موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين


29/04/2023

تتعدد الأسباب الخفية والمعلنة لاندلاع الحرب الدائرة في السودان ومركزها مواجهات في الخرطوم، فقد تم تصويرها باعتبارها حرباً بين جنرالين يتصارعان للاستحواذ على السلطة، إلّا أنّ استمرار هذه الحرب، وانكشاف بعض أسرارها، بدأ يميط اللثام عن مرجعيات لهذا الصراع تبدو أكبر وأعمق ممّا تقدمه بيانات الحرب الإعلامية بين الطرفين، بما فيها حرب الصورة، فقد طفت على السطح سرديات جديدة أصبحت حاضرة في قراءة هذه الحرب، من بينها مواقف القوى السياسية داخل السودان من هذه الحرب، بما فيها الأحزاب التي دخلت الحكم منذ الإطاحة بحكم عمر البشير، وتقديمه وبعض رموز حكمه إلى القضاء وإيداع بعضهم في السجون.

تتكشف اليوم جملة من المعطيات تؤكد أنّ الثورة التي أطاحت بنظام البشير وبعض رموزه، لم تنتج قطيعة تامة مع النظام السابق، وأنّ التحالف الذي أبرمه البشير مع الإخوان المسلمين، والدكتور حسن الترابي، ما زال قائماً في مفاصل الدولة السودانية، وتحديداً في المؤسسة العسكرية التي لم يطلها التغيير، ذاك التغيير المنشود الذي كان يتطلع للتحول إلى دولة مدنية، يعود فيها الجيش إلى ثكناته وحراسة الحدود، ويبدو أنّ ذلك مرتبط ببنية مؤسسات الدولة السودانية التي أنتجها تحالف "البشير- الترابي "والتي استمرت حوالي (30) عاماً، قدّم فيها هذا التحالف ملاذاً لأسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة) في أواسط تسعينات القرن الماضي، قبل عودته إلى أفغانستان، بالإضافة إلى تحالف مع إيران كادت الزوايا الصوفية في السودان  تتحول معه إلى حسينيات، وتحالف آخر مع القيادة التركية بعد انطلاق الربيع العربي، قدّم خلاله البشير امتيازات لتركيا بإقامة قاعدة عسكرية للجيش التركي على البحر الأحمر.

تتعدد الأسباب الخفية والمعلنة لاندلاع الحرب الدائرة في السودان

سرديات جديدة متقابلة يقدمها طرفا الصراع، فمن جانبه يحاجج الدعم السريع بقيادة حميدتي بأنّه "يحارب، ومعه قوى ديمقراطية مدنية، الإسلاميين الراديكاليين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولاً في الظلام، وبعيداً عن الديمقراطية، وأنّ هناك ضباطاً في الجيش يتبعون لتنظيم الإخوان المسلمين يسيطرون على قرار الجيش السوداني"، فيما يحاجج الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان بأنّه يقاتل "تمرداً مسلحاً على الجيش" مدعوماً من جهات وقوى محلية وإقليمية ودولية تستهدف السودان، وأنّه لا يمكن إنهاء هذا التمرد إلّا بالقضاء على الدعم السريع وإلقاء القبض على حميدتي، ومن الواضح أنّ لسردية كلّ طرف ما يؤيدها، قبل وخلال اندلاع الحرب بينهما.

سردية الدعم السريع، ورغم الاتهامات التي توجه لقائده (حميدتي) حول حقيقة مزاعمه بأنّه يدافع عن الديمقراطية وأنّه يحارب من أجل تسليم السلطة للمدنيين، كما تطالب أمريكا والدول الأوروبية، إلّا أنّ بروز أدوار للإخوان المسلمين و"فلول النظام السابق" قبل وخلال انطلاق الحرب يجعل سردية حميدتي قابلة للتوقف والتمحيص، وتالياً محطات بارزة في تطورات الأزمة السودانية، يمكن من خلالها فهم حقيقة الصراع:

أوّلاً: لكونها جزءاً من تحالف مع نظام البشير، فإنّ الإطاحة بالحكم السابق عام 2019، والتداعيات التي نشأت عن ذلك، أصابت الحركة الإسلامية بالصميم، بعد فقدانها زمام السلطة، وإدارة شؤون البلاد والعباد، ومحاكمة كوادرها في مؤسسات الدولة أو فصلهم، وهو ما ثبت عبر تغييرات شاملة في السودان بما في ذلك علاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية، وتحوله إلى دولة معتدلة تتطلع إلى مسار ديمقراطي جديد، ينهي دكاتورية البشير والإسلاميين، وقد تفاعل المجتمع الدولي مع التحولات في السودان، برفعه عن قائمة العقوبات الدولية على خلفية تورط السودان في الإرهاب، وإعفائه من بعض ديونه، وتقديم مساعدات له.

ثانياً: منذ إسقاط نظام البشير أعاقت الحركة الإسلامية في السودان مسارات التحول الديمقراطي، وتؤكد تطورات محطات الحوارات بين الجيش والقوى المدنية منذ عام 2019 أنّ الإخوان شكلوا عقبة كأداء أمام المضي بالمسار الديمقراطي، من خلال استمرار وجودهم وتأثيرهم في الجيش، وأنّهم لعبوا دوراً حاسماً بالانقلاب الذي أطاح بحكومة (عبد الله حمدوك) القادم من أروقة صندوق النقد الدولي والملتزم بالقيم العلمانية والعلاقة التحالفية مع الغرب، باعتباره الطريق الوحيد لإنقاذ السودان، وتبنّى الإخوان المسلمون استراتيجيات تتضمن تشكيل ميليشيات قبلية وقيادة الإضرابات والاعتصامات، والتلاعب بأسعار العملات.

ثالثاً: تدلّ تسريبات أنّه قبل اندلاع الحرب في السودان، كان يمكن التوصل إلى تسوية بين (حميدتي والبرهان)، والتوافق على المدة التي سيستغرقها إدماج الدعم السريع بالقوات المسلحة، خلافاً لما يطالب به البرهان بأن تكون المدة خلال عامين، أو (10) أعوام كما يطالب حميدتي، إلّا أنّ إصرار ضباط في المؤسسة العسكرية يتبعون لتنظيم الإخوان المسلمين على رفض مطالب حميدتي، وخوض الحرب مهما كانت كلفتها، قطعت الطريق على أيّ احتمالات للوصول إلى تلك التسوية.

رابعاً: منذ انطلاق المعارك بين الطرفين في (15/4/2023) برزت مؤشرات على أدوار إخوانية، ولما يعرف بـ "فلول النظام السابق" يمكن سردها وتقييمها بعيداً عن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، من بينها:

1ـ هروب أو "تهريب" قيادات الحزب الحاكم في عهد البشير "أحمد هارون، نافع علي نافع، علي عثمان طه، عوض الجاز، إبراهيم السنوسي" من سجن كوبر في الخرطوم، وتصريحات هارون بعد خروجه من السجن بأنّه سيعمل مع الجيش ضد قوات الدعم السريع، وهو ما يفسر ضعف الرواية التي قدّمها هارون حول حيثيات مغادرته السجن، ورغم كل ما يمكن أن يقال في هذه العملية فقد قدمت دليلاً على اتهامات حميدتي للبرهان بعلاقته مع الإخوان المسلمين والنظام السابق، رغم أنّها علاقة غير واضحة، وربما لا تصل إلى عضوية البرهان في تنظيم الإخوان.

2ـ بروز نشاط إخواني ملحوظ ميدانياً وسياسياً مع انطلاق الحرب، فعلى الصعيد الميداني شكّل الإخوان المسلمون لجان الأحياء للدفاع عن السكان، "وهي صيغة ميليشياوية على غرار ما فعله الإخوان المسلمون خلال الثورة المصرية على نظام مرسي"، وعلى الصعيد السياسي أعلن الإخوان عن تجميع القوى الإسلامية بالإعلان عن تشكيل "التيار الإسلامي العريض" الذي ضم العديد من الحركات الإسلامية التي تنتمي إلى فضاءات نظام البشير؛ من بينها: حركة الإصلاح الآن التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، أحد أبرز مستشاري البشير السابقين، والحركة الإسلامية السودانية التي مثلها القيادي المعروف في النظام السابق أمين حسن عمر، ومنبر السلام العادل وهي جماعة أسسها الطيب مصطفى الذي تربطه صلة قرابة بالبشير، ويُعدّ من قادة التنظيم الإسلامي، وحزب دولة القانون والتنمية وهو حزب سلفي مؤيد لتنظيم داعش بقيادة رجل الدين محمد علي الجزولي، والإخوان المسلمون (التنظيم العالمي بقيادة عادل على الله، وجماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة عوض الله حسن)، إضافة إلى حركات وجماعات أخرى مرجعياتها دينية.

خامساً: تؤكد التطورات التي يشهدها السودان أنّ للصراع الحالي وجهاً آخر يتمثل بين مشروعين؛ الأول: حداثي مع دولة مدنية، والثاني: إعادة إنتاج النظام السابق بصيغ تحالفية مع الإخوان الذين استغلوا حاجة البرهان والجيش إلى حليف، وأصبحت العلاقة معه تحالفية، وربما  شكلت تحولات موقف الجيش من قبول مبدأ التفاوض مع الدعم السريع قبل أيام، وانتقالها إلى موقف جديد يرفض التفاوض، ما يؤكد حجم تأثير الإخوان في مطبخ القرار بالقوات المسلحة.

ورغم كل ذلك، فربما لا يشكّل حميدتي عنواناً لمشروع الدولة المدنية وقيادة مسار ديمقراطي جديد في السودان، إلّا أنّه في الوقت نفسه فإنّ البرهان والجيش، وبالتحالف مع الإخوان المسلمين، لن يكون عنواناً لمشروع ديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين، وهو ما يطرح أزمة أعمق في السودان عنوانها "الحكم المدني أو الحكم العسكري"، ودفن أيّ صيغ وتسويات توافقية بينهما.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية