هل أصبحت الجزائر نقطة ارتكاز إيرانية لدعم الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء؟

هل أصبحت الجزائر نقطة ارتكاز إيرانية لدعم الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء؟

هل أصبحت الجزائر نقطة ارتكاز إيرانية لدعم الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء؟


27/05/2025

في تطور لافت، اتهمت الحكومة المؤقتة في مالي النظام العسكري في الجزائربمساندة الجماعات الإرهابيّة، ويأتي هذا الاتهام بعد إسقاط طائرة بدون طيار تابعة للقوات المسلحة المالية، في منطقة تنزواتين، بالقرب من الحدود الجزائرية.

وأظهرت التحقيقات أنّ الطائرة لم تغادر المجال الجوي المالي، ممّا يؤكد أنّ تدميرها كان نتيجة هجوم معادٍ من قبل الجزائر، وهو ما اعتبرته مالي عدوانًا صارخًا وانتهاكًا لسيادتها، وعائقًا متعمدًا لجهودها العسكرية ضدّ الجماعات الإرهابية. 

وقد اتخذت باماكو سلسلة من الإجراءات الصارمة ضدّ الجزائر، بما في ذلك استدعاء سفيرها للاحتجاج، وإعلان انسحابها الفوري من اللجنة المشتركة لرؤساء الأركان، فضلًا عن تقديم شكوى إلى المنظمات الدولية ضدّ النظام الجزائري بسبب العدوان.  

من جهة أخرى، أصدرت مجموعة دول الساحل الخمس، التي تضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا، بيانًا رسميًا أدانت فيه عملية إسقاط الطائرة الماليّة بدون طيار، معتبرة أنّ الجزائر أصبحت داعمة للإرهاب في المنطقة، وتعمل كذراع خفيّة لتغذيته وهيكلته.

اتهمت الحكومة المؤقتة في مالي النظام العسكري في الجزائر  بمساندة الجماعات الإرهابيّة

 الجزائر تعزز خطابها العسكري 

يبدو الواقع الجيوستراتيجي في منطقة الساحل شديد التعقيد، حيث تعتبرها الجزائر امتدادًا حيويًا لها، ومن ثم تسعى لمدّ نفوذها عبر الجماعات المسلحة المختلفة، من خلال خلق بيئة أمنية غير مستقرة على حدودها.

وتواجه الجزائر اتهامات متكررة بدعم جماعات انفصالية ومتمردة في منطقة الساحل والصحراء، بهدف توسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز مصالحها الجيوسياسية. وتستند هذه الاتهامات إلى أدلة متعددة تشمل الدعم السياسي واللوجستي والعسكري، خاصّة في مالي.

وتتهم الحكومة الماليّة الجزائر بدعم الحركات الانفصالية الطوارقية في شمال مالي، مثل "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، و"جبهة تحرير أزواد". ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 أعلن متحدث باسم المتمردين عن تشكيل "جبهة تحرير أزواد" من منطقة تين زواتين، الواقعة على الحدود الجزائرية، ممّا أثار توترات دبلوماسية بين البلدين.

وأفادت تقارير بأنّ الجزائر توفر ملاذًا آمنًا ودعمًا لوجستيًا لبعض الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، ممّا يُسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي. وتستفيد هذه الجماعات من ضعف التنسيق الأمني بين دول المنطقة ومن الطبيعة الوعرة للحدود.

وتشير تقارير معلوماتيّة، إلى وجود (4) ممرات آمنة على الحدود الجزائرية الماليّة النيجريّة، والتي من خلالها توفر قوات الأمن والجيش الجزائرية الغطاء والدعم اللوجستي للعناصر المسلحة النشطة في المنطقة، تحت الإشراف المباشر لعدد من الجنرالات مثل: عبد العزيز الهوام، وعبد النور لعشب، ومحمد أغيرود، وبمشاركة وحدات متعددة من الجيش الجزائري.

وبحسب المعلومات الخاصّة، يتمّ أيضًا تنسيق العمليات المعقدة التي تتضمن الدعم الجوي وتحرك العناصر المسلحة على الأرض، من خلال مراكز القيادة والمراقبة المتقدمة، مثل تلك الموجودة في تمنراست وبرج باجي مختار.

أفادت تقارير بأنّ الجزائر توفر ملاذًا آمنًا ودعمًا لوجستيًا لبعض الجماعات المسلحة في منطقة الساحل

التحالفات الجيوسياسية مع إيران وحزب الله

تشير تقارير متعددة إلى وجود تحالف استراتيجي بين الجزائر وإيران، يهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى في منطقة الساحل وشمال أفريقيا. ويتضمن هذا التحالف دعمًا مشتركًا لجبهة البوليساريو وتعاونًا مع حزب الله اللبناني، ممّا يعزز النفوذ الإيراني في المنطقة.

وفي الثامن من نيسان (أبريل) الفائت وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي  فجرًا إلى مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة، على رأس وفد سياسي وأمني. 

وتأتي هذه الزيارة في سياق المنافسة الجيوسياسية المتزايدة، حيث تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تعزيز علاقاتها مع الشركاء الاستراتيجيين في المغرب العربي، وتبرز الجزائر كحليف رئيسي في تحقيق هذا المسعى.

وخلال زيارته التقى عراقجي نظيره الجزائري أحمد عطاف لمناقشة مختلف جوانب العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى أبرز التحديات الإقليمية والدولية. وبالنسبة إلى إيران، يُعدّ التقييم المباشر للقدرات والتحالفات في مختلف السيناريوهات الجيوسياسية أمرًا أساسيًا للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية وتوسيع نطاق نفوذها، وقد أصبحت الجزائر ركيزة أساسية في هذا الصدد.

تسعى إيران والجزائر، وهما دولتان تتقاربان في رؤاهما السياسية حول جوانب رئيسية، إلى تعزيز علاقاتهما عبر مسارات متعددة، ولا تستجيب العلاقات الثنائية بين طهران والجزائر للمصالح الجيوسياسية المباشرة فحسب، بل تعكس أيضًا رؤية مشتركة لمقاومة ديناميكيات القوة في منطقة الساحل والصحراء، رغبة في إعادة تشكيل التوازن الإقليمي في المنطقة.

وبحسب تقارير أمنية، قدّمت طهران طائرات بدون طيار للجزائر، تتمركز قواعدها في حاسي تراررين، حيث تقدم الدعم الجوي للمجموعات المسلحة في مالي، وتستخدم الأقمار الصناعية وبيانات الاستخبارات لتتبع تحركاتها، على طول المثلث الحدودي بين مالي والنيجر والجزائر.

يُذكر أنّ زعيم تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، إياد غالي، يعيش تحت الحماية المباشرة للأمن العسكري الجزائري في مدينة تنزواتين، في حين أنّ مؤسس فرع تنظيم "الدولة الإسلامية - ولاية الساحل" ينحدر من مخيمات تندوف للاجئين التي تديرها الجزائر.  

 زعيم تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين": إياد غالي

علاوة على ذلك، فإنّ عبد الرزاق البراء، القيادي البارز في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، كان ضابطًا سابقًا في القوات الخاصة الجزائرية، وكان مسؤولًا عن تنفيذ عمليات خطف وهجمات لصالح المخابرات الجزائرية في منطقة الساحل والصحراء، إضافة إلى دوره في التنسيق مع الجماعات الانفصالية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ عبد المالك دروكدال، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وخليفته أبو عبيدة العنابي، وكذلك مختار بلمختار، الملقب بـ "العين"، الذي قاد تنظيم "الموقعون بالدم"، كانوا جميعاً من بين قادة جزائريين آخرين، قادوا أخطر الجماعات المسلحة في المنطقة.

توترات طائفيّة

تحدث كل هذه التطورات في سياق توترات طائفية متزايدة بين السنّة والشيعة؛ وبين المسلمين والمسيحيين، وفي ظل تنافسات جيوستراتيجية إقليمية بين تركيا وإيران؛ وبين المغرب والجزائر، بالإضافة إلى تدخلات فرنسيّة وروسيّة، بالتزامن مع التوترات الاجتماعية المتزايدة حول دور ومكانة الحركات والأحزاب الإسلامية.

جدير بالذكر أنّ الحركات والمنظمات الإسلامية الموجودة هناك، وكذلك العناصر البشرية النشطة ضمن هذه الحركات، هي جزء من العديد من الشبكات العابرة للحدود الوطنية، فعلى سبيل المثال: تربط الطرق الصوفية الساحلية مثل: التيجانية، مدينة فاس في المغرب بالمدن الدينيّة في موريتانيا والسنغال ومالي وغينيا، وترتبط كذلك العديد من طرق الاتجار في المخدرات والأسلحة والمواد الغذائية والسيارات بالكثير من الجماعات الإرهابيّة والانفصاليّة عبر الساحل وشمال أفريقيا. 

يُبرز هذا المنظور العابر للحدود كيف أنّ الجماعات الإسلامويّة المتفرقة جغرافيًا، باتت متجذرة بعمق في السياقات المحلية، ومرتبطة بمسارات طائفية متعددة، خاصّة مع دخول إيران إلى المنطقة. إضافةً إلى ذلك شهدت منطقة الساحل والصحراء  تغيرات سياسية واجتماعية ودينية هائلة، بدءًا من الانقلابات العسكرية، وصولًا إلى العنف الجهادي العابر للحدود الوطنية في جميع أنحاء الساحل. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية