مَن فعل كل هذا بلبنان

مَن فعل كل هذا بلبنان


27/01/2022

فاروق يوسف

ليست هناك حاجة إلى علامة استفهام. الحقيقة باتت معروفة للجميع. غير أن سبب العودة إلى تلك العبارة انما يكمن في أن الواقع السياسي الذي يعيش لبنان أسيرا له يخالف تلك الحقيقة بشكل صارخ.

مَن صنع المأساة لا يزال في مكانه ولا يزال هناك إصرار على أن يبقى كل شيء كما كان في الماضي على الخارطة السياسية بالرغم من أن عزوف سعد الحريري المؤقت عن العمل السياسي قد شكل بادرة استثنائية غريبة.

لبنان في حاجة إلى أن يتكرر ذلك الاستثناء.

لبنان في حاجة إلى قاعدة عمل سياسي جديدة يغادر من خلالها واقعه الذي نتج عن الحرب الأهلية وما سبقها من أسباب وما لحق بها من تداعيات لا تزال معادلاتها الجاهزة تتحكم في كل شيء.

لا يمكن انقاذ لبنان عن طريق مقاطعة الانتخابات من قبل هذا السياسي أو ذاك، بل يمكن انقاذه عن طريق استبدال الواقع السياسي بواقع سياسي آخر يكون أكثر نزاهة ووضوحا وكرامة ورغبة في التطابق مع الحقيقة التي تُفيد بأن كل ما حدث من مآسي هو من صنع الطبقة السياسية التي يجب أن تختفي وتكف عن اللعب بمصائر اللبنانيين الذين سقطوا في الهاوية من جراء الانهيار الاقتصادي الذي لا تعترف الطبقة السياسية ولا واحد من أفرادها بأنه من صنعها.

لا يحتاج لبنان إلى أي نوع من الجدل السياسي بقدر حاجته إلى ميثاق أخلاقي جديد تكون السياسة جزءا منه. لم يعد مسموحا لممارسي اللعبة السياسية الفاشلة أن يستمروا في البقاء في الملعب كما لو أنهم يمارسون هواية بريئة لا ضرر منها.

لم يكن الشعب اللبناني في حاجة إلى إشارة من البنك الدولي تضع مسؤولية الانهيار في رقاب السياسيين ليعرف أن الفساد كان ولا يزال هو الصنعة الوحيدة التي يجيدها أولئك السياسيون الذين قُدر لهم أن يتحكموا بمصيره من غير أن يملك القدرة القانونية التي تؤهله لمساءلتهم وانهاء زمن الافلات من العقاب.

لقد عمل سياسيو لبنان على تعطيل الدولة واضعافها ومنعها من إداء دورها في تصريف شؤون الشعب واكتفوا بقمعه كون الدولة هي الجهة الوحيدة المسموح لها بممارسة القمع حماية للمجتمع.

وحين هيمن حزب الله على الدولة المستضعفة أصلا سار البعض منهم وراءه وخبأ البعض رؤوسهم أما مَن كان ينادي بأهمية وضرورة نزع سلاح الحزب فإنه كما اتضح يمثل أقلية مغلوبة على أمرها ولا يصل صوتها خارج مناطق نفوذها وهي مناطق صغيرة حتى في إطار تبعيتها الطائفية.  

بغض النظر عن مسمياتهم الطائفية فإن اللبنانيين، كل اللبنانيين مسؤولون عن زحف حزب الله من الجنوب حتى بيروت وهيمنته التي بدأت من السلاح وانتهت بالسياسة.

الجيش وقوى الأمن الداخلي وكل المؤسسات المعنية ذات الخبرة والأيدي الطويلة التي طالما مارست القمع في حق المواطنين مسؤولة عن الفراغ الذي نتج عن غياب الدولة فكان انتقال حزب الله من المقاومة إلى القيادة مريحا، بل يجده البعض ضروريا من أجل ملء الفراغ.

لقد ترك السياسيون الدولة واهتموا برعاية مصالحهم الشخصية وبناء امبراطورياتهم المالية في الداخل والخارج على حد سواء فيما كان الإيرانيون يخططون من خلال حزب الله لإلحاق سويسرا الشرق بولاية الفقيه. وهو ما استطاعوا انجازه بطريقة مريحة لم يكونوا يتوقعونها وفي وقت قياسي ساهمت الساعة السياسية اللبنانية في الإسراع به كما لو أنها ستصل من خلاله إلى زمنها السعيد.

حتى بعد الكارثة العظمى التي مثلها انفجار مرفأ بيروت فإن أحداً من سياسيي لبنان لم يعلن انسحابه من الحياة السياسية اعتراضا على العار الذي تكشفت تفاصيله عالميا. ماذا يعني أن لا يشعر سياسيو لبنان بالعار في مواجهة تلك الكارثة بما انطوت عليه من خسائر بشرية ومادية وتاريخية وبما مثلته من استهانة بمصير الشعب؟

قبل الكارثة كان الشعب قد خرج إلى الشارع من أجل اسقاط النظام السياسي وقمعته ميليشيا دولة الطوائف. بعد الكارثة تأكد الشعب من عجزه عن تغيير النظام. ذلك الاعتراف الذي مهد للانهيار المالي الذي سارعت المصارف إلى الإعلان عنه ليكون سعر صرف الليرة هو الورقة الأخيرة التي سيكتب اللبنانيون عليها شهادة وفاتهم.  

انتصرت الطبقة السياسية على الشعب وهو ما يجعلها تتعامل بامتنان وشكر عظيمين مع حزب الله الذي غلف فسادها بورق هدايا المقاومة الإيراني.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية