قبل 18 عاما وفي ذروة حكم حركة طالبان في أفغانستان تولت روشان مشال تعليم ابنتيها القراءة والكتابة مع نحو عشر بنات من الحي قمن بتهريب الكتب الدراسية إلى بيتها في أجولة بطاطا.
حصلت البنتان على درجات جامعية في الاقتصاد والطب. غير أن روشان تخشى الآن احتمال عودة طالبان، التي كانت تمنع النساء من الدراسة أثناء فترة حكمها، للمشاركة في الحكم.
وقالت روشان في مقابلة في مكتبها في كابول "يقولون إنهم تغيروا لكن لدي هواجسي. ما من ثقة ... لا نريد أن يحل السلام وتفقد النساء كل الإنجازات التي تحققت في السنوات السبعة عشرة الأخيرة".
ومع تصاعد وتيرة المحادثات الرامية لإنهاء حرب أفغانستان الطويلة تخشى النساء من أمثال روشان من عودة عقارب الساعة إلى الوراء وفقدان ما تحقق بشق الأنفس من حريات منذ أطاحت قوات أفغانية تدعمها باكستان بطالبان عام 2001 وتخشين من تهميش أصواتهن.
وقالت إحدى معاونات رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني إن السيدة الأولى أطلقت إشارة البدء لإجراء مسح للنساء في 34 إقليما وذلك في مسعى لرفع أصواتهن في العملية السلمية على أن يصدر تقرير يلخص آراءهن في فبراير شباط المقبل.
وأضافت "الحرب بدأها الرجال وسينهيها الرجال. لكن النساء والأطفال هم الذين يتحملون أقصى المعاناة ولهم الحق في تحديد شكل السلام".
وفي الحرب الدائرة منذ قرابة عقدين كان لكل من طرفيها دوره في معاناة النساء. ففي العام الماضي أبدت الأمم المتحدة انزعاجها من تزايد لجوء القوات الأمريكية والأفغانية للضربات الجوية الأمر الذي تسبب في تزايد أعداد القتلى من النساء والأطفال.
تغير الزمن
لم تصبح أفغانستان بعد مكانا تسهل فيه حياة المرأة إذ يقول دعاة حقوق المساواة بين الجنسين إن الفتيات مازلن يجبرن على الزواج وينتشر العنف الأسري كما أن معدلات وفيات الأمهات مرتفعة في مختلف أنحاء البلاد ولا سيما في المناطق الريفية.
غير أن الخروج للحياة العامة أصبح أيسر من ذي قبل خاصة في المدن مثل العاصمة كابول حيث تعمل نساء كثيرات خارج البيت كما أن أكثر من ربع أعضاء البرلمان من النساء.
إلا أن نائبات في البرلمان وبعض الدبلوماسيين الأجانب يخشون من تراجع الاهتمام بالمساواة بين الجنسين في أي اتفاق للسلام في ضوء التركيز الدولي الشديد على إنهاء القتال والقضاء على احتمال أن تصبح البلاد مأوى للمتطرفين يشنون منه هجماتهم في الخارج.
وقال دبلوماسي غربي كبير في كابول تمول بلاده مشروعات ترمي لتمكين المرأة "ذلك هو الحد. والسؤال هو إلى أي مدى سيقبلون تدهور وضع النساء في تلك العملية. ربما يحدث بعض التراجع. لكن المأمول ألا نعود إلى نقطة البداية".
وخلال الفترة من 1996 إلى 2001 في ظل حكومة طالبان التي كانت تسمي نفسها إمارة أفغانستان الإسلامية كانت النساء ممنوعات من العمل ويتعين عليهن ارتداء البرقع الذي يغطي الوجه ولا يسمح لهن بمغادرة البيت إلا بصحبة أحد الأقارب من الذكور.
وتقول طالبان إنها تغيرت وإنها ستسمح بتعليم النساء لكنها تصر على الفصل في المدارس بين الجنسين وعلى ارتداء النساء ملابس فضفاضة.
وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم الحركة لرويترز الشهر الماضي "نريد أن تتقدم أفغانستان بما لديها في الوقت الحالي من إنجازات وتطورات. لكن ثمة إصلاحات وتغييرات ستواجه الإمارة فيها صعوبات".
ولا يكفي ذلك لتهدئة مخاوف النساء من أمثال كريمة رحيميار العائل الرئيسي لأسرتها بعد مقتل زوجها برصاص طالبان في إقليم قندوز عام 1996 وإصابة زوجها الثاني بجروح وعجزه عن العمل بعد أن سجنته الحركة نحو ثلاث سنوات.
وكثيرا ما تضطر لتهدئة روع بناتها اللائي في سن الدراسة الجامعية لأنهن يشعرن بالغثيان عندما تتناهى إلى أسماعهن أصوات الرصاص أو يرد ذكر طالبان.
وتشعر مثل كثيرين من الأفغانيات بالحاجة الشديدة للسلام وتريد وضع نهاية للهجمات شبه اليومية في مختلف أنحاء البلاد والتي راح ضحية إحداها ابنها ضابط الشرطة وهو في الثانية والثلاثين من عمره عام 2016. لكنها تصر أنها لا تريد السلام على حساب حقوق النساء. وتقول "إذا لم يتم التوصل لاتفاقات والتزامات فستبقى النساء في
البيوت وسيحرمن من كل شيء".
الكفاح لتوصيل الصوت
قالت وجمة فروغ عضو المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان المكلف بالتفاوض مع طالبان إنها و11 امرأة أخرى أعضاء في المجلس اضطررن لخوض كفاح في سبيل توصيل أصواتهن.
وأضافت أن النساء اضطررن في بعض الأحيان لرفع أصواتهن في الاجتماعات لتحاشي تجاهلهن وأن الاجتماعات عقدت في بعض الأحيان في ساعات متأخرة ليلا في أماكن لا تشعر النساء بالارتياح للانتقال إليها.
ورغم رفض حركة طالبان اشتراك الحكومة الأفغانية في المحادثات الرسمية فقد عقدت فروغ وأخريات من أعضاء المجلس لقاءات غير رسمية مع الحركة والمبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد.
من ناحية أخرى تقول شابات مثل زهال بابكر خيل إن المجتمع الأفغاني تغير. وتمثل هؤلاء الشابات شريحة من شرائح السكان سريعة النمو التي نشأت وكبرت منذ سقوط طالبان.
وتقول زهال (28 عاما)، التي كانت في أول سنوات الدراسة عندما استولت طالبان على الحكم وهربت أسرتها للخارج، "في أفغانستان لم تعد النساء مثلما كن قبل 20 عاما".
وهي تعيش الآن في كابول وتلعب الكريكت وتروج للتعليم الجامعي للفتيات. وتقول إن وسائل التواصل الاجتماعي مثل واتساب وفيسبوك تتيح للنساء استخدام شبكات تنظيمية في الداخل والخارج سيكون من الصعب تحجيمها.
وقالت إنها ليس لديها نية الرحيل عن أفغانستان رغم مخاوفها من عودة طالبان.
وأضافت "حققنا ذلك من قبل ... لكن من المؤكد أن الهرب لم يعد هو السبيل. لن نرحل عن وطننا. وسندافع بكل تأكيد عن حقوقنا".
عن "مونت كارلو الدولية"