دخلت الأزمة اليمنية الخميس الماضي منعطفاً مُهمّاً من شأنه رفع الكثير من المعاناة الإنسانية عن عاتق الشعب اليمني، وذلك في ظل الاتفاق على تسليم ميناء الحديدة للرعاية الأممية، بعدما رفض الانقلابيون الحوثيون هذا المقترح في وقت سابق، قبل أن يعودوا مجدداً للموافقة عليه في السويد؛ في ظل الضغط العسكري من قوات "التحالف العربي"، والعمل الديبلوماسي واسع النطاق الذي تمّ في المحافل الدولية خلال الأيام الأخيرة، فيما عدّ المراقبون انتزاع الحديدة من براثن الصراع العسكري انتصاراً للحكومة الشرعية والتحالف في اليمن، كما ذكرت صحيفة "الحياة" أول من أمس.
اقرأ أيضاً: الأطراف اليمنية تنهي اليوم المفاوضات في السويد.. على ماذا اتفقوا؟
ومثّل الاتفاق، وفق وكالة "رويترز" للأنباء، أول انفراجة كبيرة في جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بهدف تمهيد الطريق أمام إجراء مفاوضات سياسية، تنهي الحرب المستعرة منذ نحو أربعة أعوام، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف، ودفعت اليمن إلى شفا المجاعة.
وذكرت "بي بي سي" أمس أنّ نتائج هذه الجولة من المشاورات اليمنية في ستوكهولم لم تكن على مستوى تطلعات كثيرين، يمنياً وإقليمياً ودولياً، ومع ذلك فإنّ "الاتفاق حول مدينة الحديدة ومينائها يعدُّ إنجازاً تاريخياً على الأصعدة السياسية والعسكرية والإنسانية، ليس للأمم المتحدة وحدها فقط، وإنما أيضاً لصالح طرفي النزاع، وخطوة مهمة تؤدي إلى جولة أخرى جديدة من مشاورات أشمل وأوسع نطاقاً".
هل يلتزم الحوثيون؟
من جانبه، قال عبد الرحمن الراشد، في تحليل نشرته أمس صحيفة "الشرق الأوسط" إنّ اتفاق السويد بين اليمنيين المتحاربين، خطوة كبيرة، لكن الشكوك أكبر حيال وفاء المتمردين الحوثيين به. ولولا أنّ قوات الحكومة اليمنية والتحالف وصلت إلى محيط الحديدة، الميناء والمدينة، ما سارع الحوثيون لتوقيع الاتفاق، والتنازل عن مطلبهم الرئيسي، حكم اليمن. وأضاف الراشد أنّ الأيام المقبلة ستكشف حقيقة التزام الحوثيين. فقد وافقوا على أن تتولى الأمم المتحدة مراقبة الموانئ الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، ومداخيلها المالية، وإيداعها في البنك المركزي. وقال: "حالياً الحوثيون ينهبون المداخيل وواردات الإغاثة. إن وفوا فمعناه أنّ الحل قريب والحرب ستنتهي".
الإمارات أنجزت على مدى الأعوام الماضية عملاً حيوياً مُهماً لصالح الأمن الوطني اليمني والأمن القومي العربي على حدّ سواء
ونقلت وكالة "رويترز" عن عبد الله العليمي، المسؤول البارز في مكتب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قوله أول من أمس في تغريدة على "تويتر" إنّ "اتفاق ستوكهولم بخصوص الحديدة يؤدي في محصلته إلى خروج الميليشيات الحوثية من الحديدة، وتسلم السلطة الشرعية مسؤولية الأمن وإدارة المؤسسات بشكل كامل، هذا ما يفهمه كل العالم باستثناء الوفد الحوثي الذي ما يزال يسوق الوهم لأتباعه وحليفته إيران".
وقد لفت الراشد الأنظار إلى أنه بمقدور قوات دول التحالف، أن تنسحب اليوم من اليمن، لكن ينبغي أن نعي التبعات، وهي برأيه ثلاثة مخاطر على الأقل وهي:
أولاً، سيدخل اليمن في حرب أهلية أعظم، وسيصبح سوريا أخرى. وسيفد إليه الآلاف من المقاتلين من إيران وباكستان ولبنان والعراق.
اقرأ أيضاً: بدء المحادثات بين الأطراف اليمنية.. والحوثيون يستغلون الهدنة
ثانياً، ستحول إيران اليمن إلى قاعدة أكبر لأسلحة الصواريخ الباليستية الموجهة لضرب مدن السعودية الرئيسية والخليج، وهو ما تفعله منذ عامين؛ حيث استهدفت جدة والطائف وكذلك الرياض عابرة مسافة 950 كلم، وصواريخ أقل بعداً على مدن الحدود السعودية الجنوبية مثل نجران وجيزان. فإن انسحب التحالف سيزداد الوجود الإيراني المسلح في اليمن، وسيسيطر على باب المندب على البحر الأحمر، الممر البحري الإستراتيجي المهم للملاحة الدولية.
ثالثاً، بخروج قوات التحالف، ستنتشر جماعات "القاعدة" المسلحة، التي تلاحقها الولايات المتحدة، بالتعاون مع السعودية والإمارات، في اليمن منذ نحو عشر سنين. لو انسحبت دول التحالف ستنتشر "القاعدة" في اليمن، وستضطر الدول الغربية إلى إرسال قواتها لقتال التنظيم الإرهابي في اليمن، كما تفعل في العراق وسوريا وأفغانستان.
اقرأ أيضاً: أبعد من مجرد حرب.. مساعدات الإمارات والتحالف العربي لليمن
باستثناء خطر الصواريخ التي ستزرعها إيران في اليمن، فإنّ السعودية أقل تضرراً من دول مثل دول أوروبا والولايات المتحدة من جراء الفوضى المُحتملة في حال انسحابها من اليمن. فالسعودية قادرة على تصدير معظم نفطها الموجه غرباً إلى البحر الأحمر عبر الأنابيب دون المرور عبر باب المندب لو سيطر الحوثيون عليه.
والحقيقة أنّ دولة الإمارات أنجزت على مدى الأعوام الماضية عملاً حيوياً مُهماً لصالح الأمن الوطني اليمني والأمن القومي العربي على حدّ سواء، بطرد "القاعدة" من المناطق الجنوبية في اليمن، وخصوصاً في حضرموت والمكلا.
ما الأهداف التي حققها اتفاق الحديدة؟
وفي إطار الإجابة عمّا حققه اتفاق السويد للشعب اليمني، وعمّا إذا كان اختراقاً لصالح الشرعية والتحالف العربي، قال مدير عام المجلس الوطني للإعلام في دولة الإمارات، منصور المنصوري، أمس في "الشرق الأوسط" إنّ اتفاق الحديدة الذي وُقِّع في ستوكهولم حقق العديد من الأهداف الإستراتيجية المهمة، التي يمكن أن نوجز أبرزها في التالي:
أولاً، تهيئة الظروف الملائمة للجولات المقبلة من المشاورات السياسية، والتعامل معها بجدية من قبل الحوثيين.
اقرأ أيضاً: اليونسيف: كلّ 10 دقائق يموت طفل في اليمن!
ثانياً، إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان الحديدة والمناطق الشمالية، عبر ميناء الحديدة والموانئ الأخرى التي ستشرف على إدارتها الأمم المتحدة.
ثالثاً، نزع الألغام التي تشكل تحدياً أساسياً أمام إيصال المساعدات الإنسانية، علاوة على فتكها بالمدنيين.
رابعاً، تأمين الملاحة البحرية في باب المندب بشكل كامل، ومنع أي تهديد لها ناجم عن وضع منصات الصواريخ الحوثية في مدينة الحديدة والميناء.
خامساً، وقف تهريب الأسلحة والأموال للحوثيين من قبل إيران وأتباعها.
اقرأ أيضاً: التحالف يطالب المنظمات العالمية بالحفاظ على أموال اليمن.. كيف؟!
في هذه الأثناء، نقلت "رويترز" عن الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، آدم بارون ، قوله إنّ "عملية الحديدة برمّتها تنطوي على مخاطر كثيرة، وأهمها سيكون ضمان انسحاب منظم يمنع المخربين من إبعاد العملية عن مسارها ". وذكرت "رويترز" أنه من المقرر أن يعقد طرفا الحرب جولة محادثات جديدة في كانون الثاني (يناير) المقبل لبحث إطار عمل لعملية مفاوضات سياسية.
غريفيث يطلب مراقبة قوية لتنفيذ "اتفاقات ستوكهولم"
ويُنتظر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي، الأربعاء المقبل على الأرجح، على مشروع قرار يرعى التوافقات التي توصل إليها أطراف الحرب في اليمن، ويستجيب للدعوات التي أطلقها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، من أجل إنشاء آلية مراقبة "قوية وفعالة" لوقف النار في الحديدة.
المبعوث الخاص للأمم المتحدة: ممتن لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي أظهر دعمه الشخصي لهذه العملية
وقدم غريفيث إفادة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، قال فيها: "توصلت أطراف النزاع إلى اتفاقات عدة مدرجة في إعلان ستوكهولم، والتي دخلت حيز التنفيذ في 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري بعد نشر الوثائق". وشدد على أنّ "المطلوب من الأمم المتحدة هو أن ترصد امتثال الأطراف لهذه الالتزامات"، قائلاً إنّ "نظام مراقبة قوياً وفعالاً ليس ضرورياً فحسب، بل حاجة ماسة أيضاً"، بحسب "رويترز". ورشح غريفيث الجنرال الهولندي باتريك كامارت للإشراف على إعادة الانتشار في الحديدة.
كما أكد غريفيث أنه "ممتن لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي أظهر دعمه الشخصي لهذه العملية والاتفاقات التي كنا نتفاوض عليها في السويد"، على حدّ قوله.
وقال جريفيث "الأمم المتحدة ستقوم بدور رئيسي في دعم مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية في الإدارة والتفتيش في الحديدة والصليف ورأس عيسى".