ميليشيات إيران تغرق الجنوب العراقي بتجارة البشر والمخدرات

ميليشيات إيران تغرق الجنوب العراقي بتجارة البشر والمخدرات


24/08/2020

لم تتورّع الجماعات المسلحة الولائية لإيران داخل العراق، عن المتاجرة بالبشر والمخدرات وإنهاك المجتمع المحلي في سبيل إنعاش اقتصادها الخاص، كما لم تمنعها عقائدها الذاتية، ذات الصبغة الدينية الأصولية، من تلك المتاجرة المحرّمة دينياً وإنسانياً؛ بل راحت تتمادى في مسلسل الانتهاكات داخل البلاد الخاضعة لسطوة الجار الشرقي.
وتعدّ مدن جنوب العراق (خمس
محافظات) الخاضعة لسطوة الأحزاب الدينية الشيعية، سوقاً رائجة لتجارة الحبوب المخدرة، والتي تدخل عبر منافذ العراق مع إيران؛ حيث إنّ أغلب تلك المنافذ تخضع لهيمنة القوى "الولائية"، وتعمل تلك القوى على تعزيز اقتصادها بالمحرّمات القانونية مستغلةً نفوذها وسطوتها والضعف الحالي لمؤسسات الدولة العراقية.

مصدر أمني لـ"حفريات": كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، هما الجماعتان المسلحتان اللتان تشرفان على نقاط حدودية مع سوريا وتتاجران بالبشر وتعملان باسم هيئة الحشد الشعبي

مراقبون وباحثون عراقيون، طالبوا البرلمان بضرورة تفعيل القوانين الرادعة للاتجارِ بالبشر والمخدرات، منتقدين تساهل الأحكام القضائية تجاه المدانين بتجارة الحبوب المخدّرة وتعاطيها.  
وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، في وقت سابق، عن وجود نحو 7 آلاف محكوم وموقوف بقضايا المتاجرة وتعاطي المخدرات، بينهم 125 محكومة وموقوفة، فيما انتقدت وزارة العدل لعدم فرز المتاجرين عن المتعاطين، داخل السجون التي تشرف عليها الوزارة.
آلية دخول المخدرات
للعراقِ حدودٌ كبيرة مع جارتهِ الشرقية، إيران، تمتدّ هذه الحدود على قرابة 1500 كم من أقصى الجنوب العراقي في محافظة البصرة إلى أقصى الشمال منه في محافظة السليمانية الواقعة في إقليم كردستان، لكنّ سطوة السلاح الإيراني عبر الوكلاء العراقيين تتمّ في المحافظات الجنوبية ذات الامتداد الشيعي عموماً.


ويقول مصدر أمني لـ "حفريات": إنّ "الميلشيات المسلحة، أمثال كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء، تسيطر على منافذ محافظتي البصرة وواسط"، مبيناً أنّ "واردات المنافذ يذهب جزء منها إلى الدولة والجزء الآخر إلى تلك الميليشيات، وفق قاعدة النفوذ غير الرسمي".

اقرأ أيضاً: إيران: تجارة المخدرات المربحة التي يديرها "الحرس الثوري"
وأضاف أنّ "منافذ أم قصر والشلامجة بمحافظة البصرة، وبدرة وجصان بمحافظة واسط ومندلي بمحافظة ديالى، هي ممرات لدخول البضائع الإيرانية، بما فيها الممنوعات، وهي الحبوب المخدرة"، لافتاً إلى أنّ "تجارة المخدرات والأتاوات والصفقات المشبوهة هي الاقتصاد الفعلي لتلك الجماعات المسلحة". 
وأشار إلى أنّ "دخول المخدرات يأتي بعد ورود نداءات سرية بعدم تفتيش عجلات معينة أو خضوعها للاستفسار الأمني، مما يسمح المرور لها بكل حرية إلى الداخل من الأراضي العراقية".

المدن الأعلى في تعاطي الكريستال
وتعدّ محافظة البصرة، المحافظة العراقية الأكثر تعاطياً للمخدرات، لجهة خضوعها كلياً للهيمنة السياسية التابعة لمحور الولاية الإيرانية، فالعاصمة الاقتصادية للعراق، هي محطّ سيطرة مركزية للحركة التجارية للميليشيات، عبر الموانئ والمنافذ والسلطة المحلية ذاتها.
ويقول خالد الكناني، ضابط في شرطة البصرة: إنّ "القوات المكلفة بمتابعة المخدرات في مديرية شرطة المحافظة، اكتشفت أنّ نسبة تعاطي الشباب البصري لمادة الكريستال المخدرة تصل لـ 35%"، مبيناً أنّ "شباب المدينة يحصلون على المخدرات عبر المقاهي العامة وبطريقة شبه سرية".


ويضيف لـ "حفريات": "من المؤسف أن نجد إسناداً جهوياً لبعض أصحاب المقاهي يمنحهم نوعاً من الحرية في بيع هكذا مواد محرّمة في القانون العراقي"، مشيراً إلى أنّ "القوات الأمنية تتابع هذا الملف عن كثب، وتحاول رصد المنابع التي غالباً ما تكون دول الجوار، وتحديداً الجانب الإيراني".

اقرأ أيضاً: كيف أوقعت إيران العراقيين في حبائل المخدرات؟‎‎
وطالب الضابط العراقي السلطة التشريعية بـ "سنّ قوانين رادعة تمنع مستقبلاً من انتشار المخدرات وضياع مستقبل الشباب العراقي"، مؤكداً على "ضرورة رفع عقوبة المتاجرة بتلك المواد المدمرة للإنسان إلى الإعدام، وإلا لن يكون العقاب علاجاً حقيقياً للمسألة".
ضبط أكبر شبكة في الجنوب
وعلى الصعيد الميداني؛ تمكّنت القوات الأمنية العراقية من ضبط أكبر شبكة لتوريد المخدرات في مدن جنوب البلاد؛ حيث أسفرت العملية عن اعتقال نحو 30 عنصراً من أبناء الجنوب يعملون على إدارة الشبكة.
وقال بيان لإعلام قيادة عمليات الرافدين التي تشرف على المدن الجنوبية، إنّ "العملية الأمنية الأخيرة جاءت بعد رصد ومراقبة دامت أربعة أشهر، تكلّلت باعتقال نحو 30 شخصاً، يديرون شبكة كبرى لبيع المخدرات في محافظات البصرة وميسان وذي قار وواسط"، مؤكداً "ضبط نحو عشرة آلاف حبة كريستال ضمن أكياس منظمة معدّة للبيع".

اقرأ أيضاً: الحوثيون والحرس الثوري يغرقون اليمن بالمخدرات..
وأضاف: "أفراد الشبكة ما يزالون يخضعون للتحقيق، وستتمّ إحالتهم للجهات القضائية حالما اكتمال الإجراءات الرسمية"، لافتاً إلى "سعي قيادة العمليات إلى تتبع منابع بيع المخدرات في محافظات الجنوب".

أستاذ القانون في جامعة ميسان وليد الغالبي أكّد أنّ عقوبة تعاطي المخدرات في زمن النظام السابق كانت تصل إلى الإعدام، لكنّها تغيرت في النظام الحالي

وعلى هذا البيان؛ يعلّق الناشط المدني أحمد الساعدي، بأنّ "العملية الأمنية هذه جيدة وفي مسار ردع المتاجرين بالمخدرات، وهم المتاجرون الصغار لا الكبار، وأعني بالكبار؛ المموّل الكبير صاحب النفوذ والسطوة". وأضاف لـ "حفريات": "الموضوع أكبر من هذه الشبكة، والمخدرات من أبرز المنابع المالية للمتنفذين اليوم".
مظاهر غياب الدولة
وفي السياق ذاته؛ عزا باحثون عراقيون استفحال ظاهرة السلاح المنفلت والمتاجرة بالمخدرات إلى غياب الدولة، مطالبين بتعديل المواد القانونية المتعلقة بأمن المجتمع وسلامته.
أستاذ القانون في جامعة ميسان وليد الغالبي أكّد أنّ "عقوبة تعاطي المخدرات في زمن النظام السابق كانت تصل إلى الإعدام، لكنّها تغيرت في النظام الحالي لتتراوح بين 3 إلى 15 عاماً، وفق حالة المتلبس بالقضية"، وانتقد الغالبي التسهيلات القانونية الموجودة، قائلاً: "هناك مصلحة سياسية وراء تعديل القانون". 


وتحدث لـ "حفريات" عن عوامل انتشار المخدرات في الوقت الحالي، عازياً ذلك إلى "ضعف الحسّ الوطني والأمني وتحالف شبكة المصالح ما بين السياسيين ذات النزعة المسلحة والقوى الاجتماعية الموالية لها".
وأبدى القانوني العراقي استغرابه "من عدم حسم القضاء المحلي للكثير من قضايا المخدرات في محافظة ميسان"، مبيناً أنّ محافظته "لا تقلّ خطورةً عن اختراق الحبوب المخدرة لها عن باقي المحافظات".

وتأييداً لكلام الغالبي، أكد الأكاديمي العراقي سعد قاسم أنّ "غياب الدولة ومؤسساتها الفاعلة هو السبب الرئيس للمأساة الحالية"، داعياً إلى "صولة أمنية حازمة للسيطرة على الوضع الداخلي".
الاتجار بالبشر
تخضع منافذ العراق مع سوريا إلى سيطرة مناصفة بين الجيش العراقي والجماعات المسلحة المنضوية في هيئة الحشد الشعبي، وتعمل الأخيرة على استثمار تواجدها في تلك النقاط الحدودية لفرض الضرائب على البضائع الداخلة والاتجار بالبشر.


ويقول المصدر الأمني؛ إنّ "كتائب حزب الله، إلى جانب كتائب سيد الشهداء، هما الجماعتان المسلحتان اللتان تشرفان على نقاط حدودية مع سوريا"، مبيناً أنّ "الجماعتين تعملان باسم هيئة الحشد الشعبي، كونها الهيئة المحرِّرة لتلك المناطق من سيطرة داعش داخل محافظة الأنبار".

اقرأ أيضاً: المخدرات الإيرانية تعصف بشباب العراق
ويتابع: "من القضايا غير القانونية التي تمارس في النقاط الحدودية الخاضعة للجماعتين المسلحتين: قضية الاتجار بالبشر، من خلال السماح بتهريب مطلوبين للعدالة مقابل مبالغ مالية ضخمة إلى الجانب السوري"، مشيراً إلى أنّ "كتائب حزب الله العراق لها نفوذ في سوريا أيضاً، لأنّها مشاركة إلى جانب الميليشيات الأخرى في الأزمة السورية هناك".
ويؤكد المصدر أنّ "الجماعات الخارجة عن القانون بأفعالها، تمارس أنشطة تسهم في ضرب الأمن الوطني العراقي واقتصاده وتهدّد سلمه المجتمعي"، مبيناً أنّ "شركات كثيرة لتوظيف العمّال الآسيويين في العراق، هي شركات تابعة لتلك الجماعات، وهي غير قانونية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية