نزيف لبنان

نزيف لبنان


08/08/2020

علي قباجة

مجدداً ينزف لبنان جراحاً يصعب مداواتها، وكأن هذا البلد المُسالم كُتب عليه أن يذوق مرارات هو في غنى عنها؛ إذ إلى جانب ما يعانيه جاءت تفجيرات بيروت لتزيد الطين بلة ولتهوي بالاقتصاد المنهار أصلاً، الذي كان يجد في مرفاً بيروت البحري متنفساً له نحو العالم بعد إغلاق المطارات من جراء فيروس «كورونا»، وسد المنافذ البرية مع الجارة سوريا إثر قانون قيصر، وعلى الرغم من كل مآسيه الماضية، فإنه كان يتطلع نحو غد أفضل، لكن رياح التفجير هوت بسفن الاقتصاد اللبناني، لينام ذلك البلد مساء الثلاثاء على عاصمة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة، وليصبح مرفأ بيروت أثراً بعد عين، ولتعود الأسئلة مجدداً إلى من يمكن أن توجه أصابع الاتهام حول ما حدث؟ ومن الذي ينبغي أن يتحمل تداعيات كل ما حدث ويحدث في لبنان؟ والسؤال الأبرز: ألا ينبغي أن تزال مع آثار الدمار تلك المظاهر السياسية البالية؛ لينهض لبنان مجدداً من كبوته التي كبله بها نظام وسياسيون لا يعرفون سوى مصلحتهم الشخصية؟
بيروت ساحرة الشرق، وعاصمة العلم والنور، أرادت لها الأيدي العابثة أن تقبع في حقب مظلمة فأغرقوها بمآسٍ من أزمة النفايات إلى أزمة الاقتصاد إلى أزمة المشاحنات الطائفية بين الأحزاب، متناسين أن لبنان قبلة العالم في التحضر لن يغادر مكانه، وأن البلد الذي قدم لدول أمريكا اللاتينية رؤساء غيّروا مسار تلك الدول، قادر على النهوض مجدداً على الرغم من كل ما يعانيه؛ لكن في الوقت ذاته لابد من إيجاد حلول جذرية للأزمات كافة التي يعانيها وأولها موضوع ترتيب البيت الداخلي سياسياً؛ إذ ما ينفر العالم بأسره من مد يد العون للبنان هو النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية.
وعلى الرغم من كل ما مر بالبلاد لا يزال السياسيون بعيدين كل البعد عن نبض الشارع أو الاستماع إلى شكواه، ولعل أسوأ ما في الأمر أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة بدل أن تبني على ما تركته سابقتها، فإنها تعزو لها الأخطاء الماضية من دون أن تجد حلاً لها، وهو ما بدا من تصريح حسان دياب في أول رد فعل له على التفجير؛ حيث أكد أن ما نجم من تفجيرات سببه تقصير الحكومة التي سبقته، والسؤال: بما أنه ومن سبقه يعرفون مكمن الخطأ فلماذا لم تتم معالجته وبالتالي تجنيب البلاد ويلات الدمار والخراب الذي حل بها؟
لبنان اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إيجاد آلية، وحل جذري لمشاكله؛ حيث عرى تفجير بيروت السياسيين الذين يختبئون خلف أصابعهم، وانكشفت عورات ضعف البينة التحتية، وكمية الفساد المستشري في أروقة الدوائر الحكومية، لاسيما أنه تم التنبيه إلى خطورة هذه المواد المخزنة؛ حيث أكد مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر أنه أرسل في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017 كتاباً إلى قاضي الأمور المستعجلة يطلب منه تحديد مصير كمية من نترات الأمونيوم موجودة في أحد عنابر مرفأ بيروت، وهو ما يثير السؤال القديم الحديث.. متى يدرك سياسيو لبنان أن هذه البلاد أمانة في أعناقهم؟ 

عن "الخليج"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية