نخب فلسطينية تدعو للخروج من الصندوق والتفكير في الكارثة المحدقة

نخب فلسطينية تدعو للخروج من الصندوق والتفكير في الكارثة المحدقة


13/10/2020

تتزايد الملاحظات والانتقادات من قبل نخب فلسطينية للنهج السياسي الفلسطيني الرسمي الراهن الذي تصفه تلك النخب بالجمود والتقوقع وانتهاج أسلوب غير واقعي في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وتأتي تلك الملاحظات في رد غير مباشر على بعض الحملات التي اختارت طريقة الانتقاد الشتائمي للآخرين، وبخاصة بعض دول الخليج التي ظلت وما زالت تدعم الشعب الفلسطيني، ما قاد في المقابل بعض النشطاء في تلك الدول على الرد على الفلسطينيين بطريقة تجاوزت أحياناً السجال العقلاني، وراحت تأخذ الشعب المقاوم كله بجريرة بعض الأصوات الغاضبة المنفلتة من عقالها.

آخر التعليقات على الوضع الفلسطيني الواهن كان ما كتبه الأكاديمي والناشط الفلسطيني سري نسيبة، رئيس جامعة القدس السابق، وأحد المشاركين الفاعلين في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة.

كان نسيبة مساهماً في وضع إستراتيجية العصيان المدني التي توجت الانتفاضة الاولى، وأثناء وجود زميله فيصل الحسيني بالسجن في الفترة الأولى للانتفاضة، كما تذكر "ويكيبيديا"، كان يعتبر المرجعية السياسية لفتح في القيادة الموحدة (قاوم).

اقرأ أيضاً: هل ينجح الأخوة الأعداء في ترسيم المستقبل الفلسطيني؟

وبسبب أنشطته، قام الاحتلال الإسرائيلي باعتقاله إدارياً عام 1991 في سجن الرملة بإدعاء ضلوعه في توجيه صواريخ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ولكن عند مطالبته بالمثول أمام محكمة لإبطال هذا الادعاء، جوبه بأنّ التهمة الحقيقية التي سيواجهها ستكون تلك المتعلقة بنشاطه في الانتفاضة، وفي الحراك الشعبي الفلسطيني.

" البديل هو أن ننسى الحلول"

إذاً، نسيبة كتب مقاله المنشور في موقع "ملتقى فلسطين" أمس الإثنين، اعتماداً على تجربة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يجعل مقالته المعنونة "قراءة أخرى…البديل هو أن ننسى الحلول وننسى المفاوضات البديل هو الصمود" شهادة على لحظة تاريخية حرجة تمر بها القضية الفلسطينية.

 الأكاديمي والناشط الفلسطيني سري نسيبة

يقول نسيبة: "قد نسأل: ما البديل؟ الاستسلام؟ لا! هو ببساطة أن ننسى (الحلول)! فهي ليست موجودة سوى بالوهم. أن ننسى المفاوضات، فلقد ثبت أنها لإلهائنا فقط. أن لا نوهم أنفسنا بمواقف صلبة خطابياً (كتلك للجامعة العربية) أو واعدة سياسياً (كتلك لأوسلو أو للأمم المتحدة) تبددها الأيام. البديل الواقعي هو تعزيز صمود شعبنا على الأرض وأن يتمسك بأرضه وبما لديه؛ فليست من مقاومة أشرف وأكفأ من تلك. أن نستملك الزمان والمكان والمعنى! أي أن نجد الحيلة للاستمرار في استنشاق الهواء!".

د. سري نسيبة: القيادات الفلسطينية لا تريد التخلي عن مواقعها، بل وقد تجد أنفسها في مواقعها المتمسكة بها في مأزق الاضطرار للتعامل مع الضغوطات السياسية القادمة عليها

ويقر الأكاديمي الفلسطيني: "لا حاجة للصواريخ أو القيادات (العملاقة)! حاجة الإنسان منا ببساطة هي للتمكن؛ هي للعثور على الثغور (يقصد الثغرات) في النظام التي من خلالها يستطيع النفاذ للحفاظ على نفسه حاجته لمراكمة النقاط لصالحه في صراع طويل الأمد، أيضاً في الوجود على الأرض والمعنى. هي لإزالة الحواجز مهما اختلفت طبيعتها. هي للبقاء. للتأقلم حيثما اضطرتنا الحاجة. هي لتحسين ظروف الحياة والصمود والكفاح في وجه النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري أينما وكيفما سنحت الفرصة لذلك. هي لـ انتزاع أو (قضم) الحقوق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، أكنّا على أرضنا من حملة جنسية إسرائيلية نناضل في الكنيست أو خارجه أو كنا عمالاً من غزة أو الضفة يسعون وراء لقمة العيش. أو كنا لاجئين في أرض الله الواسعة، لكن، نتمسك أيضاً بوحدة شعبنا وهويته وروايته. نتمسك بمنظمة التحرير، بعد إعادة بنائها وتأهيلها وشروعها في العمل بشكلها الرسمي، على كافة الأصعدة وفي كافة المحافل الإقليمية والدولية للدفاع عن القضية الأساس…قضية شعب أغتُصبت أرضه وحُرّم من العودة اليها…".

خيارات صادمة للوجدان الفلسطيني

ويعترف نسيبة بوقع هذه الخيارات على الوجدان الفلسطيني: "أّدرك صدمة هذا النمط في التفكير وصعوبة، بل واستحالة الاسترشاد به. أدرك من جهة أخرى أيضاً أنّ القيادات لا تريد التخلي عن مواقعها، بل وقد تجد أنفسها في مواقعها المتمسكة بها في مأزق الاضطرار للتعامل مع الضغوطات السياسية القادمة عليها. وقد تذعن لهذه الضغوطات بمبرر أو آخر تسوقه على نفسها وعلى شعبها. لكن من الخطأ أن نرفع سقف توقعاتنا عن واقعنا الزماني. في الظروف والمعطيات الراهنة، الصعبة والمعقدة والمختلة، قد لا تكون صفقة ترامب هي الآتية؛ لكنها لن تكون دولتنا المتخيلة".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستولي على آثار فلسطينية لخلق تاريخ مزيف لأكاذيب الاحتلال

ويؤكد بواقعية شديدة المرارة: "هيمنة إسرائيل على فلسطين ييدو أنها ستستمر، في المنظور الراهن، كيفما كان شكل (الاتفاقات الإجبارية) التي قد تأتي بها تلك الضغوطات. فإن حصلت الاتفاقات أو لم تحصل تبقى الأولوية سيما لشعبنا الموجود في أرضه، في فلسطين، كلها، أن يسعى لتثبيت أقدامه فيكون متأهباً في مستقبل ما، لا بد أن يأتي، لطيّ صفحة مؤلمة من تاريخه…مستقبل يكفل البقاء والعودة والمساواة".

اقرأ أيضاً: بالصور.. خريطة فلسطين تتوسط مدينة تونسية

وفي تعليقه على ما ذكره سري نسيبة، كتب المحلل السياسي الفلسطيني محمد مشارقة على حسابه في "فسيبوك": "أثار مقال للدكتور سري نسيبة ... جدلاً واسعاً في أوساط النخب الفلسطينية في الداخل والخارج ، ليس فقط لاختلافه مع السردية الفلسطينية التاريخية والبرامج التي تبنيناها فصائل وأحزاب منذ النكبة الأولى إلى اليوم وإنما لجرأتها. باعتقادي أنّ جوهر فكرة الدكتور سلام فياض لم تبتعد كثيراً عن هذا الطرح، فالأولوية بالنسبة له ظلت هي: كيف نؤمن استمرار شعبنا على أرضه لأطول فترة من الزمن، ولا أعتقد أنّ سلام ونسيبة ابتعدا كثيراً عن رؤية المؤتمر الوطني الأفريقي منذ التأسيس عام 1912 وحتى منتصف الستينات بمذبحة شاربفيل الشهيرة".

حتى لا تستمر حملة الردح

ويؤكد مشارقة "وحتى لا تستمر حملة الردح والتشهير وربما التخوين كالعادة، فإنّ فكرة سري يجب أن تناقش من قبل المثقفين الفلسطينيين، كاجتهاد للخروج من الأزمة والكارثة المحدقة، أو التفكير خارج الصندوق".

المحلل السياسي الفلسطيني محمد مشارقة

وكان مشارقة كتب مقالاً نشرته "حفريات" في الثامن من الشهر الجاري، علّق فيه على مقابلة الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السابق في الولايات المتحدة، والأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي. وكانت المقابلة مع قناة "العربية" أثارت غضب بعض المعلقين الفلسطينيين، وعن ذلك كتب مشارقة: " لم يتمهل الشعبوي الفلسطيني طويلاً، حتى بدأت الملطمة "العفوية" بالردح، وإعادة إنتاج كل خطاب الخمسينات أيام الحرب الباردة وتوزع العرب على قطبيها، لكنّ الإضافة المستجدة في الخطاب "الشتائمي" هي لتيارات الإسلام السياسي المستقطَبة اليوم لطهران واسطنبول".

اقرأ أيضاً: قبل أن نصبح حمولة زائدة وعبئاً على شعبنا

وتابع المحلل الفلسطيني: "ما يحتاج إلى قراءة في خطاب بندر ليس التفاصيل، وإنما ما تستبطنه الأيام القادمة من إعادة للنظر بكل الرواية الفلسطينية، وما يستتبعها من مفهوم للحقوق وللعدالة والحرية، والمبدأ المؤسس لفكرة تقرير المصير بعد الحرب العالمية الثانية وتصفية الاستعمار. لم يكن الفلسطيني النابه والنقدي بحاجة إلى صدمة بندر كي يستفيق، فهي تنبيه الضرورة".

الأمير بندر بن سلطان

ماذا قال الأمير السعودي؟

وكان الأمير بندر قال في الجزء الأول من المقابلة التي تتألف من ثلاثة أجزاء: "قضية فلسطين قضية عادلة ولكن محاميها فاشلون والقضية الإسرائيلية قضية غير عادلة ولكن محاميها ناجحون. وهذا يختصر لك الأحداث التي وقعت في الأعوام السبعين أو الخمسة والسبعين الماضية".

الأمير بندر بن سلطان: قضية فلسطين قضية عادلة ولكن محاميها فاشلون والقضية الإسرائيلية قضية غير عادلة ولكن محاميها ناجحون. وهذا يختصر لك الأحداث التي وقعت سابقاً

وأضاف الأمير بندر "كذلك هناك شيء يربط القيادات الفلسطينية التاريخية إنهم دائماً يراهنون على الطرف الخاسر.. وهذا له ثمن".

 ويعتقد مشارقة أنّ "الرد الغاضب والشتّام لا يفيد السياسة، ولا يستنهض شعوباً. الفلسطيني قبل غيره هو المعني بالمراجعة الجدية والعميقة لمسيرته الكفاحية، منذ الثورة الأولى وقيادة الحاج أمين الحسيني إلى اليوم، هذا دورنا وليس دور الآخرين ليشرحوا ويراجعوا نيابة عنا، فالتاريخ لا يرحم الكسالى فكرياً والغافلين سياسياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية