نار الخلاف تستعر داخل المكوّن المسيحي في العراق.. ما علاقة الحشد الشعبي؟

بدعم من الحشد الشعبي... نار الخلاف تستعر داخل المكون المسيحي في العراق

نار الخلاف تستعر داخل المكوّن المسيحي في العراق.. ما علاقة الحشد الشعبي؟


16/05/2023

لم يكن المكون المسيحي بمعزل عن الخلافات السياسية الداخلية التي تجتاح المكونات الكردية والشيعية والسنّية في العراق؛ بل راحت تلك الخلافات تتمثل في التظاهرات والتظاهرات المضادة من قبل المنتمين لقطبي الصراع المسيحي في البلاد.

وفي الآونة الأخيرة، هاجم راعي الكنيسة الكلدانية لويس ساكو أمين عام كتلة "بابليون" ريان الكلداني، واتّهمه بسرقة عقارات المسيحيين العراقيين، والاستحواذ على تمثيلهم السياسي في البرلمان والحكومة المنبثقة عنه. ويتهم الكلداني الذي يستقوي بجماعة الحشد الشعبي الكاردينال ساكو بخوض معارك انتخابية، وأنّه "باع واشترى في السياسة" على حساب الحقوق المسيحية كافة.

ويقف مراقبون عراقيون وسياسيون مسيحيون إلى جانب راعي الكنيسة الكلدانية، في معركته السياسية مع القيادي المسيحي في تكتل "الإطار التنسيقي"، مؤكدين أنّ الإطار يدعم الكلداني في السيطرة على بلدات مسيحية في محافظة نينوى المحررة من تنظيم داعش.
ولحركة بابليون فصيل مسلح باسم "كتائب بابليون"، وهي إحدى فصائل الحشد الشعبي في العراق، وقد تأسس هذا الفصيل العام 2014 بعدما سيطر تنظيم داعش على الموصل وسهل نينوى، وشاركت هذه القوات في مواجهة التنظيم مع فصائل الحشد الأخرى.

ريان الكلداني قائد حركة بابليون المنضوية في الحشد الشعبي ولها تمثيل سياسي في الحكومة والبرلمان

وأدرجت الولايات المتحدة الأمريكية في تموز (يوليو) 2019 قائد فصيل "بابليون"، ريان الكلداني، على لائحة الإرهاب، كما أُدرِج اسمه في لائحة العقوبات الخاصة بالخزانة الأمريكية وجُمّدت أصوله المالية؛ "بسبب ارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".

وخاض فصيل "بابليون" الانتخابات البرلمانية في العامين 2018 و2021 كـ "لائحة مسيحية كلدانية بممثلين سياسيين"، وحصل على (5) مقاعد في الانتخابات الأخيرة، وتُعدّ وزارة الهجرة والمهجرين من حصة الكتلة التي رشحت الوزيرة إيفان جابرو.

الكاردينال ساكو: بعد عملية تحرير الموصل، صدرت عن الكلداني سلوكيات غريبة وعجيبة، وتصريحات طائفية كادت تخلق الفتنة في المدينة

ويُخصَّص للأقلية المسيحية وسائر الأقليات الدينية والإثنية في العراق نظام الكوتا الانتخابي، وهو نظام يحدد المقاعد النسبية للمكونات الصغيرة، نتيجة هيمنة المكونات الكبيرة (الكرد، السنّة، الشيعة) على الأغلبية في البرلمان الاتحادي.
 

ساكو يدافع عن نفسه

وفي أحدث ظهور له، شنّ الكاردينال لويس ساكو هجوماً على القيادي المسيحي ريان الكلداني، الذي اتهم الأول بفساد إدارته للكنيسة الكلدانية في العراق. ودافع ساكو عن نفسه، مؤكداً امتثاله للقانون إن أرادت الجهات القضائية ذلك.

وقال في مؤتمر صحفي: إنّه "بعد عملية تحرير الموصل من داعش، صدرت عن الكلداني سلوكيات غريبة وعجيبة، وتصريحات طائفية كادت تخلق الفتنة في محافظة نينوى"، مشيراً إلى أنّه "لا يمثلنا، وتصرفاته تتقاطع مع المسيحية".
وأوضح أنّ الكلداني "استحوذ خلال الفترة الماضية على مقدرات المكون المسيحي من خلال استحواذه على الكوتا المسيحية، ويستخدم الرموز الدينية المسيحية لأغراض سياسية"، مشيراً إلى أنّ الكلداني وإخوته وأتباعه "استولوا على مقدرات مسيحية في سهل نينوى وتلكيف والقوش، وعلى منازل عوائل مسيحية في بغداد".

وأكد أنّه "كان ينوي الاستيلاء على ديوان الوقف المسيحي والكنيسة، وقد اشترى بعض رجال الدين المسيحيين للتغطية على أفعاله".

النائب السابق يونادم كنا

وردّاً على اتهامه ببيع الأراضي والممتلكات المسيحية، أوضح ساكو أنّ "هذا غير صحيح، نحن نقوم بالمعاملات وفقاً للقانون"، مشيراً إلى أنّ "الكنيسة قامت ببيع عقارين لراهب وراهبة، واشترت غيرهما في أربيل، وفقاً للقانون العراقي وللإجراءات المالية للوزارة".

وأكد بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم أنّ كنيسته لها صلاحية في بيع وشراء الممتلكات دون الرجوع إلى أحد. و"إن كانت توجد أخطاء، فهناك جهات رسمية يمكنها محاسبتنا"، حسب تعبيره.

وكان الكلداني قد صرّح في وقت سابق أنّ "ساكو خاض معارك انتخابية وباع واشترى بالسياسة على حساب القرار والأمن والمستقبل المسيحي في العراق"، فضلاً عن اتهامه ببيع ممتلكات عائدة للكنيسة.

أنصار الطرفين يتواجهان

وأدى النزاع السياسي المسيحي إلى مواجهة أنصار المتصارعين بساحة التحرير وسط العاصمة بغداد. حيث رفع أنصار الكاردينال لويس ساكو مطالب تضمنت إيقاف سيطرة كتلة "بابليون" على البلدات المسيحية في مدن الحمدانية، وقره قوش، وسهل نينوى. ورفض الاتهامات التي وجهت لـ (ساكو) من قبل أمين عام "بابليون" ريان الكلداني.

ساسة مسيحيون ينتقدون صمت الحكومة وتكتل الإطار التنسيقي، ويحمّلانهما جزءاً من المسؤولية لأنّهم حلفاء كتلة بابليون

وقال بيان مقتضب: إنّ "الوقفة جاءت استجابة لدعوة كهنة أبرشية بغداد الكلدانية للمشاركة فيها بحمل الشموع وأغصان الزيتون، مساندةً للكنيسة الكلدانية ولساكو، احتجاجاً ورفضاً للاتهامات الباطلة التي وُجِّهت إليه تعدياً وظلماً وتلفيقاً".

في المقابل، جابه عدد آخر الوقفة التضامنية لبطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، متهمين إيّاه بـ "الفساد الإداري" والمتاجرة بالكنائس والتراث المسيحي. ورفع أنصار "بابليون" لافتات كُتبَ عليها "ساكو لا يمثلنا".

ويعتقد ساسة مسيحيون أنّ المشاركين في التظاهرات الثانية التي جابهت أنصار راعي الكنيسة البطريركية، هم عناصر تابعون لفصيل ريان الكلداني المنضوي في الحشد الشعبي.

الكاردينال لويس ساكو

ويقول يونادم كنا، النائب المسيحي السابق: إنّ "تلك العناصر هُددت بالفصل من دوامهم الرسمي في حال رفضهم المشاركة"، مبيناً أنّ "هناك من خرج بالضد من ساكو مقابل مبلغ من المال".

وأشار إلى أنّ "كتلة بابليون استخدمت الحشد الشعبي لأغراض سياسية ومصالحهم الشخصية والحزبية"، مضيفاً أنّ "قوات حفظ الأمن والنظام تدخلوا لمنع حدوث أيّ صدامات بين الطرفين".

علي حسين: ما يجري من استباحة لسمعة الكاردينال ساكو، واسترخاص حياة المسيحيين وامتهان حقوقهم، ليس له تعريف سوى أنّه محاولة لفرض الأمر الواقع بقوة السلاح والمال

وأوضح أنّ "ما حدث من حملة ضد الكاردينال لويس ساكو مرفوض ومعيب"، لافتاً إلى أنّ "سكوت الحكومة والكتل السياسية التابعة للإطار التنسيقي مستغرب جداً، ويتحملون جزءاً من المسؤولية كونهم حلفاء مع كتلة بابليون".

"الإساءة لرمز ديني"

وعلى إثر ذلك، علّق مراقبون عراقيون على الصراع الدائر بين المؤسسة الدينية المسيحية و تكتل "بابليون" السياسي، واعتبروا أنّ ما يجري هو إساءة من قبل زعيم التكتل لرمز ديني عراقي، وهو الكاردينال لويس ساكو.

ويقول علي حسين، كاتب ومراقب سياسي: إنّ "ريان الكلداني يريد أن ينصب نفسه وليّاً على أمور المسيحيين في العراق"، مبيناً أنّ "مجموعة من رعاياه شنت هجوماً بالألفاظ النابية والشتائم على مجموعة من الراهبات خرجن للتضامن مع الكاردينال".

وتابع: "صحيح أنّ التظاهر حق مشروع لجميع العراقيين، غير أنّ الاستئساد على رهبان وراهبات يُعدّ أمراً مخالفاً للقانون وإساءة لرمز ديني". وأضاف: "للأسف ما جرى في ساحة التحرير يدلّ على أنّ البعض يريد لمنطق الأشقياء أن يسود في المجتمع العراقي، وأن يتم فرض الأمر الواقع على المكون المسيحي، وأنّ الكلداني مصمم على المضي قُدماً في إهانة رجال الدين المسيحيين".

أتباع الكنيسة الكلدانية في العراق يتضامنون مع الكاردينال لويس ساكو بساحة التحرير وسط بغداد

وأكد أنّه "لم يثبت حتى الآن أنّ الكاردينال ساكو شكّل تهديداً للأمن الوطني حتى تقرر كتلة "بابليون" ومواقعهم الإلكترونية وفضائيتهم شن حملة افتراءات ضده، لكنّ المؤكد بالصورة والصوت أنّ الفاسدين الذين يتستر عليهم بعض المسؤولين أهلكوا البلد، وشكّلوا ويشكلون أخطر تهديد ضد الوطن والمواطنين"، لافتاً إلى أنّ "ما يجري من استباحة لسمعة الكاردينال ساكو، واسترخاص حياة مجموعة كبيرة من المسيحيين وامتهان حقوقهم، ليس له تعريف سوى أنّه محاولة لفرض الأمر الواقع بقوة السلاح والمال، ونشر خطب التضليل والتزييف وقلب الحقائق، لينعم البعض بما حققه من مكاسب مالية واستثمارات، في الوقت الذي لم تتوقف فيه هجرة المسيحيين عن ديارهم".

موضيع ذات صلة:

"ألوية الوعد الحق": تدعمها إيران ويخفي الحشد الشعبي ارتباطه المباشر بها

هل يعيد الحشد الشعبي خريطة التحالفات لمواجهة تنظيم داعش؟

من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية