هدنة هشة واغتصاب جماعي وصراع إثني في دارفور... السودان إلى أين؟

هدنة هشة واغتصاب جماعي وصراع إثني في دارفور... السودان إلى أين؟

هدنة هشة واغتصاب جماعي وصراع إثني في دارفور... السودان إلى أين؟


24/05/2023

رحبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وكتلة شرق أفريقيا (إيجاد) بالهدنة الأخيرة التي تمّ التوصل إليها بين الفرقاء في السودان، والتي تأتي بعد مقتل حوالي (1000) شخص، وعلى خلفية تهجير أكثر من مليون آخرين، داخلياً أو عن طريق العبور إلى البلدان المجاورة.

وعلى الرغم من عدم التزام طرفي النزاع بالاتفاقات السابقة، وفي ظل وضع إنساني مأساوي، يتطلع البعض إلى صمود الاتفاق الحالي، بعد الأحداث الكارثية التي جرت على مدار الأسابيع الماضية، والتي جسدتها بوضوح اللقطات الجوية التي أظهرت الأسبوع الماضي مشهداً مأساوياً في منطقة سوق أم درمان، وهي منطقة مكتظة بالسكان، حيث اندلعت حرائق متعددة، بينما كان الناس يركضون هرباً من النيران بين أنقاض المنازل المتهدمة.

وكان مارتن غريفيث، مدير المساعدات بالأمم المتحدة، قد ندّد بانتهاك اتفاقية وقعتها الأطراف المتحاربة في 12 أيّار (مايو) الجاري في جدة، تقضي باحترام المبادئ الإنسانية والسماح بوصول المساعدات. وقال تقرير للأمم المتحدة إنّ ما لا يقل عن (11) هجوماً على مقرات إنسانية في الخرطوم، و(4) هجمات على منشآت صحية، جرت منذ توقيع اتفاق 12 أيّار (مايو).

هدنة قصيرة الأمد

من جهته، حثّ فولكر بيرتس، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، الجنرالات المتحاربين في البلاد على احترام وقف إطلاق النار الأخير، محذراً من تزايد المشاحنات العرقية؛ ممّا يهدد بإغراق السودان في صراع طويل الأمد. وأبلغ بيرتس مجلس الأمن أنّ الصراع الذي بدأ في 15 نيسان (أبريل) الماضي، لم يظهر أيّ بوادر على التباطؤ، على الرغم من التصريحات السابقة لوقف إطلاق النار من الجانبين. لكنّه قال إنّه يجب هذه المرة وقف القتال؛ حتى تصل المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، مع تمكين المدنيين المحاصرين من المغادرة بأمان.

وكان وسطاء أمريكيون وسعوديون قد أعلنوا بعد اجتماع عقد في مدينة جدة يوم السبت الماضي أنّ ممثلين عن الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقعوا على اتفاق قصير الأمد لوقف إطلاق النار. وتُعد هذه الهدنة هي سابع وقف لإطلاق النار يتم الإعلان عنه منذ بدء الصراع.

يتطلع البعض إلى صمود الاتفاق الحالي

الاتفاق الذي تم توقيعه بوساطة الولايات المتحدة والسعودية سيكون مصحوباً بلجنة مشتركة للمراقبة وتتبع أيّ انتهاكات محتملة، وتتألف اللجنة من (12) عضواً؛ على النحو التالي: (3) ممثلين من كلا الطرفين المتحاربين، و(3) من الولايات المتحدة، و(3) من المملكة العربية السعودية.

المبعوث الأممي وصف الاتفاقية بأنّها "تطور مرحب به"، لكنّه حذّر من أنّ أعمال القتال وتحركات القوات ما زالت مستمرة، على الرغم من التزام كلا الجانبين بعدم السعي لتحقيق ميزة عسكرية، قبل سريان وقف إطلاق النار. وقال بيرتس: إنّ المدنيين يدفعون ثمناً باهظاً "للعنف الأحمق". وأشار إلى أنّه وفق تقديرات متحفظة  قتل أكثر من (700) شخص بينهم (190) طفلاً، وأصيب (6) آلاف، وفقد كثيرون منازلهم، ونزح أكثر من مليون شخص، ومن بين النازحين أكثر من (840) ألفاً فروا إلى مناطق داخل السودان، و (250) ألفاً فروا إلى خارج البلاد.

المبعوث الأممي: إنّ الأمم المتحدة تتابع تقارير العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بما في ذلك حوادث الاغتصاب في الخرطوم ودارفور

واتهم بيرتس الطرفين المتحاربين بتجاهل قوانين الحرب، خاصّة في العاصمة الخرطوم ومنطقة دارفور الغربية الشاسعة وأماكن أخرى، وقد تمّت مهاجمة المنازل والمتاجر ودور العبادة ومنشآت المياه والكهرباء. وقال إنّ المرافق الصحية انهارت، مع إغلاق أكثر من ثلثي المستشفيات، وقتل العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ونفاد الإمدادات الطبية، في تقارير كشفت استخدام المرافق الصحية كمواقع عسكرية.

العنف الجنسي

قال المبعوث الأممي إنّ الأمم المتحدة تتابع تقارير العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بما في ذلك حوادث الاغتصاب في الخرطوم ودارفور. مضيفاً: "التقارير التي تتحدث عن تفشي أعمال النهب للمنازل والشركات السودانية، وأعمال التخويف والمضايقة والاختفاء القسري للسكان تثير القلق بشدة". وأكد أنّ مباني الأمم المتحدة ومساكنها ومستودعاتها نُهبت أيضاً، في ظل تفاقم النشاط الإجرامي؛ بعد إطلاق سراح آلاف السجناء، وانتشار الأسلحة الصغيرة.

وكان نشطاء وشهود عيان قد قالوا لموقع (Middle East Eye): إنّ رجالاً يرتدون زياً مشابهاً لزي قوات الدعم السريع السودانية، ويقودون سيارات تحمل لوحات أرقام القوات شبه العسكرية، اعتدوا جنسياً على (24) امرأة وفتاة في نيالا، عاصمة جنوب دارفور. وبحسب التفاصيل، تمّ اصطحاب النساء، إحداهن في الـ (14) من العمر، إلى أحد الفنادق في نيالا، حيث تمّ الاعتداء عليهن جنسياً من قبل هؤلاء الرجال.

البُعد الإثني للصراع

تشهد منطقة دارفور من نحو أكثر من عقدين أعمال عنف واسعة، إثر حملات القمع التي قام بها نظام البشير ضدّ القبائل الأفريقية، التي لطالما اشتكت من التمييز، وأدين النظام آنذاك من قبل المحكمة الجنائية الدولية بممارسة جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية، عن طريق ميليشيات الجنجويد العربية، والتي تطورت فيما بعد؛ لتصبح قوات الدعم السريع.

عادت أعمال العنف إلى الإقليم، وسادت حالة من الرغبة في الانتقام بين المكونات العرقية، خاصّة في غرب دارفور

ومع تفجر الصراع الأخير، عادت أعمال العنف إلى الإقليم، وسادت حالة من الرغبة في الانتقام بين المكونات العرقية، خاصّة في غرب دارفور، ممّا دفع المبعوث الأممي إلى الإعراب عن مخاوفه بشأن البُعد الإثني المقلق للحرب، ولفت إلى أنّ الاشتباكات المتصاعدة في الجنينة بولاية غرب دارفور بين القوات المتناحرة، تحولت إلى أعمال عنف عرقية؛ حيث انضمت الميليشيات القبلية إلى القتال، وحمل المدنيون السلاح لحماية أنفسهم. مضيفاً: "تعرضت المنازل والأسواق والمستشفيات للنهب والحرق، ونُهبت مباني الأمم المتحدة". كما أكد أنّ أكثر من (450) مدنياً قتلوا، وأصيب (700)، مع نزوح عشرات الآلاف إلى دولة تشاد المجاورة.

وبحسب الـ "واشنطن بوست"، فإنّ كلتا القوتين تجندان من مجموعات عرقية معينة، ومع استمرار القتال، ومع جذب المزيد من الميليشيات إليه، فإنّ السودان أصبح على شفا الخوف من حرب عرقية مدمرة. وبحسب جيروم توبيانا، الخبير في النزاع في السودان وتشاد، فإنّه حتى بين الجيش وقوات الدعم السريع، هناك أبعاد عرقية للقتال، لافتاً إلى أنّ الاعتبارات العرقية تختلف من منطقة إلى أخرى.

وأضاف بحسب تصريحات نقلتها الـ "واشنطن بوست": "في جنوب كردفان تقاتل الجيش وقوات الدعم السريع من قبل -قبل (3) أعوام- وكان هناك بُعد عرقي واضح، حيث انضم للجيش العديد من المجندين المحليين من النوبة، بينما قوات الدعم السريع تجند عناصرها من بين العرب المحليين"، مؤكداً أنّ "كلتا المجموعتين في صراع بالفعل منذ عدة عقود".

مواضيع ذات صلة:

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

الإخوان يشعلون الحرب في السودان... ما أهدافهم؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية