريات": يجب البدء بإعادة ترميم العلاقات الفلسطينية العربية على قاعدة المحافظة على القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية وبما يراعي المصالح العربية

ويرى الكاتب أبو حطب أنّه في حين أدى "تنامي العلاقة مع إيران إلى زيادة الضغوط على قوى المقاومة إلى حد العداء من بعض الأنظمة العربية، إلا أنّ مواقف هذه القوى وخصوصاً حركة حماس فيما يتعلق بمواقفها من الصراعات الداخلية في سوريا واليمن ولبنان، خفف من حدة تراجع شعبية القضية الفلسطينية وقوى المقاومة لدى الجماهير العربية، ولعل هذا الدعم برز بشكل واضح في معركة سيف القدس مايو 2021 بشكل أكد على عَظمة القدس وفلسطين ومقاومتها لدى الأمة، وهو ما يجب أن تأخذه حماس وقوى المقاومة بعين الاعتبار بحيث يجب عليها الموازنة الدقيقة بين مشاعر الأمة وبين العلاقة المهمة مع الحليف الإيراني".

وساهم تشارك دول عربية مع إسرائيل في مواجهة الخطر الإيراني في مزيد من التقارب بين هذه الأطراف، إلى حد الحديث الإسرائيلي الأمريكي عن تعاون أمني مشترك مع بلدان عربية لردع إيران، في الوقت الذي ينظر فيه مواطنو وأنظمة حكم دول عربية إلى التقارب بين فصائل فلسطينية وإيران على أنّه خطر يهددهم، وهو أمر له وجاهته حين النظر إليه من منظور أوسع لا يضع فلسطين مركزاً، حيث إنّ القضايا الأمنية والحياتية لكل شعب لها أولويتها لدى هذا الشعب، وهو أمر يجب إدراكه فلسطينياً.

إصلاح القضية

وأخفقت العديد من المبادرات العربية لإنهاء الانقسام الفلسطيني سواء طرحت الانتخابات وتجديد الشرعيات على أساس شعبي أو فصائلي كمخرج، بينما تتبادل السلطة وحركة حماس الاتهامات عن استمرار الانقسام وتبعاته.

ويطرح القيادي بحركة فتح، أسامة الفرا رؤيته لإحياء القضية: "تجديد الشرعيات الفلسطينية، وبخاصة المتعلقة بالرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني، لا بد وأن تكون مطلباً فلسطينياً قبل أن تكون مطلباً خارجياً، ونحن بحاجة ماسة لتجديد هذه الشرعيات سيما بعد أن أصابها التكلس بفعل السنوات الطويلة التي غابت عنها الممارسة الديمقراطية، كما أننا أيضاً بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى كي نمكّن الشعب من ممارسة حقه في اختيار قياداته".

تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية أساس عودة الحياة لها

وأكد الفرا أنّ "غياب استحقاق الانتخابات عن هذه المؤسسات أضعفها ليس فقط على مستوى قيادتها للشأن الداخلي الفلسطيني بل أيضاً على صعيد تقبل العالم لها بصفتها قيادة الشعب الفلسطيني، فالعالم يريد أن يرى قيادات فلسطينية منتخبة تمثل الكل الفلسطيني، لا أن يبقى أسير التعامل مع قيادات مفروضة عليه طبقاً لتقاسم فصائلي أوجده نظام الكوتا الفصائلية لمنظمة التحرير من جهة وما أوجده الانقسام من جهة ثانية".

وأكد القيادي بفتح على ضرورة البدء بإعادة "ترميم العلاقات الفلسطينية العربية على قاعدة المحافظة على القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية، وبما يراعي المصالح العربية وتحصين الأمن القومي العربي أمام أي أطماع سواء كانت إسرائيلية وإيرانية، أو خلاف ذلك"

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والباحث ربيع أمين أبو حطب: "مرّت القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني في السنوات الأخيرة بحالة من الجمود كأحد تداعيات الانقسام الفلسطيني من ناحية، وأثار تداعيات ما سُمي الربيع العربي، وما تلاه من ثورات مضادة من ناحية أخرى. ولاستعادة الزخم الرسمي والشعبي محلياً وإقليمياً للقضية فإنه يجب العمل في مسارين متوازيين؛ أولهما إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات والقرار الفلسطيني عبر التوافق أو الانتخابات، وثانيهما استمرار حالة الاشتباك والضغط على الاحتلال كما حدث في مايو 2021".

وشدد الكاتب الفلسطيني على أنّ "أحد أهم تداعيات عدوان مايو 2021 إجبار إدارة بايدن على التواصل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لأول مرة منذ تولي بايدن الرئاسة، وذلك للمساعدة في وقف إطلاق النار واستعادة الهدوء  للمنطقة، وكذلك التواصل مع قطر وتركيا للضغط على حماس والمقاومة، وهذا بالتأكيد كان له أثر في استعادة القضية الفلسطينية إلى المشهد الإقليمي والدولي". 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية