ميليشيات متناحرة تتكاتف... هل تغيّر كارثة الإعصار مسار ليبيا؟

ميليشيات متناحرة تتكاتف... هل تغيّر كارثة الإعصار مسار ليبيا؟

ميليشيات متناحرة تتكاتف... هل تغيّر كارثة الإعصار مسار ليبيا؟


17/09/2023

أحمد علي حسن

تجاوز الليبيون الأسباب التي فرّقتهم وقسّمت بلدهم طيلة السنوات الماضية، وهبّوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه جرّاء كارثة الإعصار "دانيال" الذي دمّر أحياءً سكنية وأزالها من خريطة الشرق الليبي، وتسبّب في سقوط آلاف الضحايا والمفقودين.

فأصوات مساجد المدن الرئيسية في الغرب الليبي تصدح منذ أيام، لدعوة السكان الى التبرّع... رجال أعمال كبار في العاصمة طرابلس ومصراتة بادروا إلى اعلان تبرّعهم بعشرات الملايين من الدينارات، فيما المستشفيات فتحت أبوابها لاستقبال المتبرّعين بالدم، في مشهد لم يحدث تقريباً منذ أحداث شباط (فبراير) العام 2011، ورسّخ اعتقاداً سائداً في الأوساط الشعبية بقدرة هذا البلد على تجاوز الصراعات السياسية والبحث عن فرص للتعايش المشترك.

وتوّجت هذه المشاهد بذهاب كبار قادة المجموعات المسلّحة غير الرسمية في طرابلس ومصراتة، وأبرزهم قائد ما تُسمّى بـ"الكتيبة 166" محمد الحصان، إلى بنغازي، لمعاونة قوات الجيش الوطني الليبي في عمليات البحث عن الضحايا ورفع أنقاض المباني المهدّمة، فيما كان في استقبالهم بالأحضان خصمهم اللدود قائد "اللواء خالد بن الوليد"، صدام حفتر. وحتى وسائل الإعلام المحلية المحسوبة على المتحكّمين في الغرب الليبي والمعروفه بعدائها الشديد لقيادات الشرق، سُمح لها بدخول قلب المناطق المنكوبة والتقاط الصور ولقاء المسؤولين المحليين وذوي الضحايا والمصابين.

مأساة أكبر من الوصف

الطبيب في مستشفى طرابلس حسين البريك كان ضمن قافلة طبية وصلت إلى بنغازي للمساعدة في الخدمات الطبية. تحدث لـ"النهار العربي" عن هول المأساة على أرض الواقع بخلاف مشاهدة القنوات... انتشال الجثث مستمر على مدار الساعة… عشرات الجثث عُثر عليها طافية على شاطئ مدينة سوسة الساحلية تعود لقاطنين في مدن درنة والبيضاء وغيرهما… ثمة أحياء تمّ انتشالهم من أعماق الأوحال، وآخرون من أسفل مبانٍ هُدمت على ساكنيها، وهؤلاء يرقدون في المستشفى... غالبية الضحايا من كبار السن والنساء والأطفال الذين لم تسعفهم قوتهم على مصارعة مياه الفيضانات.

وشدّد البريك على أنّ "هذا ليس وقت الحديث عن مناكفات سياسية وصراعات الطبقة الحاكمة، بل وقت الاحتكام إلى إنسانيتنا، فمن قضوا نحبهم هم أهلنا... ثمة من يقطن في طرابلس أو مصراتة وفقد شقيقاً أو قريباً كان يسكن في المدن المنكوبة. نصارع الوقت أملاً في إنقاذ ضحية، لكن الإمكانات لا تزال محدودة رغم الدعم المحلي والإقليمي".

أما الناشط في مدينة درنة المنكوبة حسام عبد القوي، فأكّد هو الآخر "وصول فرق إنقاذ متطوعة من كل المدن الليبية الغربية والجنوبية، إضافة إلى الشرقية... الكل يعمل يداً بيد في ظلّ صعوبات بالغة ووضع إنساني مأسوي". وأوضح لـ"النهار العربي" أنّ "فرق الإنقاذ تعمل على رفع الأنقاض والبحث عن ناجين وجثث الضحايا، لكن المطلوب أكثر ونحتاج مزيداً من الدعم والتدخّل الدولي. فكلما اقتربنا من مبنى مهدّم نسمع استغاثات من تحت الركام... ثمة أُسر بكاملها لا تزال تحت الأنقاض"، داعياً "المنظمات الإغاثية الدولية إلى التدخّل للتخفيف من حدّة الكارثة التي حلّت بالمدينة".

مصدر عسكري ليبي أكّد لـ"النهار العربي"، أنّ عدداً من المجموعات المسلّحة جاءت من طرابلس ومصراتة بأفرادها ومعداتها، وانخرطت سريعاً في عمليات البحث والإنقاذ الجارية في البلدات المنكوبة، خصوصاً درنة والبيضاء والجبل الأخضر. وأضاف أنّ فرق بحث وإنقاذ إقليمية دخلت أيضاً بمعداتها إلى المناطق المنكوبة، للإسراع في إنجاز المهمّة، مشيراً إلى أنّ الجميع "لا يدّخرون جهداً لإنقاذ العالقين بين المياه والمباني المهدّمة، للعثور على المفقودين وطمأنة عائلاتهم. كما وصلت إلينا بعض المهمّات والطائرات العمودية للتغلّب على صعوبة التضاريس وقطع الطرق".

المهمة الصعبة مستمرة

من جانبه، كشف الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ أسامة علي لـ"النهار العربي"، تفاصيل ما يجري على الأرض في مدينة درنة المنكوبة، لافتاً إلى أنّ المعضلة الكبرى تكمن في أنّ "السيول جرفت المباني، حتى أنّها كانت ترتطم فوق بعضها ووصلت إلى شاطئ البحر. نعمل في محيط نحو 10 كلم مربع، وهي مساحة ليست سهلة، كما أنّ هناك تحدّياً يكمن بوجود أعداد من المتطوعين غير المدرّبين على آليات الإنقاذ".

وأضاف: "تمكنت فرق الإسعاف الخميس بالتعاون مع الضفادع البشرية من دخول درنة، وجرى انتشال مئات الناجين، إضافة إلى جثامين بينها لأطفال، والعمل لا يزال جارياً. ثمة فرق بأعداد كبيرة محلية ودولية تعمل الآن على الأرض في المدينة، وبدأنا العمل بتقنيات المسح وليس الطرق المعتادة". وتابع علي: "أنشأنا عدداً من المستشفيات الميدانية، ونعمل على إعادة تأهيل المستشفيات التي غمرتها المياه، والحالات التي تحتاج إلى عناية فائقة ننقلها إلى مدينة بنغازي".

الموفد الأممي عبد الله باثيلي لاحظ تجاوز الليبيين خلافاتهم في هذه اللحظات الصعبة. وغرّد قائلاً: "يضرب الشعب الليبي أعظم الأمثلة في الوحدة والتعاطف والصمود في مواجهة هذه المأساة المدمّرة. اليوم أرى أمامي ليبيا واحدة موحّدة، لا شرق ولا غرب ولا جنوب"، داعياً جميع السلطات والمؤسسات الليبية إلى مواصلة وتنسيق جهود الاستجابة لهذه الكارثة.‬

 وفي هذا الإطار عقد نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، اجتماعاً مع نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، منسّقة الشؤون الإنسانية في ليبيا جورجيت غانيون، وتمّ بحث "تطورات الوضع الإنساني وجهود الإنقاذ والإغاثة في المدن المتضرّرة من الفيضانات والسيول التي اجتاحت المنطقة".

مساعدات ووعود دولية

وطالب اللافي بضرورة التحرّك الأممي السريع للمساعدة في إنقاذ حياة العالقين تحت الأنقاض، وانتشال الضحايا وتوفير فرق إنقاذ متخصّصة وخبراء دوليين، في التعامل مع كوارث الفيضانات، مشدّداً على أهمية الإدارة الموحّدة للأزمة، ورفض أي استثمار سياسي لهذه الكارثة.

وكانت ليبيا حصلت على وعود دولية بتقديم مساعدات تُقارب 15 مليون دولار لمواجهة آثار إعصار "دانيال". وأوضحت مصادر مطلعة على الملف، أنّ الأمم المتحدة قدّمت 10 ملايين دولار، وأطلقت أيضاً مناشدة إنسانية للمانحين لتقديم 71.4 مليون دولار إضافية، لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للمتضرّرين في ليبيا، في حين أعلنت بريطانيا تقديم حزمة مساعدات أولية قيمتها 1 مليون جنيه إسترليني، وخصّص الاتحاد الأوروبي 500 ألف يورو، أما الولايات المتحدة فوعدت بمليون دولار.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية