العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية أخيراً على شركة تركية لتمويلها صفقات أسلحة للمتمردين الحوثيين، تؤكد أنّ تركيا وحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، طرف في دعم الميليشيات الإرهابية.
وبحسب موقع (نورديك مونيتور)، فإنّ العديد من الشركات الوهمية التي أنشأها وكلاء إيرانيون في تركيا لدعم الميليشيات المسلحة تعمل دون عواقب.
ووفقاً لسجلات السجل التجاري التركية، تأسست شركة "الأمان للاستيراد والتصدير والنقل المحدودة"، وهي شركة فرض عليها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2023، بعد (3) أشهر فقط من قمع حكومة أردوغان للتحقيق الأكثر شمولاً في شبكة فيلق القدس في تركيا، أديرت على يد مواطن سوري، مقيم في حلب، برأس مال (2) مليون ليرة تركية. وكان مقرها في منطقة الفاتح في إسطنبول، وتشير لوائح التأسيس إلى أنّ تركيزها التجاري الأساسي كان الخدمات اللوجستية وخدمات النقل.
عمل عدد من المواطنين الأتراك مع مسؤول في الحرس الثوري الإيراني في شبكة دولية لتهريب النفط وغسيل الأموال، التي أمّنت ملايين الدولارات لوكلاء إيران.
ووفقاً لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، عمل عدد من المواطنين الأتراك مع مسؤول في الحرس الثوري الإيراني في شبكة دولية لتهريب النفط وغسيل الأموال، التي أمّنت مئات الملايين من الدولارات لإيران ووكيلها حزب الله في لبنان.
وبفضل الحماية التي وفرتها حكومة أردوغان، وسع "فيلق القدس" نطاق عملياته في تركيا، وبدأ في استخدام الأراضي التركية بشكل أكثر جرأة للقيام بأنشطته في المنطقة، وفي ظل هذه البيئة المتساهلة تم تأسيس شركة "الأمان".
وأظهرت تحقيقات وزارة الخزانة الأمريكية شركة أخرى كجزء من شبكة يديرها رجل الأعمال اليمني سعيد الجمل، وهو أحد أفراد "فيلق القدس"، مؤكدة أنّ الشركة لعبت دوراً حاسماً في تسهيل نقل ملايين الدولارات إلى الحوثيين في اليمن، وهي جماعة موالية لإيران.
وبحسب الاستخبارات الأمريكية، أودع "فيلق القدس" ملايين الدولارات لدى شركة "الأمان" لشحنها لاحقاً إلى اليمن. وفي اليمن يتم توجيه هذه الأموال في نهاية المطاف إلى حسابات شركة "نابكو" للصرافة والتحويلات المالية، وهي الشركة الخليفة لشركة "الحظا" للصرافة التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب. كما تعاونت الشركة التركية مع شركة الصرافة اليمنية المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية، "إكسبريس للصرافة والتحويلات المالية"، ممّا سهل نقل الأموال من تركيا نيابة عن الحوثيين وشبكة سعيد الجمل.
وعلى الرغم من إدراج شركة "الأمان" على قائمة العقوبات، اختارت الولايات المتحدة عدم إدراج مالكها الوحيد أمين باليد على قائمة العقوبات.
وتتوفر معلومات محدودة عن باليد، الذي يؤكد في ملفه الشخصي على موقع "لينكد"، أنّه يشرف على الشركة منذ أكثر من (31) عاماً، على الرغم من تأسيسها في عام 2014.
وتكشف الملفات التجارية أنّه قام بتغيير عنوان الشركة المسجل رسمياً بشكل متكرر، ممّا يشير إلى أنّها تعمل كشركة وهمية.
في أيلول (سبتمبر) 2014 قدّم أمين باليد مواطناً تركياً يُدعى جلال أوكتاي كمساهم في الشركة، ولكن تم حذف اسم أوكتاي من السجلات في شباط (فبراير) 2015. وبالمثل، في أيلول (سبتمبر) 2019 نقل أمين باليد بعض الأسهم إلى رجل يُدعى محمد باليد، وهو مسجل كلاجئ سوري تحت الحماية المؤقتة في تركيا. ومع ذلك، استعاد أمين باليد تلك الأسهم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، وتشير عمليات نقل الأسهم هذه والتغييرات في الملكية إلى هيكل ديناميكي ومعقد للشركة.
وقد قدّم موقع الشركة الإلكتروني، الذي لم يعد يعمل الآن، الشركة بوصفها تقدّم حلولاً لوجستية لخدمات النقل البري والبحري والجوي. ويبدو أنّها انخرطت بشكل أساسي في النقل البري، وتلبّي احتياجات وجِهات في الشرق الأوسط، وخاصة اليمن.
وأكد موقع (نورديك مونيتور) أنّ الشركات الإيرانية المسجلة في تركيا تستخدم أسلوب عمل يعتمده "فيلق القدس" لإخفاء العمليات السرية التي تقوم بها الاستخبارات الإيرانية، والاستفادة من النظام المصرفي والمالي التركي. بالإضافة إلى ذلك تميل الشركات التركية، على عكس نظيراتها الإيرانية، إلى جذب قدر أقل من الشكوك في المعاملات الدولية. وتسمح هذه الاستراتيجية لـ "فيلق القدس" بالعمل بدرجة أكبر من السرية والتهرب من الكشف عن أنشطته المالية.
وفقاً للبيانات الصادرة في كانون الأول (ديسمبر) 2023 عن اتحاد الغرف والبورصات السلعية التركي، أكبر مجموعة أعمال في البلاد، أسس الإيرانيون (43) شركة جديدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. وقد دفعت هذه المشاريع، التي تمّت هيكلتها في الغالب كشركات محدودة، الإيرانيين إلى طليعة قائمة المستثمرين الأجانب الذين ينشئون شركات جديدة في السوق التركية.
سلسلة من الهجمات بالصواريخ المجنحة على أهداف في اليمن والسعودية، باستخدام صواريخ مصنعة في إيران، تم تسهيلها من خلال أجزاء تم شراؤها في تركيا.
إنّ حجم التجارة المتواضع نسبياً بين تركيا وإيران يشكل تناقضاً صارخاً مع انتشار الشركات المملوكة لإيران في تركيا. فالكثير من هذه الشركات، التي أسسها وكلاء نظام الملالي في تركيا، تستخدم دولاً ثالثة كوسطاء لتصدير المنتجات الخاضعة للعقوبات والمنتجات ذات الاستخدام المزدوج، ممّا يؤدي إلى إخفاء معاملاتها بشكل فعال. وتسمح الشبكة المعقدة لهذه الشركات بالتحايل على العقوبات وإجراء الأعمال التجارية بدرجة أكبر من الغموض.
وما يزال من غير الواضح عدد الشركات التي تستخدمها الاستخبارات الإيرانية من بين تلك المملوكة لغير الإيرانيين، مثل أمين باليد في تركيا. ومع ذلك تشير المعلومات المتاحة من قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية والتحقيق الذي أجري عام 2014 حول الأنشطة المالية لـ "فيلق القدس" في تركيا إلى أنّ الحرس الثوري الإيراني يستخدم جنسيات متعددة لإخفاء آثاره.
في آذار (مارس) 2022 نشر موقع (نورديك مونيتور) تقريراً يفيد بأنّ سلسلة من الهجمات بالصواريخ المجنحة على أهداف في اليمن والمملكة العربية السعودية، باستخدام صواريخ مصنعة في إيران، تم تسهيلها من خلال أجزاء تم شراؤها في تركيا. وقد كشف محققو الأمم المتحدة عن هذه المعلومات أثناء التحقيق في سلسلة حيازة المكونات المختلفة التي تم انتشالها من حطام الصواريخ المستخدمة في الهجمات على المملكة العربية السعودية، وتلك التي تم ضبطها في خليج عدن.
وقد أدت الأدلة إلى اكتشاف أنّ أحد المكونات الرئيسة المستخدمة في تصنيع الصواريخ تم استيراده من ألمانيا بوساطة شركة تركية في عام 2016. وقد تم إنتاج المكون، الذي تم تحديده على أنّه جهاز إرسال ضغط في الأصل، بوساطة شركة "بي دي سونسورز" الألمانية، وتم استخدامه في نظام تغذية الوقود للصاروخ. ووفقاً لوثائق الأمم المتحدة، قامت الشركة الألمانية بشحن جهاز الإرسال إلى شركة "لونكا ماكينا سانايي تيكاريت"، ومقرها إسطنبول، وهي الموزع المعتمد الوحيد لها في تركيا.
ولا يشكل هذا الاكتشاف مفاجأة لمراقبي التعاون التركي الإيراني في تقنيات التحايل على العقوبات. ولخرق العقوبات الأمريكية استخدمت إيران تركيا المجاورة على نطاق واسع لشراء المكونات الحيوية، وخاصة السلع ذات الاستخدام المزدوج، لدعم صناعتها الدفاعية وإنتاج الأسلحة، والتي صدرت بعضها لتأجيج الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتلقت طهران مساعدة كبيرة من الرئيس أردوغان، الذي يعمل بنشاط على تسهيل عمليات "فيلق القدس" في تركيا ودول أخرى.
وقد أثرى أردوغان ورفاقه أنفسهم من خلال العمليات السرية على مدى العقد الماضي، ممّا سمح للإيرانيين بإجراء عمليات غسيل الأموال والتجارة الوهمية وتمويل الإرهاب مقابل الرشاوى.
وكشفت تحقيقات الفساد في كانون الأول (ديسمبر) 2013 أنّ أردوغان والعديد من وزرائه قبلوا رشاوى من تاجر الذهب الإيراني رضا ضراب، الذي سهل حركة الأموال الإيرانية من خلال "بنك خلق" التركي التابع للدولة.
وفي سياق متصل، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في تصريح صحفي قبل نحو شهر: إنّ تركيا دولة صديقة وشقيقة لإيران، وتربطهما "صلات قرابة تتجاوز علاقات الجوار".
وأضاف بزشكيان خلال أول مؤتمر صحفي عقده بعد توليه منصبه: "لقد رسموا الحدود بيننا، وإلا فإنّ هذا الجانب من الحدود والجانب الآخر هما شيء واحد، معتقداتنا وثقافاتنا متشابكة"، وفق ما نقلت وكالة (إرنا).
وشدد الرئيس الإيراني على ضرورة تعزيز العلاقات بين بلاده وتركيا، مؤكداً رغبة بلاده القيام باستثمارات مشتركة، ليس في تركيا وإيران فقط، بل في باكستان وأفغانستان والدول الأخرى في المنطقة.
وتابع: "بوسعنا إنشاء طريق يمكننا من خلاله تسهيل القدوم إلى تركيا، والسفر إلى إيران، وعبرها إلى تركمانستان وباكستان وأفغانستان".
وأردف: "سأزور تركيا بالتأكيد، وسأدعو السياسيين والأكاديميين والمستثمرين. نحن متفائلون للغاية بشأن العلاقات مع تركيا ".